التقيا فى ميدان التحرير.. لا يعرف بعضهما الآخر.. وحدتهما تلك الضربات المتتالية من قوات الأمن المركزى والشرطة العسكرية.. أحدهما يرتدى كمامة واقية ضد الغاز.. فجأة يقع الآخر على الأرض من أثر القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز.. وهدير الطلقات المطاطية.. ينزع كمامته ويضعها بسرعة على وجهه حتى يسترد أنفاسه التى كادت أن تفارق جسده.. يترنح الآخر من كثافة الغازات وشدة الأدخنة المتصاعدة.. يراه يكاد يفقد توازنه.. ينزع سريعا الكمامة ويضعها فى وجهه.. توالت عملية تبادل القناع الوحيد فيما بينهما.. كل منهما يفضل الآخر على نفسه.. يبتسمان لبعضهما رغم هول الموقف وتصاعد الأحداث.. تتعانق الأيدى فى وئام شديد وكأنهما ولدا معا.. تربيا معا.. لم يفارقا بعضهما طرفة عين.. التصق الجسدان فى حميمية.. أخذا طريقهما بعيدا عن مصدر الطلقات.. وتفاديا لمزيد من الاختناقات والإغماءات.. تنشق الأرض فجأة.. يظهر أمامهما صاحب سترة سوداء مدججا بالسلاح.. يصوبه نحوهما.. يرتمى أحدهما على الآخر يفتديه بنفسه.. فيقبل الآخر ليرتمى فى أحضانه.. يردد أحدهما "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".. ويردد الآخر " أيها الرب يسوع إقبل روحى" .. ويذهبان فى عناق أبدى .. تمتزج الدماء .. لتنبت وردة حمراء.