تفاقمت الأزمة بين النائب العام الجديد، المستشار طلعت إبراهيم، وبين أعضاء النيابة العامة، بعد الخطاب الذى وجهه لهم يطالبهم فيه بالإشراف على استفتاء الشعب على مشروع الدستور، وتضمين الخطاب عبارات تهديد ووصف الرافضين لأوامره ب"خائنى الأمانة"، ما دفع أعضاء النيابة لإصدار بيان ردًا على الخطاب وقالوا صراحة للنائب العام: "أنت غير شرعى.. ارحل" لمخالفة تعيينه قانون السلطة القضائية وطالبوه بترك منصبه فورًا، واحتدت الأزمة بعد قرار النائب العام بنقل المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام الأول لنيابات شرق القاهرة، الذى أفرج عن المتهمين فى أحداث الاتحادية، إلى نيابة استئناف بنى سويف. قال المستشار على الهوارى، رئيس استئناف القاهرة حاليًا، والمحامى العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا السابق: إن الأزمة بين المستشار طلعت إبراهيم، وأعضاء النيابة العامة لم تحدث فى تاريخ القضاء المصرى، وازداد الأمر سوءًا بعد الحكم الصادر من جنح الأزبكية برفض إحدى القضايا التى أحالها النائب العام الجديد باعتبار أنها صادر من غير ذى صفة. وأضاف الهوارى أن المستشار إبراهيم لا يستطيع إجبار أعضاء النيابة على العمل معه، وليس من سلطاته إيذاء أحد؛ لأن التفتيش القضائى هو المخول بمساءلة الأعضاء، وإن اتخذ النائب العام أى قرار مخالف للقانون ضد أحد أعضاء النيابة فسوف يلجأ العضو إلى دائرة طلبات القضاة للفصل بينهما. وعن تلميحات النائب العام فى خطابه لأعضاء النيابة العامة، الذى نص على "فمن أراد أن يمضى معنا فى هذا الطريق حتى منتهاه فليفعل، ومن قعدت به همته فلا عليه أن يختار طريقاً آخر"، قال الهوارى: إن المشكلة فى هذا الكلام تخص من لم تتخط سنه الثلاثين عاماً من أعضاء النيابة؛ لأنه لن يستطيع الذهاب إلى منصة القضاء لصغر سنه، أما من تخطاها فله أن يتقدم بطلب لمجلس القضاء الأعلى للعودة إلى المنصة. وأشار إلى أن شخصًا يكون فى مكان قيادة ويفشل فى التعاون مع مرءوسيه لم ولن يستطيع الاستمرار فى منصبه، مؤكدًا أن الجيل الجديد بصفة عامة لا يفعل أى شىء إلا عن اقتناع، وعلى النائب العام فى هذه الحالة أن يقنع أعضاء النيابة بفكره وعدله، وإن لم يستطع فمصيره "الفشل". وأكد رئيس الاستئناف أن المشكلة الأكبر ستكون فى حالة حكم دائرة طلبات القضاة فى دعوى المستشار عبدالمجيد محمود بالعودة لمنصب النائب عام؛ لأن ما يترتب على ذلك هو بطلان كل القرارات التى اتخذها المستشار طلعت إبراهيم أثناء توليه المنصب، وهذه كارثة حقيقية لم يفكر فيها أحد. وقال المستشار خالد أبوزيد، رئيس محكمة الاستئناف الحالى، ووكيل إدارة النيابات السابق: إن المستشار طلعت إبراهيم غير مقتنع بأنه جاء بطريقة غير شرعية، لذلك اعترض أعضاء النيابات على العمل معه، وتقدم العديد منهم، ممن تخطى عمره الثلاثين عاماً، بطلبات لمجلس القضاء للعودة إلى المنصة. وأضاف أبوزيد أنه تقدم فى اليوم التالى لتولى النائب العام الجديد منصبه بطلب للأعلى للقضاء حتى يعود إلى منصة القضاء ووافق المجلس، مؤكدًا أنه سبق وعمل مع 3 نواب عموم، ولو كان المستشار عبدالمجيد محمود ترك منصبه بطريقة عادية كان سيستمر لو كان النائب الجديد يريد ذلك. وأشار إلى أن ما قام به هو وزملاؤه بالعودة إلى المنصة كان اعتراضاً راقيًا على المستشار طلعت، لكنه لم يفهم الاعتراض وأصر على الاستمرار فى منصب لا يصح قانونًا وجوده به. ووصف المستشار رواد محمد فاروق، رئيس محكمة بشمال القاهرة الابتدائية، قرار النائب العام بنقل المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، لبنى سويف ب"الإرهاب" لأعضاء النيابة ومحاولة لتسييس أعضاء النيابة والقضاء لصالح الدولة. وأضاف فاروق: ما حدث "تهريج" وسابقة لم تحدث خلال فترة حكم النظام السابق، مشيرًا إلى أن إجراء الحبس من إجراءات أجهزة التحقيق، التى أكدت عدم وجود إدانة للمتهمين تستدعى حبسهم، مؤكداً عدم وجود سلطة من قبل النائب العام على وكيل النيابة أو المحامى العام. فى سياق متصل، قال عدد من أعضاء النيابة العامة، طلبوا عدم ذكر أسمائهم: إنهم يرفضون العمل مع نائب عام أتى بطريقة غير شرعية، مؤكدين أن رسالتهم هى تطبيق القانون على المخالفين دفاعاً عن الشعب وحقوقه، متسائلين: كيف سيتم ذلك فى ظل وجود نائب عام جاء على أنقاض قانون السلطة القضائية؟، قائلين: "إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص والغناء". وأضافوا أن تهديدات المستشار طلعت إبراهيم لهم للانصياع لأوامره لن تجدى معهم؛ لأن جميع قراراته مخالفة للقانون وأثبتت ذلك محكمة جنح الأزبكية والعديد من أحكام محكمة النقض، مطالبين النائب العام الجديد بترك منصبه فوراً حفاظاً على هيبة القانون. وأشاروا إلى أن نقل المستشار مصطفى خاطر من منصبه تعسفياً لن يرهبهم أو يجعلهم يتراجعون عن موقفهم، مؤكدين أن "خاطر" يعد أحد أبرز قيادات النيابة العامة فى السنوات الأخيرة الماضية، وشارك فى التحقيق فى عدد من القضايا المهمة محل اهتمام الرأى العام، آخرها القضية الرئيسية لقتل المتظاهرين السلميين أثناء ثورة 25 يناير، التى أدين على أثرها الرئيس السابق حسنى مبارك ووزير داخليته، حبيب العادلى، وقضى فيها بمعاقبتهما بالسجن المؤبد، وكذلك قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، التى صدر فيها حكم نهائى وبات بمعاقبة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا، وضابط الشرطة السابق محسن السكرى بالسجن المؤبد، مؤكدين أن غالبية أعضاء النيابة الحاليين تتلمذوا على يد هذا الرجل وغيره ممن رفضوا العمل مع نائب عام "غير شرعى"، حسب وصفهم. من جانبة قرر اعضاء نيابات شرق القاهرة إعطاء المستشار طلعت عبدالله ، مهلة 24 ساعة للتنازل عن منصبة.