صدق أو لا تصدق: أمريكا التي تجلس الآن علي ظهر"الكرة" الأرضية وتهز ساقيها.. ضباطها وجنودها كانوا "مرتزقة" في الجيش المصري.. أمريكا، التي تمارس الآن كل صنوف الغطرسة والعدوان.. ضباطها زمان، كانوا يدفعون "المعلوم" للسماسرة، من أجل أن يرحموهم من التسكع علي أرصفة "البطالة" ويمنحوهم شرف العمل في "خدمة الباشا" خديوي مصر.. وحينما كان أحد هؤلاء الضباط الأمريكان يقف في حضرة الخديوي كان يطلب أولًا ( تقبيل عتبات "مولاه" والي مصر!).. ولمن لا يصدق، ومن باب التذكرة لمن فقدوا الذاكرة أو"أمركوها".. قد يعرف بعضنا ما تسميه كتب المدارس "بالحملة" العسكرية المصرية" لفتح" السودان.. وأن هذه "الحملة" تحركت بأمر محمد علي باشا حاكم مصر وقتها من (مرسى رملة بولاق ) في 30 يونية عام 1820 بقيادة "الأمير إسماعيل" ابن محمد علي باشا، وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره.. لكن الذي لا يعرفه الكثيرون، هو أن هذه "الحملة" العسكرية كانت تضم (خمسة آلاف ومائة جندي مصري مزودين بالبنادق، والبارود، وبالبقسماط اللازم لأكل الجنود، وبالعلف والتبن لأكل البغال) بالإضافة إلي ثلاثمائة مدفعجي مزودين بأربعة وعشرين مدفعًا، يقودهم ضابط "أمريكي" مرتزق اسمه: (جورج بيثون انجليش).. وبحجة صعوبة نطق الاسم وطوله، تخلي الضابط الأمريكي عن اسمه مثلما تخلى عن بلاده، وأطلق علي نفسه اسم "طوبجي" باشا.. وقد يعرف بعضنا أن كلمة "طوبجي" في اللغة التركية تعني "مدفعجي".. لكن الذي لا يعرفه معظمنا هو أن هذا الطوبجي الأمريكي "المرتزق" أصدر كتابًا نادرًا وقديمًا جدًا طبعه في لندن سنة 1822، أي منذ (190) عامًا بالضبط، واختار له عنوانًا طويلًا، وركيكًا، وصريحًا أيضًا في نفاقه، هو بالحرف: (سير الحملة المصرية إلي دنقلة وسنار تحت قيادة صاحب السعادة إسماعيل باشا بأمر صاحب السمو محمد علي باشا والي مصر.. بقلم: ضابط أمريكي في خدمة الباشا) هكذا نصًا.. أما ذكر اسم هذا الضابط علي غلاف الكتاب فيبدو أنه لم يكن يهمه، بقدر ما كان يهمه أن يذكر علي غلاف كتابه أنه (ضابط أمريكي في خدمة الباشا والي مصر) وطبعًا ليس من اللائق أن يضع الخادم اسمه بجوار اسم "سيده".. لهذا لم يذكر الضابط الأمريكي اسمه إلا علي الغلاف الداخلي لكتابه.. إلي هذا الحد كان "تأدب" الأمريكان ونفاقهم لنا في ذلك العصر.. متي بالضبط؟! حينما كان الأمريكان (خدمًا ومرتزقة) عند حاكم مصر.. وليس العكس!!