تحول حلف الأطلسي، الناتو، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى منظمة سياسية أكثر منها عسكرية، وسينقل الناتو خلال اشهر مقره الى بروكسل، وتسعى قبادات الحلف الى اطلاق صورة جديدة لسمعة الحلف ومهامه، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط على ضوء التهديدات الإرهابية والتحديات الأمنية التي تفرض على دول حلف شمال الأطلسي، عبر التعاون وتوثيق الصلة بدول الشرق الأوسط. وعقدت ورشة عمل حضرها 25 إعلاميا مصريا على مدار ثلاثة أيام في بروكسل، واختتمت أعمالها، أمس الجمعة، بهدف توضيح مفاهيم تتعلق بمهام الحلف ومؤسساته العلمية والبحثية، وركزت أعمال الورشة على مهمة الحلف في ليبيا، حيث أولى المسؤولون اهتماما بالحديث عن العملية الوحيدة للحلف في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، وهي العملية العسكرية التي تمت في ليبيا لإسقاط نظام القذافي عام 2011، مؤكدين أن الناتو كمنظمة لن يسمح بمزيد من العمليات العسكرية في ليبيا، ولا يمكن أن يتدخل من جديد، إلا إذا توافرت الظروف القانونية التي تسمح ل28 دولة أعضاء بالمشاركة، وموافقة جميع الأعضاء على القيام بمهمة جديدة، وأن تكون هناك أهمية للمشاركة، بمعنى عدم التضارب مع لاعبين آخرين "يقومون بمهمات مشابهة في ليبيا"، كما يلزم التقيد بعدم التدخل في أعمال السيادة والأمن الوطني لدول أخرى. وتأسس حلف شمال الأطلسي، النتو، عام 1949 ردا على تجمع القوات السوفييتية في منطقة شرق أوروبا تحت اسم حلف وارسو، والهدف الأساسي للناتو، وفق ما جاء في الموقع التعريفي بالحلف، في حماية حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية، يلتزم حلف شمال الأطلسي بالسعي إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، وفي حالة فشل الجهود الدبلوماسية، يمتلك الحلف القدرة العسكرية لخوض عمليات إدارة الأزمات، وذلك بموجب المادة الخامسة من معاهدة واشنطن، والتي تم تأسيس الحلف بموجبها، أو بتفويض من الأممالمتحدة، في إطار منفرد، أو بالتعاون مع دول ومنظمات دولية، ويبلغ عدد قوات الحلف المنتشرة في العالم 135 الف جندي، منهم 126الف في أفغانستان وحدها، و7الاف في كوسوفو، و170جندي في العراق لتدريب قواته الأمنية. خريطة للدول الأعضاء بالناتو خريطة للدول الأعضاء بالناتو وأكد قيادي في الحلف إن الناتو لم يتدخل في أي دولة إلا وكان معه طرف آخر، أي حلفاء غير منتمين للمنظمة، لتوفير المستوى الإستراتيجي والتكتيكي المطلوب، مشيرا إلى أن مشاركته في العمليات العسكرية في ليبيا تمت، بموافقة الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، مشددا على أن الحلف يتدخل لحل الأزمات فقط وجلب الاستقرار بمساعدة المجتمع الدولي. ونفى أن يكون الحلف أداة في يد الولاياتالمتحدة، لأن أي قرارات تصدر بالإجماع وليس بالأغلبية، لذا فالوصول إلى قرار موحد من جميع الأعضاء ليس بالعملية السهلة، ويرى أن العملية العسكرية في ليبيا تمت بنجاح وحققت أهدافها، لكن كان يجب على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره بعد العملية، ويسعى إلى تحسين البيئة السياسية في البلاد، متهما الليبيين أنفسهم ب"التقاعس عن التعاون مع الحلف، وعدم السعي لطلب المساعدة من المجتمع الدولي" ويرى أن هذا هو السبب وراء ما حققته بعض القوى الإقليمية من مكاسب خاصة بها، على حساب تدمير ليبيا من الداخل". وانتقد مصدر آخر في حلف الناتو ما وصفه بالتناقض في أن يطالب البعض بالتدخل لحل الأزمة الليبية، ومن ناحية أخرى ينتقد العملية التي قام بها الحلف هناك، قائلا "ذهبنا في 2011 على أسس قانونية ومطالبات عربية، وبسرعة استطاع الحلف أن يفرض حظر الطيران ويحمي المدنيين"، موضحا أن الناتو بعد العملية لم تقدّم له أي مطالب، سواء من الليبيين أو من العرب بالمساعدة، مشيرا الى أنه لا بد أن يكون هناك طلبا صريحا للمساعدة في أي مجال "والليبيون كانوا يرون أنهم غير محتاجين، ثم تطور الوضع الأمني في البلاد، بما لا يسمح أن يقدم أحد هذه المطالب، كما أن أطرافا أخرى كانت موجودة قد يتضارب ما تقوم به مع ما يمكن أن يقوم به الناتو"، موضحا إنه "إذا قدم المسؤولون الليبيون طلبات بالمساعدة، فالناتو على استعداد للقيام بهذه المهمة، لكن الحلف لا يملك شرعية التدخل في الوقت الحالي، بعد أن تطورت الأوضاع وتدهور الأمن في ليبيا". وأوضح قائلا "نريد التدخل وفقا للقانون، وبشرط حدوث اتفاق على بناء مؤسسات ليبيا من جديد"، مشددا على أ،ه في سبيل تحسين الأوضاع في ليبيا "لا بد أن تتحمل المسؤولية أيضا دول المنطقة، وتدعم وساطة الأممالمتحدة"، مضيفا، "ليبيا ضحية لتضارب المصالح بين العديد من الدول، ونحن مسؤولون عن دعم الحوار الذي يتبناه المبعوث الأممي برناردينو ليون ويحاول أن يوجده، بعد أن انتشر الإرهاب، وحدث فراغ في القوى، استغله تنظيم داعش". وفي ذات السياق، اعترف قيادي آخر ب"عدم وجود خطط كافية من قبل الحلف لفترة ما بعد العمليات في ليبيا، على الرغم من أن ما حققه الحلف هناك يعتبر نجاحا كبيرا، حيث أسقط نظام القذافي، لكن لم يتم تحديد وظيفة ومهمة محددتين للحلف للقيام بهما بعد العمليات العسكرية، وبالتالي لم يكن هناك تخطيط كامل لوقف تدفق الأسلحة، مطالبا بأن يتم التعامل مع الأزمة الليبية على مستوى أممي، حيث يستطيع الناتو المشاركة مجددا، إذا طلب منه ذلك". وحول تسهيل تركيا عمليات عبور الإرهابيين من دول مختلفة إلى الأراضي السورية والعراقية، رفض مسؤولو الحلف توجيه أي اتهامات ل"أنقرة" مؤكدين على أن تركيا وكل أعضاء الحلف يعملون من أجل استقرار المنطقة، لكن اعترفوا ضمنيا بأن تركيا لا تستطيع ضبط الحدود، وهناك من يهرب أو يعبر الحدود سرّا. ولفت قيادي آخر بالحلف إلى أن "الناتو لا يتدخل بشكل مباشر في محاربة داعش ومكافحة الإرهاب، لأن هناك دولا أكثر خبرة بهذه الجماعات، وإن لم ينف دعم الحكومات في إطار طلب تدخل مباشر من قبل مجلس الأمن الدولي، كما يتم تبادل المعلومات المخابراتية التي تتعلق بالإرهابيين مع كل الدول، سواء أعضاء الحلف أو خارجه، وشدد على أن الحلف يرفض التدخل في العراق لمواجهة داعش، بسبب وجود ائتلاف دولي يقوم بهذه المهمة تقوده الولاياتالمتحدة، مشيرا إلى أن أعضاء الحلف يشاركون في التحالف، لكن ليس تحت مظلته الرسمية، موضحا ان ما يمكن للحف في العراق يتلخص فقط في "مساعدته على بناء قدراته الدفاعية، من خلال تقديم دورات تدريبية للقوات العراقية، والمشورة الفنية، حتى يعود العراق إلى وضعه الطبيعي"، واضاف أن استخدام القوة العسكرية وحدها "لا يمكن أن يحل المشكلة، والحل في يد الدول التي لديها القدرة وتسيطر على الشباب وتحافظ على أفكارهم، حيث تجنّبهم الاتجاه إلى التطرف". وعن دور الناتو من الارهاب اوضح قيادي آخر أن دور الناتو ينحصر في"تقديم المشورة، دون الذهاب إلى ساحة القتال"، وقال إن قوات "درع المحيط" متواجدة في البحر المتوسط لحماية الدول الأعضاء في الحلف، إذا تعرضت للخطر من قبل الجماعات الإرهابية، كما أن هذه القوات تساهم في قطع الإمدادات عن داعش. وقال مسؤول قسم التحديات الأمنية الطارئة في الناتو، أن طالإرهاب أصبح وباء ولعنة، وينتشر في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ما يمثل تحديا كبيرا أيضا لأوروبا، بحكم القرب الجغرافي وموجات الهجرة غير الشرعية ومخاطر عودة الإرهابيين في داعش إلى الأراضي الأوروبية، وأصبح الإرهاب في المنطقة هما كبيرا للمواطنين في الشرق الأوسط، وللوكالات العاملة في حفظ السلام والأمن". ورحب مسؤولون في الحلف بتأسيس القوة العربية المشتركة، وقالوا إن "التنسيق والجهد المشترك كانا غائبين في كثير من القضايا، وعزوا ذلك إلى اختلاف اهتمامات ومصالح الدول العربية"، وأوضحوا أن تأسيس مثل هذه القوة "بداية ومؤشر جيد على أن دول المنطقة باتت تتحمل مسؤولياتها تجاه أمن المنطقة، والحفاظ على السلم والأمن". وحول القضية الفلسطينية، أكد قادة الحلف على أهمية حلها لضمان السلم والأمن في المنطقة، لكنهم أوضحوا أن هذا لا يعني أن الحلف لديه القدرة على إحلال السلام في كل مناطق العالم، خاصة أن القضية الفلسطينية من المشكلات التي ينظر إليها الحلف باعتبارها مشكلة طويلة الأجل، وليس لديهم تفويضا أمميا للتدخل في هذه القضية، ولم يطلب منهم الفلسطينيون القيام بدور مباشر في حل هذه القضية.