مجاذيب السيسى أسقطوا تهيؤاتهم الخرافية على نص كتاب "كلينتون" واعتمدوا على التزوير والتضليل مبارك الذى دعم السلام والتعاون مع إسرائيل وطارد الإرهابيين كان متسلطا يترأس نظاما فاسدا دعوة عمرو موسى لحظر الطيران كانت وسيلته لحشد تأييد القوى الثورية التى ساهمت فى طرد مبارك ساركوزى كان أعلى الداعين للتدخل العسكرى الدولى فى ليبيا لإعادة تأكيد دور فرنسا كقوة دولية كبيرة ربما لم يتعرض كتاب مذكرات للتشوية قدر ما عاناه كتاب هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة فى مصر، وبعض البلدان العربية، فقد أسقط كثيرون من مجاذيب السياسة تهيؤاتهم الخرافية وتهويماتهم الرغبية على نص الكتاب فى عمليات تزوير فج وتضليل تعدت كل الحدود، ويدل هذا على الشعور المبالغ فيه أحيانا بأهمية السياسات الأمريكية فى مجرى الأحداث فى المنطقة العربية، حتى يرغب كل طرف عربى بتأييد موقفه بنطق من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ولو بالزور. حتى لا يخدعكم أحد من معاتيه السيسى أو إعلام العهر المُدار من المكاتب العسكرية حول ماتضمنته مذكرات هيلارى كلينتون من هراء مختلق مثل تحرك الأسطول السادس نحو مصر وتصدى البحرية المصرية له وأسر القوات المسلحة المصرية لقائد الأسطول الأمريكى؛ فيما يلى، حرفيا وبالصفحات، ما قالته هيلارى كلينتون فى مذكراتها حول المنطقة العربية من كتابها "خيارات صعبة" المنشور فى 2014. أبدأ بما قالته حول أحداث منتصف يولية 2013 وما تلاها فى مصر الذى تعرض لأشد جرائم التزوير تخريفا، مقتطف من الصفحات 1296 وما بعدها، وفيما يلى ترجمتى لنص ما ذكرته هيلارى كلينتون، وهو فيما أرى كلام متزن ويعبر عن الحقيقة إلى حد كبير. "فى يولية 2013 تظاهر ملايين المصريين مرة أخرى ضد تجاوزات حكومة مرسى، وتدخل العسكريون تحت خليفة طنطاوى، اللواء عبد الفتاح السيسى، بقمع سافر للإخوان المسلمين. وفى 2014، لا تبدو فرص الديمقراطية فى مصر مشرقة، السيسى يترشح للرئاسة فى مواجهة معارضة رمزية ويبدو أنه يتبع النمط الكلاسيكى لرجل قوى (دكتاتور) من الشرق الأوسط، إن كثرة من المصريين تبدو مرهقة من الفوضى وراغبة فى العودة إلى الاستقرار، ولكن ليس من مبرر قوى لتوقع أن الحكم العسكرى سيكون أكثر قابلية للاستمرار عما كان عليه تحت مبارك، فلكى يتحقق هذا يتعين أن يكون الحكم شاملا للجميع، ومسئولا أكثر عن تلبية حاجات الناس، ويوما ما أكثر ديمقراطية. فى النهاية، محك اختبار تطور مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط سيكون ما إذا تمكنوا من إقامة مؤسسات ديمقراطية ذات مصداقية تصون حقوق كل مواطن، بينما تضمن الأمان والاستقرار فى مواجهة العداءات التقليدية عبر العقائد والفوارق الإثنية والاقتصادية والجغرافية، ولن يكون هذا سهلا كما أظهر التاريخ الحديث، غير أن البديل هو أن نرى المنطقة تغرز أعمق فى الرمال." أما عن الموقف الأمريكى من الانتفاضات الشعبية ضد الحكم التسلطى فى المنطقة العربية بوجه عام، ومصر على رأسها خاصة، فقد قالت: "فى 2005، زارت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مصر وقدمت اعترافا جديرا بالملاحظة: لأطول من نصف قرن، اختارت الولاياتالمتحدة الحرص على الاستقرار على حساب الديمقراطية، ولم تحقق أيهما، ولا يجوز أن يستمر هذا الوضع". وبعد ذلك بأربع سنوات طالب الرئيس أوباما أيضا بالديمقراطية فى خطابه المهم فى (جامعة) القاهرة.. وفى مطالع 2011 كان معظم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زال حبيس الركود السياسى والاقتصادى، فقد حُكمت بلدان كثيرة لعقود تحت الأحكام العرفية، واستشرى عبر المنطقة الفساد على جميع المستويات، خاصة فى القمة، وكانت الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدنى إما غير موجودة أو مُضيّق عليها بإحكام. وكانت النظم القضائية أبعد ما يكون عن الإنصاف أو الاستقلال والانتخابات، عندما أجريت، كانت غالبا ما تزور، وقد أبرِزت هذه الحالة التعسة فى نوفمبر 2010، عندما أجريت فى مصر انتخابات برلمانية معيبة قضت تقريبا على المعارضة السياسية الشكلية. وكانت دراسة فارقة قام بها باحثون بارزون من الشرق الأوسط، ونشرها فى العام 2002 برنامج الأممالمتحدة الإنمائى، كاشفة بقدر ما كانت داعية إلى القلق، فقد رسم تقرير التنمية الإنسانية العربية لوحة صادمة لمنطقة تتداعى." "إن مناصرة الديمقراطية وحقوق الإنسان ظلت فى قلب قيادتنا للعالم لأطول من نصف قرن، ومع ذلك كنا قد تغاضينا عن هذه القيم من وقت لآخر لنخدم مصالحنا الأمنية والاستراتيجية، بما فى ذلك تأييد طغاة مناهضين للشيوعية إبان الحرب الباردة. لكن لم يعد ممكنا المحافظة على هذه الاعتبارات فى مواجهة الشعب المصرى، وهو يطالب بالحقوق والفرص التى طالما قلنا أنهم وجميع الشعوب يستحقونها، فبينما كان يمكن قبل ذلك التركيز على مبارك الذى دعم السلام والتعاون مع إسرائيل، وطارد الإرهابيين؛ أصبح مستحيلا الآن تجاهل حقيقة أنه كان أيضا متسلطا غليظ القبضة يترأس نظاما فاسدا ومتحجرا. ومع ذلك بقيت مصالح الأمن القومى، التى دعت كل إدارة أمريكية سابقة لإقامة علاقات وثيقة مع مبارك، أولويات ملحّة. إيران كانت مازالت تحاول بناء ترسانة نووية، وكانت القاعدة تخطط لهجمات جديدة، وقناة السويس تبقى ممرا ملاحيا حيويا للتجارة الدولية، وأمن إسرائيل مازال ضروريا كما كان دائما." (الصفحات 1225-1295) هذا إذن كان، موضوعيا، مأزق الإدارة الأمريكية فى التعامل مع الانتفاضات الشعبية للمد التحررى العربى الذى بدأ فى نهايات العام 2010، والذى اعترفت به هيلارى كلينتون بصراحة تدعو إلى الإعجاب.
لكن المذكرات تلقى أضواء كاشفة على حالة ليبيا المثارة حاليا فى ضوء تحرق الحكم العسكرى الراهن للتدخل فى البلد الشقيق، فى فصل، رقم 16، تحت عنوان "ليبيا، جميع الإجراءات اللازمة"، توضح السيدة ما يلى. أن "محمود جبريل"، أول رئيس وزراء لليبيا بعد إسقاط القذافى، كان على اتصال مباشر مع الإدارة الأمريكية منذ منتصف مارس 2011، حيث تذكر تفاصيل حضوره للقائها فى فندقها بباريس فى 14 مارس "ممثلا للمحاربين ضد قوات القذافى"، وأن الرئيس الفرنسى حينئذ، نيقولا ساركوزى كان "يحثّ الولاياتالمتحدة لتأييد التدخل العسكرى الدولى لوقف تقدم قوات القذافى نحو معقل المتمردين فى بنغازى فى شرق ليبيا"، وكانت كلينتون قد أعلنت فى مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان فى نهاية فبراير أن: "القذافى قد فقد الشرعية ليحكم، وأن شعب ليبيا قد أفصح عن أن الوقت قد حان ليذهب القذافى- الآن- ومن دون أى عنف أو تأخير إضافى"، وفى تذكير بنقائص القذافى عددت المشكلات التى خلقها مع جيرانه من الدول العربية، موضحة أنه "قد خطط لإغتيال ملك السعودية". وبينما كان الإدارة الأمريكية مترددة فى التدخل عسكريا فى ليبيا، تقدمت جامعة الدول العربية فى 12 مارس بمبادرة أدت إلى تغيير الحسابات الأمريكية، حيث: "صوتت الجامعة العربية لأن تطلب أن يفرض مجلس الأمن الدولى منطقة حظر طيران فوق ليبيا، وكانت الجامعة قد علقّت عضوية حكومة القافى قبل ذلك، واعترفت بمجلس المتمردين باعتباره الممثل الشرعى للشعب الليبى" "وكان أحد المحركين الأساسيين لقرارات الجامعة هو "الدبلوماسى المصرى عمرو موسى، الذى كان يشغل منصب أمين جامعة الدول العربية، وكان يتطلع لخوض لانتخابات الرئاسية فى مصر، وكانت دعوته لحظر الطيران وسيلته لحشد تأييد القوى الثورية، التى ساهمت فى طرد مبارك لترشحه، وتماشت ملكيات الخليج مع الدعوة لتظهر لشعوبها المتململة أنهم مع التغيير فى المنطقة". وتضيف: "إن كان العرب راغبون فى قيادة التحرك، فلربما لم يعد التدخل الدولى مستحيلا"! وتوضح ذبعد لك دورا فاعلا عربيا آخر، عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات حينئذ (تشير إليه كلينتون بالحروف الإنجليزية ABZ)، والذى تصفه بأنه كان "لاعبا قويا فى جامعة الدول العربية من وراء أستار"، "وتقابلنا فى فندقى وألحفت عليه أن يحدد لى إلى أى مدى يذهب الالتزام العربى. هل كانوا على استعداد لرؤية طائرات أجنبية تلقى القنابل على ليبيا؟ والأهم، هل كانوا على استعداد لقيادة بعض هذه الطائرات بأنفسهم؟" "ومن جانب الإمارات على الأقل، جاءت الإجابة على السؤالين، بنعم تثير الدهشة"، و"كان الأوربيون أكثر اندفاعا، فقد أشبع ساركوزى أسماعى عن التدخل العسكرى الدولى"، وقد كان ساركوزى واقعا تحت تأثير المثقف الفرنسى برنار- هنرى ليفى، الذى ركب شاحنة نقل خضروات عبر الحدود المصرية، ليتابع الأحداث فى ليبيا"، وليفى هذا بالمناسبة يحمل جنسية إسرائيل وخدم فى جيشها ومشهور عنه محاولة التدخل فى سوريا من خلال تنظيم لقاءات فى باريس، كما شوهد فى ميدان التحرير بالقاهرة، خلال أحداث يناير 2011. وتعود كلينتون للواقعة التى بدأت الفصل بها قائلة: "وفى النهاية وصل جبريل إلى (فندقى) وستن باريس حول العاشرة مساء بصحبة برنار-هنرى ليفى، الذى ساهم فى ترتيب اللقاء". وتؤكد كلينتون على دور أمين جامعة الدول العربية حينئذ فى استحثاث التدخل العسكرى الدولى: "وصباح 15 مارس سافرت من باريس إلى القاهرة لمقابلة عمرو موسى، وللتأكيد عليه بضرورة أن تخرج الجامعة العربية بتشجيع قوى للتدخل العسكرى وللمشاركة فيه، فقد كان من الضرورى لكى تنجح أن تبدو هذه السياسة مدفوعة بجيران ليبيا، وليس الغرب". و"أكد لى (عمرو) موسى أن قطروالإمارات على استعداد لإتاحة طائرات وطيارين للمهمة، وهى خطوة مهمة للتقدم، وبعدها أبدت الأردن استعدادها للمشاركة أيضا، وكنت أعلم أن هذا الدعم العربى سييسر إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولى المترددين فى نيويورك". "وكان ساركوزى متحرقا لقيادة العمل وكان أعلى الداعين للتدخل العسكرى الدولى صوتا، فقد كان يرى فيه فرصة لإعادة تأكيد دور فرنسا كقوة دولية كبيرة". ولكن قرب 20 مارس انتقدت الولاياتالمتحدة تدخل مجلس التعاون الخليجى العسكرى فى البحرين، مما أغضب الدول العربية الخليجية وهدد وزير خارجية الإمارات بالانسحاب من عملية ليبيا. إلا أن "الرئيسى الفرنسى ساركوزى (قبل قرار مجلس الأمن وعلى هامش اجتماع للدول الغربية فى باريس) انتحى برئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون جانبا وأسر له أن الطائرات الحربية الفرنسية كانت فعلا فى طريقها لقصف ليبيا"... ما أغضب رئيس الوزارء الإيطالى برليسكونى الذى كان يرغب فى أن تقود بلده التدخل العسكرى باعتبارها قوة الاحتلال السابقة". أظن أن القراءة المتمعنة لهذه الفقرات من المذكرات عن التدخل العسكرى الغربى فى ليبيا لإسقاط القذافى تلقى بعض الضوء الكاشف على موقف مصر الرسمية من التدخل العسكرى فى ليبيا بدعوى مكافحة الإرهاب، الآن. من العدد المطبوع من العدد المطبوع