في أسبوع الأخير شاهدت مجموعة من الافلام الامريكية التي تندرج تحت وصف الكوميديا الإجتماعية الخفيفة، وهي أفلام يلعب بطولتها نجوم لهم ثقل ومكانة في شباك التذاكر، وبعضهم تم ترشيحه للأوسكار أو الجولدن جلوب، أو الاثنين معا، تلك مقدمة ضرورية قبل الدخول في الموضوع الذي يخص السينما المصرية، التي لاتعرف الآن هذا اللون من الأفلام!فالكوميديا عندنا إما وصلة من التهريج "البايخ"، يقدمها بعض المهرجين الذين يطلقون علي أنفسهم نجوم كوميديا، وإما أفلام "ثقيله"تعالج قضايا آنية، أي قضايا مطروحة الآن علي الساحة، مثل: العشوائيات، العنوسة، فساد رجال الأعمال، البطالة، التطبيع مع العدو الاسرائيلي وغيرها، حتي اعتقد البعض أن قيمة الفيلم، أو أهمية تقاس بأهمية القضية التي يطرحها!وهو قول عار من الحقيقة، ويحول فن السينما إلي نوع من الصحافة اليومية، أو برامج التوك شو!! وفكرة أن يقوم الممثل النجم بأداء بطولة فيلم كوميدي خفيف اصبحت بعيدة تماما عن اهتماماته، لان كل واحد من هؤلاء أصبح يتباهي بالقضية التي يعالجها في فيلمه، حتي أن السؤال الاول الذي يطرحه أي صحفي أو مذيع علي نجم ما أو نجمة "إيه القضية اللي بتعالجها في فيلمك"؟ غياب تام لمعني السينما كوسيلة للترفيه، وللترويح عن النفوس المتعبة، قد يكون لفن السينما أدوار أخري لكن يظل دورها الاول هو الترفيه الراقي، عن الجماهير، وماتقوليش إن الناس بتروح السينما عشان تتثقف، أو تستمع لمواعظ أو تتابع قضايا المجتمع، لان في الوقت الذي تعاملنا فيه مع السينما، بمفهوم يبعد بها عن هدفها الاساسي، خسرنا الجمهور، وجعلناه يرتمي تماما في أحضان ملاعب الكرة أو يجلس ساعات طويلة أمام التليفزيون ليتابع مسلسلات رديئة تزيده تخلفا وبعدا عن الفن بمعناه الصحيح! عندما كان الجمهور أكثر وعيا والنجوم أكثر إدراكا لقيمة السينما كفن للترفيه والترويح وإنقاذ النفوس مما علا بها من صدأ نتيجة مشاكل وهموم الحياة اليومية، كنا ننتج أفلاما مثل «إشاعة حب» بطولة عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي، «يوم من عمري» بطولة عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت، و«صراع في النيل» و«إنت حبيبي» و«صغيرة علي الحب» و«لصوص لكن ظرفاء» و«أضواء المدينة» و«أجازة نص السنة» وعشرات من الافلام البديعة، التي أصبحت ذخيرة وتراث نعيش عليهما حتي الآن، ويتابعه الجيل الجديد بكثيرمن الدهشة والانبهار! كلام ببغاوات سمعت من أحد نجوم السينما الشباب رأيا يؤكد فيه أنه لن يخرج من بيته ليقدم فيلما عاديا!!ولما سألته عن مفهوم الفيلم العادي من وجهة نظره، فقال لي بثقة الجاهل: إنه الفيلم الذي لايطرح قضية، تهم الناس! وعدت وسألته، وتفتكر ايه القضية اللي بيطرحها فيلم لعبة الست؟؟ أو غزل البنات، أو الزوجة 13 أوحتي فيلم ابن حميدو وسكر هانم؟؟ وهي أفلام كوميديا اجتماعية عاشت معنا لأكثر من خمسين سنة بعضها من بطولة نجوم في حجم رشدي أباظة وأحمد مظهر وعمر الشريف وكمال الشناوي، اللي الواحد منهم يفصل ميه من نجوم اليومين دول في الموهبة والثقافة وقوة التأثير!طبعا لم يستطع النجم الشاب الرد، واكتفي بترديد شوية كلام، حفظه كالببغاء بدون وعي ولافهم، ولكنه يعطي نموذجا لما يدور في عقل شباب السينما المصرية التي تخطت حدود الأزمة ووصلت الي الكارثة التي تهدد بالقضاء عليها! صائد الجوائز شاهدت مؤخرا الفيلم الامريكي "صائد الجوائز"the bounty hunter ، بطولة جيرارد باتلر بطل فيلم 300 إسبرطي، الحقيقة القبيحة، وافلام أخري كسرت الدنيا في شباك التذاكر، وتشاركه البطولة جينيفر أنستون، وهو فيلم كوميدي خفيف، لايحمل أي مضمون، أو هدف غير أنه يمنح المتفرج حالة من البهجة تستمر تسعين دقيقة، وتدور أحداثه حول رجل شرطة سابق يعمل في تنفيذ الأحكام، أي القبض علي الاشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس، ويتقاضي مكافأة مالية علي كل مجرم يقبض عليه ويسلمه للعدالة لتنفيذ عقوبة الحبس، ونتابعه في بداية الفيلم وهو ينقض علي امرأة شابة "جنيفر أنستون"، ويحملها ويضعها في شنطة العربية، حتي لاتهرب منه، ولكنها تنجح في خداعه والفرار منه فيتعقبها، ونعرف بعد ذلك أن تلك المرأة هي زوجته التي انفصل عنها، لخلاف بينهما، والآن أصبح عليه أن يقبض عليها بعد أن صدر ضدها حكم بالحبس لانها كسرت إشارة مرور وهربت من ضابط الشرطة الذي كان يطاردها، وارتكبت عدة مخالفات نتيجة السرعة، حيث إنها صحفية تسعي دائما أن تسبق غيرها من المنافسين في هذا المجال، وهو الأمر الذي أفسد علاقتها الزوجية وجعلها لاتلتفت الي الخصائص النبيلة التي يتمتع بها زوجها "جيرارد باتلر"، ولكن عملية المطاردة المستمرة بينهما، والقبض عليها ثم فرارها منه التي تتكرر بأشكال مختلفة طوال الفيلم، تمنحهما فرصة اكتشاف مدي احتياج كل منهما للآخر، ولانه حريص جدا علي أن يتم عمله بالشكل المناسب، فهو يصر علي أن يقبض عليها ويسلمها لإدارة السجن، ولكنه يفعل ذلك ويخرج من قسم الشرطة ليضرب أول شخص يلتقي به، حتي يضمن أن يتم الحكم عليه بالسجن هو الآخر حتي لايتركها تقضي فترة العقوبة بمفردها!! أحداث الفيلم متوقعة، وأنت تعرف من البداية أن الفيلم لن يضع كلمة النهاية قبل أن يعود الزوجان لاستئناف حياتهما الزوجية بعد طول خصام، ولكن معرفة فكرة الفيلم لاتقلل مطلقا من فرصة الاستمتاع به، فالأفلام لاتعتمد علي الحدوتة فقط، لكن علي طريقة سردها، وعلي عناصر سينمائية كثيرة منها أداء النجوم ومهارة المخرج والموسيقي والتصوير وجميع العناصر السينمائية التي تجعل فيلما ما يتفوق علي آخر، حتي لو تشابه الموضوع الذي يطرحه كل منهما، أما فيلم "leap year " أو عام الفرصة" وهي ترجمة غير دقيقة، فهو من بطولة ماثيو جوود، وإيمي آدمز التي تم ترشيحها العام الماضي للأوسكار عن فيلم "الشك" الذي شاركتها بطولته ميريل ستريب، وإيمي آدمز واحدة من نجمات السينما الامريكية التي تزداد قيمتها من عام لآخر وهي تتمتع بوجه جميل شديد الجاذبية، وأداء عفوي بسيط. حدوتة طريفة أما فيلم «عام الفرصة» فهو يدور حول حدوتة شديدة الطرافة عن فتاة جميلة، وشديدة البراءة، ترتبط بصداقة دامت أربعة سنوات مع جراح قلوب، شاب لم يفكر في الزواج بها، ويحدث ان يسافر هذا الطبيب الجراح الي أيرلندا، لإجراء جراحة هناك، ولان هناك اعتقادا ما يؤمن به أهل ايرلندا أن كل اربع سنوات يأتي عام يصبح علي الفتيات أن يطلبن الرجال للزواج وليس العكس، فإن الفتاة" آن برادي"أو إيمي آدمز تقرر أن تسافر لأيرلندا لتعرض الزواج علي حبيبها، ولكن خلال الرحلة تتعرف علي شاب أيرلندي يعرض عليها أن يوصلها للبلدة التي يقع فيها المستشفي الذي يعمل فيه الطبيب الجراح، ويحدث اثناء الرحلة الكثير من المغامرات والمشاكل الطريفة التي تقرب بين الفتاة والشاب الايرلندي، وتجعل كل منهما يشعر ان الآخر هو الشخص المناسب الذي كان يبحث عنه، طبعا يمكنك من البداية أن تعرف كيف ستنتهي الأحداث، ولكن هذا ليس ذكاء منك ولاعيبا في الفيلم، فمنذ بداية السينما يعني منذ مائة عام والجمهور يعرف أن أفلام الكوميدي الخفيفة تنتهي حتما بزواج البطل والبطلة، ومع ذلك فنحن نتابع تلك الافلام للاستمتاع بطريقة السرد السينمائية"السيناريو"، التي تعتبر أهم من الحدوتة ذاتها! وهي أمور تجاهلناها كثيرا في السينما المصرية التي خلت في السنوات الاخيرة من الافلام الخفيفة التي كانت تمثل عامل جذب للمشاهد، واصبح كل مخرج أو نجم شاب "مصري" يتباهي بتقديم فيلم يطرح قضية حياتية عويصة، ونظرا لان طرح القضايا باسلوب مباشر يتنافي مع ابسط قواعد الفن، فإن كثيراً من تلك الافلام تسقط سقوطاً مدوياً، دون أن يسمي عليها أحد، وتكون النتيجة إننا مش عارفين نقدم افلاما مثيرة للبهجة، والأفلام تطرح قضايا دون أن تقع في فخ المباشرة، وتفتقد لابسط قواعد وعناصر الجذب السينمائي! معظم نجومنا ومخرجينا في حاجة لإعادة تأهيل ودراسة لمعني السينما، حتي نتمكن من الخروج من الأزمة هذا إذا كان في النية البحث عن مخرج!