يفتتح المرشد العام اجتماعه بتاريخ 3فبراير 2010م، والمنشور في مجلة المصور عدد مارس الجاري،بالتذكرة بحديث النبي صلي الله عليه وسلم" لن تدخلوا الجنة حتي تحابوا أو لا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم... أفشوا السلام بينكم" ثم يعلق المرشد العام علي الحديث النبوي لكي يمنحه توجهاته الخاصة، ومستواه الدلالي الخطابي المطلوب للإخوان فيقول:" وإفشاء السلام غير كثرة السلام إذ فيه استقرار السلام في نفوس أفراد الأمة ليصبح المناخ العام للأمة كله سلاماً وطمأنينة، وهذا الأمر يحتاج مجاهدة الأخ لنفسه ليتحلي بهذه الصفة"، الحديث النبوي صريح ومباشر يهدف مستواه الدلالي الوحيد المتراكم عبر التراث التفسيري للأحاديث النبوية الشريفة إلي السلام كسبيل لدخول الجنة، ولو كان المرشد العام توقف عند نفس المستوي الدلالي للحديث النبوي المباشر لكان معيداً توظيفه بما يخدم خطابه السياسي المستتر بحجب الجنة عمن لا يفشي السلام علي طريقة الإخوان المسلمين، ولكن المرشد العام رأي أن يضيف للحديث النبوي الشريف من توجهاته، فقام بالتفرقة بين إفشاء السلام، وكثرة السلام؟! دون تقديم مبررات لغوية، أو فقهية، فبدي خطابه، وتأويله للحديث النبوي كما لو كان موجهاً لمواجهة خطاب آخر يعلم المرشد فقط ما بين سطوره، فقد افترض علي الجانب الآخر أن دعاوي السلام في المجتمع لن تدخل أصحابها الجنة لأنها تعتمد علي كثرة السلام؟! أما إفشاء السلام بمعرفة الإخوان هو الذي سيدخل الجنة، وهنا تكون الإحالة إلي العالم الآخر، بينما الهدف من السلام في المجتمعات يجب أن يلمس نتائجه الشعوب في الحياة الدنيا، ولكن مرشد الإخوان بلغ من شمول دعواه مسئوليته عن السلام في الحياة الدنيا وفي الآخرة تاريخ شعارات الإخوان يتجنب الإخوان المسلمون دائماً التدخل المباشر في قضايا المجتمع بإبداء رأيهم الصريح فيها، واقتراح الحلول لها، وذلك لأنهم دائماً يبحثون عن اللحظة المتحينة لتقديم عروض معينة، يتفاوضون عليها لكسب أرض جديدة، وهذا دأبهم منذ أن كانوا متحالفين مع افسد الوزارات في تاريخ مصر، وزارة"إسماعيل صدقي"(18751950م) ومع الملك في نفس الوقت، فقط من أجل التحالف ضد حزب الوفد، فنراهم يبلغون من الدعاية المفرطة لوزارة "إسماعيل صدقي"(من 1930 إلي 1933م) أن يؤولوا النص القرآني الكريم لخدمة موقفهم السياسي فيقولون مرددين الآية «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيا» (54) سورة مريم، وفي الوقت الذي يستغل "البنا" المؤتمر الخامس للإخوان من اجل الاحتفال بتنصيب الملك "فاروق" علي العرش، ويهتف الشعب المناهض للملك"الشعب مع النحاس"، يقوم الإخوان برفع شعار"الله مع الملك"، وعندما يعلن الشعب المصري موقفه من دستور 1923م، تصمت جماعة الإخوان ويكتفي"البنا" بان يعلن" القرآن دستورنا"؟! وعندما يلتف الشعب خلف زعامة "النحاس" باشا، يعلن"البنا" أن"الرسول زعيمنا"؟! فجماعة الإخوان تجيد إعادة صياغة الثوابت العقائدية وصبغها بألوان المواقف السياسية، وهذا هو التضليل بعينه، فهو يستغل عقول الناس التي تتعامل بثقة مع المعتقد الديني وتقوم الجماعة بتغير مستوي الخطاب الدلالي من خلال الموقف الذي تعيد صياغته فيه، أو بعبارة تفسيرية مقتضبة مثل التي قدمها المرشد الحالي، لكي يجعل المتلقي يتخيل عدوه الشخصي، وقد أصبح عدواً للمجموع، وهنا يتم الحشد الموجه، باستغلال الموقف الشخصي لكل فرد في خلق رد فعل جماعي، وبعد كل هذا يأتي المرشد العام الحالي، ليعدنا بدخول الجنة إذا افشينا السلام علي طريقة الإخوان المسلمين!؟ إعادة الهيكلة؟! احتوت الوثائق المنشورة علي إعادة هيكلة للإخوان المسلمين، ورغم أن هناك وثيقة بعنوان"الإطار العام لعمل الأقسام" إلا أن هذا الإطار مموه وغير واضح الدلالة، وهل يعني هذا انه قبل المرشد الحالي لم يكن هناك هذا الإطار؟ ولكن يمكننا تتبع الظاهر منه لسبر غور الخفي فيه، فقد أعلنوا في المقدمة(نص لم يتم تفريغه)"في ضوء مهمة الأقسام والمتطلبات المستقبلية لها فإننا بحاجة إلي تحديد إطار عام لعمل الأقسام بما يضمن توافق وتكامل لوائح الأقسام الفنية المختلفة" ولكن هذا المعلن ليس الحقيقة، فليس الغرض منه تحقيق التوافق، والتكامل بين الأقسام، وإنما الغرض منه المراوغة المتحولة، وهذا هو منهج الجماعة، يوم قام"البنا" بتغيير الهيكل التنظيمي، في العام 1943م إلي "الأسر"، وجعل لكل أسرة نقيب، ولكل أربع اسر "عشيرة"، وكل خمس عشائر في "رهط"، وكل خمسة رهوط في "كتيبة"، كان هذا سبباً في بقاء الإخوان، وزيادة عددهم، ولم يكن"البنا" يشكو مثل المرشد الحالي من وجود مشاكل في التواصل بين أقسام الجماعة فقبل عصر ثورة الاتصالات كان معروفاً أن"البنا" بلغ من المركزية وقوة التواصل انه إذا عطس في القاهرة شمته الإخوان في أسوان، وعليه فالتحول الهيكلي الذي أملاه المرشد الجديد جعل السلطات أكثر مركزية في يده، فهو يبقي علي لجنة الإعلام "لجنة"، وليس"قسماً" لتكون تابعة له، فلو استجاب لطلب تحويل الإعلام إلي قسم لكان لها مسئول منفصل عنه، ولكنه يعلن أن هدفه من إعادة الهيكلة إحداث توافق بين الأجزاء، وهو يقوم من اجل هذا التوافق باختصار القيادات الفرعية، كما انه يمتص التيارات المعارضة له بفكرة المكاتب الفنية، وبيوت الخبرة، ولكنه يلتزم بالاتصال العنقودي الذي ابتدعه"البنا" فيجعل لكل قسم رئيساً للاتصال، ولكل لجنة مركزية مشرفاً، ليبقي بمفاتيح الأوامر في يده عن طريق الرؤساء والمشرفين، بينما أعضاء كل أسرة لا يعرفون أعضاء الأسر الأخري، وهكذا حتي الكتائب، فهو تنظيم سري ديكتاتوري في بنائه الداخلي، ثم كيف يهدف من إعادة الهيكلة إحداث التوافق بين الأقسام، وهو يفصل أعضاء هيئة التدريس عن قسم الطلاب، فالغرض الخفي في ذلك ألا تعلم القيادات الطلابية، القيادات في هيئة التدريس، إعمالاً لفكرة التنظيم العنقودية، ولكن إفشاء السلام غير كثرة السلام كما يقول المرشد العام للإخوان. الدعم المالي! تخفي جماعة الإخوان المسلمين مصادر تمويلها المالية، فعندما تم حلها اندهش المراقبون من حجم ممتلكات تلك الجماعة التي كانت تعلن اعتمادها علي الطبقة البرجوازية، فمن أين الخمسون ألف جنيه ملك شركة الإخوان للصحافة، والسبعون ألف جنيه رأسمال شركة الإخوان للطباعة، والمئة ألف جنيه رأسمال شركة الإعلانات، ورؤوس أموال شركات المعاملات الإسلامية، والمناجم، والغزل والنسيج، والأشغال الهندسية، والتوكيلات البحرية، و800 فدان بمزارع العركي، كل هذا قبل العام 1946م، ولما كان الأصل في إعادة الهيكلة إما مواجهة أزمات مالية، فتكون إعادة الهيكلة بالانكماش، أو مواجهة رفاهية مالية فتكون إعادة الهيكلة بالتوسع، ولما كشفت الوثائق أن تنظيم الإخوان قام بعملية إعادة هيكلة توسعية في بنائه الاداري العنقودي، فيحيط الغموض بأهداف الإخوان السياسية من ناحية، كما يحيط الغموض بمصادر التمويل المالية التي لا يعلمها إلا المرشد من ناحية أخري، فان هذا يعني أن التنظيم يمر بمرحلة رفاهية ونمو في مصادره المالية. الإخوان والطلبة لاشك أن الإخوان مقدمون علي توجه نحو الطلبة كما كشفت عنه الوثائق المنشورة، فتم استحداث، وتفعيل الاختصاص العام لأقسام التربية، والجامعات، والاعدادي والثانوي، والأشبال في الشريحة العمرية من 6 إلي 12 سنة، ولكن المتتبع لتاريخ الإخوان في هذه الأقسام يجده تاريخاً مختلفاً عن واقع اليوم، ف"البنا" نفسه والذي كان مدرساً للغة العربية في الإسماعيلية، عندما قبض عليه لأول مرة دفع بولائه للملك معتمداً علي نصوص الإملاء التي كان يقوم بإملائها لتلاميذه، فالجماعة تعلم جدياً أن التعامل مع الأشبال يجب أن يكون بحذر فهم إما سبب للتخفي، أو سبب للكشف؟ فلجأت إلي أسلوب إنشاء مدارس تابعة للجماعة، ففي العام 1946م عندما كان"محمد حسن العشماوي" وزيراً للمعارف، وجه رسالة رسمية للجماعة يدعوها للمساهمة في مشاريع الوزارة لمحو الأمية وتعميم التعليم، ودعمت الوزارة الإخوان بمبلغ75 قرشاً مقابل كل تلميذ يدرس بمدارسها، وقدمت الكتب لمدارسها مجاناً، وبعدها قامت الوزارة بتغطية نفقات مدارس الإخوان بالكامل، واستغل"البنا" هذه الظروف وقام بتأسيس شركات مساهمة لتأسيس المدارس، حتي توسع التعليم الخاص بالإخوان إلي أن قامت كل شعبة من الألفي شعبة بتأسيس مدرسة، أو مدرستين، ومن هنا حدث الانتشار للجماعة في صفوف التلاميذ، وأولياء الأمور، والمدرسين، والمدرسات، ولكن اليوم لا يشبه البارحة، فتدخل الجماعة في مراحل التعليم الالزامي حتي الثانوي يجب أن يتم تحت سمع وبصر الدولة، فهل توسم المرشد الحالي للإخوان في د."أحمد زكي بدر" وزير التعليم، صداقة مثل التي كانت قائمة بين"البنا"، و"العشماوي" وزير المعارف؟ الإخوان والصوفية! يفتتح المرشد العام اجتماعه بتاريخ 27 يناير 2010م ببيان أهمية الدعاء وانه ضرورة علي الإخوان جميعاً، وان يجعلوه ورداً يومياً، وهو بهذا الافتتاح، وتلك النصيحة يكون المرشد صوفياً في توجهاته، وهو بذلك يسير علي خطي المرشد الأول، الذي كان شاذلياً، وأعلن عقب انتقاله للقاهرة عام 1932م انه جماعة صوفية، واستعار من الجماعات الصوفية أول زي مميز للإخوان المسلمين، وهو الشال ذو الجراب لوضع المصحف فيه، وخاتم المشايخ الصوفيين الفضي المثبت بخنصر اليد اليمني، وفي العام 1939م أثناء المؤتمر الخامس، يحدد المرشد الأول طبيعة رسالة جماعته بأنها "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، ومنظمة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، ولذا تسلك مسلك الجماعات الصوفية بربط العضو بالجماعة، ومسلك الصوفية لهذا الربط عن طريق الورد الجماعي اليومي في الحضرة بالدعاء لسلسلة المشايخ، وقد اتخذ"البنا" ومن بعده من المرشدين المنهج الصوفي لأن الدعاء هو الاختبار الأول لولاء الرجال، حتي يصبح شعارهم" العمل، الطاعة، الصمت"، وقد لاين"البنا" الصوفية، ولكنه حذر منهم تحذيرات خفية، وقد أحاط"البنا"نفسه بهالات من القداسة، حتي أن اسم الجماعة قد آتاه بنوع من الإلهام، وانه فيما يروي عن نفسه كان يري المستقبل، وان العناية الإلهية ترعاه منذ صغره، يوم انهار عليه وعلي أخيه سقف البيت، ويوم وقع من ارتفاع ثمانية أمتار، وعندما امتد الحريق إلي ثيابه، ويوم جمح به الحصان، وعندما مدت الحية رأسها إلي جواره وهو يرضع من أمه، ولذلك فان الجماعة يحيط مرشدها نفسه بالغموض حتي في مواجهة أعضائها سعياً لخلق موقف خاص من الولاء والطاعة شأنهم شأن طاعة المريدين لوليهم في الطرق الصوفية، ولكنهم في الطرق الصوفية لا يجمعون مالاً، ولا سلاحاً، وإنما هدفهم ذكر الله في الحضرة، وليس قلب نظام الحكم! الإخوان والفتنة الطائفية! قرر المرشد العام للإخوان في اجتماعه يوم الأربعاء الموافق 27 يناير 2010م عند التصديق والمتابعة في البند الخاص بما يستجد من أعمال، قرر، مناقشة ورقة حول الفتنة الطائفية، وقرر أيضاً تشكيل لجنة لتقديم تصورها خلال أسبوعين، ويتضح من سياق المحضر أن الإخوان قد لاحظوا أن هناك فتنة طائفية! وأنها من مستجدات المجتمع! فقرروا دراستها! وأنهم يملكون زمام دراستها! فهو موضوع لن يستغرق القيام به، وبمعرفة اثنين فقط من أعضاء مكتب الإرشاد سوي أسبوعين! بيد أن واقع المجتمع المصري اليوم في الفتنة الطائفية يعود بجذوره إلي فكر الإخوان المسلمين، فعندما كانت مصر تواجه الاستعمار الصهيوني ضد العرب في فلسطين، قام الإخوان بتوظيف الدين دعائياً لجماعتهم مستغلين المشهد السياسي فقاموا بتحويل هوية الصراع العربي الاسرائيلي من صراع استعماري إلي صراع بين المسلمين واليهود، ورفع شعار"خيبر خيبر" فحدثت فتنة طائفية بين المسلمين، واليهود في مصر كان من نتائجها المساعدة علي هجرة اليهود المصريين إلي إسرائيل وتدعيم الكيان الصهيوني، والشد من اذره، وعندما جاء الاستعمار إلي مصر، وقف الإخوان منه موقفاً مناوئاً، فتحولت مقاومة الاستعمار عبر المفاهيم الوطنية والقومية للانتماء، والتي كانت موجودة إبان ثورة 1919م، بتكاتف أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين، لمواجهة الاستعمار، قامت الجماعة باستغلال الموقف، والعودة بشعار قديم هو شعار الحروب الصليبية، فحدث الشقاق بين أبناء المجتمع المصري المسلمين، والمسيحيين عقب ذلك، ولما لم يكن هناك مبرر لهجرة المسيحيين فبقوا في مصر لتتجدد الفتنة الطائفية باستهلاك شعارات من الماضي جلبها الإخوان المسلمون حسب الظروف المواتية، ولكن المرشد العام الجديد فوجيء بالفتنة الطائفية، وقرر دراستها خلال أسبوعين فقط، ربما سيعلن مسئوليته عنها؟! عقول بيروقراطية!! إن نظرة عامة لما نشر من محاضر اجتماعات مكتب الإرشاد يجدها تعتمد في صياغتها علي الأسلوب البيروقراطي العقيم الذي يعتمد علي الانتظار إلي الاجتماع التالي لكي يقر مكتب الإرشاد بقرارات الاجتماع السابق، مثلهم مثل اي مجلس إدارة حكومي بيروقراطي، أو مجلس إدارة شركة خاسرة، فخلال تلك الفترة بين الاجتماعين تكون السلطة مطلقة للمرشد العام، وهو الذي يملك القدرة علي رفع الموضوعات للاعتماد من عدمه، أو إرجاء القرار، أو حفظه، كما أن الصياغة تحتوي علي خلل تنظيمي فهو يبدأ بالتصديق والمتابعات، بينما حسب أصول الإدارة، تكون المتابعة آخر مرحلة من مراحل العملية الإدارية فهي التي تتحول إلي التغذية العكسية من اجل تقييم العمل، ثم بعد ذلك يأتي جدول الأعمال، وفي ختامه موضوعات الإحاطة، أن تنظيم الإخوان المسلمين علي هذا النحو يكشف أن الذي يديره ليس هؤلاء، ولكن هناك خلف السواتر تنظيماً ذكياً آخر، وإلا إذا كان التنظيم يدار بهذه الطريقة لكان اختفي منذ عشرات السنوات، ولكن بات ثابتاً أن هناك جماعة أخري من الإخوان المسلمين تملك وسائل اتصال متعددة المستويات، ومتحكمة في أداء الجماعة، وفي إدارة أموالها علي نحو سري. إن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر يعد تاريخاً للمسكوت عنه، وتاريخاً يتجاوز كونه صراعاً بين الدولة الدينية، والدولة المدنية، انه بات صراعاً يحتاج إلي المكاشفة، والبوح، فهناك من الناس من يعرفون الحقيقة، ولكنهم لا يعرفون كيف يفتحون فمهم بها خوفاً من الرجعية وتهديدات المكفراتية الذين يعدون بإفشاء السلام، والدعاء المستجاب، والله من وراء القصد.