خطط لملء الفراغ في الشرق الأوسط بحروب الصيف ومبادرات الخريف بينما لا يزال الجمود يسيطر علي كل ما يمكن تسويقه للعالم علي انه تحريك لعملية السلام بمنطقة الشرق الاوسط، تتزامن أنباء السلام والحرب بشكل غريب، حتي يبدو الأمر وكأنه متعمد بهدف التهديد والضغط من جهة للسير في الاتجاه الآخر. علي صعيد السلام ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، نهاية الاسبوع الماضي، ان الرئيس الامريكي باراك اوباما يفكر بأن يعرض في الخريف القريب القادم خطة سلام تقوم علي اساس المفاوضات التي عقدت في الماضي بين الفلسطينيين واسرائيل، في صورة اقرب الي ما تم التوصل اليه خلال مؤتمر كامب ديفيد الذي عقد في يوليو 2000، بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وايهود باراك، الذي كان رئيسا لوزراء اسرائيل انذاك. ولكن بنيامين نتنياهو سيعارض كل محاولة لفرض تسوية سلمية علي اسرائيل من محافل خارجية، بحسب ما ورد في صحيفة هآرتس الاسرائيلية. وتحاول الصحيفة تسويق مبررات نتنياهو للتهرب من استحقاقات عملية السلام حين تدعي انه يقول في محافل مغلقة إن الترتيبات الامنية والحاجة الي منع دخول الصواريخ والقذائف الي اراضي الضفة لم تحظ بالمعالجة المناسبة في كل المحادثات التي جرت منذ اوسلو وحتي اليوم. ويعتقد نتنياهو بأن ذلك يستلزم تواجدا اسرائيليا علي الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية، أي في غور الاردن، وان أي اتفاق لا يتضمن ترتيبات امنية كهذه لن يكون مقبولا علي اسرائيل. عرض سخي ونقلت صحيفة هآرتس ايضا عن مصدر سياسي اسرائيلي حديثه عن محاولة المبعوث الخاص الي الشرق الاوسط، جورج ميتشل الدفع نحو مسيرة من عدة مراحل، تحاول الولاياتالمتحدة في اطارها الحصول من اسرائيل علي تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس، وبدء المفاوضات في مسألة الحدود. وفي المقابل، يعتقد مستشار الرئيس الامريكي دينيس روس بوجود احتمال ضعيف لنجاح المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين، وانه يجب التركيز علي بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية "من أسفل الي أعلي". ومقابل الاثنين، يتعزز معسكر من مسئولين كبار في البيت الابيض ومقربين من اوباما يدعون الي بلورة خطة سلام امريكية، تشبه الصيغة التي عرضها الرئيس الاسبق بيل كلينتون في اعقاب فشل المحادثات في كامب ديفيد، في ديسمبر 2000، والتي ردت عليها اسرائيل بالايجاب، مع بعض التحفظات، بينما رفضها ياسر عرفات آنذاك. ولعل المحزن في الامر ان الظروف الدولية والاقليمية تجعل العرض الذي كان مطروحا آنذاك في ديسمبر 2000، عرضا سخيا، مقارنة بما يتحدث عنه نتنياهو الان، وهو ما يعني بكل بساطة نجاح إسرائيل في خفض سقف المطالب العربية في عملية السلام، ومحاولة تكثيف الضغوط من اجل إعادة هذا السقف الي بعض من مكانته الاولي. كان العرب يطلبون في البداية استعادة كل فلسطين ورفضوا قرار التقسيم بين الفلسطينيين واليهود، وبعد ذلك باتوا يطلبون تنفيذ قرار التقسيم، ثم راحوا يطلبون العودة الي خطوط يونيو 1967، واصبح الامر الان واقفا عن حد "اعطونا قطعة ارض متواصلة يمكن ان نطلق عليها لقب "دولة فلسطينية" حتي لا يلعننا التاريخ والأجيال القادمة!". وقد تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية عن لقاء جري في البيت الابيض، في 24 مارس، ضمن لقاءات تعقد بين الحين والاخر بعد مبادرة المستشار الحالي للامن القومي، الجنرال جيمس جونز، وقد انضم اليهم هذه المرة الرئيس باراك اوباما الذي طلب سماع رأي عدد من مستشاري الامن القومي السابقين حول موضوع مستقبل عملية السلام في الشرق الاوسط. وناقش الحضور امكانية عرض مبادرة سلام في الخريف القادم، استنادا الي الاتفاقات التي تحققت بين الطرفين في الماضي. ووافق علي الفكرة كل من برانت سكوكروفت، الذي كان مستشار الرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الاب؛ وزبنجييف بجنسكي، الذي كان مستشار الرئيس جيمي كارتر، وكذلك ساندي بيرجر، كولن باول، روبرت ماك برلاين، وفرانك كارلوتشكي الذين كانوا مستشارين في عهد ريجان. لكن ما يبعث علي القلق فعلا هو التساؤل: اذا كان الحديث يجري عن العرض الذي تم التوصل اليه في مفاوضات كامب ديفيد الفاشلة عام 2000، فلماذا يقال ان اوباما سيعرض خطة سلام "جديدة"؟! وهنا تنقل الصحيفة الامريكية عن مسئول كبير في الادارة قوله ان خطة اوباما ستتضمن 90 % من ملامح كامب ديفيد. الامر الذي يستلزم التساؤل: هل تعني نسبة ال10% المفقودة هنا ضغطا امريكيا علي اسرائيل للوفاء بمتطلبات العرب حتي يوافقوا علي عرض سبق ان رفضوه منذ 10 سنوات؟ ام ان ما سيحدث هو الضغط علي العرب لصالح اسرائيل لتمرير الاتفاق، أي اتفاق! صحيفة "واشنطن بوست" تدعي ان الجديد الذي سيعرضه اوباما سيتضمن فقط ربطا بين خطة السلام وبين التصدي للملف النووي الايراني، مع اشارة الي ان الولاياتالمتحدة تعتزم السير بعيدا في النقاش حول المستوطنات وشرقي القدس ورفعها الي مستوي يسمح برسم خطة سلام اقليمية تضم سوريا ايضا. اما صحيفة "نيويورك تايمز" فذكرت ان المستشار السابق سكوكروفت اكد للرئيس اوباما ان الامر سينتهي الي ان تفرض الولاياتالمتحدة تسوية علي الطرفين. بينما قال كولن باول ان علي الادارة الامريكية ان تفكر بالخطوات التالية في حالة رفض الطرفين الخطة الامريكية. وعندما سارعت وسائل الاعلام الي الاستيضاح من الجنرال جيمس جونز مستشار الامن القومي الامريكي حول ما اذا كان هناك قرار امريكي في الطريق، قال ان الولاياتالمتحدة لا تعتزم مفاجأة أي من الاطراف في عملية السلام، وانها تركز كل جهودها الان علي التقريب بين الاطراف والعمل علي استئناف عملية السلام، للتوصل الي حل الدولتين. السقوط مجددا بينما ركزت صحيفة معاريف الاسرائيلية، وفي تقرير كتبه المحلل السياسي بن كسبيت، علي الفكرة التي يجري بها الترويج لموقف نتنياهو، وهي انه "اذا قال نتنياهو "نعم" لمطالب اوباما، فسيخسر اليمين الاسرائيلي ويبدأ العد التنازلي لسقوطه". واذا قال "لا"، فسيخسر امريكا، بل قد يخسر ايهود باراك، وتسقط حكومته ايضا". واشار التقرير الي ان نتنياهو ورفاقه يأخذون علي محمل الجد القول بان واشنطن تخطط للاطاحة بالحكومة الاسرائيلية الحالية. بل ويتهمون الامريكيين بالتدخل السياسي العميق والنبش في الجهاز السياسي الاسرائيلي. بل ويقول رفاق نتنياهو إن مسئولين كباراً في ادارة اوباما يوجهون صحفيين اسرائيليين يوميا نحو هذا الاتجاه، وان السفارة الامريكية في تل ابيب نشيطة جدا في هذا الموضوع، وتدفع بالساحة السياسية الداخلية في اسرائيل الي الغليان، للتخلص من نتنياهو او تغيير ائتلافه. بل ان بن كسبيت راح يؤكد ان طاقم نتنياهو يعلم جيدا التحركات الامريكية والمخططات التفصيلية "لخوزقة نتنياهو خوزقة معلنة اساسية جدا خطط لها سلفا"، بحسب التعبير الذي اورده المحلل الاسرائيلي، الذي حذر ايضا من ان مناورات نتنياهو لاضاعة الوقت سوف تنتهي به الي السقوط في الفخ الامريكي، الذي يتضمن فرض تسوية امريكية علي اسرائيل. لن تفرضها امريكا فقط، وانما العالم كله: اوروبا وروسيا والصين والجامعة العربية. وتحدث بن كسبيت عن ان اوباما حزين ويلوم الاسرائيليين علي ضياع السنة الاولي من حكمه دون تحقيق أي انجاز في ملف الصراع العربي الاسرائيلي، ولن يسمح باضاعة السنة الثانية. واشار الي ان اوباما اثبت انه قادر علي ان يتجاهل الضغط الاسرائيلي اليهودي وان يجيز في مواجهته قرارا تاريخيا حاسما كالتأمين الصحي، "وسيمضي ايضا الي انتخابات الكونجرس في نوفمبر بقواه الذاتية. وتوقع بن كسبيت الا تستمر حكومة نتنياهو حتي نهاية العام الحالي، مشيرا الي ان رئيس الوزراء الاسرائيلي اوشك علي الجنون من عدم ثورة الاسرائيليين علي المطالب الامريكية. أشباح الحرب في المقابل تشهد الساحة الاعلامية الحديث كثيرا عن اشباح الحرب التي تخيم علي المنطقة، يجري الحديث عن ضربة اسرائيلية لإيران، ويجري الحديث عن ضربة من حزب الله لاسرائيل، ويجري الحديث عن هجوم اسرائيلي علي سوريا، نعم سوريا، بالاضافة الي تهديدات بغزو اسرائيلي لقطاع غزة، واحاديث عن نية حماس شن هجوم علي اسرائيل! إنه صيف الحديث عن الحروب، فهل يكون صيف الحروب فعلا؟! في صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية يدعون ان حماس تمر بفترة صعبة، بعد ان تكبدت هزيمة عسكرية في حملة "رصاص مصبوب"، ولن تنجح في انتزاع انجاز في صفقة جلعاد شاليط، ودخلت في مواجهة صعبة مع مصر في ضوء الخطة المصرية لبناء جدار فوق وتحت الارض، وتلقت ضربة معنوية وتكتيكية غير بسيطة في تصفية المبحوح. وتنقل الصحيفة عن مصادر استخباراتية اسرائيلية قولها ان حماس تفكر باقتحام الحصار السياسي عبر عمل عسكري علي أمل أن تغير به ميزان القوي في المنطقة. ويؤكد التقرير ذاته ان الحرب وشيكة ايضا بين اسرائيل وسوريا، وان حالة من التوتر الشديد تسود الحدود السورية الاسرائيلية منذ عدة اشهر. ويستدل كاتب التقرير علي هذا التوتر وهشاشة الوضع بين الجانبين بمناورة اجراها الجيش الاسرائيلي باسم "حجارة نارية 12" بين 22 و 25 فبراير الماضي، ففي نهاية المناورة كان يفترض استدعاء الكثير من جنود الاحتياط الاسرائيليين، ولكن بسبب التوتر السري المتزايد تقرر عدم تجنيد الاحتياط كي لا يشتبه الطرف الاخر، سوريا اساسا، بأن الحديث يدور عن نية لشن حرب حقيقية فتشن هي هجوما وقائيا. وفي الخلفية ايضا ما زال الحديث يتردد عن امكانية توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية للمنشآت النووية الايرانية. كما تزايد الحديث عن امكانية ان ينجح حزب الله اللبناني في تنفيذ عملية انتقامية ضد إسرائيل ثأرا لاغتيال قائده الراحل عماد مغنية، مثل تفجير سفارة اسرائيلية، او اغتيال سياح اسرائيليين في سيناء او اختطاف رجال اعمال اسرائيليين في افريقيا، او اغتيال مسئول اسرائيلي كبير، الامر الذي قد يؤدي الي رد فعل اسرائيلي شديد للغاية ضد حزب الله ولبنان. ويمكن الاشارة هنا الي ان قياديا بتنظيم القاعدة اتهم حزب الله اللبناني بانه بات يحرس اسرائيل، ويمنع تنفيذ أي هجمات ضدها من الجانب اللبناني، خاصة تلك التي يبادر اليها تنظيم القاعدة. وقد يري البعض في ذلك استمرارا للعزف علي وتر السنة والشيعة، وربما يراه البعض الاخر التزاما بقواعد اللعبة السياسية الحذرة في المنطقة، لا سيما وان الدرس الذي تلقاه لبنان في الحرب الاخيرة كان قاسيا، ولا يغري احدا بالعودة اليه، إلا مضطرا!