ربيع الخرطوم... هو الوصف الذي أطلقه المراقبون علي أول وأعنف انتخابات رئاسية يشهدها البلد الاكبر في افريقيا السودان منذ24عاما،وتأتي في ظل معطيات جديدة ستؤثر علي صورة السودان ووحدته وتنميته في العقد القادم. وكان الرئيس عمر حسن البشير دشن حملته الانتخابية الأولي بأداء رقصته الشهيرة أمام جماهير غفيرة باستاد ام درمان، وقتها سخرأيضا من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية واعدا مناصريه بمزيد من الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. والرئيس السوداني الحالي لن يغرد وحده ،وما كان يبدو نزهة في السابق ، تحول إلي سباق حواجز نتيجته غير محسومة سلفا، إذ يواجه 10 مرشحين في الانتخابات الرئاسية، من بينهم ياسر عرمان المسلم العلماني المولود في شمال السودان وممثل متمردي جنوب السودان في الحركة الشعبية لتحرير السودان، والصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي الذي أطاح به البشير سنة 1989. العشرة المبشرون بالرئاسة والمرشحون العشرة هم: زعيم حزب الأمة القومي رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، والقيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان، وعبد الله دينق نيال عن حزب المؤتمر الشعبي (حزب الزعيم الإسلامي حسن الترابي)، ومبارك الفاضل عن حزب الأمة جناح الإصلاح والتجديد، وعبد العزيز خالد عن التحالف الوطني، ومحمد إبراهيم نقد عن الحزب الشيوعي، وحاتم السر عن الحزب الاتحادي الديمقراطي، والدكتور كامل إدريس الرئيس السابق للهيئة الدولية للملكية الفكرية كمرشح مستقل، ومحمود أحمد جحا كمستقل، ومعهم سيدة واحدة هي فاطمة احمد عبد المحمود محمد (66 سنة) الاتحاد الاشتراكي السوداني الديمقراطي (يسار) وهي أول امرأة تترشح الي الرئاسة في تاريخ السودان وقد كانت أيضا أول امراة وزيرة (الصحة سنة 1974) في عهد نظام جعفر النميري وهم يمثلون مختلف الاتجاهات السياسية من أقصي اليمين عبد الله دينق نيال الذي ينتمي لجناح حسن الترابي إلي أقصي اليسار" إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني"، والشاهد ان فرص البشير في الفوز وبنسبة كبيرة من الاصوات تبدو كبيرة مقارنة بمنافسيه، وربما من هنا طالبت أحزاب المعارضة "17حزبا" ومنظمات أجنبية معنية بمراقبة الانتخابات وحركة العدل والمساواة بتأجيل الانتخابات من 11ابريل القادم إلي نوفمبر من العام الجاري بدعوي تنقية جداول الناخبين وإعطاء فرص متساوية للمرشحين في الدعاية والإعلام، وإعادة تنظيم مراكز الاقتراع في مناطق كانت إلي وقت قريب ساحات قتال سواء في دارفور أو في الجنوب. دعاية انتخابية لكن الرئيس البشير اتخذ موقفا حاسما برفض التأجيل وهدد المنظمات الاجنبية ومن بينها منظمة الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر بالطرد من البلاد اذا حاولت الضغط في اتجاه التأجيل، وكانت السلطات السودانية وافقت لمؤسسة كارتر علي مراقبة العملية الانتخابية ، كما ارسلت المفوضية الأوروبية بعثة مراقبة أيضا إلي السودان لتعطي فرصًا أوفر للبشير. وقد استفاد البشير في دعايته الانتخابية من عدة معطيات كانت عليه فصارت له، أهمها: أولا: تمكن من توظيف مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ليطلق حملته الدعائية وليوجه انتقادات حادة للغرب، ويحشد الجماهير حول برنامجه للإصلاح، وقال البشير أمام الآلاف من انصاره أكثرهم من مشجعي كرة القدم في استاد الهلال في ام درمان، "عندما جئنا لم نجد شيئا وكان الناس يقفون صفوفا للحصول علي رغيف الخبز ولكن الآن الرغيف يقف صفوفا في انتظار الناس ". وأضاف " يوم أن اتينا كانت مخازن القوات المسلحة خالية من الاسلحة والذخيرة ولكنا الآن نصنع جميع أسلحتنا الأساسية". وأضاف البشير إن برنامجه يرمي إلي مواصلة الجهود لتحويل السودان إلي دولة صناعية وزراعية. ثانيا:رغم حدة المنافسة المحتدمة معه من قيادات تاريخية ومناطقية ابدي البشيرحرصه علي اجراء انتخابات نظيفة ومن دون تدخل الجهات التنفيذية لمصلحته وقال " إن أحدا لم يجبره علي إجراء هذه الانتخابات" وأكد أنه يريد انتخابات نزيهة ونظيفة ،وابدي التزامه بماورد في اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005 والذي أنهي أكثر من عشرين عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وتضمن في أحد بنوده إجراء انتخابات رئاسية تنافسية، وتسبق هذه الانتخابات استفتاء في الجنوب علي الاستقلال عن السودان يجري في يناير 2011. وتعهد البشير باحترام التصويت علي الانفصال إذا حدث وهو الخيار الذي يتوقعه أكثر المحللين. وقال إن الجنوبيين إذا اختاروا الانفصال فسوف يكون الشمال أقرب جيرانهم وسيقف إلي جوارهم، وتلك رسالة مهمة وجهها الي ابناء الجنوب ساعيا الي كسب اصواتهم الانتخابية مقابل منافس جنوبي هو ياسر عرمان. دارفور.. دارفور ثالثا: جاء اتفاق السلام في دارفور ليضع حدا لنزيف الدم والتشرد الذي استمر سبع سنوات ونتج عنه مصرع 300ألف شخص وتشرد نحو مليوني ونصف مليون انسان ،وبادر البشير بالافراج عن 57من ضمن 105 من اعضاء حركة العدل والمساواة كانت صدرت ضدهم احكاما بالاعدام عام 2007. وتعهد البشير في خطابه في دارفور بالافراج عن بقية الذين حكم عليهم بالاعدام، ومن بينهم اخان غير شقيقين لزعيم حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم بعد توقيع اتفاق سلام نهائي. رابعا:اتفقت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان علي نتائج احصاء اثارت الجدل، وذلك بزيادة تمثيل الجنوب في البرلمان الوطني، حسب ما اعلنت مسؤولة في الحركة الجنوبية. وسيتم تخصيص 40 مقعدًا إضافيا للجنوب الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، في البرلمان الوطني بعد ان رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان نتائج الاحصاء وقالت إنه يقلل من عدد سكان الجنوب الذين تؤكد انهم يشكلون ثلث سكان البلاد. وهدد الخلاف بتدهور العلاقات المتوترة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم رغم توقيعهما اتفاق سلام في 2005 لإنهاء الحرب الاهلية التي استمرت 22 عاما. ويعد الاحصاء عنصرا أساسيا في اتفاق السلام، وهو اساسي لتحديد الدوائر الانتخابية وتأكيد نسب تقاسم السلطة والموارد بين الجانبين. وأجري الاحصاء في أبريل 2008، لكن التعداد شابته بعض العقبات في الجنوب وخصوصا موسم الامطار المبكر وتدفق اللاجئين العائدين والخرائط السيئة ونقص الاستمارات وانعدام الامن. وبلغ عدد سكان السودان بحسب الاحصاء نحو 39 مليون نسمة، بينهم 8 ملايين و260 ألف شخص، أي 21%، في الجنوب، كما أعلن رئيس المكتب المركزي للاحصاء ياسين الحاج عابدين. وبينت النتائج أن 520 ألفا من الجنوبيين يعيشون في الشمال توقعات كارتر، ورغم الامكانات المتاحة للبشير الا ان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر "رجح" الا يفوز الرئيس السوداني في الجولة الاولي من الاقتراع،وذهب مراقبون الي ان الطائفة المهدية وهي الركيزة الاجتماعية لحزب الامة لن تترك الانتخابات تمر من دون منافسة قوية. العودة للاتحاد وقد أعلن حزب الأمة السوداني المعارض، الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 1986 والذي انقسم منذ 2002، اعادة اتحاده في اليوم الاول من الحملة للانتخابات، وصرح مبارك الفاضل زعيم الفصيل المنشق في الحزب لوكالة فرانس برس "توصلنا الي اتفاق مع الصادق المهدي لتوحيد الحزب. سنوحد برنامجنا السياسي ومرشحينا للانتخابات"، واختلف الفاضل المهدي الذي كان وزير الداخلية قبل انقلاب 1989، اختلافا كبيرا مع الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، سنة 2002 حول قيادة حزب الامة فانفصل عنه وأسس حزبه. ويعتبر من أبرز وجوه المعارضة، وترشح الفاضل والمهدي للانتخابات الرئاسية لكن علي احدهما الانسحاب من السباق الرئاسي لتوحيد صفوف الحزب فعليا. ومن المتوقع ان يستفيد ياسر عرمان المسلم العلماني المنحدر من شمال السودان وممثل متمردي جنوب السودان في الحركة الشعبية لتحرير السودان من دعم كبير في الجنوب، فيما يعول الصادق المهدي علي بعض مناطق الشمال. الا انه من الصعب التكهن بالنتيجة في ظل التصعيد في الحملات الدعائية،فقد نظمت أحزاب المعارضة صفوفها، ولم تخف مخاوفها من ان يعتمد البشير علي اجهزة الدولة التنفيذية ومواردها في معركته الانتخابية. وقالت بيانات للمعارضة إن الانتخابات لا يمكن ان تكون حرة بسبب ما يجري في دارفور حيث لايوجد احصاء دقيق لعدد الناخبين واحتمالات ان يقوم احد الاطراف بتسجيل اسماء ناخبين من مناطق اخري في قوائم دارفور اعتمادا علي الفوضي التي ساهمت في حرق معظم الوثائق التي تثبت محل اقامة مواطني دارفور. وتختتم الحملة الانتخابية في التاسع من ابريل علي ان تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاقليمية من 11 إلي 13 من الشهر ذاته، ويتوقع المراقبون ان تضفي نتائج الانتخابات الرئاسية حالة من الاستقرار تساهم في تفعيل مشاريع التنمية الطموحة في ظل ارتفاع أسعار النفط، وأيضا ارتفاع الانتاج السوداني، والذي بلغ 500 ألف برميل يوميا، بزيادة قدرها 200 ألف برميل يوميا. و قال وزير الطاقة والتعدين السوداني الزبير أحمد حسن إن عوائد النفط اصبحت تمثل 98% من موازنة حكومة الجنوب، و55% من الموازنة القومية، وأشار إلي أن استتباب الأمن خطوة اساسية وضرورية لتعزيز الطفرة النفطية التي تشهدها البلاد. وأكد الوزير السوداني ان مناطق العمليات النفطية بمنطقة ابيي الحدودية بين الشمال والجنوب، استقرت، رغم ما تشهده المنطقة الثرية نفطيا، من صراع بين قبائل المسيرية الشمالية وقبائل الدنكا الجنوبية، ومن خلاف بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. وأرجع ذلك لإيمان المتنازعين بأهمية الحفاظ علي استمرار عمليات التنقيب، وعدم المساس بحقول النفط، حتي يعود خيره عليهم جميعا. مشددا علي ان الاستمرار في النزاع سيؤثر سلبا علي المسيرة الاقتصادية للسودان، خاصة علي الجهود المبذولة لاستمرار وجذب الاستثمار العربي والأجنبي، كما ستؤثر علي وحدة السودان وعدم انفصال الجنوب، ومن هنا تكمن اهمية الانتخابات الرئاسية التي تشهدها السودان.