قالو عنه حياة الروح وسر النفوس، هو مُنية النفوس وسلوي القلوب، وهو اكسير الحياة وترياق الفؤاد، هوالعذاب والضنا للفؤاد المجروح أتحدث عن المغني والغناء. الغناء الشرقي يبعث في نفوسنا الطمأنينة ويجعلنا نشرد بعيدا عن قبح معالمنا، لماذا انقرض الطرب ما السر وراء تلك الأصوات الصاخبة الباحثة عن الأموال والأموال فقط المال دون مراعاة لذوق أو لمذاق، أتساءل بصوت مسموع هل يعقل ألا يكون هناك إبداع أبدع مما كان... ولكن أبي الزمان وأحيانا بعد طول الانتظار وبعث لنا أمل وضوء جديد، ففي الآونة الأخيرة ظهر مجموعة من الشباب الصاعد الواعد المتحدث بعمق عن نفسه صائغاً لنفسه فلسفته الخاصة، متحديا لكل قوانين السوق ضاربا بعرض الحائط لتسعيرة الزمن محاولا تخليد ذكراه بين طيات كتيب الزمان، اتحدث عن شباب أخذوا العهد لإحياء زمن الفن الجميل، دعونا نتحدث باستفاضة اكثرمن مختلف الزوايا، وندخل ونحن مطأطئي الرأس أدباً وتبجيلاً لمحراب الطرب والفن، أحمد علي الحجار ابن الوز العوام فهو من أكبر العائلات الفنية التي احترفت فن الغناء الطربي فوالده الفنان الكبير علي الحجار الذي أثري الفن بأرقي الألحان وأعذب الكلمات الرنانة، وعمه الفنان الكبير أحمد الحجار الموسيقار والمطرب الرائع وجده الموسيقار إبراهيم الحجار. وعن أحمد علي الحجار فهو مطرب صاحب صوت عزب لا يختلف عن تاريخ عائلته بالإضافة لتلحينه بعضًا من أغانيه كما أنه يحلم بالكتابة يوما ما، يحاول أحمد علي الحجار ان يقدم ما يراه مرضيا له ولذوقه وما يمكن ان يخلد في ذاكرة الغد ويبتعد تماما عما يمكن أن يحدث له ضجة وقتية ثم تؤول للنسيان ما يجعل منه نجمًا معروفًا فهو يسير علي نهج والده "فالفنان الكبير دائما ما يبدا كبيرًا" فهو مؤمن بأن الغناء الطربي لم يمت حتي مع متغيرات الزمن فهو الإرث الحقيقي للإنسان طالما ان مقدميه قادرون علي تحمل هذا العبء وعلي أتم الاستعداد لتحمل مسئولية إمتاع المستمع، فهو يتمني لو تغيرت نظرة صانعي الموسيقي والغناء " المنتجين" نحو ما هو سائد والمغامرة بالجديد. وعن إمكانية مساعدة والده له يرفض احمد هذا المبدأ فهو يري ان والده يساعده بدافع الأبوة الخالصة لابن كما انه سعيد بطعم النجاح الذي حققه هو وبمقدرته علي اثبات هويته بنفسه وبفرقته الغنائية التي تحمل نفس اسمه " أحمد علي الحجار" فالموهبة هي التي تفرض نفسها دون مساعدة أو "واسطة" وعن فرقة احمد علي الحجار التي تحمل نفس اسمه يتحدث أحمد بأنه يمتلك فرقتين احداهما تدعي (اوف بييت ) ومن خلالها يحاولون غناء أشكال مختلفة من الموسيقي الغربية، والأخري تحمل اسمه "أحمد علي الحجار" وبها يعملون علي تقديم غناء طربي خالص بكلمات وألحان تتناسب مع متطلبات الجيل وخير دليل علي ذلك ان أغلبية تعاونه تكون مع شباب من نفس جيله مع الأخذ في الاعتبار عدم الأستغناء عن عمالقة صناعة الطرب مثل الملحن والموسيقار الكبير عمار الشريعي والملحن العظيم هاني شنودة ولأحمد علي الحجار فلسفة خاصة بالنجاح فهو يسعي دائما لترك انطباع لدي المستمع عملاً بنصيحة والده ان موهبته هي التي سوف تؤهله للمستمع، والجمهور هو العامل الأوحد للنجاح ليس اي شيء اخر.. وعن خطوة اتخاذ الطريق التجاري يري أحمد ان كلمة تجاري لا تصنف ضمن الكلمات المحرمة ولا هي بالوصمة في طريق الفنان وبالفعل هي خطوة في اطار الخطة المستقبلية ولكنها لم تأت بعد وعندما تأتي لن أتنازل عما أقدمه الآن من الممكن تطويره ولكن بما يفيد ألحاني وما ابغي تركه من بعدي وانهي احمد حديثه بحزنه الشديد علي ما يراه ويلمسه بمعهد الموسيقي العربية وصدق علي كلامه صديقه سيكا او محمد عبده احد العازفين بفرقته علي آلة بييز جيتار فالمبني مهد كما ان التدريس به لم يتغير منذ اكثر من خمسين او بالاحري مئة عام كما ان الاهتمام بالمواد النظرية المدرسة سواء بمعهد الموسيقي العربية أو بكلية تربية موسيقة اكثر بكثير ممن الاهتمام بالعازف او حتي المطرب... بين قوسين عملاقين "كثير من المواهب تموت داخل المعهد". أحمد حداد هو صاحب اعظم رصيد موروث عن جدية، عملاقَي شعر العامية في مصر الشاعر الكبير فؤاد حداد والعملاق الاعظم صلاح جاهين، هذا الرصيد حمله مسئولية الحفاظ علي الإرث الذي تركه الشاعران الكبيران من تراث مادي ومعنوي، ولهذا فهو يحاول من خلال مواهبه العديدة أن يقدم ما يرضي عنه ويراه ملائما لاسمه الذي يحمله.. ينحاز إلي الفن البديل الذي يعتمد علي تقديم منتج فني يحمل قيمة ومعني. فهو يكتب أشعارا غنائية لفرق مستقلة ويشارك في تأسيسها، ويقدم أفلاما قصيرة ذات تكاليف بسيطة، ويحلم بأن يقدم مذاقا مختلفا يحمل أصالة عائلته وجدة شبابه وموهبته. هو الفنان الشاب أحمد حداد يحب ألا يطلق عليه كاتب أغان لأنه شاعر في الأساس، يري أن كلمة فنان تناسبه أكثر، فهي تشمل جميع مواهبه الفنية وبعد اصداره لأول ديوان له يحمل عنوان "الورد اللي بيطلع عام 2000" قام بإنشاء فرقة غنائية أطلق عليها الشارع، وهو كما قال احمد الحداد تعتبر العنصر البارز في شعر والدي، إذ كانت قصيدتا "ابني بيخاف من الشارع" و" الشارع ما بيرحمشي" من أجمل ما كتب أمين حداد ويبرر أحمد اختياره للشارع اسما لفرقته الغنائية بأن الشارع رمز للدنيا كما أنه منهل لأي فنان يثري من خلاله تجربته، رغم خوفه منه تبدأ حكاية الفرقة من عند جده فؤاد حداد الذي أحيا سلسلة من الأمسيات الشعرية قبيل وفاته، واستمر من بعده أمين حداد في إحياء ليالي الشعر لتتكون الفرقة بالتعاون مع بهاء جاهين وسامية جاهين وآية حميدة بمصاحبة حازم شاهين بالعزف علي العود ليتطور الأمر بعد ذلك لتلحين العديد من القصائد التي تغنت بها الفرقة بمساعدة الملحن شادي مؤنس. ربما تكون تلك هي النواة التي دفعت أحمد الحداد إلي تكوين فرقة غنائية حققت من خلال حفلاتها المتتالية النجاح الذي أفسح الطريق لغيرها من المواهب التي لا تجد في الفن الرسمي مكانا لها، حيث قدم أحمد حداد المادة الشعرية للعديد من الفرق الغنائية مثل إسكندريلا والشارع، حتي انها ارتبطت باسمه، مبررا اتجاهه نحو هذا النوع من الفن بأن ما يكتبه من شعر له طابع خاص جديد لا تناسبه سوي موسيقي جديدة كالتي تقدمها الفرق التي يتعاون معها، لأن ما يشغله حقا هو أن يقدم فنا حقيقيا يختلف عن المقدم علي الساحة، فهو يحاول ان يصيغ منهجا خاصا به وبتراث عائلته الذي يعتبره ميراثه الحقيقي لأنه يؤمن بأن الشعر هو ما يقدم للجمهور للمرة الأولي معاني مختلفة. ولهذا لم يخطر له يوما مع بداية اتجاهه لكتابة الأغاني تقديم ما يكتبه لأحد هؤلاء النجوم، فهو يري أن ما يكتبه لن يناسبهم بأي حال من الأحوال، ولكنه في الوقت نفسه قريب الشبة بأصدقائه الذين يؤمنون معه بأن الفن الحقيقي سيصل إلي الناس من خلال الإصرار علي تقديمه، لهذا فهو يتعاون مع فيروز كراوية وحازم شاهين وشادي مؤنس وشريف الوسيمي وغيرهم من الأصوات التي تقدم فنها عبر الحفلات، وتنال من الإعلام الرسمي تجاهلا علي قدر اهتمامه بالفن التجاري. وليس في الإبداع أكثر مما كان، مقولة شهيرة قالها أحد الأدباء الكبار فعلي الصعيد النقدي كان من الواجب عرض لرأي النقاد المهتمين بالحركة الفنية لرصد مدي التفاعل المحقق بأيدي هؤلاء الشباب سواء سلبا كان او حقق بالإيجاب... كانت رؤيا الملحن الكبير حلمي بكر : الطرب هو القيمة وهو الملامح الجادة للغناء وهو يدل علي المقدرة علي المغني والعبرة الحقيقية عندما يؤمن المُستقبل بما يراه ويفهمه، وبالحق بعض من جيل الشباب بدأ يعي ماهو الطرب ومدارسه ومن أيام الفلاح المصري القديم وهو يعي ماهية الطرب فكان يقال ان الحس حلو بمعني انه يشير إلي معني التطريب عند الرجل الفطري وغنانا العربي قائم في الأصل علي التطريب والمطرب بحق يعي معني التصنيف بين الطرب ومعطيات السوق وجيل الشباب الواعد أمثال أحمد علي الحجار وأحمد الحداد وأحمد الموجي شباب راق جدا ومتميز فنيا. السيد منير الوسيمي نقيب الموسيقيين تحدث بحماسة عن هؤلاء الشباب قائلاً: هم لون رائع من الشباب لانهم يحافظون علي الهوية المصرية والتراث المصري ولابد من مساندة هؤلاء الشباب ومساندتهم اعلاميا فهم جيل رائع ابناء عمالقة الفن والغناء كأحمد علي الحجار وأحمد الموجي واحمد الحداد وغيرهم من الشباب المتميز ليس فقط من أبناء الفنانين لكن أيضا لهم فكر خاص بهم يحاولون الحفاظ عليه والاستماتة في الدفاع عنه فهم مدركون لنوع الفن الذي يقدمونه ويتعاملون مع متطلبات مجتمعهم بذكاء فطري واستطاعوا ان يفرضوا انفسهم علي الحياة الفنية لانهم ادركوا معني كلمة فن ومسئولية فنان. الملحن محمد رحيم علي الرقم من عدم متابعته لهؤلاء الشباب إلا ان المقتطفات التي مرت علي مسمعه كانت تنبئ بمستقبل مبشر للطرب والغناء،لانهم ببساطة لديهم هوية وفكر خاص يحاولون اثباته بالإضافة لافتقاد العامة للصوت الشرقي الجميل المدرب وهؤلاء الشباب أكثرهم خريجو مدارس فنية أصيلة سواء في الغناء أو الكتابة والتلحين أمثال أحمد الحجار ابن الرائع علي الحجار وأحمد فؤاد حداد ابن أستاذنا وعمنا فؤاد حداد وحفيد أستاذنا الكبير صلاح جاهين وأحمد الموجي لكن لابد ان يدركوا شيئًا مهمًا للغاية الطريق مازال طويلاً فنجاحهم الذي حقق بساقية الصاوي أو بقبة الغوري او قصر الأمير طاز أو أي مركز ثقافي آخر من الممكن اعتباره أول خطوة او بمعني أكثر دقة السلمة الأولي لمشوار طويل فلابد من العمل علي توسيع دائرتهم والخروج لعالم الكاسيت والوصول للجماهير بمختلف طبقاتهم الفكرية والمجتمعية ولكن كل شيء بنبئ عن ببداية مبشرة، كما أعلن جد الملحن الكبير محمد رحيم عن استعداده بالعمل مع هؤلاء الشباب فهم علي حد تعبيره أصوات تستحق التقدير والاحترام ولكن بطريقته بمعني إزاحة الستار عن خبايا مضيئة واسرار مختلفة في تلك الأصوات. وعلي النقيض تماما ارتأي الموزع الكبير محمود الخيامي: لكل زمن متطلباته الخاصة والمعايير التي تحدد نوع الفن الواجب تقديمه للمستمع من جيل الشباب جيل ليس لديه المقدرة أو الطاقة للاستماع لمعان غليظة والفاظ ثقيلة فهو يرد سماع اغنية "لايت" ثم يبدأ في البحث عن اخري فهكذا نحن نتأخر ونرجع بظهورنا إلي الخلف والحادث نوع من التأخر في الفن والموسيقي والمقياس هو سوق الكاسيت فأنا لم اسمع شريط كاسيت أو حتي اسطوانة دمجت لأحد هؤلاء الشباب فمن ينجح في تجربة حتي لو كانت جديدة يفرض علي سماعه لانه ببساطة شديدة يكون السوق كله أصبحت تسمع لأغانيه، فهكذا نحن نسبح عكس التيار . وعن احتضان ساقية الصاوي لمثل تلك المواهب قال: «أحمد الصاوي» تحتضن مختلف الألوان الفنية وليس شرطًا ان من تنجح تجربته داخل أسوارها هو بالضرورة شخص ناجح علي المستوي العام أو تجربته لاقت إقبالاً جماهيريا فمن الممكن ان ينجح بالساقية شخص مثل محمد عدوية، عمر خيرت، علي الحجار ويحقق إقبالاً جماهيريا لكن ليس بالضرورة أن ينجح أحد بساقية الصاوي وكذلك يحقق هذا النجاح بالخارج فلابد ان من يقدم الفن ان يحمل لغة مستمعيه وخصوصا بني جيله وعندما تحدثنا معه عن نجاح فن أم كلثوم في زمن الطقطوقة ومحاولاتها للارتقاء بذوق المستمع تحدث مستنكرا: فيما مضي كان يوجد مجال متسع للسمع بمعني لانه كانت توجد الطقاطيق والأغاني الخفيفة بجانب ماهو يحمل معيار السلطنة كما ان المغنين أو المطربين كانوا قليلين أما الآن نسبة الانتقاء أصبحت أقل " فكل من هب ودب" أصبح يغني وله جمهور وشريط كاسيت والذوق اختلف والمقاييس اختلفت فلابد ان نتعامل مع هذا المعيار وعلي هذا الأساس. ذلك بالإضافة لعدد من الملحنين والموزعين الكبار انكروا معرفتهم اصلا بوجود هذا اللون المقدم من هؤلاء الشباب بل كانوا في حالة من الاستنكار لهذه الأسماء وعن احتمالية سماعهم مسبقاً. وفي النهاية ومهما اختلفت أو اتفقت أذواقنا ومايمتعنا من مشهيات سماعية ففي النهاية الحكم يكون للزمن وللتاريخ فلقد تربينا وترددت علي مسامعنا حكمة شهيرة "الانسان لا يخلد إلا بذكراه "