في منتصف القرن العشرين تنبأ الفنان فيكتور فزارلي بموت لوحة الجدار وصدم دو شامب الجمهور بمجسم النافورة الدادي، وحضر سلفادور دالي معرضه ببدلة غطس وعاش السيريالية وتعايش معها.. وسحب بابلو بيكاسو متذوقي ونقاذ الفن الحديث إلي مغامراته الخلاقة كنهر هادر من الإبداع المتجدد.. وتظهر الميتافيزيقا وفن الكولاج لبول ديلفو وفرانز أراب.. وتحتضر التعبيرية الثورية بعد سقوط النازي وتاتي التعبيرة المتصالحة . ففنون ما بعد الحداثة يتداخل الزمان والمكان في تماة لاواع في بنائية العمل التشكيلي متخلصا من الإطار الحداثي.. نتلمسها في أعمال الأمريكي جاكسون بولوك ، والفرنسي جورج تمايو والعروض الحية للألماني المهاجر لأمريكا جوزيف بويز والمسرح الراقص للبناني وليد عوني والمسرح التجريبيي للمصري انتصار عبد الفتاح . فتيار الزمان تداخل ذائباً في مادية المكان.. وتسكع المتلقي أمام عرض حي للحضارات السحيقة والقديمة والقريبة والحاضر والمستقبل في تناص مع تيار اللاوعي الإنساني.. في بانوراما فاقدة للمحور والمنطق السائد.. ومتحركة داخل المفهوم الافتراضي للأشياء عابرة للنوعية التقليدية.. صارخا الدال التشكيلي باحثا عن دلالاته المشوهة والمنفية في زمان ومكان افتراضيين . فمفهوم الزمان والمكان في الأعمال التشكيلية الما بعد حداثية انطلق خارج إطار البناء التشكيلي الحداثي.. ليتماهي في لدونه إنسانية إبداعية إلي العالمي نافيا الزمكان التقليديين في آن واحد . وتنتهي الحداثة في أوروبا.. ولكنها تستمر في مصر.. ندركها في الغبار المتخلف عن عدو مجنون الجزار في أزقة السيدة زينب وحلقات الذكر والسحر والشعوذة للهامشين والمهمشين في الأحياء الشعبية.. ويجلس إيميه عازار لليلة واحدة أمام الجزار بمنزله لينهي لوحته«الرجل والقط» وينظر لمحطات الفن المصري الحديث حتي سنة 1961.. وخلف الزير المكسور تختفي قطط حامد ندا الأسطورية ويقفز ديكه الشقي علي رؤوس نسائه المطاطية ودراويشه الملتصقة أجسادهم بكراسي مقاهي الحسين.. ويغوص عمر النجدي في طقوس السبوع وطهور الصبية وأحلام فتيات الغرف الضيقة بمصر المحروسة . وتستمر الحداثة المصرية في أعمال جاذبية سري، البهجوري ، حامد عويس ، منير كنعان ، رمسيس يونان ، سمير رافع ، أيمن السمري.. جمال مليكه وغيرهمم.. إلي أن يحضر بقوة المسرح التجريبي والسينما التجريبية والبيناليات والفيديو كليب لتهب مفاهيم المابعد الحداثة علي فناني مصر بمعطيات للزمان والمكان حركت الساكن وانطلقت الصمت الصامت ... ففي سويسرا بمدينة بازل سنة 1929 تبشر عروض «الباوهاوس» برؤية لامنطقية إبداعية لعروض لشباب يرتدون ملابس ملونة من خلال عروض لتكوينات تشكيلية . ومن خلال التأثر بالمدرسة المستقبلية تظهر البنائية في المسرح بتقليص دور الممثل وتهاجر اللوحات التشكيلية الجدارية لتسكن خشبة المسرح كمكان ابداعي فأعمال جورج سورا لوحة «بعد ظهر يوم الأحد» تتحول إلي مسرح استعراضي للمخرج «ستفن هاين» في شيكاغو.. ويصمم بيكاسو باليه «القبعة المثلثة» للوحة بيراندلو في لندن وتمارس الحركة الدادية عروضها بقهوة «فولتير» بزيورخ .. وتتحول لوحة «موت مارا» لجاك لويس دافيد إلي مسرحية «مارا صاد» لبيتر بروك علي المسرح الملكي سنة 1964 ... وفي سنة 1956 يعرض أوجين يونسكو مسرحية الكراسي مبشرا بسموطيقا المشهد المسرحي ... فالمكان التقليدي للعروض التشكيلية تماهي وتداخل مع الشارع / الطريق البري / المسرح/ البيئة الجغرافية/ الأماكن التاريخية/ جسد الإنسان / بصمات الأنامل وآثار الأقدام بل وسقط المتاع الإنساني كرصد لسلوك وحياة بشر في مكان وزمان ما ... بل رؤية العام من خلال عدسات للحظة ما ... وكان جاكسون بولوك الأمريكي يبدع أعماله من خلال تفاعله مع المكان والزمان في آن واحد «لوحة الإيقاع الخريقي، الغابات».. وجورج تمايو الفرنسي يمارس الواقعية الغنائية من خلال العرض الفني الراقص أمام الجمهور في تداخل بين إيقاع جسده الحركي وأرضية اللوحة التي يرقص فوقها وبانتهاء زمن الإبداع «الرقص» ينتهي «فعل» الإبداع لتبقي اللوحة علي الأرض حدث/ توثيق مادي لفعل «زماني» انتهي.. وكان ينفذ أعماله الإبداعية في استاد رياضي أمام الجماهير علي أنغام الموسيقي وتطلب منه الجماهير تعديل الألوان والأشكال في أعماله التي تصل أكثر من عشرة أمتار.. وبانتهاء اللوحة العملاقة ينتهي العرض الفني وتمزق اللوحة إلي قطع صغيرة تهدي للجماهير في تداخل بين مادية اللوحة ورمزية الإهداء أي بين الدال الفني ودلالاته التي تغيرت إلي قصاصات ذات ذكري فنية بدلالات مرنة ... مادية . ويظهرالمسرح التشكيلي في بولندا للمخرج «ليشيك مونيجيك» ممارسا عرض اللوحات في تداخل مع اللعب المسرحي أو معالجة الزمن / بناء صورة بصرية / تكسير اللغة المنطوقة . ويتناول المخرج انتصار عبدالفتاح في مسرحيته «مخدة الكحل» سنة 1998 المسرح الصوتي.. وامتزاج التراث متأثرا بلوحات عبد الهادي الجزار بتحريكها في زمان ومكان وفضاء مسرحي جديد.. ويأتي الراقص والمخرج وليد عوني بمسرحية حلم نحات باعثا الحركة والحيوية في تماثيل محمود مختار بمسرحية«حلم نحات» ويعرض لوحة مجنون الجزار في عمل فيديو برؤيا وتداخل زمانياومكانيا مع اسقاطات دلالية علي المخزون التراكمي لأعمال الجزار الإبداعية.. وفي مسرحية«نساء قاسم أمين» 2011 يتداخل الزمان التراثي مع المكان الإفتراضي برؤيا ثورية نسوية للمرأة المصرية التي مازالت تسحل علي الطرقات في ثورة 25 يناير ... ويعرض جوزيف بويز نفسه لخطر الإيذاء من خلال بقائه لعدة أيام مع ذئب بري أمريكي في عمله«أنا أحب أمريكا وأمريكا تحبني» في تداخل بين المكان «القفص الحديدي» والزمان «ثلاث أيام» يحيا مع الحيوان المفترس أمام الجمهور ليصل إلي دلاله التعايش والتفاهم السلمي معا فالذئب رمز الهنود أصحاب الأرض والفنان المستعمر الوافد... ويتداخل مكان العرض وأصواته بعرض الفيدو للفنانة الأمريكية«جوديت باري» في بينالي القاهرة سنة 2001 مع زمن العرض بعنوان «تعطيل الصوت» وتأتي «نانسي اسيبرو» بتداخل للحضارات المتباعدة زمانيا وأيضا الفنانة «بربارا جراف».. بفنون ما بعد حداثية استهلاكية لملابس الإنسان.. كعمل فني متحرك مكانيا وزمانيا ومستهلك كسلعة فنية ... وما بعد الحداثة ومكملات الزينة للمرأة.. تتحول الابداعات التشكيلية إلي مكان ثابت في جسد المرأة وزمان متحرك مع سلوكها اليومي من خلال الحنين للماضي والذكريات الفنية بالاقتباس والإحالة التاريخية فلوحة الفنان الروسي«جولينسكي» بوتريه راقصه يبدعه المصمم«مارليزيم» دبوس للصدر والعمل السيريالي «اغراء سانت انتوني» للفنان السيريالي«هيرونموش بوش» يصبح قلادة وهكذا.. فالزمان والمكان تماهي في لدونة في المسرح التشكيلي والفيديو كليب والعروض الفنية وأيضا في مكملات الزينية النسائية.. ليعبر عبر النوعية من المحلي إلي العالمي وينفي الزمان والمكان التقليديين ليتماهي مع معطيات الآلفية الثالثة المتجلية في ثورة 25 يناير لسنة 2011 عندما تحول الزمان الافتراضي في الفيس بوك إلي الواقع المادي الحقيقي بالنزول لميدان التحرير والسويس والإسكندرية وغيرها متحولا ببعد ما بعد حداثي من الفضاء المطلق لا مكاني إلي أرض الواقع المكاني في تداخل ثوري عفوي شعبي بفاعليات فنية تعبيرية مصرية لم تحدث مثلها في ثورات الربيع العربي المجاورة.. فظهر الوعي الثقافي الحضاري المصري لفنون الغناء والشعر والموسيقي والرسم والأداء الارتجالي والمسرحي مثل تلوين الوجوه والأجساد والرسم علي أرضية ميدان التحرير.. وتوحد الهلال مع الصليب ومجسمات فنية لشواهد الشهداء وجنازات افتراضية تحاكي الأحداث الثورية.. وإبداع دمي للسياسيين الفاسدين ومحاكمتهم مسرحيا بعروض تجاوزت الحدث الثوري المكاني في تداخل مع اللحظات الثورية الزمانية في فعل إبداعي ما بعد حداثي ... متماهي مع الشخصية المصرية الواعية حضارياً.