تنسيق الجامعات 2025.. الكليات المتاحة لطلاب الأدبي في المرحلة الأولى    توقف جزئي ب «جزيرة الدهب».. مصدر يكشف سبب انقطاع المياه في محافظة الجيزة    شريان الحياة من مصر | شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح تمهيدًا لدخولها إلى غزة    تحالف بقيادة قوات الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان    القنوات الناقلة ل مباراة برشلونة وفيسيل كوبي الودية.. وموعدها    رغم سفره مع بيراميدز في معسكر الإعداد للموسم الجديد.. سيراميكا كليوباترا يعلن ضم فخري لاكاي    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    درجة الحرارة 47.. إنذار جوي بشأن الطقس والموجة الحارة: «حافظوا على سلامتكم»    احمِ نفسك من موجة الحر.. 8 نصائح لا غنى عنها لطقس اليوم    الخامسة في الثانوية الأزهرية: «عرفت النتيجة وأنا بصلي.. وحلمي كلية لغات وترجمة»    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    الدفاع الروسية: إسقاط 12 مسيّرة أوكرانية خلال ساعات الليل    دقيق وسكر ومعلبات.. جيش الاحتلال يبدأ إسقاط مساعدات إنسانية على غزة (فيديو)    الجنرال الصعيدي.. معلومات عن اللواء "أبو عمرة" مساعد وزير الداخلية للأمن العام    لطيفة تعليقًا على وفاة زياد الرحباني: «رحل الإبداع الرباني»    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    أمين الفتوى: الأفضل للمرأة تغطية القدم أثناء الصلاة    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    إصابة 11 شخصًا بحادث طعن في ولاية ميشيغان الأميركية    عيار 21 بعد الانخفاض الكبير.. كم تسجل أسعار الذهب اليوم الأحد محليًا وعالميًا؟    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 27 يوليو 2025    محافظ الدقهلية يتدخل لحل أزمة المياه بعرب شراويد: لن أسمح بأي تقصير    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    عكاظ: الرياض لم يتلق مخاطبات من الزمالك بشأن أوكو.. والمفاوضات تسير بشكل قانوني    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    وسام أبو علي يودع جماهير الأهلي برسالة مؤثرة: فخور أنني ارتديت قميص الأهلي    عطل مفاجئ في محطة جزيرة الذهب يتسبب بانقطاع الكهرباء عن مناطق بالجيزة    5 أسهم تتصدر قائمة السوق الرئيسية المتداولة من حيث قيم التداول    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    سم قاتل في بيت المزارع.. كيف تحافظ على سلامة أسرتك عند تخزين المبيدات والأسمدة؟    خلال ساعات.. التعليم تبدأ في تلقي تظلمات الثانوية العامة 2025    مصرع شخصين وإصابة 2 آخرين في حادث تصادم دراجة بخارية وتوك توك بقنا    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    قبل كتابة الرغبات.. كل ما تريد معرفته عن تخصصات هندسة القاهرة بنظام الساعات المعتمدة    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    تامر أمين يعلّق على عتاب تامر حسني ل الهضبة: «كلمة من عمرو ممكن تنهي القصة»    نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم لمعهد ناصر ووزارتا الثقافة والصحة تتابعان حالته الصحية    مستشفى بركة السبع تجري جراحة طارئة لشاب أسفل القفص الصدري    بدء المؤتمر الجماهيري لحزب "الجبهة الوطنية" في المنوفية استعدادًا لانتخابات الشيوخ 2025    ماكرون يشكر الرئيس السيسى على جهود مصر لحل الأزمة فى غزة والضفة الغربية    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابات جراء قصف الاحتلال شقة سكنية في غزة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    "الخارجية الفلسطينية": العجز الدولي عن معالجة المجاعة فى قطاع غزة غير مبرر    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    القاهرة وداكار على خط التنمية.. تعاون مصري سنغالي في الزراعة والاستثمار    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل داخل ترعة بقنا    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بمنزل في البلينا بسوهاج    جامعة الجلالة تُطلق برنامج "التكنولوجيا المالية" بكلية العلوم الإدارية    5 أبراج «يتسمون بالجشع»: مثابرون لا يرضون بالقليل ويحبون الشعور بمتعة الانتصار    البنك الأهلي يعلن رحيل نجمه إلى الزمالك.. وحقيقة انتقال أسامة فيصل ل الأهلي    سيدة تسبح في مياه الصرف الصحي دون أن تدري: وثقت تجربتها «وسط الرغوة» حتى فاجأتها التعليقات (فيديو)    عاجل- 45 حالة شلل رخو حاد في غزة خلال شهرين فقط    حلمي النمنم: جماعة الإخوان استخدمت القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها    تقديم 80.5 ألف خدمة طبية وعلاجية خلال حملة "100 يوم صحة" بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ليه لأ».. عنوان بلا مدلول لعرض ذي رؤية حداثية
نشر في القاهرة يوم 16 - 03 - 2010

ليه لأ.. عنوان لعرض فني نوعي في قصر الفنون.. العنوان لا يميز عرضاً فنياً ولا يشير إلي هويته الفكرية.. فهذا العنوان يشير لاستباحة أي شيء في أي مجال بل ويوحي بسمة استعراضية دون مقياس للقيمة وترسيخ لعبارة مطاطة لمنطق يفتح الباب للتلون والتشكل في انفصال عن منهج البحث.. وليه لأ؟ ما دام هذا المنطلق يسود حياتنا رغم أن القائمين علي المعرض لم يقصدوا هذه العبارة السائدة لإباحة أي وكل شيء بصرف النظر عن القيمة وقصدا الدفع بفكرة التجريب إلا أن العنوان ليس اختيارا موفقًا كمنهج للعمل الفني.
لأن هذا العنوان يوحي بالكثير من عدم الانضباط الفني.. وهو علي النقيض كقيمة ومدلول من عرض نوعي أيضاً وكبير قدمه نفس القصر منذ عامين بعنوان «ماذا يحدث الآن». المتسم بالفكر التجريبي الحداثي بالوسائط الحديثة والتقليدية لفنانين معظمهم من الشباب.. وكان من المهم أن يستمر القصر في بدايته القوية بسلسلة عروضه: ماذا يحدث الآن؟ مثلا في 2010 لأن هذه العروض ستكون تسجيلا حيا وليس نظريا ويرسم صورة حية لما يحدث في ذلك الآن «الآنية» لحركة التشكيل المصري أكثر من أي عروض أخري ويحسب للفنان المستنير فاروق حسني تأسيسه لصالون الشباب الذي فتح أبواب التجريب والحداثة للشباب التي امتدت مع كثير من فناني الصالون حتي فترة ما بعد الشباب ونتواصل وأعمالهم الآن من خلال المعارض النوعية للرؤية الحداثية- والتي تقام في قصر الفنون باختيارات شعلان وطلعت- رغم ابتعادهما هما أنفسهما عن الأعمال الحداثية- والتي تعمل في الدفع بقوة لفكر واتجاهات الحداثة لدي الشباب ولمن أكبر سناً خاصة مع تسخير القطاع لكل الامكانيات من مساحة زمانية ومكانية للرؤية الجيدة لهذه العروض الأكثر حيوية في حركة التشكيل المصري والعالمي اليوم.. ولكن ما لا يحسب للقصر استضافة فنانين للمجاملة والمفروض علي العرض دون مبرر ولا ينتهجون منهجًا مفاهيميا ولا حداثيا مما أحدث فصلا وتشويشا علي مسار الرؤية داخل قصر الفنون.. وربما العمل بمنطق ليه لأ جعل كل شيء مباحا خاصة واثنان من الثلاثة والأربعين فناناً العارضين سبق لهما وعملا بنظرية ليه لأ؟ كما يفهمانها واستوليا منذ سنوات قليلة بجرأة علي تجربة وفكر وأسلوب فنان أرمني مصري.
أعود لأعمال العرض المهمة وسأذكر بالعرض لبعض من أعمال فنانين جادين التجربة، وأكثر ما يجعل هذا العرض متسماً بالحيوية فكرة التحولات التي نراها في كثير من الأعمال في تحول الشكل والرؤية معاً.. والبعد الفلسفي الرمزي أو المفاهيمي.. وفكرة التحولات نراها في أعمال الفنانين: جمال مليكة.. أيمن لطفي.. خالد حافظ.. ريهام السعدني.. نيفين فرغلي.. حازم المستكاوي.. عبدالوهاب عبدالمحسن.. أكرم المجدوب.. أحمد محمود ناجي.. رمزي مصطفي.. مجدي السيد.. أحمد بسيوني.. آمال قناوي.
قفزة الفنان جمال مليكة في الفراغ تحدث تحول رؤية من اللوحة إلي المجسم أو من اللوني إلي الضوئي المتحرك من مكان خلال زمان إلي الفضائي.. ليمر الشكلان محدثين حالة تشابك مادي «فيزيائي» ومحيطه الفضائي محدثاً شرارات عبور بين تذبدب الحركة والموج الضوئي.. وأجساد شخوصه المجوفة الممتلئة ضوءاً تقفز إلي حيث لا صوت ولا زمان لتظل أسيرة ماديتها متحولة في مزاوجة بين الفراغي.. المكاني.. الضوئي.. أمام عمل مليكة يحدث لدي المشاهد تداخل بصري بين مدخلات ومخارجات خطية شرائطية تحدث حالة توقع لتشابكات خطية مع امتداد الحركة بمجرد أن تبدأ كأن الفنان يختبر بتلك الأجساد قدر التلاحق المتشابك لتلك القذفة البصرية المضيئة كشهب.. وهذه التحولات المركبة الأثر لذلك الحضور المادي المجسد الذي هو في نفس الوقت هو فراغ محاصر بالخطوط.. محدثاً تحولا من اللوني المسطح إلي الضوئي المجسم.. ومن الإدراك الحسي إلي ديناميكية الشكل الملموس بإحساس غامض لتجربة تحولات شعرية.
أما التحولات في عمل الفنان أيمن لطفي يعتمد علي ما يحدثه التمزيق المادي من تمزيق نفسي من خلال مفرمته الرمزية لقهر الإنسان بالعدوان المادي بالحروب غير المبررة.. وقد عمد الفنان إلي إحداث ادخالات منظمة بين السلوك العدواني علي الجسدي في تكرارية توحي بدوامه واستمراريته من خلال عمل المفرمة التكراري أو الآلي ومن خلال تعدد وسائل الفنان لعرض فكرته حول ديناميكية ثقافة القتل وثقافة اللامنطق. باللوحة والمجسم والفيديو.
أما التحولات في عمل الفنان خالد حافظ فهي زمانية مكانية.. تتحرك في المكان داخل قاعة العرض وفي الزمان بالعودة إلي الوراء حيث استدعاء الحدث من ذاكرة الوطن من مساره الزمني.. وهنا حاول الفنان ونجح في خلق معادل موضوعي وبتحويل الحدث إلي مفهوم بعدما تم تحريره من ثقل واقعيته المرتبطة بالزمان والمكان.. ولينجح من خلال عمله الذي أراه عملا مركبا في الزمان والمكان علي قدر حيويته وحركته الشبه دائرية في المكان حيث إنه نجح باقتدار في إقامة بنائية ذهنية و ليست عضوية رغم التسجيل الصوتي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في خطاب تنحيته، وفي ذكاء سياسي اجتماعي اهتم الفنان بالشكل التعبيري قدر اهتمامه بالبعد المفاهيمي.
أما تحولات الفنانة ريهام السعدني فهي تعتمد علي تحولات في المكان فقط داخل الجسد الواحد.. في عملها ربما تأثرت الفنانة بفكرة الاستنساخ لكنها اخضعتها لرؤية مفاهيمية خاصة بها قائمة علي فكرة الانقسام علي الذات.. وهذا الانقسام علي الذات تحول عندها من الأثر النفسي إلي المظهر العضوي أو هو تحول من الداخل إلي الخارج.. وقد حاولت الفنانة إحاطة فكرتها الأساسية بمحيط تفسيري لم يصف الكثير فلم يكن هناك مبرر لتبرير عملية الانقسام علي الذات أو تفسيرها بصرياً في نص بصري بدي مباشراً بينما عملها قائم علي الرؤية المفاهيمية.
وتميز عمل الفنانة نيفين فرغلي بالتحول اللحظي المباشر من الحركي إلي الصوتي.. كتسجيل لتحول الارتدادات المكيانزمية من ذبذبات الحركة المعدنية إلي أمواج صوتية.. فعملها هو تسجل للوجود اللحظي في لحظة معينة لالتقاء حركة مع جزء ثابت نتج عن لقائهما صوت لحظي.. ورغم رتابة الإيقاعية في عملها إلا أن صدي الانتشار للصوت المعدني في الحجرة المخصصة لعملها انتشر في فضائها علي هيئة موجات متتالية سيطر علي الآلة نفسها.. وقد بدأ العمل أثناء عملية التحول راسماً لخريطة صوتية تكرارية كبقع مكررة داخل منظومة من الحركة الآلية والضوئية.
أما عمل الفنان حازم المستكاوي فقد اعتمد فيه علي التحول البصري القائم علي ما يشبه الأوب آرت البصري بالتعامل مع موجب وسالب الشكل المكعبي والقائم علي منظور لمكعب مفرغ أو مقفول.. ومن خلال أعمدته الثلاثة الثمانية وتبادلية أوضاعها التي كانت تحتاج لتقترب أكثر من بعضها لتحدث أثرا بصريا مباشرا لذلك التجاور.. وعمل الفنان اعتمد كثيراً علي طرح البعد الثالث وتحقيق العمق في ثابتة كأنه رسم بياني وفق جدول زمني للتغيرات البصرية داخل ومن فوق سطح بنائيته المعمارية الدينامية.. وأري نجاح الفنان في اعتماده علي تشكيل شبكة داخلية أثارت التفاعل الموسيقي التصاعدي القائم علي التوازنات الذهنية فقط دون العاطفية.. وبذلك التتالي بين البارز والغائر والفراغي والمقفل بين المتصاعد البصري والمنخفض.
وتبدو فكرة التحولات واضحة ومكتملة بين عملي الفنانين هاني راشد وأحمد عسقلاني.. بين فكرتي التسطيح في تقابل مباشر في المكان بين عمل هاني الشرائحي وعسقلاني المجسم وكلاهما للإنسان.. والاثنان يعملان علي فلسفة الشكل الرمزي ليبدو عملهما معاً كبندول يتأرجح بين المسطح والمجسم.. شخوص هاني مسطحة تملأ حافة المكان وتقطع الفضائي في شرائح رأسية ليصبح الإنسان مجرد شريحة مسطحة.. أو ربما يوحي عمله بالسفر اللامادي تجاه بعض المشاعر والذاكرة والاحساس الذي يوجد بشكل أكثر حضوراً وكثافة في عمل عسقلاني بالتواجد الجسدي إلا أنه تواجد خادع لهشاشة مادته رغم التواجد في الحيز الفضائي واحتلاله كحجم وهو علي العكس من تواجد شخوص هاني الشرائحي.. وعملهما لتجاورهما يحدثان حالة تنقل حيوي في عين المشاهد بذلك التنقل بين المسطح والمجسم.
أما فكرة التحولات في عمل الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن فهي قائمة بالكامل علي التحول المفاهيمي وليس البصري.. فقد أقام جدارا من أرغفة الخبز «المحمص» ذي الشكل المنتفخ.. فكان جدارا هشا يتخلله الهواء وربما قصد الفنان أن يغير المفهوم السائد للجدار إلي رؤية مفاهيمية مختلفة مثلما غلف الفنانان كريستو وجان كلود لمبني البرلمان الألماني الرايخستاج بالستائر ولفافات القماش فبدا مفهوم المكان مختلفا تماماً مع اختلاف الشكل التقليدي للمبني.. كذلك المفهوم التقليدي للجدار الذي تبدل إلي مفهوم علي نقيضه قد عدل من مستويات الرؤية لدي المشاهد إلي ازدواج للمفاهيم بين التركيبية اللامنطقية والاحتياج المادي.. وهذا أحدث تعديلا لمستويات تحولية للرؤية بين الجمالية والوظيفية وما تستدعيه من مفاهيم جديدة.
«ليه لأ».. عنوان بلا مدلول لعرض ذي رؤية حداثية
ليه لأ.. عنوان لعرض فني نوعي في قصر الفنون.. العنوان لا يميز عرضاً فنياً ولا يشير إلي هويته الفكرية.. فهذا العنوان يشير لاستباحة أي شيء في أي مجال بل ويوحي بسمة استعراضية دون مقياس للقيمة وترسيخ لعبارة مطاطة لمنطق يفتح الباب للتلون والتشكل في انفصال عن منهج البحث.. وليه لأ؟ ما دام هذا المنطلق يسود حياتنا رغم أن القائمين علي المعرض لم يقصدوا هذه العبارة السائدة لإباحة أي وكل شيء بصرف النظر عن القيمة وقصدا الدفع بفكرة التجريب إلا أن العنوان ليس اختيارا موفقًا كمنهج للعمل الفني.
لأن هذا العنوان يوحي بالكثير من عدم الانضباط الفني.. وهو علي النقيض كقيمة ومدلول من عرض نوعي أيضاً وكبير قدمه نفس القصر منذ عامين بعنوان «ماذا يحدث الآن». المتسم بالفكر التجريبي الحداثي بالوسائط الحديثة والتقليدية لفنانين معظمهم من الشباب.. وكان من المهم أن يستمر القصر في بدايته القوية بسلسلة عروضه: ماذا يحدث الآن؟ مثلا في 2010 لأن هذه العروض ستكون تسجيلا حيا وليس نظريا ويرسم صورة حية لما يحدث في ذلك الآن «الآنية» لحركة التشكيل المصري أكثر من أي عروض أخري ويحسب للفنان المستنير فاروق حسني تأسيسه لصالون الشباب الذي فتح أبواب التجريب والحداثة للشباب التي امتدت مع كثير من فناني الصالون حتي فترة ما بعد الشباب ونتواصل وأعمالهم الآن من خلال المعارض النوعية للرؤية الحداثية- والتي تقام في قصر الفنون باختيارات شعلان وطلعت- رغم ابتعادهما هما أنفسهما عن الأعمال الحداثية- والتي تعمل في الدفع بقوة لفكر واتجاهات الحداثة لدي الشباب ولمن أكبر سناً خاصة مع تسخير القطاع لكل الامكانيات من مساحة زمانية ومكانية للرؤية الجيدة لهذه العروض الأكثر حيوية في حركة التشكيل المصري والعالمي اليوم.. ولكن ما لا يحسب للقصر استضافة فنانين للمجاملة والمفروض علي العرض دون مبرر ولا ينتهجون منهجًا مفاهيميا ولا حداثيا مما أحدث فصلا وتشويشا علي مسار الرؤية داخل قصر الفنون.. وربما العمل بمنطق ليه لأ جعل كل شيء مباحا خاصة واثنان من الثلاثة والأربعين فناناً العارضين سبق لهما وعملا بنظرية ليه لأ؟ كما يفهمانها واستوليا منذ سنوات قليلة بجرأة علي تجربة وفكر وأسلوب فنان أرمني مصري.
أعود لأعمال العرض المهمة وسأذكر بالعرض لبعض من أعمال فنانين جادين التجربة، وأكثر ما يجعل هذا العرض متسماً بالحيوية فكرة التحولات التي نراها في كثير من الأعمال في تحول الشكل والرؤية معاً.. والبعد الفلسفي الرمزي أو المفاهيمي.. وفكرة التحولات نراها في أعمال الفنانين: جمال مليكة.. أيمن لطفي.. خالد حافظ.. ريهام السعدني.. نيفين فرغلي.. حازم المستكاوي.. عبدالوهاب عبدالمحسن.. أكرم المجدوب.. أحمد محمود ناجي.. رمزي مصطفي.. مجدي السيد.. أحمد بسيوني.. آمال قناوي.
قفزة الفنان جمال مليكة في الفراغ تحدث تحول رؤية من اللوحة إلي المجسم أو من اللوني إلي الضوئي المتحرك من مكان خلال زمان إلي الفضائي.. ليمر الشكلان محدثين حالة تشابك مادي «فيزيائي» ومحيطه الفضائي محدثاً شرارات عبور بين تذبدب الحركة والموج الضوئي.. وأجساد شخوصه المجوفة الممتلئة ضوءاً تقفز إلي حيث لا صوت ولا زمان لتظل أسيرة ماديتها متحولة في مزاوجة بين الفراغي.. المكاني.. الضوئي.. أمام عمل مليكة يحدث لدي المشاهد تداخل بصري بين مدخلات ومخارجات خطية شرائطية تحدث حالة توقع لتشابكات خطية مع امتداد الحركة بمجرد أن تبدأ كأن الفنان يختبر بتلك الأجساد قدر التلاحق المتشابك لتلك القذفة البصرية المضيئة كشهب.. وهذه التحولات المركبة الأثر لذلك الحضور المادي المجسد الذي هو في نفس الوقت هو فراغ محاصر بالخطوط.. محدثاً تحولا من اللوني المسطح إلي الضوئي المجسم.. ومن الإدراك الحسي إلي ديناميكية الشكل الملموس بإحساس غامض لتجربة تحولات شعرية.
أما التحولات في عمل الفنان أيمن لطفي يعتمد علي ما يحدثه التمزيق المادي من تمزيق نفسي من خلال مفرمته الرمزية لقهر الإنسان بالعدوان المادي بالحروب غير المبررة.. وقد عمد الفنان إلي إحداث ادخالات منظمة بين السلوك العدواني علي الجسدي في تكرارية توحي بدوامه واستمراريته من خلال عمل المفرمة التكراري أو الآلي ومن خلال تعدد وسائل الفنان لعرض فكرته حول ديناميكية ثقافة القتل وثقافة اللامنطق. باللوحة والمجسم والفيديو.
أما التحولات في عمل الفنان خالد حافظ فهي زمانية مكانية.. تتحرك في المكان داخل قاعة العرض وفي الزمان بالعودة إلي الوراء حيث استدعاء الحدث من ذاكرة الوطن من مساره الزمني.. وهنا حاول الفنان ونجح في خلق معادل موضوعي وبتحويل الحدث إلي مفهوم بعدما تم تحريره من ثقل واقعيته المرتبطة بالزمان والمكان.. ولينجح من خلال عمله الذي أراه عملا مركبا في الزمان والمكان علي قدر حيويته وحركته الشبه دائرية في المكان حيث إنه نجح باقتدار في إقامة بنائية ذهنية و ليست عضوية رغم التسجيل الصوتي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في خطاب تنحيته، وفي ذكاء سياسي اجتماعي اهتم الفنان بالشكل التعبيري قدر اهتمامه بالبعد المفاهيمي.
أما تحولات الفنانة ريهام السعدني فهي تعتمد علي تحولات في المكان فقط داخل الجسد الواحد.. في عملها ربما تأثرت الفنانة بفكرة الاستنساخ لكنها اخضعتها لرؤية مفاهيمية خاصة بها قائمة علي فكرة الانقسام علي الذات.. وهذا الانقسام علي الذات تحول عندها من الأثر النفسي إلي المظهر العضوي أو هو تحول من الداخل إلي الخارج.. وقد حاولت الفنانة إحاطة فكرتها الأساسية بمحيط تفسيري لم يصف الكثير فلم يكن هناك مبرر لتبرير عملية الانقسام علي الذات أو تفسيرها بصرياً في نص بصري بدي مباشراً بينما عملها قائم علي الرؤية المفاهيمية.
وتميز عمل الفنانة نيفين فرغلي بالتحول اللحظي المباشر من الحركي إلي الصوتي.. كتسجيل لتحول الارتدادات المكيانزمية من ذبذبات الحركة المعدنية إلي أمواج صوتية.. فعملها هو تسجل للوجود اللحظي في لحظة معينة لالتقاء حركة مع جزء ثابت نتج عن لقائهما صوت لحظي.. ورغم رتابة الإيقاعية في عملها إلا أن صدي الانتشار للصوت المعدني في الحجرة المخصصة لعملها انتشر في فضائها علي هيئة موجات متتالية سيطر علي الآلة نفسها.. وقد بدأ العمل أثناء عملية التحول راسماً لخريطة صوتية تكرارية كبقع مكررة داخل منظومة من الحركة الآلية والضوئية.
أما عمل الفنان حازم المستكاوي فقد اعتمد فيه علي التحول البصري القائم علي ما يشبه الأوب آرت البصري بالتعامل مع موجب وسالب الشكل المكعبي والقائم علي منظور لمكعب مفرغ أو مقفول.. ومن خلال أعمدته الثلاثة الثمانية وتبادلية أوضاعها التي كانت تحتاج لتقترب أكثر من بعضها لتحدث أثرا بصريا مباشرا لذلك التجاور.. وعمل الفنان اعتمد كثيراً علي طرح البعد الثالث وتحقيق العمق في ثابتة كأنه رسم بياني وفق جدول زمني للتغيرات البصرية داخل ومن فوق سطح بنائيته المعمارية الدينامية.. وأري نجاح الفنان في اعتماده علي تشكيل شبكة داخلية أثارت التفاعل الموسيقي التصاعدي القائم علي التوازنات الذهنية فقط دون العاطفية.. وبذلك التتالي بين البارز والغائر والفراغي والمقفل بين المتصاعد البصري والمنخفض.
وتبدو فكرة التحولات واضحة ومكتملة بين عملي الفنانين هاني راشد وأحمد عسقلاني.. بين فكرتي التسطيح في تقابل مباشر في المكان بين عمل هاني الشرائحي وعسقلاني المجسم وكلاهما للإنسان.. والاثنان يعملان علي فلسفة الشكل الرمزي ليبدو عملهما معاً كبندول يتأرجح بين المسطح والمجسم.. شخوص هاني مسطحة تملأ حافة المكان وتقطع الفضائي في شرائح رأسية ليصبح الإنسان مجرد شريحة مسطحة.. أو ربما يوحي عمله بالسفر اللامادي تجاه بعض المشاعر والذاكرة والاحساس الذي يوجد بشكل أكثر حضوراً وكثافة في عمل عسقلاني بالتواجد الجسدي إلا أنه تواجد خادع لهشاشة مادته رغم التواجد في الحيز الفضائي واحتلاله كحجم وهو علي العكس من تواجد شخوص هاني الشرائحي.. وعملهما لتجاورهما يحدثان حالة تنقل حيوي في عين المشاهد بذلك التنقل بين المسطح والمجسم.
أما فكرة التحولات في عمل الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن فهي قائمة بالكامل علي التحول المفاهيمي وليس البصري.. فقد أقام جدارا من أرغفة الخبز «المحمص» ذي الشكل المنتفخ.. فكان جدارا هشا يتخلله الهواء وربما قصد الفنان أن يغير المفهوم السائد للجدار إلي رؤية مفاهيمية مختلفة مثلما غلف الفنانان كريستو وجان كلود لمبني البرلمان الألماني الرايخستاج بالستائر ولفافات القماش فبدا مفهوم المكان مختلفا تماماً مع اختلاف الشكل التقليدي للمبني.. كذلك المفهوم التقليدي للجدار الذي تبدل إلي مفهوم علي نقيضه قد عدل من مستويات الرؤية لدي المشاهد إلي ازدواج للمفاهيم بين التركيبية اللامنطقية والاحتياج المادي.. وهذا أحدث تعديلا لمستويات تحولية للرؤية بين الجمالية والوظيفية وما تستدعيه من مفاهيم جديدة.
فاطمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.