رغم الحجم الصغير نسبيا لهذا الكتاب الذي يقع في (60) صفحة من الحجم المتوسط، إلا أنه يتميز بغزارة المراجع التي استند إليها (أكثر من 40 مرجعًا) ويتحدث الكتاب الذي يتكون من 15 بابًا، عن خطورة الحاكمية والحكم باسم الله، ويرصد روايات تاريخية من تاريخ المسيحية والإسلام تؤكد خطورة المزج بين الدين والسياسة، فيتحدث الباحث عن الحكم باسم المسيحية وعندما تتحكم الكنيسة، وحروب الفرنجة (حروب تحت راية الصليب 1095-1291) و جرائم الكنيسة في حق العلماء في العصور الوسطي والحكم باسم الإسلام، و فنون التعذيب في العصر الإسلامي، وأول من سن قتل الأطفال والنساء وأول من عذب النساء في الإسلام، والاغتيالات باسم الدين و العمليات الإرهابية التي تمت خارج مصر وأخيرًا بيان الجماعة الإسلامية عن عدد أعضائها في مصر. ينحاز الدكتور "جمال محمد أبو زيد" في كتابه "نعم للدين لا للدولة الدينية" إلي الدين منتقدًا الدولة المدنية، ويري أن مشكلة المثقفين المصريين أنهم لم يتعظوا من تجارب التاريخ السياسي الخائبة والمدمرة. فكثير منهم ما زالوا يميلون إلي طرح شعارات مصطنعة تخلق معارك جانبية وتبعدنا عن المعركة الحقيقية من أجل الديمقراطية الحقة ومحاربة الفساد. ويستشهد الكاتب برواد الفكر العربي المضيء والمشرق من "رفاعة رافع الطهطاوي" و"عبد الرحمن الكواكبي" و"محمد عبده" و"قاسم أمين"، وصولًا إلي جيل الدكتور "طه حسين" و"أحمد لطفي السيد" و"سلامة موسي" و"علي عبد الرازق" ونيافة الأنبا "غريغوريوس" و"خالد محمد خالد" والأب "متي المسكين" والدكتور "أنطون يعقوب ميخائيل" وسواهم، الذين ساهموا فعلىًا في نهضة المجتمع وتحرير المرأة ومشاركتها الفعالة في مختلف مناحي الحياة، ودافعوا عن حرية الرأي والتفكير واحترام الرأي الآخر، بينما ينتقد الأصوليات الإسلامية السلفية التي تعمل وتسعي جاهدة إلي تقييد حركة الحاضر وجعله أسير الماضي، وأن تمجيدها لهذا الماضي هدفه تهديم الحاضر دون تقديم برنامج ومشروع مستقبلي عصري وتجديدي وعقلاني. كذلك فإن السلفية الجديدة تري أن كل الأسئلة القائمة التي يطرحها الإنسان موجودة في الغريزة أو في الدين، ونتيجة ذلك فإن الإنسان لا يقرأ الدين علي ضوء أسئلة الحياة وإنما يقرأ الحياة علي ضوء تعاليم الدين. حيث المرجعية في الدولة الدينية لأمور خارج نطاق البشر وفوق عقولهم، فإن المرجعية في الدولة المدنية هي لإرادة الناس وفكرهم، ذلك أن الدولة المدنية تقوم علي مبدأ أساسي مقتضاه أن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية. مخاطر الدولة الدينية يستشهد الكاتب بدراسة الدكتور "جابر عصفور" في "مخاطر الدولة الدينية" حيث يري الدولة الدينية دولة بشرية، لو أمكن قيامها تحكمها مجموعة من البشر تتحدث باسم الدين وتنوب عنه، وتحتكر تأويله وتفسيره وادعاء معرفته. ويلقي د. "جابر عصفور" في دراسته الضوء علي الخطر الجسيم للدولة الدينية حيث يري أن مخاطر الدولة الدينية لا تقتصر علي إلغاء الحريات بكل لوازمها فحسب، وإنما يمتد الخطر إلي إلغاء معني المواطنة، وتحويل الانتماء من الوطن إلي المعتقد ومن ثم الانتقال من روح التسامح ومبدأ المساواة الذي يمايز بين الطوائف الدينية والفئات الاجتماعية والتيارات السياسية في معني المواطنة المقترن بحق الاختلاف وطبيعته الحتمية، إلي مبدأ التعصب الذي يؤكد التمايز والانقسام الحدي، وعندئذ لن يصبح الدين لله والوطن للجميع بل يصبح الوطن من حق فئة بعينها بالدرجة الأولي، تغدو هي الفئة الأعلي والأرقي وغيرها الأدني والأقل في حقوق مواطنته، الأمر الذي يؤدي إلي الاحتقان في العلاقة بين أبناء الديانات المتعددة في الوطن الواحد وتحل العصبية البغيضة محل التسامح الرحب فيتحول الاحتقان إلي صراع وتنافر ومن ثم إلي فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر. ويري الكاتب أن الحل يكمن في فصل الدين عن السياسة. فحتي لو تنحي كل السياسيين النافذين الآن سيقوم المعممين ورجال الدين ومن سواهم بجلب آخرين علي نفس الطريقة، ففصل الدين عن السياسة هو سبيل خلاصنا من كل المآسي والفساد والسرقة. وفصل الدين عن السياسة سيأتي لنا بأصحاب العقول النيرة التي ستخدم مصر قبل أن تخدم الجماعة أو الطائفة أو المذهب. و سيرفع الغطاء عن كل المتسترين بالدين والذين يسرقون وينهبون في حماية دين من صنعهم. وفصل الدين عن السياسة سيقلل من الاحتقان الطائفي والذي يتغذي منه الإرهابيون. الحكم باسم المسيحية يستعرض الكاتب تاريخ الحكم باسم الله مع بداية انتشار المسيحية واعتبارها الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، حيث دمرت الكثير من المعابد الوثنية وقتل الكهنة الوثنيين. واشتهر كثير من القساوسة مثل مارك أريثوسا وسايرل من هليوبوليس بلقب "مدمروا المعابد". ففي عام 356 صدر قرار بأن يعاقب بالإعدام كل من يقيم طقوساً وثنية. وفي عام 782 أمر الإمبراطور كارل شارلمان بقطع رأس 4500 شخص لأنهم رفضوا اعتناق المسيحية، حيث إنه جعل حروبه العدوانية حروبًا دينية لا شك فيه!! فاستخدم السيف والنار في التبشير بإنجيل الصليب لدي السكسون والبوهيميين. في عام 1234 فرضت الكنيسة ضرائب مجحفة علي الفلاحين في "ستيدينج" بألمانيا ولم يكونوا قادرين علي دفعها، فتم ذبح 11 ألف رجل وامرأة وطفل. في القرنين السادس عشر والسابع عشر، قام الجنود الإنجليز بمهاجمة "أيرلندا" بدعوي تعريفهم بالرب كما وصفوهم "الايرلنديون متوحشون: إنهم يعيشون كالوحوش بدون أن يعرفوا الرب أو الأخلاق الحسنة. إنهم ونساؤهم وأطفالهم وحيواناتهم سواء". ولذلك أمر القائد "همفري جلبرت" بأنه "يجب أن تقطع وتفصل رؤوس هؤلاء الرعاع من أجسادهم وتصبح رأس كل منهم ملقاة بجانبه" وأضاف "إن منظر الرؤوس المفصولة يصيب الايرلنديين بالرعب خاصة عندما يروا رؤوس آبائهم وإخوانهم وأطفالهم وأصدقائهم علي الأرض" وكانت نتيجة هذه المذابح عشرات الآلاف من القتلي الايرلنديين. كما يستعرض الباحث حروب الفرنجة (حروب تحت راية الصليب في الفترة من 1095-1291). جرائم الكنيسة في حق العلماء يستعرض الباحث ما أسماه ب"تاريخ حروب رجال الكنيسة الكاثوليكية للعلم والعلماء في القرون الوسطي"، باعتباره تاريخاً طويلاً وحافلاً بالجرائم والإبادة الجماعية في حق الإنسانية، ففي زمن حكم رجال الكنيسة كانت تعتبر لديهم الأوبئة مثل الطاعون والكوليرا والجدري ... إرادة إلهية لا يمكن مواجهتها، ولذلك عندما ابتكر التطعيم ضد هذه الأمراض لقي معارضة شديدة من قبل الكنيسة، وكان أن ألقت جماعة مسيحية قنبلة في منزل الطبيب "بولستون" الذي كان مركزه يقوم بتطعيم مرضي الجدري. وكانت الكنيسة تعارض أي بحث علمي لا يتماشي مع المبادئ المسيحية ومنها التشريح الذي اعتبرته تشويها للجثث التي ستبعث بعد البعث في صور مشوهة. وأرجعت الكنيسة أسباب حدوث الصواعق والبرق بإعراض الناس عن دفع العشور وعدم مساعدتهم في إصلاح الكنائس، ولما حاول "بنيامين فرانكلين" إثبات أن البرق ما هو إلا شحنات كهربائية موجبة وسالبة، وأن وضع أعمدة حديدية مانعة للصواعق تمتص شحناتها الكهربائية، عارض رجال الكنيسة هذه المانعات، غير أن الناس أخذوا بنصائح هذا الرجل ووضعوا فوق بيوتهم مانعات الصواعق لامتصاص شحنات الصواعق. الحكم باسم الإسلام يري الباحث أن التعذيب كان شائعًا في كافة مراحل التاريخ الإسلامي، ففي بداية الدعوة الإسلامية بمكة وجد تجار قريش حاجة لإرهاب عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا فعذبوهم ليرجعوا عن الإسلام، وكانت وسيلتهم في ذلك هي التشميس الذي يعتمد علي شمس الجزيرة الحارقة، فكانوا يقيدون الضحية ويلقونه في الشمس بعد إلباسه أدرع الحديد أو وضع جندلة علي ظهره أو صدره ويترك علي هذا الحال ساعات غير محددة قد تستمر مادامت شمس النهار في عنفوانها، وظهر التشميس أيضًا في صدر الإسلام لتعذيب الممتنعين عن دفع الخراج. واستشهد الكتاب بقول الخليفة "عبد الملك بن مروان" عندما ألقي خطبة بعد توليه الحكم قال فيها: "... ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتي تستقيم لي قناتكم.. والله لا يأمرني أحدٌ بتقوي الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه". أما أول الخلفاء العباسيين "أبو العباس السفاح" فقد قال في خطبته: "فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير". وقال الباحث انه تمَّ اغتيال ثلاثة خلفاء أمويين في الحقبة الأموية، منهم "مروان" الذي اغتيل خنقًا علي يدي زوجته أم خالد بن يزيد. وفي الحقبة العباسية الأولي اغتيل خليفتان أحدهما الأمين اغتاله شقيقه المأمون والمتوكل بالله اغتاله ابنه. وفي الحقبة الثانية فقد تمَّ اغتيال سبعة خلفاء وصولًا إلي الحقبة العثمانية، حيث أفتي فقهاء السلطان العثماني "محمد الثالث" له بجواز اغتيال الأشقاء والأبناء منعًا للفتنة فقام بقتل تسعة عشر أخًا وابنين له.!؟ وفي مصر الإسلامية كان عسس الخليفة يفضلون "فن الخوذقة" وقد ابتكروا لاحقًا نوعًا جديدًا من التعذيب تمثل بتقشير جلد المغضوب عليه.!؟ فنون التعذيب يرصد الباحث أنواعًا مختلفة ومتعددة لما أسماه بفنون التعذيب في العصر الإسلامي، منها الضرب والجلد، الضرب بالسوط، حمل الرؤوس المقطوعة، قطع الرأس ووضعه في حضن الأقربين. الإعدام حرقًا، تعذيب متعدد الأشكال، الموت بالنورة، التعذيب بالنفخ بالنمل، التعذيب بالتعطيش، التعذيب بالتبريد بعد الجلد، التعذيب بالتكسير بالعيدان، التعذيب بقرض اللحم أو بالقصب. يقول الباحث أن أول من سن قتل الأطفال والنساء في الإسلام هو "معاوية بن أبي سفيان"، فإنه بعث ب"سر بن أرطاة" وبعث معه جيشًا، وأمره أن يسير في البلاد فيقتل كل من وجده من شيعة "علي بن أبي طالب" وأصحابه، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان، فاجتاح المدينة ومكة والسراة واليمن قتلا وهدما، ووجد ابنين صبيين ل"عبيد الله بن العباس" في "اليمن"، فأخذهما وذبحهما بيده، بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعًا إلي معاوية. الاغتيالات باسم الدين يرصد الباحث أول محاولة اغتيال سياسي للخليفة الثاني "الفاروق عمر" علي يد "أبي لؤلؤة المجوسي"، وكان أن قتل القاتل واثنين معه علي يد ابن الخليفة القتيل دون أن يلحقه القصاص. وكان ذلك أول مأخذ تاريخي علي الخلافة الجديدة!! وتم تصفية الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" بشكل بشع للغاية بعدما حاصر الثوار المصريون داره ومنعوا عنه الماء، ثم تسوروا عليه وقتلوه وهو يقرأ القرآن..!! في حين تخاذل عنه المقربون والمتاجرون بقميصه وأولهم معاوية أملًا بأن تؤول إليه الأمور، وقد تحقق ذلك بخدعة التحكيم الشهيرة التي أحدثت شرخًا عميقًا في الصرح الإسلامي، وباغتيال "علي" الخليفة الرابع علي يد "الخارجي عبد الرحمن بن ملجم".. بعد أن انغمس الصحابة والسيدة "عائشة أم المؤمنين" معه في آتون الصراع السياسي، وخاضوا موقعة الجمل وجها لوجه. ثم تقوم الدولة الأموية لما استتب الأمر لها قليلا بالقضاء علي الحسين في كربلاء وبدس السم للحسن عن طريق زوجته التي أملها معاوية بالزواج منها بعد ذلك.!! وقام معاوية بإرهاب صريح للصحابة فإما البيعة ليزيد وإما السيف والقصة معروفة للجميع..!! ويرصد الباحث في نهاية كتابه أهم العمليات الإرهابية في عصر مبارك، التي قامت بها جماعة الجهاد وغيرها.