منذ الآن وقبل شهور طويلة من بدء أعياد الكريسماس ورأس السنة ابتدأت الشركات الأمريكية تشحذ عزائمها وتستعد لمعركة فاصلة بين أفلام تقدم لها الدعاية الكبيرة من اليوم.. وعلي فترات لا تنقطع في جميع القنوات التليفزيونية الأمريكية والأوروبية. أهم فيلمين ينتظرهما عشاق السينما بشيء كبير من الاهتمام هما الفيلم الأمريكي الذي يعود به مخرج القسوة الشهير «تارانتينو» وعنوانه «بلا قيود» وهو أول فيلم وسترن يخرجه سيد الأفلام البوليسية العنيفة التي لاقت شهرة عالمية ووضعته علي رأس قائمة مخرجي أمريكا الكبار. الفيلم كما جاء في اشاراته الطويلة يدور في أتون الحرب الأهلية الأمريكية ويصور علاقة السود المتحررين من العبودية الزراعية ليسقطوا تحت نير عبودية اقتصادية من نوع آخر. وواضح من مشاهد العنف التي يقدمها التريلر أن المخرج لا يقف أمام أي عائق وأنه يشطح بعيدا جدا في معالجته هذا الموضوع الذي سبق للسينما الأمريكية أن قدمته أكثر من مرة ومن خلال مخرجين كبار ك«كلينت ايستوود» و«ستيفن سبيلبرج». نجم الأعياد والمفاجأة الكبري في فيلم تارانتينو هذا أنه يعهد بالبطولة لأول مرة إلي النجم الصاعد ليوناردو دي كابريو الذي يبدو أنه سيكون نجم أعياد الكريسماس بلا منازع. الفيلم الثاني سيأتي من استراليا ويعلن عودة مخرج كبير آخر إلي الأضواء هو «بوزلومان» الذي حقق شهرة مدوية بعد إخراجه لفيلم «مولان روج» وهو إعداد معاصر شديد الحيوية لقصة غادة الكاميليا التقليدية استطاع «بوزلومان» أن يقدم فيها «نيكول كيدمان» ممثلة شاملة تجمع من القدرة الفائقة علي التمثيل والقدرة الجسدية المؤثرة للاستعراض. وكان «بوزلومان» قد قدم قبل ذلك إعدادا معاصرا مدهشا لقصة «روميو وجولييت» لعب فيه «دي كابريو» بإقناع كامل دور روميو الذي بدا لنا وكأنه شكسبير قد كتبه خصيصا له. هذه المرة يعود النجمان «بوزلومان» و«دي كابريو» في إعداد استرالي الهوية لقصة أمريكية حتي النخاع هي «جاتس العظيم» لسكوت فيتذر جيرالد التي تروي قصة انهيار الحلم الأمريكي من خلال قصة انهيار عاطفي وصعود اقتصادي مدمر. إثارة الشهية سبق لهذه القصة أن أثارت شهية السينما الأمريكية أكثر من مرة فقدمتها في نهاية الأربعينات بفيلم يحمل نفس عنوان القصة الأدبية من بطولة النجم آلآن لاد. ثم تكررت التجربة مرة أخري من خلال المخرج الإنجليزي المتمكن «جاك كلايتون» بفيلم مثله نجم نجوم الستينات «روبرت ردفورد» الذي كان في أوج جماله وتألقه أمام كل من ميدافارو وكارين بلاك «التي اختفت فجأة رغم موهبتها الواضحة». وحقق الفيلم نجاحا نقديا كبيرا ولكنه لم يلق الإقبال الجماهيري الذي كانت تتوقعه الشركة رغم تألق ردفورد ونجوميته في ذلك الحين. القصة رائعة وتستحق حقا كل هذا الاهتمام لأنها تضع أصبعها بقوة علي المفصل الرئيسي لحركة الجسد الأمريكي صعوده وانهياره وحلمه العاطفي وسقوط هذا الحلم في ثنايا الدم والجريمة. الجديد لفيلم «بوزلومان» أنه يحاول أن يجعل من الحلم الأمريكي المجهض وسقوط فارسه الأبيض حلما ينطبق علي كل زمان ومكان، ولعل اختيار دي كابريو لأداء الدور الرئيسي كان شديد التوفيق حسب الصور التي جاءتنا من التريلات التي تذيعها الدعايات للفيلم. هذا الظهور الكبير لليوناردو دي كابريو في هذين الفيلمين الفائقين الأهمية يدفعنا إلي النظر إلي مسيرة هذا الفنان الذي مازال في أوج شبابه ومع ذلك استطاع أن يكون نجم نجوم زمانه وأن يجمع بين فتوة وانطلاق «جيمس دين» الأولي وبين نضوج «مارلون براندو» خصوصا في قدرته علي تعدد أدواره وشخصياته وعلي أن يكون مقنعا في كل منهما، وعن حسن اختياره لأدواره وللمخرجين الذين يتعامل معهم. كان أول ظهور ملفت لكابريو بفيلم للمخرج السويدي «هالستروم» من بطولة «جوني ديب» بعنوان «ما الذي يأكله جراب» لعب فيه دور مراهق معاق عقليا واستطاع بمهارة أن يجعل دوره معادلا لدور ديب الذي كان في مطلع نجوميته ثم لفت إليه الأنظار في دور مثلي الجنس في فيلم متوسط القيمة هو «مذكرات كرة السلة» جعله أداء دي كابريو فيلما ملفتا للنظر. ثم جاء دوره في فيلم عن علاقة الشاعر بودلير بالشاعر آرثر رامبو هذه العلاقة التي أثارت نيرانا كثيرة مازالت تشتعل حتي اليوم بين الشاعرين الكبيرين. رامبو الثائر لعب دي كابريو دور «رامبو» الثائر علي كل التقاليد والقيم والذي تنطلق روح الشعر من عينيه ومن حياته كلها والذي يقود حبه شاعرا كبيرا تقوده إلي نوع من الجنون ينتهي بمحاولة قتل فاشلة.. في هذا الفيلم المثير هناك أكثر من مشهد جنسي بين الشاعرين قدمتها المخرجة انجيلكا هولندرا بشاعرية و جرأة غير معتادتين. هذا الفيلم رغم الأداء الرائع الذي قدمه فيه دي كابريو بتقمصه شخصية «رامبو» قد أثار القلق في نفسه عندما بدأت شهرته تشتد وتشمل العالم كله وأحرجه مشهد اللقاء الجنسي الحار والقبلات الملتهبة بينه وبين فولين .. فسعي جاهدا إلي إيقاف الفيلم وشراء نسخ كثيرة منه لإعدامها ولكن ذلك زاد من شهرة الفيلم ومن تحوله إلي أيقونة سينمائية مثيرة يسعي الجميع إلي مشاهدتها. ثم جاء «غرفة مارفين» وهو فيلم نفسي صغير يعتمد علي أداء الممثل أكثر مما يعتمد علي السيناريو أو الإخراج، ولعب فيه دي كابريو دورا نفسيا معقدا قبل أن يواجه النجاح الكاسح والمنقطع النظير في الفيلم الجماهيري «تيتانيك» الذي وضعه فورا علي رأس قائمة نجوم أمريكا الشبان. الرجل ذو القناع ولم يؤثر فشل الرجل ذي القناع الحديدي ثم فيلم الشاطئ علي هذه الجماهيرية الواسعة التي حفرها «تيتانيك» في قلوب مشاهديه هذا الفتي الفقير الوسيم الذي يموت حبا غارقا لكي ينقذ حبيبته الثرية التي أجبرت علي الزواج بغيره. ولكن خلال هذه الوقفة التي تأرجحت فيها شهرة دي كابريو كان الممثل الشاب يفكر في الطريقة الأمثل لكي يضع اسمه بين الكبار مرة أخيرة دون نقاش أو مجادلة وهكذا عثر علي صانعه الجديد مارتين سكورشيري الذي قدمه لأول مرة في عصابات نيويورك هذا الفيلم المثير الرائع الذي لم يأخذ حقه من الانتشار رغم قوة موضوعه وأبطاله. وشعر سكورشيري بالطاقة الهائلة التي يحملها هذا الجسد الجميل والوجه الفائق والذي يخفي وراءه عبقرية أدائية حقيقية فوجه إليه اهتمامه كله وهكذا ظهر لنا دي كابريو في حلة جديدة واضاءة جديدة من خلال مخرج متميز عرف كيف يضبط فرامله كلها ويحوله إلي أيقونة تمثيل حقيقية بعد أن كانت الشركات الكبري تحاول استغلاله كأيقونة إغراء وجنس لا أكثر. أدوار مختلفة وهكذا ظهر دي كابريو تباعا في أفلام أخرجها سكورشيري ومن خلال أدوار مختلفة تصل إلي حد التناقض كالطيار الذي جسد فيه دور المنتج والمخرج هوارد هيدز والمنفيون وأخيرا هذه التحفة المدهشة المسماة «جزيرة شاتر» الذي لعب فيه دي كابريو دورا قد يمكن أن يقال إنه دور حياته حتي الآن . ومن هذه الأفلام الرائعة كلها لم يمتنع دي كابريو عن تلبية نداء ستيفن سبيلبرج ليمثل معه كوميديا «امسكني لو استطعت» وبرنار زويك ليمثل معه فيلم «مغامرات تقليدي هوليوودي» ذا خلفية سياسية غامضة هو «الجوهرة الدامية». وهاهو دي كابريو يضع نفسه أخيرا بين يدي كلينت ايستوود ليمثل دور «هوفر» رئيس المخابرات الأمريكية السابق الذي اشتهر بدمويته وقسوته. ولا يمكن لأي عاشق للسينما أن ينسي مشهد دي كابريو متقمصا هذه الشخصية الكريهة وقد ارتدي ثياب أمه ووضع ماكياجها وهو يواجه شذوذه الذي اخفاه عن الجميع في المرآة .. دور يحسب له بقوة رغم تجاهله في جوائز الأوسكار الأخيرة وهاهو في نهاية العام يعود إلينا بفيلمين شديدي الاختلاف. الكاوبوي القاسي الأمريكي قاتل الزنوج في فيلم «كورتا كوري» الحالم الأسطوري الذي أراد أن يحقق الحلم الأمريكي.. ولكن هذا الحلم تهاوي بكل أعمدته البيضاء علي جسده النحيل فأرداه قتيلا.. واسقط فارس الأحلام عن حصانه الذهبي، دوران كبيران ستختم بهما هوليوود اعيادها الكبري.. تري ماذا ستقدم لنا سينمانا المصرية الحائرة في مصيرها في أعيادنا الجديدة التي اقترب قمرها؟