وهذه الظاهرة لها أسباب كثيرة، من أهمها قائمة الممنوعات التي يضعها الأزهر الشريف، إذ يمنع ظهور الشخصيات الآتية : الأنبياء آل البيت الخلفاء الراشدون العشرة المبشرون بالجنة والحقيقة أن منع ظهور الأنبياء في الدراما المصرية أمر جديد نسبياً، والمؤكد أنه لم يكن موجوداً من قبل، فقد كانت المسلسلات المصرية تقدم أعمالاً درامية عن الأنبياء علي أن يقول ممثل دور النبي قبل كل حديث ينطقه " يقول فلان " ليبين أن المتحدث ناقل لحديث النبي وليس النبي نفسه، لكن الأزهر منع هذا، وانتهي عصر مسلسلات الأنبياء، مع أن مصر كانت رائدة لها، وانتقلت الراية لإيران وغيرها ولم يعد أمامنا سوي أن نستورد المسلسلات الدينية، ونشاهدها ونحن نتجرع كؤوس الحسرات . لقد جسدت المسلسلات الإيرانية شخصيات الأنبياء دون مواراة، حيث رأينا يوسف، وأباه يعقوب عليهما السلام في مسلسل يوسف الصديق يتحركان أمام أعيننا، ويتكلمان بلسانهما دون كلمات تنبه إلي أن المتحدث يقول كلام النبي وليس هو النبي نفسه . ولاشك أن مافعلته المسلسلات الإيرانية ليس جديداً، فقد سبقتها السينما العالمية إليه، وأظهرت شخصيات الأنبياء في أعمال كبري، عن المسيح وموسي عليهما السلام. وإذا تركنا شخصيات الأنبياء إلي شخصيات آل البيت لوجدنا أنها ليست ممنوعة إلا في مصرنا المحروسة، فقد قدم المخرج مصطفي العقاد شخصية حمزة عم النبي صلي الله عليه وسلم في فيلم الرسالة، كما قدمت إحدي الدول الخليجية في العام الماضي مسلسلاً عن الحسن والحسين . وجاء الدور علي الخلفاء الراشدين، فرأينا الدراما الخليجية تستعد لرمضان القادم بمسلسل عن ثالث الراشدين عمر بن الخطاب من إخراج المخرج السوري حاتم علي، أي أن الممنوعات الأزهرية تتهاوي أمام شركات الإنتاج العالمية، والإيرانية، والخليجية، ولاتخضع لها سوي الدراما المصرية . لقد أصدر الأزهر قرارات بمنع إذاعة بعض الأفلام والمسلسلات غير المصرية التي تكسر قواعده، لكن هذه القرارات لم تؤثر مطلقاً، نظراً لقدرة الفضائيات علي اختراق الحواجز الجغرافية . ولأن قرارات الأزهر غير ملزمة مالم يصدر بها حكم قضائي . ومن المؤكد أن المصريين شاهدوا أكثر من فيلم عن السيد المسيح، كماشاهدوا فيلم الوصايا العشر عن موسي عليه السلام، وفيلم الرسالة، ومسلسل يوسف الصديق ومسلسل الحسن والحسين . وأؤكد منذ الآن أنهم سيشاهدون مسلسل عمربن الخطاب حتي لو منعه الأزهر . إن علي أزهرنا الشريف أن يراجع ممنوعاته، وأن يتذكر أنه في عصر الفضائيات لاتوجد ممنوعات . وأن مصر تخسر مادياً بسبب هذه الممنوعات، وتتحول لمستوردة للدراما الدينية بعد أن كانت مصدرة لها . والأهم أنها تخسر مجالاً من مجالات ريادتها في العالم الإسلامي . فهل يسمع الأزهر الذي أصدر أخيراً وثيقة تاريخية اعترف فيها بحرية الإبداع ؟ أرجو ألا يخيب أملي وأمل صناع الدراما في مصر.