كنت ولا أزال أكثر من يدافع عن الدراما الإيرانية في جودتها الفنية ومهارة صناعها ويكفي أنهم في دائرة التشدد والرقابة قدموا للعالم- الدراما التليفزيونية والسينمائية ما بهر العالم.. وحصدوا بها كبري الجوائز كان آخرها الأوسكار والجولدن جلوب والدب الذهبي من برلين ومع ذلك أصرخ هنا بأعلي صوتي: أرجوكم توقفوا عن هذا العبث السينمائي فإنها جريمة بكل المقاييس الإنسانية والإسلامية والسينمائيةالحكاية أن المخرج المعروف مجيد مجدي تناقلت وكالات الأنباء اسمه في الآونة الأخيرة عندما أعلن عن مشروعه في تصوير فيلمه الجديد «محمد» صلي الله عليه وسلم تجسيد شخصه الكريم من خلال الممثل «مهدي باكدل» وهو الذي سبق له تقديم أدوار العاشق والمنحرف أخلاقيا ولا ندري لماذا وقع الاختيار عليه دون غيره .. مع أنهم في مسلسل يوسف الصديق اختبروا أكثر من ثلاثة آلاف شاب حتي كان الدور من نصيب «مصطفي زماني» ولم تكن له تجارب فنية سابقة اللهم إلا محاولات بسيطة علي مستوي الهواية ومن هنا توفرت إلي حد كبير العناصر التي اقنعت المشاهد.. حتي وإن كان من الرافضين لظهور الأنبياء والرسل والخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، وأنا من هؤلاء لا أقولها من باب الحرام والحلال حيث لا توجد النصوص القاطعة في هذا الأمر..لكني أقولها من باب الموضوعية لأن الممثل الذي جسد دور النبي كيف له أن يعيش حياته الطبيعية في عمله ومع جيرانه وماذا لو ارتكب خطيئة إنسانية يقع فيها غيره آلاف المرات هل نحاسبه كنبي أو رسول أو نعامله كبشر مثل سائر باقي خلق الله و«مصطفي» لم يبتعد عن الفن بعد دور يوسف وهذه ليست بدعة لأن من أدي دور السيد المسيح في أحد الأفلام اشترطوا عليه ألا يظهر سينمائيا بعد ذلك وقد كان وبالنظر إلي الأرقام التي تداولتها وكالات الأنباء حول ميزانية فيلم «محمد» -صلي الله عليه وسلم- سنجد أنها تبلغ 50 مليون دولار .. حيث سيتم بناء مدينة تضاهي مكة وبها الكعبة المشرفة وأنا أشك كثيرا في هذا الرقم خاصة أن نجوم الفيلم كلهم من إيران وزمنه لن يتجاوز الساعتين ونصف الساعة بينما زادت ساعات مسلسل يوسف علي ال22 ساعة.. وكان حافلا بالمجاميع والديكورات الفرعونية وبكم هائل من الممثلين والممثلات وبلغت ميزانيته حوالي 7 ملايين دولار إلا إذا كان التمويل سيتم من مؤسسات أجنبية خاصة أن مخرج العمل له علاقات أوروبية وله اسمه علي الصعيد الدولي عندما ترشح فيلمه «أطفال الجنة» لجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي عام 1998 منافسا للفيلم الإيطالي «الحياة حلوة». ظهور الأنبياء وما يؤكد كلامي أن مصدرا إيرانيا رفيع المستوي قال لي بأن الشيعة في إيران وإن كانوا قد اجازوا ظهور سيدنا إبراهيم والسيد المسيح والنبي يوسف الصديق لكنهم يرفضون تماما تجسيد النبي - صلي الله عليه وسلم- والخلفاء من بعده .. وقد صدق هذا الكلام فإننا حتما سوف نسمع ونقرأ تصريحات - داخل إيران نفسها تنتقد الفيلم لكن حتي ساعة كتابة هذا المقال.. لكن الصحيح أن التصوير جري بالفعل في مدينة نور السينمائية وفي كرمات جنوب شرق إيران حسب ما جاء في موقع قناة «I FILM» الإيرانية ومن المنتظر ترجمة الفيلم إلي ثلاث لغات. وكالمعتاد سيخرجه علينا بعض المشايخ هنا لكي يطالبوا بمنع الفيلم وهو كلام غير منطقي لأننا إذا منعنا دخوله رسميا إلي مصر فلن تستطيع منعه من العرض بالعواصم الأخري .. وفي ظل ثورة الاتصالات من السهل جدا تسريب العمل عبر مواقع الإنترنت أو علي اسطوانات CD ومن الأساس نحن لا نعرض الأفلام الإيرانية إلا فيما ندر ومن خلال بعض مهرجانات السينما. تنام درامي أما الذين يحرمون شاهده العمل فإنهم قالوا نفس ما قالوا عن مسلسل يوسف ومشاهدة ملايين المصريين والعرب عدة مرات واستمتعوا بمستواه الفني المبهر.. وعلي ذلك لا نملك سوي تقديم البديل لا أدري كيف نفعل هذا وهناك مقولة كاذبة وسخيفة تدعي أن المسلسل الديني لا يربح وبالتالي يتسابق أغلب المنتجين إلي قصص المخدرات والعوالم والفساد وهي مقولة تكشف أيضا عن سوء تقدير لأن الأسواق العربية أصبحت ضيقة للغاية أمام الدراما المصرية في ظل تنامي الدراما الخليجية ومنافسة السورية .. وبالتالي يجب البحث عن أسواق جديدة في دول العالم الإسلامي التي تزيد في الشرق والغرب علي 57 دولة وهذه الدول تبحث بكل شوق عن أعمال إسلامية مترجمة إلي لغات دولية فرنسية - انجليزية أغلب أهلها يعرفونها .. وقد حدث هذا مع مسلسل يوسف علي سبيل المثال الذي تم بيعه لأكثر من 70 قناة وحقق أرباحا خرافية. الحجة الثانية هي ندرة النصوص الدينية والتاريخية ومؤلفيها وهي أيضا كاذبة وظالمة لأن الأقلام المحترمة موجودة والسيناريوهات التي اجازها الأزهر الشريف وأشاد بها تبحث لنفسها عن خلاص وعن مخلصين يريدون تقديم المتعة والفائدة للناس فيما ينفع دنياهم ودينهم وينمي روح التسامح والمحبة والتعايش وهذه هي رسالة الإسلام الكبري. وإذا كنا نقول بأن فيلم «محمد» -صلي الله عليه وسلم - جريمة درامية ودينية فإن جريمتنا نحن أكبر بانشغالنا التام بالأعمال الرخيصة في مضمونها وافكارها علي حساب قضايا مهمة تصرخ وحدها في البرية.