بدت مؤخراً في ميادين الثورة وجوه ناس مصر في الفوتوغرافيا والرسوم واللوحات تتشكل في مرونة وهي تشق طريقها للحرية.. ولم أرها في اكثر من حالة الا بأنها وجوه ثائرة غاضبة.. حتي اتاح لي معرض الفنان سمير فؤاد الأخير في قاعة بيكاسو بالزمالك مجالا تكررت فيه وجوه شخوص ما بعد الثورة لأجد أكثر مما كنت أعتقده في وجوه الغضب.. وجوه الغضب المصرية حملت في لوحات الفنان سمير مفهوماً أكثر عمقاً من مجرد ملامح ثائرة وارادة من حديد.. بدت لي وجوهاً معادلة لمفهوم "البوابة" بوظيفتها كعتبة تحول بين حالين انتقالياً بموحياتها البصرية والشكلية في المكان والحال.. ومفهوم الوجه "البوابة". قد يلتقي ومفهوم المثال المصري القديم الذي جعل وجه التمثال معادلاً للبوابة.. لكنها في لوحات سمير فؤاد لم تشكل فقط كمدخل خارجي أو فقط كمعبر بل بدت كممرات الي ما وراء الشكل.. الي المفهوم the concept ذاته الذي اتخذ من الوجه البشري وسيطاً لمراد الفنان في رؤيته لتحول الوجه الانساني المصري بعد الثورة ليكتسب قيمة كمفهوم اكثر من كونه وسيلة تعبير.. ليدرك المشاهد المفهوم الذهني لوجوه تشكلت علي هيئة البوابة التي ما ان تُفتح حتي تقود الي ابعاد تُدرك وتُفاجأ مع كل خطوة وكأننا لم نعرف من قبل من هو المصري الا كصورة مسطحة لبورتريه لم ندرك منه الا ما نرجعه لما يربطه وملامح المصري القديم.. وفكرة البوابة التي شغلت المصري القديم في تماثيله ومعابده أراها تلح علينا كفكرة لاجتياز أو لاختراق الحاجز الخارجي.. وفي اللوحات رأيتها اختراق لجلد الوجه الثائر كشيء يحدث مرة واحدة ولا يتكرر حدوثه الا كل بضع مئات من السنين نستحضرها ونلخص بها تاريخ حياة في لحظة. وفي اللوحات للفنان الكبير سمير فؤاد بدت لوجوه شخوص محيا وليس ملمحا.. وبدت كتضاريس تشكل وسطح مستوي متباين فُصل عن الحائط اي متباين في المكان مع زمان الثورة.. وأيضاً بدت شخوصه كأنها لوجوه في عالم خال حدثت لها استفاقة فاستأنفت نفسها من الحواس الباطنية.. وأيضاً هي مستعصية كرؤيا من نسق ميتافيزيقي.. وفي وجوه اخري في معرضه الأخير في قاعة بيكاسو للفنون بدت بشكل غامض كأنها مصير او صيرورة.. أو بدت في تشريحها البصري الجمالي بها ما يوحي بالتوغل والنفوذ معاً.. وجميعها بدت ممتلئة بكثافة لون ذي غشاوة.. وأيضاً بدت كمركب عضوي قصد الفنان ألا يجعل للوحاته حدود تقنية.. ورأيته يبني وجوه شخوصه كالأبنية العربية تبدأ من الداخل فهي ليست قط بناء لوجه ظاهري بل وجوه الثورة عند الفنان هو بوابة نفذ الي العمق كالبيت العربي لا بد له من بوابة عبور للداخل الي حيث فضاء الحرم قبل الركون الي قلب البيت. أما علاقة منهج الفنان وتأثره بأن هذه بورتريهات وجوه ثوار ثورة تاريخية فلا ننسي انه هنا يضع حدودا تاريخية.. ولأنه وضع حدا تاريخيا للوحاته لذا بدا الحد المادي حدا بصريا عبر بوابة قد تكون بوابة تاريخ او رمزا لذلك جعل الوجه من داخل اطاره الوهمي صورتين تكمل احداهما الأخري بتقنيته الموحية بتذبذب السطح.. وليرسم سمير فؤاد وجوها داخل أربعة أطر كحد تاريخي.. لمرة واحدة. ويمكننا ادراك مبدأ تأليفي في لوحات سمير فؤاد فقد نراه ينفذ الأشياء في اللوحة الواحد منها خلال الآخر أو في تلاصق متداخل جنباً الي جنب أو أحدهما فوق الآخر دون أي تأكيد علي المرئي مع عدم الاصرار علي اعتماد مساحة اللوحة في تركيب الفراغ.. وجعل الفنان لامتداد اللون آثارا ربما تأتي خلفه لتحدث توترات قد تدركها العين كآثار لأشياء تتشابك بين الوجه والخلفية وحين ينفض التشابك تتهادي ثقيلة خارجة الي خارج اطار اللوحة في تثاقل بعيداً عن بريق اللون وومضه الذي امام تكوين اللون في بعض اللوحات شعرت ان الفنان يفترض في المصريين الاصابة بعمي الألوان. بقي ان اذكر انني قبلاً تكلمت كثيراً عن اهتمام الفنان سمير فؤاد بفكرة الزمن واثره علي مرأي اللوحة تحت الايقاع اللحظي.. لكن في معرضه هذا دفعتني أعماله كي أتصور أن ديمومة حياة سواء لإنسان أو فراشة أو زهرة يشتمل علي قيمة زمانية معينة لها ديمومتها النسبية سواء طالت او قصرت مستقلة تماماً عن باقي الأحداث الطارئة التي تحدث داخل الزمن.. فإلي اي مدي نتوقع ديمومة وجوه الثورة بذات طاقة الفعل أو ديمومة بقاء معادل البوابة علي انفتاح؟