شهد اليمن مؤخراً ما بدا كأنه انفراجة في أزمته التي بدأت منذ انطلاق ثورة شعبه منذ أكثر من عام وذلك بعد انعقاد الانتخابات الرئاسية التي تعد أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد وأول انتخابات منذ نحو ثلاثة وثلاثين عاماً هي فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح. وأدي الرئيس المنتخب الجديد، عبدربه منصور هادي، اليمين الدستورية يوم السبت الماضي خلفاً لعلي عبدالله صالح. وكانت اللجنة الانتخابية الوطنية قد أعلنت أن المرشح الوحيد في الانتخابات الرئاسية، نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد حصل علي 99.8% من الأصوات. وشارك في الانتخابات 6.6 مليون ناخب من أصل 10 ملايين ناخب بحيث بلغت نسبة الاقتراع 66 بالمائة. وجاء ترشيح هادي كرئيس توافقي كما أتت الانتخابات الرئاسية في إطار اتفاق المبادرة العربية بوساطة من مجلس التعاون الخليجي ودعم الولاياتالمتحدة. ومن المقرر أن يبقي هادي رئيساً لليمن لفترة انتقالية مدتها عامين، تجري بعدها انتخابات رئاسية بين أكثر من مرشح. وقال الرئيس المنتخب في مراسم تنصيبه "إننا نعلم جميعاً ان قوة واستقرار أي بلد مرهون بمدي تماسكه الاجتماعي والتقائه حول مشروع وطني كبير تصغر أمامه المشاريع الذاتية والطموحات الصغيرة، وإن من يتقدم لها بتصورات زائفة ومنطق خادع وقد جرب وخبر شعبنا كل ماله علاقة بألاعيب كهذه بما فيها الأخذ بمنطق القوة الذي يتوجب إسقاطه من رؤوس كل من مازال يجاري خداع نفسه باعتبار ان السلطة اليوم صارت مسنودة بشرعية شعبية لا يمكن التشكيك بها أو الانتقاص منها". وأشار هادي إلي ضرورة الحفاظ علي استقرار البلاد، ودعا إلي استمرار الحرب ضد القاعدة باعتباره واجباً دينياً وطنياً بما يؤدي إلي إعادة النازحين إلي مدنهم وقراهم. وحذر هادي من المخاطر الأمنية التي تتهدد اليمن، وأضاف "البديل الوحيد الممكن للأمن هو الفوضي". وبعثت اللجنة التحضيرية لمؤتمر قبائل اليمن برقية تهنئة إلي الرئيس عبد ربه منصور هادي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسة اليمنية. في الوقت نفسه، أكد علي سالم البيض، آخر رئيس لجنوبي اليمن، أن الجنوب لا يعترف بالانتخابات التي أجريت في البلاد. وقال البيض إن الانتخابات لم تقدم جديدا لأن عبد ربه منصور هادي ما هو إلا ظل للرئيس السابق علي عبد الله صالح. صالح يساند هادي وأفادت مصادر في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن بأن الرئيس علي عبد الله صالح عاد إلي اليمن من الولاياتالمتحدة التي سافر إليها للعلاج لحضور مراسم تنصيب عبد ربه منصور هادي رئيساً جديداً للبلاد. وأكد الرئيس السابق علي مساندته للرئيس الجديد، وأشاد بصمود الشعب اليمني وقال عقب وصوله إلي صنعاء "فشلت المؤامرة وانتصر الشعب وهذا لم يكن لأول مرة فقد سبق وانتصرنا في أكثر من محطة تاريخية منذ التآمر علي ثورة سبتمبر وأكتوبر وكذا التآمر علي يمن الثاني والعشرين من مايو في مؤامرة صيف 1994، فشلت كل هذه المؤامرات أمام صخرة وعي شعبنا اليمني وصمود مؤسسته العسكرية والأمنية البطلة". ودعا صالح كل أبناء الشعب اليمني للوقوف إلي جانب الرئيس الجديد بكل قوة وإخلاص لتحقيق أمن واستقرار الوطن، وأضاف "سيبقي هناك قائد واحد وهو الرئيس المنتخب ولن يكون هناك عدة سيوف ولكن سيف واحد في غمد واحد أما السيوف الجديدة فستبتلعها صخرة وعي شعبنا اليمني العظيم". يذكر أن هادي من مواليد 1 مايو 1945 في قرية ذكين، في محافظة أبين الجنوبية. تخرج عام 1964 من مدرسة جيش محمية عدن العسكرية الخاصة، وانضم إلي الجيش عام 1970 . فوض بموجب المرسوم الرئاسي رقم (24) لعام 2011، تفويضاً لا رجعة فيه بالصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشأن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وتوقيعها وتفعيلها. الثورة في الجنوب وعلي هامش الانتخابات الرئاسية، وقعت اشتباكات بين القوات الحكومية وبين معتصمين مقاطعين للانتخابات في مدينة المكلا جنوب البلاد بعد نجاحهم في إغلاق نصف مراكز الاقتراع بالقوة في معظم محافظات الجنوب، مما أدي إلي مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين من الحراك الجنوبي بالإضافة إلي إصابة جنديين. ويعارض الحراك الجنوبي الذي يؤيد الانفصال عن شمال اليمن ترشيح شخص واحد للانتخابات وكذلك يعارض كون المرشح هو نائب الرئيس السابق. وارتفعت حصيلة أعمال العنف التي شهدتها محافظة عدن جنوبي البلاد إلي عشرة قتلي خلال اشتباكات بين أنصار الحراك المطالب بالانفصال وقوات الأمن. وأحرق المحتجون الإطارات المطاطية وقطعوا الطرق، ودعوا إلي "الثورة في الجنوب" رافعين أعلاماً لليمن الجنوبي السابق الذي كان دولة مستقلة قبل اندماجه مع الشمال في 1990 . تهديد القاعدة في الوقت نفسه، وبعد ساعة من الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبد ربه هادي، وقع هجوم إرهابي قام به تنظيم القاعدة ومسلحون تابعون للواء منشق عن الجيش اليمني هو علي محسن الأحمر في محافظة حضرموت شرق اليمن مما أسفر عن مقتل 30 شخصاً. كما أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسئوليته عن الهجوم الإرهابي بسيارة ملغومة عند مدخل القصر الرئاسي في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، والذي أدي إلي سقوط 26 قتيلاً علي الأقل من جنود الحرس الجمهوري وإصابة العشرات. وقال مصدر من القاعدة إن الهجوم جاء رداً علي ما وصفه بجرائم الحرس الجمهوري. وكانت رئيسة المركز العربي الألماني للدراسات الاستراتيجية، ساندرا إيفانس، قد أعلنت الشهر الماضي عن مخطط تدميري من عناصر حزب الإصلاح المتحالفة مع القاعدة لنشر الفوضي في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية. وتعيد هذه الاشتباكات إلي الأذهان سيناريوهات الغضب التي كانت تجتاح اليمن قبل اندلاع ثورة الشعب اليمني المطالبة برحيل النظام. فاليمن يعاني من عديد من المشاكل علي رأسها الاشتباكات القبلية، والنزعات الانفصالية في الجنوب، وتهديد عناصر القاعدة. وبذلك ومع بزوغ أمل التغيير السياسي، يكون أمام الرئيس الجديد نفس التحديات بالإضافة إلي التحديات الاقتصادية لبلد يعاني من ارتفاع معدلات البطالة ومن الفقر ومن تهميش الأطراف وضعف البنية التحتية. تحدي بناء المجتمع المدني التحدي الأكبر اليوم أمام جميع اليمنيين سيكون العمل علي دعم فكرة الدولة المدنية متخطين بذلك الانتماءات القبلية التي دوماً ما كانت طرفاً رئيسياً في معادلات التوازن السياسي في البلاد. وأشار الشيخ علي بن سنان الغولي، أحد أشهر زعماء القبائل اليمنية، في حديث لبي.بي.سي أنه لا يتوقع أن تذوب الولاءات القبلية فالبيلة "خط أحمر لا يمكن تجاوزه في أي مرحلة" وأضاف "للقبيلة جيش احتياط ولها استقلالها العسكري عن مؤسسة الدولة". ومن المعروف أن القانون المدني يتعارض غالبا مع أعراف القبيلة وتقاليدها مما يثير علامات استفهام كثيرة حول مستقبل سيادة القانون وتوطيد سلطة الدولة المدنية خاصة مع استمرار ظاهرة تسليح القبائل. في المقابل، أكد محمد أبو لحوم مؤسس حزب العدالة والبناء الليبرالي أحد الأحزاب التي تكونت بعد الثورة، أن حلم بناء الدولة المدنية الحديثة هو حلم يمكن تحقيقه مشيراً إلي إمكانية حصول توافق بين النظامين القبلي والمدني بحيث يخضع الجميع لسلطة القانون. وأشار أبو لحوم أنه لا يمكن بناء المجتمع بالانسلاخ عن القبيلة فهي جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع. هل تم تغيير مسار الثورة؟ وبالإضافة إلي التحديات الأمنية وتحدي التحول من المجتمع القبلي للمجتمع المدني، يري البعض أن الانتخابات الرئاسية التي جاءت بناء علي توصية المبادرة الخليجية تخطت مطالب عدة أقطاب مهمة لعبت دوراً محورياً في الثورة اليمنية وفي خلق فرص التغيير السياسي. فهناك الشباب المستقل والقوي الشعبية الرافضة للانتخابات، وهناك الحراك الجنوبي، وهناك الحوثيون الذين أجبروا علي تسوية سياسية مع النظام السابق والذين قد يتحينون الفرصة لاستعادة ثوراتهم، وهناك أسر الشهداء الذين رفضوا الانتخابات ولا يزالون ينتظرون القصاص لشهدائهم. وتري شريحة كبيرة من شباب الثورة أن الانتخابات الرئاسية هي انتخابات صورية أكثر منها تغيراً في اتجاه تحقيق أهداف الثورة حيث إن الانتخابات كانت بمثابة استفتاء وأنها لا تمثل في الواقع انفصالاً حقيقياً عن النظام القديم. وبالإضافة إلي الشرائح السابقة التي عارضت الانتخابات الرئاسية، يري البعض أن ما تم ليس إلا انحراف بمسار الثورة عن أهدافها الحقيقية. ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصالحي إن الدول الخليجية المدعومة من القوي الدولية ولا سيما الولاياتالمتحدة وأدت الثورة اليمنية ولغت مطلب التغيير الحقيقي، وأضاف "لم يعد الحديث عن الثورة اليمنية قائماً، إلا إذا حصل تصعيد من الشباب. ما دامت المبادرة الخليجية رحّلت القضايا الجوهرية، مثل وضع الجنوب والحوثيين والإرهاب، إلي مواعيد قادمة، فإن اليمن يتجه نحو المجهول". وكان نائب وزير الإعلام اليمني، عبده الجنادي، قد صرح أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح لا يزال رئيس حزب المؤتمر الشعبي الحاكم.، وأضاف "لا شيء في مبادرة بلدان الخليج يمنعه من تقديم ترشيح نفسه إلي الانتخابات الرئاسية خلال سنتين، حتي لو قال أنه ودع السلطة". الوضع اليوم في اليمن من الممكن أن يبدو ظاهرياً وكأنه يمر بانفراجة للأزمة السياسية التي تفاقمت منذ اندلاع ثورة الشعب اليمني، غير أن النظرة المتفحصة تشير إلي أن الوضع عاد بالبلاد إلي المربع الأول الذي كانت الفوضي أحد أهم سماته بالإضافة إلي التحديات السياسية التي تتهدد وحدة البلاد. ويمكننا اليوم وبعد الانتهاء من مرحلة انتقال السلطة سلمياً إلي رئيس توافقي لفترة انتقالية، أن نقول بأن مسار الثورة قد تغير في اتجاه مضاد للأهداف التي طالبت بها.