رغم نجاح الثورة اليمنية التي انطلقت في 11 فبراير 2011 في إنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي استمر 33 عاما, إلا أن هناك تحذيرات كثيرة من أن مقاطعة الحراك الجنوبي والحوثيين لانتخابات الرئاسة المبكرة في 21 فبراير قد توفر فرصة ذهبية لأنصار النظام السابق لإفشال المرحلة الانتقالية في حال لم يلتزم ثوار ساحات التغيير الحذر واليقظة. فمعروف أن انتخابات الرئاسة المبكرة في 21 فبراير اعتبرت بمثابة استفتاء لصالح إضفاء الشرعية على نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي, الذي تقرر أن يخوض تلك الانتخابات مرشحا وحيدا وتوافقيا للحزب الحاكم والمعارضة بموجب اتفاق المبادرة الخليجية لانتقال السلطة الذي وقعه صالح في الرياض في 23 نوفمبر 2011 بعد عشرة أشهر من التظاهرات المطالبة بإنهاء حكمه. واستهدفت هجمات عدة مراكز انتخابية في جنوب اليمن في الأيام التي سبقت انطلاق انتخابات 21 فبراير, بالتزامن مع دعوة الجناح المتشدد في الحراك الجنوبي بقيادة نائب الرئيس السابق علي سالم البيض إلى "عصيان مدني" لإفشال تلك الانتخابات. واللافت إلى الانتباه أن الجناح المتشدد في الحراك الجنوبي لم يكتف بالهجمات ضد مراكز الاقتراع وإنما جدد أيضا دعوات انفصال الجنوب عن اليمن التي ظل يرددها منذ انطلاقه قبل أربع سنوات وتراجعت حدتها بعد تفجر الثورة الشعبية ضد حكم صالح. أما في الشمال، فقد دعا المتمردون الحوثيون الشيعة الذين خاضوا منذ العام 2004 ست حروب مع نظام صالح، إلى مقاطعة الانتخابات، وذلك بعدما رفضوا المبادرة الخليجية وخصوصا ما يتعلق منها بمنح الحصانة القضائية لصالح. وبالإضافة إلى ما سبق, فإن هناك أمرا خطيرا آخر يهدد المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي ألا وهو بقاء المناصب الحساسة في المنظومتين العسكرية والأمنية في أيدي أقرباء صالح، الأمر الذي قد يستغله الأخير لإفشال مهمة هادي وتنفيذ مخططه بالعودة للسلطة مرة أخرى, خاصة أنه طالما وجهت اتهامات لصالح من قبل خصومه بتشجيع انتشار تنظيم القاعدة في جنوب اليمن لاستخدام هذا الأمر كورقة سياسية والزعم أن بقاءه ضروري لمواجهة هذا التنظيم . ولعل ردود الأفعال على انتخابات 21 فبراير التي نظمت تحديدا لانتخاب نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيسا لفترة انتقالية لمدة سنتين ترجح صحة ما سبق, حيث أدلى القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض محمد قحطان بتصريحات لوكالة "فرانس برس" في 20 فبراير قال فيها :"أعتقد أن أبرز مشكلة هي بقايا النظام، فهم يعملون على تحريك الأطراف الأخرى بما في ذلك بعض الأطراف من الحوثيين والحراك الجنوبي والقاعدة ليثبتوا أن الرئيس المتنحي صالح هو الوحيد الذي يستطيع أن يحكم البلاد". وفي السياق ذاته, قال دبلوماسي غربي لوكالة "فرانس برس" إن الرئيس صالح هو من النوع الذي لا يستسلم أبدا مائة في المائة, مشيرا إلى أن هذا الأمر يطرح تساؤلات حول نيته الالتزام بخطة الانتقال السلمي للسلطة وفقا للمبادرة الخليجية والتي تخلى بموجبها عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي وغادر بعدها إلى الولاياتالمتحدة للعلاج. وأضاف هذا الدبلوماسي, الذي طلب عدم كشف اسمه, أن أقرباء الرئيس اليمني, لاسيما نجله الأكبر أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري يتصرفون بشكل مستقل حتى الآن ولا يبدو أنهم ينوون الانضمام تحت لواء السلطات الجديدة في البلاد. ومن جانبها, نقلت قناة "الجزيرة" عن رئيس مركز دراسات المستقبل في اليمن فارس السقاف القول إن ثمة خيارا قد يلجأ إليه بقايا النظام من أبناء صالح وأقاربه بعد انتخابات 21 فبراير, مثل تمسكهم بمواقعهم بالجيش والأمن، ما يعني عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية، والوقوف أمام استكمال أهداف الثورة, وهنا ربما تنشب حرب بين قوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل صالح وقوات الجيش المؤيد للثورة. وحذر السقاف من عواقب عدم الإسراع بإعادة هيكلة الجيش والأمن، وإزاحة أبناء وأقارب صالح من مناصبهم العسكرية والأمنية، مؤكدا أن ذلك يعتبر أكبر تحد سيواجه الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي. وفي تعليقهم على المخاوف السابقة, نقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن دبلوماسيين في اليمن القول إن الدعم الدولي والإقليمي الكبير سيساهم على الأرجح في مساعدة اليمن على العبور إلى بر الأمان وتثبيت اتفاق نقل السلطة الذي أنهى الحكم الأحادي في البلاد. وبصفة عامة, فإن اليمن, الذي يعتبر أول بلد من بلدان الربيع العربي يشهد انتقالا للسلطة عبر اتفاق سياسي, طوى رسميا حكم صالح بعد انتخابات 21 فبراير, إلا أن نجاح الفترة الانتقالية يعتمد على مدى قدرة الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي في صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية, بالإضافة إلى إيجاد حلول لمشاكل البلاد الأساسية, بما في ذلك القضية الجنوبية ومسألة الحوثيين في الشمال.