تجارة الجسد أقدم مهنة في التاريخ، وهي تجارة تعتمد في المقام الأول علي جسد المرأة التي يطلقون عليها أسماء متعددة الكثير منها غير مهذب والمقبول تداوله أنها بائعة هوي، أو عاهرة وهي تبيع جسدها لراغبي المتعة "الجنسية" الحرام لمدة زمنية محددة مُقابل أجر، يقتسمه معها الوسيط، والغريب أن هذه التجارة تنتشر في البلدان المُنتعشه اقتصادياً، التي تؤمن بالحرية الشخصية بلاقيود ومنها الحرية الجنسية، كما تنتشر في البلدان الفقيرة، التي تمارس كل ألوان القهر علي مواطنيها" السياسي والديني والشخصي"، وطرفي العلاقة امرأة في حاجة للمال، ولاتجد سبيلاً للرزق غير المُتاجرة بجسدها، ورجل يريد ان يفرغ طاقته الجنسية بشكل عابر، وهو في الغالب يعاني أزمات نفسية وانحرافا سلوكيا، يمنعه من إقامه علاقة طبيعية في إطار مشروع! وقد اهتم الأدباء والفنانون بشخصية العاهرة، وقدموها في عشرات بل مئات الأعمال الفنية والادبية، في محاولة للغوص في الظروف القهرية التي تدفع المرأة إلي إهانة جسدها، والحط من قيمة نفسها، وقد مالت معظم المعالجات الفنية إلي التعاطف مع هذه النوعية من النساء علي اعتبار أن ظروفاً قهرية هي التي دفعتهن إلي ذلك، ومن أشهر الأعمال الأدبية العالمية التي تناولت شخصية العاهرة، غادة الكاميليا لالكسندر دوماس، والمومس الفاضلة "جان بول سارتر". وفي أدبنا العربي قدم نجيب محفوظ شخصية العاهرة في اكثر من رواية كان أشهرها "نفيسة" في بداية ونهاية، و"ريري" في السمان والخريف، أما السينما فقد تعاملت مع نموذج المرأة العاهرة في أفلام عدة تفاوت مستواها بين الفني الراقي الذي يقدم الحالة بدون ابتذال، وبين الفجاجة المُفرطة التي تكاد تتشابه مع العهر نفسه، وللسينما المصرية باع كبير مع تلك النوعية من الأفلام وكانت الميلودراما هي الإطار السائد لمعظمها، وربما يكون المخرج حسن الامام صاحب ريادة في تقديم تلك الافلام واشهرها فيلم الجسد الذي قدم من خلاله الفنانة الراحلة هند رستم، وإن كانت افلامه لا تخلو من موعظة أخلاقية تؤكد أن النهاية "السودة"، هي النتاج الطبيعي" للمشي البطال"، ولكنه لم يهتم في افلامه برصد الظروف الاجتماعية والسياسية التي تؤدي إلي انتشار تجارة الجسد في مجتمع ما، غير أن الراحل صلاح ابو سيف من خلال تعامله مع روايات نجيب محفوظ كان أكثر عمقاً وحرفية، وفي واحد من أروع أفلامه "القاهرة ثلاثين" عقد مقارنة موضوعية بين تجارة الجسد ، وتجارة المبادئ من خلال شخصية "إحسان" التي قدمتها سعاد حسني، وشخصية محجوب عبدالدايم "حمدي أحمد". وفي هذا الفيلم يصعب أن تدين سلوك إحسان، دون أن تدين المجتمع نفسه الذي أفرز تلك الشخصية، وحول فتاة جميلة وبرئية إلي امرأة تبيع جسدها لرجل ثري مقابل أن تتمتع بحياة مرفهة تنقذها وأسرتها من الفقر المُدقع! ويختلف أداء كل ممثلة لشخصية بائعة الهوي، باختلاف ثقافتها ودرجة وعيها وموهبتها ، فمن تفتقد الموهبة تعبر عن الشخصية بفجاجة وقحة تؤدي للتقزز والقرف، والعكس صحيح، فهناك ممثلات قديرات لعبن تلك الشخصية بدون اي ابتذال، ولاتملك إلا أن تتعاطف مع شخصية نفيسة كما قدمتها القديرة سناء جميل في بداية ونهاية، أما فاتن حمامة فقد قدمت تلك الشخصية في اكثر من فيلم منها طريق الامل إخراج عز الدين ذو الفقار وبطولة شكري سرحان ورشدي أباظة، ثم عادت وقدمتها بدرجة أكثر نضجاً و"شياكة" في فيلم الخيط الرفيع! قبل الحديث مناسبة المقدمة السابقة كانت ضرورية قبل الحديث عن فيلم "ركلام" للمخرج علي رجب، وهو الفيلم المُرتقب، الذي تضع عليه غادة عبدالرازق كل أحلامها، معتقدة أنه سوف يدخلها تاريخ السينما من أوسع الأبواب ، ولكنه غالباً سوف يكون سبباً منطقيا لخروجها منها بأسرع ماكانت تتخيل!وفي رأيي الشخصي الذي ذكرته في أكثر من مناسبة، فإن غادة عبد الرازق تتمتع بموهبة حقيقية، كانت تؤهلها لمكانة أفضل، ولكنها قررت بمحض إرادتها، أن تسير في طريق بلاعودة، معتقدة أنها يمكن أن تكون النموذج المعدل من نادية الجندي، دون أن تضع في الاعتبار فرق التوقيت، والمتغيرات الكثيرة التي حدثت في المجتمع المصري، الذي يجعل من طريقة نادية الجندي في التمثيل مجرد فولكلور! يشابه فن الأراجوز المُنقرض، بالإضافة لأن نموذج الانثي القاتلة FEMM FATAL قد انتهي من السينما العالمية فمابالك بالسينما المصرية، يعني نموذج المرأة المثيرة لم يعد صوفيا لورين ومارلين مونرو، وجينا لولو، بأجسادهن الواضحة التضاريس الانثوية ، لكن أنجيلينا جولي التي تشبه العصايا، أو جولياروبرتس وآن هيثواي، ونتالي بورتمان فالإثارة تقدم في السينما المعاصرة بملامح الوجه، والأمر لايحتاج للأحجام الضخمة، بتاعة زمان فقليل من اللحم يكفي، إلا أن غادة عبدالرازق استهلكت موهبتها في اعمال تليفزيونية أقل من المتوسطة فنياً، وأغراها بعض النجاح الجماهيري الذي صادفته في الباطنية والحاجة زهرة بالاستمرار في تقديم تلك النوعية، وأعتقد أن دورها في كف القمر أفضل مائة مرة من ركلام، رغم اعتراضها وغضبها علي مساحة دورها في الأول، وإعجابها بدورها في الثاني، والأمر لايختلف مع رانيا يوسف التي تجاهلت موهبتها التي أعلنت عن نفسها في مسلسل الحارة، وأعجبتها لعبة الإثارة مُعتقدة أنها سوف تفتح عكا، بمثل تلك الأدوار التي لاتحتاج في الحقيقة إلي موهبة في التمثيل، لكن إلي مجموعة من الملابس الساخنة، وشوية رقص وماكياج صارخ! القلم السياسي واضح أن السيناريست مصطفي السبكي قد تأثر كثيراً ببعض أفلام السينما المصرية القديمة، ولم يلحظ أن تلك الأفلام يحفظها المشاهد عن ظهر قلب من كثرة مشاهدتها، وفكرة نقل مشهد من فيلم ناجح مثل "غروب وشروق" يدل علي درجة عالية من الاستسهال، والاستعباط خاصة ان ذاكرة المتفرج المصري لا يمكن أن يسقط منها مشهد إبراهيم خان وهو يدخل حجرة نوم صديقة رشدي أباظة، ويجد زوجته سعاد حسني في فراشه، فتصيبه الصدمة بحالة هستيرية تدفعه لسحبها من الفراش وهي بقميص النوم للشارع ويلقي بها أمام والدها"محمود المليجي" مدير القلم السياسي "المخابرات" في سنوات ماقبل ثورة يوليو! ولأن الموقف في فيلم ركلام مفتعل اصلاً، فلا يمكن أن تشعر بأي تعاطف مع رانيا يوسف التي كانت تلعب شخصية فتاة متحفظة، تتمنع علي خطيبها ولا تتركه يقترب منها أو يلمس يدها، فإذا بها تتحول إلي بغي، وتقضي ليلة في قصر أحد الاثرياء الذي يعمل خطيبها سائقا لديه، ويكلفه الثري بأن يصطحب الغانية إلي منزلها، فيصعد الخطيب إلي حجرة نوم سيده، حيث يجد في فراشه خطيبته صاحبة الصون والعفاف تتقلب في الفراش محاولة تقليد سعاد حسني التي أدت نفس المشهد ببراعة، وطبعا لايؤثر فيك هذا المشهد بأي درجه اللهم إنه يثير داخلك كما هائلاً من الشفقة علي من اعتقد أنه يستطيع أن يحاكي واحداً من أهم مشاهد السينما المصرية في عصرها الذهبي! ولا يكتفي السيناريست بالنحت من كلاسيكيات السينما المصرية ولكنه أيضا يسرق مشهدا من فيلم امرأة جميلة لجوليا روبرتس وريتشارد جير، وذلك عندما يلتقط صبري فواز رجل الأعمال غادة عبدالرازق من الشارع، ويطلب منها أن تمكث معه ثلاثة ايام، فلا تمانع لكن تقول له ببراءة محاولة تقليد جولياروبرتس أنا باخد في الساعة كذا يبقي لو قعدت معاك ثلاثة ايام يبقي آخد كذا، فيضحك الرجل ولايمانع ويخرج كل ما في جيبه، ثم يقدم الفيلم مشهدا خالقا ناطقا لما قدمته جوليا روبرتس في امرأة جميلة وهو مشهد البانيو الذي ملأته بفقاقيع الصابون وأخذت تمرح في سعادة وكأنها عمرها ما استحمت، أضف إلي ذلك مشاهد ذهابها مع الثري إلي أغلي محلات بيع الملابس المخصصة للطبقات الراقية! ملاءة السرير تدور أحداث فيلم ركلام حول أربع فتيات يتحولن إلي عاهرات، يعملن لحساب صاحبة ملهي ليلي "علا رامي"، تعتبرهن بضاعة تتاجر فيها لتحقق اكبر المكاسب، وتبدأ الاحداث بالقبض علي الفتيات في قصر أحد الاثرياء ويتم اصطحابهن وكل منهن ملفوفة في ملاءة السرير الذي كانت تمارس عليه الرذيلة، وعن طريق الفلاش باك نتعرف علي طريقة سقوط كل منهن، شادية "غادة عبدالرازق" يدفعها الفقر وتسلط زوج الأم إلي الزواج برجل لا تطيقه وتنتهي علاقتها به إلي الانفصال وتخرج من الزيجة بطفل يموت، ويترك في قلبها حسرة، ولاتجد أمامها سوي طريق الغواية، بعد أن ضاقت بها الدنيا، وفي مشهد آخر منحوت بتصرف من فيلم ليلة ساخنة للمخرج الراحل عاطف الطيب، تذهب "شادية " مع شاب يصطحبها في سيارته لقضاء ليلة حمراء، مقابل مائة جنيه، وعندما تذهب لشقته تجد لديه شلة من الاصدقاء، فلا تمانع في التعامل معهن بشرط ان يدفع كل منهم المائة جنيه، وعندما يفرغون منها، ينهالون عليها ضربا وركلاً ويستولون علي نقودها ويلقون بها في الشارع! طبعا لايمكن مقارنة هذا الموقف، كما جاء في ركلام، بالأصل الذي قدمته لبلبة مع حسن الاسمر في فيلم ليلة ساخنة! أما رانيا يوسف فهي تتحول إلي عاهرة بعد أن تلتقي بصديقة لها، كانت تعرفها من ايام الدراسة، فإذا بها تمتلك سيارة فاخرة، وترتدي أغلي الثياب ، وعندما تسألها ببراءة من أي لك كل هذا، تخبرها الصديقة أنها تصادق أحد الاثرياء، وتنصحها الصديقة بأن تعمل ركلام في احد الملاهي الليلية، وتطمئنها أنها لن تخسر شيئاً وكل ماعليها أن تقوم تهز وسطها هزتين اثناء غناء مطرب الكباريه! وطبعا تنزلق الفتاة إلي الخطيئة بعد الهزتين عندما تكتشف ان المقابل المادي يستحق التضحية بالشرف! أما الفتاة الثالثة فهي ابنة اسرة كانت ميسورة إلا أن والدها يتعرض لأزمة مالية فلا تجد أمها "مادلين طبر" في ان تعمل هي وابنتها في الدعارة! وفي نهاية تتشابه إلي حد كبير مع نهاية فيلم "إحنا التلامذة" للمخرج عاطف سالم تقف بطلات الفيلم في قفص المحكمة بالملابس البيضاء ليستمعن إلي حكم القاضي الذي" يطُُُسهن" أربع سنوات للواحدة! الجمال النائم كنت قد شاهدت مؤخرا الفيلم الأسترالي "الجمال النائم" للمخرجة جوليا لي وبطولة "إيميلي بروونج" وهو الفيلم الذي شارك في الدورة الاخيرة من مهرجان كان التي اقيمت في مايو الماضي، وتدور أحداث الفيلم حول"لوسي" وهي فتاة جامعية، تتمتع بجمال ساحر وبراءة، وتعمل في عدة أماكن لتجني بعض المال الذي يساعدها علي دفع مصاريف الجامعة والشقة التي تشارك فيها إحدي زميلاتها، وذلك نظرا لفقرها الشديد، وانفصالها عن أمها، وتستجيب لوسي لإعلان نشرته سيدة مجتمع تطلب فيه فتاة لها مواصفات خاصة، وعندما تذهب لقصر السيدة تكتشف انها تدير مكان لممارسة الدعارة، ولا يرتاده إلا رجال من علية القوم، معظمهم عجائز، وتقبل الفتاة لوسي أن تعمل لحساب السيدة، ويتم تدريبها وكأنها تتلقي دروساً في كيفية التعامل مع الكمبيوتر، مع ملاحظة أن الفيلم لم يقدم أية مشاهد تثير التقزز، وتشترط السيدة ان تعطي الفتاة اقراصا منومة، حتي لا تتعرف علي شخصية الرجال الذين سوف يتعاملون معها، المهم أن الفيلم الذي تدور أحداثه في مكان مُخصص لمُمارسة الرذيلة، لايشعرك لحظة بأنك تريد أن تفرغ ما في جوفك، وهو الفرق الكبير بين فيلم مثل "ركلام" وآخر مثل «الجمال النائم»!