لا أعتبر فيلم «ركلام» مجرد مشروع تحول من سيناريو ورقى إلى حالة سينمائية متناغمة، أمسك بخيوطها مخرج أقل ما يقال عنه إنه.. موهوب (على رجب)، ونجمة – أخيرا – وضعت قدميها على الطريق الصحيح والمناسب لإمكانياتها، بعد سنوات.. كانت خلالها تائهة بين ملايين مسلسل بلا قيمة، مثل «سمارة».. أو ثلاثة مشاهد مهمة مع المخرج خالد يوسف فى فيلم «حين ميسرة». هكذا ظلت غادة عبدالرازق تائهة، عين فى جنة تقديم القيمة وأخرى فى نار الثراء الخالى من القيمة، ليضع فيلم «ركلام» النقطة الفاصلة التى رجحت كفة الفن.. على كفة المال. قدمت غادة عبدالرازق والمخرج على رجب والسيناريست مصطفى السبكى حالة سينمائية مدهشة فى توقيتها الذى يعتبر صفعة قوية لمجتمع تطبع وتشبع بما فرضه عليه نظام بائد.. التظاهر بالفضيلة، والتستر على الإثم والرذيلة، الزنى فى ليلة الخميس والصلاة فى يوم الجمعة. 30 عاما مضت، أدت إلى فتح المزاد العلنى، أصبح البيع مسموحا للجميع.. ولا فارق بين من باع مبادئه وأفكاره أو قطعة من جسده، ليحصل على المال.. لا فارق بين قواد يقدم زوجته وفتياته لأصحاب النفوذ، أو فقير يقتل أولاده لعدم قدرته على التكفل بهم، هربا من ظروف فرضها مجتمع تحولت فيه أوراق العملة إلى أوكسجين من لا يملكه لا يستحق الحياة. ومادامت فكرة البيع مطروحة ومشروعة وغير مشروطة، فهناك ما يبرر أن تبيع الفتاة لحمها، إذا كانت مضطرة، فالمتناقضات الشخصية عديدة وبداخل الجميع، لذا فلا يجوز أن تكون كل من تحمل ملفا فى الآداب غانية، وكل من ترتدى الحجاب.. شريفة. هناك طبقات أفرزها المجتمع – رصدها سيناريو مصطفى السبكى وإخراج على رجب – تعيش حالة من الظلام، ذلك الظلام الذى سيسحب على الفور قدرتك على التمييز بين دمعة ساخنة فوق خد موجوع، أو شبح ابتسامة عذبة تحمل براءة ممزقة داخل بقايا بشر، أو التفريق بين انحناء امرأة تمسح السلالم لتتكسب قوتها أو انحناء عاهرة تثير غرائزك بنفس الانحناء، أو تسمع فى ذلك الليل «آهة» لا تعلم إن كانت لجسد مريض أم جسد ماجن يخرج آهات المتعة. عبرت غادة عبدالرازق بمنتهى الحرفية عن «آهة» كامنة ومكتومة فى القلوب، فى مشهد المقابر.. عندما ارتعشت يديها قبل أن تتلمس القبر، وبدا على وجهها تعبير يتساءل : هل ليد العهر أن تمس الطهر، أغلب الظن أنها ستدنسه.. هكذا شعرت «شادية» التى باعت عرضها فى وطن وافق على بيع كل شىء إلا عرض المرأة !. شعرت «شادية» – غادة – بأنها آثمة.. لذا عادت يداها للوراء ولم تلمس القبر احتراما وتأدبا لوقاره وجلاله.. أراد على رجب من خلال المشهد أن يتهم الجميع، فالعاهرة تتعفف والأسياد يقتلون الأبرياء بدماء باردة ويمشون فى جنازاتهم.. بعد أن صنعوا من المدينة بكباريها العالية قضبانا لسجن البسطاء وأنفاقها قبوراً لهم. وبين السجن والقبر.. تبقى حياة، يعيشها كل شخص حسبما يرى، ويربح منها كيفما يشاء.. فهناك من تتاجر بجسدها (مضطرة أو متعمدة) وهناك من يتاجر بمرضه لينقذه.. وآخر يتاجر بدينه.. وإذا كانت الباغية تتخلص من الشعر الزائد للتزين وإظهار المفاتن ، فهناك رجال يحتفظون به لكونه أحد العوامل الرئيسية فى التجارة بالدين. أخيرا.. «ركلام» عمل فنى يحمل كغيره من الأعمال الفنية ثمة أخطاء، وإن كانت قليلة وغير ملحوظة.. لكن الرسالة التى وجهها الفيلم فى هذا التوقيت طغت على بعض الملاحظات على السيناريو.. ويكفى أن الفيلم تم تصويره قبل تنحى الرئيس المخلوع حسنى مبارك.. ويواجه حاليا حربا دينية بدأت بالدعوى القضائية ضد عادل إمام وأزمة مسلسل «ذات» لنيللى كريم. ليدشن «ركلام» نجمة جديدة (غادة عبد الرازق) فى عالم شباك التذاكر.. ويعتبر خطوة مهمة وواسعة فى مسيرة مخرج مهم.. لكنه سيظل فيلماً غير مشروع لمجتمع عاجز جنسيا. السنة الخامسة - العدد 343 - الاثنين - 27/02/2012