في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بيل جيتس ينوي إنفاق قسم كبير من ثروته على الأعمال الخيرية    في خطوة لخفض التصعيد، باكستان والهند تجريان اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    النيابة تعاين حريق شب داخل مقر الشركة القابضة للأدوية بالأزبكية    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    بجائزة 50 ألف جنيه.. محمد رمضان يعلن عن مسابقة جديدة لجمهوره (تفاصيل)    7 يونيو.. جورج وسوف يُحيي حفلًا غنائيًا في لبنان بمشاركة آدم    أموريم: الدوري الأوروبي يختلف عن بريميرليج.. ومواجهة توتنهام ستكون رائعة    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    اجتماع بين الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية واللجنة الوطنية للمستهلك بجنوب إفريقيا لتعزيز التعاون في حماية المستهلك وسلامة الغذاء    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل- مسؤول أمريكي: خطة ترامب لغزة قد تطيح بالأغلبية الحكومية لنتنياهو    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    حدث في الفن- انهيار كارول سماحة ونصيحة محمود سعد بعد أزمة بوسي شلبي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    منافسات قوية فى الدورى الممتاز للكاراتيه بمشاركة نجوم المنتخب    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الشعوب الغربية في حاجة إلي دراسة في الثقافة الديمقراطية؟
نشر في القاهرة يوم 17 - 01 - 2012

تظل النظرية الديمقراطية هي"اليوتوبيا الإنسانية" التي يسعي كل جيل لإعادة قراءتها، والتفاعل معها، وفقا لمتغيرات كل عصر، وما توصلت إليه مسيرة الفكر البشري والثقافة الإنسانية في كل مرحلة . ومن الملاحظات الجديرة بالاعتبار في الوقت الراهن، أن كثيرا من المنظرين أصبحوا يتجنبون مهمة تقديم " تعريفات محددة " جامدة للديمقراطية، مفضلين علي ذلك طرح " تشكيلة " من الصفات والمكونات والتراكيب، التي تنتج في مجموعها نمطا من أنماط الحكم الديمقراطي، وذلك علي أساس أنه ليس ثمة صورة واحدة فريدة تجسد الحالة الديمقراطية. وبناء علي ذلك، فإن البعض اعتبر أن ما يميز الديمقراطية عن غيرها هو أسلوب الحكام في الوصول إلي السلطة، وطريقة تولي المناصب القيادية، وهذه النظرة تجد تأييدا من جانب الفريق الذي يقرن الديمقراطية بالعملية الانتخابية، بالرغم من الاعتراف بأن الديمقراطية هي عملية أوسع وأعمق بكثير من المناسبة الانتخابية التي تتكرر علي فترات متباعدة. ونتذكر هنا أن " جيمس ماديسون " اعتبر أن الأسباب الفطرية للاختلاف مغروسة في الطبيعة البشرية، وأن الخلافات تبدو جزءا متوقعا أو حتميا بين جماعة المواطنين، ومن ثم كان من الضروري البحث عن أنسب الأساليب لاحتواء "الخلافات"، وترقية التعامل معها عبر عمليات تنافسية (انتخابية) محكمة علي أرضية شروط توافقية ترتضيها الجماعة السياسية، ولتظل عملية "إدارة الحكم" Governability هي أكبر تحدي يواجه كل أنظمة الحكم، غير أن أكثرها قدرة علي تعديل قواعدها، ومؤسساتها ،بسلاسة، هي الأنظمة الديمقراطية . المرجعية النظرية للفكر الديمقراطي 1 ثمة مرجعيات نظرية جوهرية للفكرة الديمقراطية تتمثل في: التعددية، والتمثيل، والمساءلة. فالتعددية، بما تنطوي عليه من تنوع واختلاف في الآراء والأفكار والمعتقدات، هي من دلائل ديناميكية المجتمع، وحيويته . ومن الطبيعي أن أي مجتمع تتعدد فيه الاتجاهات والشرائح الاجتماعية، والتي تنتظم في تنظيمات، أو أحزاب وجماعات ضغط، والتي تسعي إما للوصول إلي السلطة، أو التأثير علي صناع القرار، في خضم العملية السياسية، وهي العملية التي من خلالها يجري تقاسم وتوزيع السلطة بين أطراف متعددة، بدلا من تركيز السلطة، واحتكارها من قبل طرف واحد. والتعددية السياسية والفكرية، بما تعنيه من تنوع واختلاف القوي السياسية، لاتتعارض ولاتتناقض مع وحدة الدولة والنظام السياسي، ولكنها تسمح في الوقت نفسه بناء علي المبدأ الديمقراطي لكل مواطن بالمشاركة في العملية السياسية من خلال انضمامه للتنظيمات السياسية، الأمر الذي يسمح بتعزيز الحيوية، والحراك الاجتماعي، كما يقول الباحث مشعل السلمي، كما تساعد علي الارتقاء بمستوي الوعي السياسي والثقافي لدي المواطن . إذن، الأصل في الديمقراطية هو رفض الأحادية، ورفض الاستحواذ علي مراكز اتخاذ القرار، ورفض الانفراد بالشرعية السياسية. وترتكز الفكرة الديمقراطية علي نظرية "التمثيل"، فالحكام، يمثلون الشعب سعيا لتحقيق " المصلحة العامة " بتفويض منه . وبناء علي ذلك، يعد "التمثيل" من أهم مبادئ الديمقراطية في العصر الحديث، ومن ثمة نعاصر الديمقراطية التمثيلية Representative Democracy. ويري فيليب شميتر وتيري لين كارل أن "النواب " سواء كان انتخابهم مباشرا، أو غير مباشر، فإنه يقع علي عاتقهم القيام بمعظم العمل الحقيقي في الديمقراطيات الحديثة . وهناك شك كبير في أن تكتب الحياة لأي ديمقراطية بدون عمل هؤلاء النواب الممثلين . ويري روبرت دال ضرورة أن ينص الدستور علي تخويل المسئولين المنتخبين حق مراقبة قرارات الحكومة الخاصة بالسياسات . كما لابد أن يكون المسئولون المنتخبون قادرين علي ممارسة سلطاتهم الدستورية بدون معارضة من المسئولين غير المنتخبين . ويبقي مبدأ التمثيل السياسي هو الخيار الأفضل للممارسة الديمقراطية، هذا، مع ملاحظة أن الديمقراطية ليست في جوهرها مجرد عملية التصويت، ولكنها، عملية أكثر اتساعا، تستوعب مجمل النقاش المجتمعي. وبصورة أو بأخري، فإن " الانتخابات الدورية " تشكل آلية لمساءلة المسئولين، وضمان تجاوبهم مع رغبات المحكومين . ويربط روبرت دالRobert Dahl بين دورية الانتخابات، وإتاحة الفرصة للناخبين لمساءلة المسئولين في السلطتين التشريعية والتنفيذية ومحاسبتهم، ذلك أن دورية الانتخابات تعني تحديد فترة محددة للمسئولين لشغل مناصبهم، وبالتالي منع احتكارهم للسلطة، واستخدامها من أجل البقاء، والتخطيط لاحتكارها إلي الأبد . 2 وبوجه عام يمكن القول إنه بغض النظر عن المزاعم المعيارية للديمقراطية الغربية، فإن الديمقراطية مفهوم يقبل الاختلاف، ويقبل التناغم مع مختلف الثقافات، لذلك نتفق مع العربي صديقي في مقولته إن تطبيقات الديمقراطية تتعدد، بدون أن تفقد الديمقراطية قوتها الأخلاقية، وبدون أن ترتبط مركزيا بمصدرها الحضاري الغربي حصريا . ويبقي للديمقراطية ميزاتها، فهي شكل الحكم الذي " يمكّن كل شخص من أن يعمل علي أحسن وجه، وأن يعيش في سعادة " علي حد تعبير أرسطو، وهو النظام الذي يصل إلي أفضل صورة ممكنة للعلاقة بين الدولة والمجتمع. وفي بحث العربي صديقي عن ديمقراطية عربية، فإنه يري أنه من مسوغات هذه الديمقراطية واحتمالاتها القوية ما يؤكد عليه "سارتوري " بأن مفهوم الديمقراطية، مؤهل للانتشار، وتعدد الأوجه، وبالتالي فهي متاحة أمام كل الثقافات، غير أن ذلك لايعني أنها (الديمقراطية) تسمح بالتواؤم مع أهواء الطغاة، لأنها بالطبيعة، ترفض عنف الإقصاء، والسلطوية الأحادية. الديمقراطية.. ملامح وشروط 1 توجد الديمقراطية، حيثما لاتوجد سلطة حتمية لدي فرد بعينه، أو حزب معين، أو أيديولوجية منفردة، أو قلة وراثية، أو منظمة مهيمنة، وحينما يمكن تولي السلطة السياسية لأي كان، حسبما يتوافق عليه الجمع السياسي والاجتماعي. كان جوزيف شومبيتر يتناول الديمقراطية إجرائيا بالنظر إليها علي أنها مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة . ومع أن فيليب شميتر وتيري لين كارل قبلا هذا التناول الإجرائي الكلاسيكي للديمقراطية، غير أنهما اختلفا عنه في التأكيد علي عنصرين أساسيين هما : مسئولية الحكام نحو المواطنين، وتوسيع آلية عنصر التنافس بما يتجاوز آلية الانتخابات . أما روبرت دال فإن رؤيته ركزت علي متوالية تبدأ بالحريات، أي حرية الحصول علي المعلومات من مصادر متعددة، وحرية تشكيل المؤسسات والتنظيمات المستقلة، وصولا إلي إجراء انتخابات حرة . إذن، جوهريا الديمقراطية نظام حكم، ينظم العلاقة بين الحكام والمحكومين، ويكون فيه الحكام مسئولين عن أفعالهم أمام المواطنين، ومع ذلك فإن شكل الديمقراطية في دولة ما يتوقف علي الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه الدولة، ومدي رسوخ بنية الدولة والممارسات السياسية بها . ويركز شميتر علي التمييز بين نظام ديمقراطي وآخر غير ديمقراطي وفقا للمعايير التي تحدد طريقة وصول الحكام إلي مناصبهم، والممارسات التي تجعلهم مسؤلين عن أفعالهم، وهي المعايير التي يحددها النظام العام . وما يجب ملاحظته أن الانتخابات ليست هي الديمقراطية، فالديمقراطية عملية أوسع وأشمل من عملية التنافس الانتخابية، ذلك أن الديمقراطية تنطوي أساسا علي عمليات نقاشية مجتمعية موسعة، وآليات عمل متنوعة، يجري من خلالها تشارك المواطنين في أحزاب أو اتحادات أو حركات، واتخاذ قرارات جماعية تجاه الحكومة، وتطبيق صيغ تعاونية، تساعد علي إنجاح العملية التنافسية. 2 هنا تتبدي الضرورة في السعي للتوفيق بين جانبين علي حسب التحليلات التي أوردها العربي صديقي : أولا: أن الديمقراطية لم تعد المفهوم المرتبط بطقوس محددة، لأنها تطورت زمنيا ومكانيا، واكتسبت قدرة طبيعية علي التغير والنمو . ثانيا: أنه من غير الممكن تمرير الاعتراف بديمقراطية ما من غير أسس معينة . بمعني، أن جوهر الفكر الديمقراطي يعترف ب " المعرفة النسبية "، والتعددية، واحترام الاختلاف ولايعني هذا بحال من الأحوال التخلي عن التصورات المثالية، فإذا كنا بصدد البحث في صورة الحكم الرشيد، فلامناص من ضمانات ديمقراطية، تضمن العدالة، وتمثيل الاختلاف، والمواطنة . ونعود إلي روبرت دال لنراه يؤكد ضرورة الأسس الديمقراطية، لأن عدم وجود أسس ديمقراطية يمكن أن يكون لمصلحة القوي غير الديمقراطية " وهو يعني بالأسس الديمقراطية " مجموعة من الافتراضات المعقولة، بما يفيد : ضمان أن تكون الديمقراطية مطلوبة، وأن يكون النظام السياسي ديمقراطيا بمدي معين، وأخيرا نوعية الممارسات والمؤسسات السياسية الضرورية لتحقيق معايير الديمقراطية. النظرية الديمقراطية .. تحولات معاصرة 1 في الوقت الراهن يجري إعادة التفكير في الديمقراطية، لنلاحظ أيضا في " البحث عن ديمقراطية عربية " أن ثمة أربع مدارس فكرية، تشكك في " الفكر التقليدي "داخل الديمقراطية، خاصة ما يتعلق بالنمط السائد عن فكرة " المساواة " في الديمقراطية المعتادة . هذه المدارس هي: الحركة النسوية، وحركة ما بعد الحداثة، وتيار التضامن العالمي والإصلاح، والتعددية الثقافية / الكوزموبوليتانية. ولعل أوضح هذه الحركات إثارة لضرورات التجديد الديمقراطي هي " الحركة النسوية " التي تنتقد التشديد علي الذكورية، لينفتح الباب لما تطلق عليه آن فيليبس " نهاية السياسة الجنسوية والديمقراطية الجنسوية " بمعني، أن حالة الديمقراطية التي تقوم علي تفوق الذكر تؤدي إلي انعدام المساواة، وبالتالي تطرح النظرة الجديدة إعادة تعريف المواطنة، وإصلاح أسس التمثيل بحيث يتم التوصل إلي صورة جديدة للمساواة بين الرجل والمرأة . ومن المعروف أنه في عمق الحركة النسوية ثمة محاولات للتشكيك في التقسيمة السائدة بين العام والخاص، الأمر الذي يؤدي إلي استبعاد النساء من المشاركة السياسية، وحصر النساء في الحيز المنزلي، كنتيجة لجعل التسييس والنشاط السياسي متمحورا حول الذكر في المجال العام . ويري العربي صديقي أن ما تقوم به الحركة النسوية يرمي إلي إشاعة فكرة التفكيك، وإعادة تركيب الديمقراطية، وصولا إلي تطوير أشكال سياسية جديدة تعكس قيم حركة نسوية شاملة، تتجاوز التناقضات ،في محاولة لبناء عالم ديمقراطي جديد وأشكال سياسية متطورة. أما بالنسبة لتيار ما بعد الحداثة، فإن صلته بمسألة إعادة التفكير في الديمقراطية تتأتي من أن المفهوم نفسه يقوم أساسا علي وجهة نظر نقدية، وممارسة معرفية تحاول الرد علي مواطن قصور العقلانية، وتحاول الوصول إلي إعادة قراءة للتجربة الإنسانية، وتفتح الباب للبعد عن المركزية. وهكذا، يتحدد الهدف في " حماية حقوق الإنسان، والحكم الذاتي عبر آليات دستورية، وممارسات مدنية لا أثر لها في نظرية الجمهورية الكلاسيكية". 2 ولا شك أن الديمقراطية التقليدية داخل الدول تواجه تحديات بالغة من جراء تطور الأشكال الجديدة للتضامن علي المستوي العالمي، والتي تتجاوز الدولة / الأمة، وتعبُر الحدود القومية، وتسعي إلي بناء تضامنيات تعمق العلاقات بين الناس، عبر منظمات غير حكومية، ومنظمة الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وحركات تمكين النساء، وهي الأشكال التضامنية التي تجتهد في وضع أجندة سياسية وأخلاقية ترفع أصوات المهمشين والمستضعفين، لإسماع صوتهم علي مستوي العالم . الديمقراطية العالمية 1 في سياق فكرة التجدد الديمقراطي العالمي، يأتي طرح ديمقراطية أخري، أو مايطمح إليه أصحاب الفكر الكوزموبوليتاني وما يطلق عليه " نموذج الديمقراطية الكوزموبوليتانية " وتفصيلها علي النحو التالي نقلا من دانييل أركيبوغي وديفيد هيلد: " نموذج لتنظيم سياسي يكون فيه للمواطنين، أيا كان موقعهم في العالم، صوت ومساهمة وتمثيل في الشئون الدولية، بشكل متواز مع حكوماتهم ومستقل عنها، وهذا النموذج يقتضي عملية كبيرة لامجرد مجموعة قواعد توجيهية، فالسمة المميزة للديمقراطية .. ليست فقط مجموعة محددة من الاجراءات (علي أهميتها ) بل هي أيضا متابعة القيم الديمقراطية التي تشتمل علي مشاركة شعبية في العملية السياسية". وإذا كنا هنا نتحدث عن نموذج ديمقراطي يتجاوز الدولة، ويعلو عليها، فإن ذلك لايعني بحال من الأحوال أن الدولة ستختفي، ذلك أن هذا الفكر التجديدي المؤسسي الجديد يسعي
إلي فكرة جوهرية هي "التوازي بين نظام الدولة والنظام العابرللحدود القومية" وبالتالي تتوافق الديمقراطية العالمية، وديمقراطية الدولة، حيث لم يعد في الإمكان الفصل بينهما، بل تغذي إحداهما الأخري، وبدلا من أن تكون العولمة متضمنة توجهات تنتقص من سلطة الدولة، علي العكس، فإن التوجه الجديد يتضمن التوافق بين المجالين القطري والعالمي. 2 وإذا كان صحيحا أن العولمة، " قوضت الديمقراطية القطرية والسيادة الشعبية " بدرجة ما، فإنه ماتزال هناك فرصة مؤكدة للتجديد المؤسسي، وتطوير المجتمع المدني، وإخراج الديناميكية الديمقراطية من الإطار البيروقراطي الضيق، الأمر الذي يمكن أن يعالج سلبيات العولمة، ذلك أنه لا يمكن إغفال أن العولمة نفسها سمحت بسيطرة أقلية غير مسئولة، من أصحاب الشركات عابرة الحدود القومية، والإدارة التنفيذية غير المنتخبة، علي غالبية كبري من البشر، والتأثير في صنع القرار، وخيارات القادة المنتخبين . ولكن لابد من الالتفات ،هنا أيضا إلي حقيقة أخري، إذ يري العربي صديقي أن " ثمة فائدة للعولمة هي نشوء رؤي وجهود وهويات متكاملة عالميا، وعاملة فوق الدولة، هذه العوامل، ووسائط الهندسة الاجتماعية العالمية، تضفي الديمقراطية إلي حد ما علي العالم عن طريق التعددية والمشاركة الأوسع"، فهناك مشاركة تضامنية معولمة في قضايا حقوق السكان، وحقوق الإنسان، وموضوعات البيئة، وتفعيل قدرات النساء. أزمات الديمقراطية المعاصرة 1 إذا كانت الصورة الكلاسيكية للتفكير الديمقراطي اعتبرت أن " الفرد " هو محور النظام السياسي، وذلك إعلاءً لحقوق الفرد الطبيعية، علي كل ما عداها، فإنه من أبرز سمات الديمقراطية المعاصرة هو الدور المحوري للتنظيمات الوسيطة، ومنها الشركات، والاتحادات، والنقابات، ووسائل الإعلام، والجمعيات، الأمر الذي تجاوز الصورة المثالية المفرطة في بساطتها لليبرالية التقليدية . وإذا كان البعض قد توصل إلي استنتاجات عامة مؤداها أن التنظيمات الوسيطة أثرت علي دور الأحزاب السياسية في العملية السياسية، غير أن الملمح العام الذي فرض نفسه، بالإضافة إلي ذلك، هو غلبة الطبيعة الإجرائية عموما علي الديمقراطية المعاصرة، بحيث أصبحت في جوهرها مجرد ترتيبات مؤسسية، وقواعد إجرائية، وطريقة للحكم، توفر الفرص التنافسية، عبر العملية الانتخابية بين فرقاء متنافسين، ويطلق علي هذه الديمقراطية اسم " الديمقراطية التعددية" أو "الديمقراطية الإجرائية". 2 غير أن التحولات التي تجري في الديمقراطية المعاصرة، فكرا وممارسة تتجاوز ذلك إلي مستوي " الأزمة " علي عدة مستويات ،حتي في الدول الديمقراطية العتيقة، فهناك ما يتعلق بسوء التمثيل، حيث قد لايشعر المواطنون في أحوال كثيرة بأنهم ممثلون من قبل القيادات والطبقة السياسية، ويبدو أن الصلة بين الأحزاب السياسية والطبقات الاجتماعية شبه مقطوعة، ويشعر الناخبون أن أصواتهم ليس لها ثقل كبير في تغيير القيادات، وبالجملة تسود مشاعر عدم الرضا السياسي. . أما أكثر ظواهر أزمة الديمقراطية المعاصرة فتتمثل في تراجع نسب المشاركة في التصويت الانتخابي، وهي ظاهرة عامة في الديمقراطيات العريقة، والدول الديمقراطية الحديثة علي السواء . ففي فرنسا، كانت نسبة التصويت في انتخابات الرئاسة 28 %، وفي بريطانيا، وصلت نسبة الامتناع عن التصويت في الانتخابات التشريعية في 2001 إلي 40 % . وتقول سارة بن نفيسة إن نسب الامتناع عن التصويت كانت فيما مضي ترتبط بالطبقات الدنيا، ولكنها حاليا ترتبط أيضا بالطبقات العليا والمتوسطة، ولاتختلف في الدول الغنية عن الدول النامية. 3 هذا فضلا عن أن عملية التصويت نفسها أضحت غير مستقرة، فالناخب يغير حزبه السياسي من انتخابات إلي أخري، ويتصرف مثل المستهلك السياسي، وغالبا لايثق في الحزب، والقوي السياسية المنظمة، وقد لاتجد الأحزاب لها العدد الكافي من الأعضاء في وقت لاحق . وتعلق سارة بن نفيسة بأن الصلة متوترة بين الناخبين والطبقة السياسية، ولم يعد ينظر إلي رجل السياسة علي أنه ممثل لناخبيه أو أيديولوجيتهم، وتستنتج أن الوقت الحالي يشهد ما يطلق عليه " ديمقراطية الجمهور " بدلا من " ديمقراطية الأحزاب السياسية " في الماضي القريب، وربما أن النقاش العام، الذي كان يجري داخل البرلمان، أو الأحزاب، ينتقل الآن إلي فضاءات أوسع، ودوائر الإعلام، ودوائر استطلاعات الرأي، ويمكن النظر إلي كل هذه الظواهر علي أنها أعراض "أزمة الفكر السياسي" التي تنتاب الديمقراطيات الغربية الحالية . وبالرغم من أن هناك من يتحدث في إطار هذه الأزمة عن " مرحلة ما بعد الأحزاب" أو "مرحلة ما بعد الديمقراطية "، غير أنه في التحليل العام، فإن أزمات الديمقراطية لاتفضي إلي رفضها، أو التقليل من شأنها، بل لابد من الاعتراف بضرورتها كأفضل أنظمة الحكم التي تضمن الحرية والعدل والمساواة وصيانة حقوق الإنسان، ومن الطبيعي أن تمر الديمقراطية بتحولات تواكب تغير الحياة ومشكلاتها، فالديمقراطية بطبيعتها، كونها في الجوهر تقبل الاختلاف والتغير والتبدل، فإنها تقبل محاولات التكيف والتلاؤم، عبرمختلف الثقافات، وبوجه عام فإنه من قبيل القواعد التي يقوم عليها إجماع ملحوظ أن " مشكلات وآلام الديمقراطية، لن يتم علاجها إلا بالديمقراطية ذاتها". 4 وفي المحصلة، لابد من ملاحظة أن الديمقراطية ما هي إلا تعبير عن " عملية " مركبة متعددة الأبعاد والمستويات علي صعيد الدولة والمجتمع، ولن يمكننا الإلمام بحقيقتها من دون معاينة تجارب التاريخ الديمقراطي في الدول التي قطعت أشواطا علي درب التحقق الديمقراطي . وبناء علي ذلك، ليس ثمة ديمقراطية من دون بنية قضائية مستقلة لها حرمتها، وتشريعات قانونية جادة تردع من تسول له نفسه استغلال الناس، وعمليات تصويت تتوفر لها شروط النزاهة، ومناخ سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يتواءم مع القيم والمبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنة، وحياة حزبية نشطة ذات صلة قوية بالقواعد الشعبية للتعبير عن مصالحها وطموحاتها، وصحافة حرة نزيهة وصادقة تحسن التعبير عن توجهات الرأي العام، وأبنية اجتماعية مناسبة للتنشئة الديمقراطية بما في ذلك المدرسة الحديثة التي تطبق أساليب تربوية متقدمة تستأصل روح التلقين والإخضاع والطاعة العمياء وطمس الشخصية، وبنية إعلامية متطورة ومستقلة وقادرة علي حماية واحترام مقتضيات الرسالة الإعلامية التثقيفية ديمقراطيا . علي أن الدول ذات التاريخ الديمقراطي الراسخ. بالإضافة إلي ما شهدته عبر عدة مراحل من ثورات سياسية وفكرية مهدت لها طريق الحياة الديمقراطية من خلال اجتثاث البنيات الواحدية والاستبدادية، فقد توجت ذلك كله بعملية "إصلاح ديني" جذرية، حددت بدقة دور وحجم وحدود الدين في المجتمع، بما حرر الدين من سلطة الدولة، وحفظ للدولة مجالها "الحر" من قبضة الدين الحديدية . هل الشعوب الغربية في حاجة إلي دراسة في الثقافة الديمقراطية؟ هل الشعوب الغربية في حاجة إلي دراسة في الثقافة الديمقراطية؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.