لاحظت مؤخرا انتشار الآراء علي شبكات التواصل الاجتماعي والتي تصف الشعب المصري بانعدام الشعور بالمسئولية، وأن فهمه للحرية الوليدة أنها «حرية البلاجات» كما يصفها أحد الأصدقاء من كبار الفنانين وأن المصريين «عاوزين يقضو حياتهم كلها.. كأنهم.. أو فعلا.. في المصيف» مما دفعني لكتابة رد تجيش به نفسي لفترة علي هذا التعليق السابق ذكره وكل ماشابهه من آراء. الأستاذ الفاضل والفنان القدير تحية مودة وتقدير، أما بعد فلقد ساءتني كثيرا كلماتك التي تدين وتحقر الشعب المصري وتصفه بانعدام المسئولية والتهرب من العمل .. إلي آخره من الأوصاف التي تفضلت بذكرها، وأنت في ذلك تضع الشعب المصري البالغ تعداده أكثر من ثمانين مليونا في حزمة واحدة وكأنما الشعوب هي كتلة صماء، متجانسة مكونة من أفراد منمطين علي نمط وهيئة واحدة، ثم تأتي لتناقض أنت نفسك ما قلته لتنأي بنفسك أن تكون واحدا من هذا الشعب المتخلف فتحكي لنا عن نشأتك، والتي وإن كانت نشأة عادية علي حد قولك لكنها نشأة انتجت إنسانا سويا نعتز به جميعا «وأنا منهم». ما تقوله ياعزيزي «اسمحلي، وبحكم إعجابي الشديد بفنك المتميز، أن أناديك بلفظ التحبب هذا» إن هناك اشخاصا أسوياء واشخاصا ليسوا كذلك بحكم المولد وليس المنشأ ولكني وإن كنت أتفهم تماما إحباطك الشديد من الانحدار الأخلاقي الواضح لقطاعات ليست باليسيرة في المجتمع المصري، ولكني أجدك، في تعليقك هذا، تميل لاتهام تلك القطاعات بأنها المسئولة، بشكل أو بآخر عن انحدارها، بدلا من أن تراها ضحية إهمال وتهميش وإقصاء عانو منها كثيرا وظلوا يعاملون طويلا بطريقة لا يتحملها بشر حتي ترسخ في قناعة بعضهم أنهم ليسوا من البشر فعلا، هذا وظلت الهوة الاقتصادية بين بعض المصريين من جهة، وجموع المصريين من جهة أخري تتوسع حتي ظن المصريون- علي جانبي تلك الهوة - أن الناس الموجودين علي الطرف المقابل ليسوا من لحمهم ودمهم، وبالتالي تواطأنا نحن الذين علي الطرف القادر علي العيش الكريم وغضضنا البصر عن المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يعيش فيها معظم المصريين، في مقابل أن ننعم نحن بما سمح لنا النظام البائد باقتناصه من فرص التعليم الجيد والرعاية الصحية المعقولة، وآثرنا السكوت علي المآسي اليومية المتكررة والتي يرزح تحت نيرها اشقاؤنا المصريون ، مخافة من أن «تزول النعمة» من بين أيدينا ونصبح إما معهم في نفس خندق الفقر والتخلف، أو في غياهب السجون والعياذ بالله. لعن الله الهوة أما علي الطرف الآخر من تلك الهوة فظلت جموع المصريين هناك ينظرون للمصريين علي الطرف الآخر كخونة لهم، «شلة حرامية واكلين قوت عيالهم» وذلك في تعميم - وإن سمحتلي - شديد الشبه بالتعميم الذي استخدمته أنت في وصفك لجموع المصريين، دون أن يأخذوا في حسبانهم أن هناك من المصريين «الناجين» من خندق الفقر والجهل والتخلف من هم عملوا بجد واجتهاد وحصلوا علي ما عندهم من مال وتعليم باستحقاق وجدارة، مما أفضي بالمصريين علي الطرف المهمش إلي اعتبار الطرف الآخر مذنبا في حقهم حتي ولو بتواطؤ الصمت المر الذي جعلهم يرون أن سرقة واستغلال الطرف الآخر ما هو إلا إعادة حق منهوب بالأساس، فتجد العامل الذي يصلح سيارتك أو بيتك لا يحسن عمله متعمدا إما حتي يعمل أقل وقت ممكن بأقل مجهود ممكن، أو ليجعلك ترسل في طلبه بعد حين ليتقاضي المزيد من نقودك ، والذي يراك لا تستحقها أصلا، وغيرها من الخادمات السارقات وصغار الموظفين المرتشين .. إلي آخر تلك الدائرة الجهنمية من الاتهامات بالتكاسل والاحساس بالتعالي من جهة، والإحساس بالظلم أو الغبن والتجاهل من جهة أخري .. عودة إلي رأس الموضوع من أن (الحرية عند شعبنا .. واضح أن معناها «بالنسبة له» حرية البلاجات.. عاوزين يقضو حياتهم كلها.. كأنهم أو فعلا في المصيف) فأنا لا أختلف مع الأخ العزيز في أن هناك أناسا كثيرة يرون الأمر هكذا، وإن كنت لا أتفق معه بأن «شعبنا» يراها كذلك بدليل أنه أنت - أيها الفنان القدير- وأنا لا نري الحرية علي أنها مصيف، ونحن جزء من هذا الشعب بالدليل القاطع من مصلحة الجوازات والجنسية، وأنا أري إن سمحتلي أن من واجبنا نحن «الناس غير المؤمنين بالارتباط الشرطي بين الحرية والمصيف» أن نسأل أنفسنا، بما ندعيه من وعي وثقافة، ما الذي يمكن أن نفعله لكسر هذه الدائرة الجهنمية من الاتهامات والاتهامات المضادة، لإقناع أنفسنا أولا والقطاعات التي طال تهميشها ثانيا بأننا شعب واحد وأننا لسنا في صراع وجودي وأن أحدنا لا يستطيع العيش - حرفيا - دون الآخر، لابد أن نسأل أنفسنا كيف يمكن أن ننسج علاقة جديدة قوامها الاحترام الكامل للآخر والعمل علي رفعة أحدنا الآخر فيعمل أصحاب الأعمال علي توفير الحد الآدمي لمعيشة عمالهم وموظفيهم من كفاف المأكل والمشرب والمهجع والصحة والتعليم .. إلي آخره ويعمل العمال والموظفون علي تقدم وازدهار المؤسسات التي يعملون بها، مؤمنين أن نجاح تلك المؤسسات يعني بالضرورة مزيدا من المكاسب المشروعة لهم، وليس المزيد من الأموال المكدسة في حسابات «المصريين علي الطرف الآخر من الهوة» . عزيزي الفنان: أرجو آخرا ألا أكون قد تجاوزت في حواري معك آداب الحديث أو اللياقة ، ذلك أني أكن لك عظيم الإعجاب والتقدير .. تحياتي.