يبدأ الفصل الأول من الدراسة بتقديم قراءة في «جذور الأزمة الأفكار السائدة في الكنيسة» وهي كما رصدها الباحث تتمثل في الأفكار التي يرددها بعض رجال الدين علي مسامع الأقباط وتتسبب في الكثير من سلبية الأقباط مثل «الغربة عن العالم» الأمر الذي يوحي للبعض بأن المسيحية ديانة روحية بحتة لا تصلح للحياة اليومية، وكذلك فكرة العداوة بين الروح والجسد وثنائية أخري بين الفكر والعاطفة مما يجعل البعض ينظر إلي العقل بتشكك الأمر الذي جعل انتشار الغيبيات يسيطر علي الكثير من الأقباط بصورة مفزعة . فمثلا منذ سنوات ترددت شائعة عن صور دينية مسمومة تلقي أمام الكنائس حيث إن المسيحي عندما يري هذه الصور يرفعها عن الأرض ويقبلها فيسقط ميتا، ويردد الناس هذه الحواديت في تلذذ وحماس حتي يتضح زيفها، ورغم هذا فالجميع مستعدون لترديد أية «حدوتة» جديدة بنفس الشغف ولا يتوقفون لبحث معقوليتها. وتعليقا علي هذه الأفكار يقول المهندس ممدوح إن علامة الحياة الإنسانية الفارقة هي الفكر، والغريب أن بيننا من يعتبرون الفكر شيئا ضارا، بل من يعتبر التفكير سببا للهم، ويؤكد علي أن حرية الفكر شيء أساسي في المسيحية، ومن الممكن جدا أن يخطئ الفكر، لكن طوبي لمن يواجه ذاته ولا يظن أنه يحتكر الحقيقة، وتعليقا علي الأفكار السائدة في التعليم القبطي الأرثوذكسي يقول الباحث: إنه لا تناقض بين الروح والجسد بمعني الجانب المادي في الإنسان، بل يتكامل روحا وجسدا ويتناغم مع الله ومع الكون متي أدرك عمل الخطية فيه، وقرر أن يقاومه بمعونة الله. والعلاقة بين الله والإنسان تنبني علي منهج مثلث الأبعاد: الفكر والعاطفة والإرادة. نفهم إلي أين نسعي؟ ولماذا نريد السعي؟ ونتحمس لهذا الهدف، ونتجاوب مع محبة الله لنا، ثم نسلك بما يترجم هذا الموقف وهذا الانفعال ولابد أن يدرك أن العالم هو مسئوليتي كمسيحي، وعلي أن أميز بين الشرور المنتشرة في العالم وبين حب الناس والمساهمة في انجازات الإنسان البناءة، فمسئوليتي أن أقاوم الظلمة التي في العالم. والله يعمل في الحياة والإنسان يعمل، أنا أبذل أقصي جهدي، والله يعمل مالا أستطيع عمله، الله يعين الإنسان، ولكنه لا يعين الكسالي .. هذا هو الفرق بين الإيمان والتواكل. وإن العقل المستنير بالروح وبالضمير الإنساني، وحب الناس هو أسمي طاقة في الإنسان وبه ينبغي أن نفكر وأن نعمل مستعينين بقوة الله. إن الإنسان لا يمكن أن يحيا بدون رؤية وفلسفة، من المهم أن تكون رؤية سليمة مبنية علي الفكر الحر في إطار التعاليم الإلهية والحياة الروحية والكنسية. أسباب الأزمة ويلخص الباحث هذه الأسباب فمايلي: أولا: التربية الكنسية «مدارس الأحد» وهي الخدمة الأكثر تأثيرا في رعايا الكنيسة وتتوافر في أغلب الكنائس وتقوم بشكل أساسي علي مجموعات مد الشباب الذين يتم اختيارهم من الأكثر ارتباطا بالكنيسة. وللأسف تتباين الأفكار والأساليب المستخدمة في التعليم وما يصاحبه من تشوش الأهداف وتضاربها أحيانا، مما جعل من الخدمة فروعا بلا ساق، كذلك انفصال التعليم عن الحياة إلي حد كبير وغياب كامل للبحوث الميدانية. ثانيا: المعاهد الدينية وتشمل الكلية الإكليريكية ومعاهد الدراسات القبطية والرعاية والكتاب المقدس وهي التي تقدم المناهج المعتمدة لدي الكنيسة في المجالات الدينية المتنوعة، وللأسف فهناك غياب لمواصفات واضحة لعضو هيئة التدريس بها. وانخفاض المستوي العلمي للكلية الإكليريكية أدي إلي الانفضاض عن الدراسة فيها، مما أدي إلي تراجع في مستوي الثقافة الدينية لدي أغلب المتقدمين للكهنوت، وغياب شبه كامل للبحث العلمي وأدواته، وغياب الصلة بين المعاهد الدينية في مصر وما يقابلها في العالم. ثالثا: الرهبنة القبطية، والنمط الأساسي للرهبنة المصرية، يتكون من أب مختبر للحياة الروحية يتجمع حوله عدد من التلاميذ، وفي العقود الأخيرة تعرضت الرهبنة لصعاب عديدة منها تناقص عدد الآباء المختبرين، وكان الهدف من الأعمال التي يمارسها الرهبان هو توفير حاجاتهم الأساسية، لكن بعض المشاريع تجاوز هذا الهدف، وأصبح الربح مقياسا للنجاح، وتسربت سطوة المال إلي مجال من مبادئه الأساسية التجرد والتخلي عن حب الاقتناء وافتقاد ما كانت تقوم به الرهبنة من دراسات في مجالات مهمة مثل تحقيق التراث وترجمته. رابعا: الإدارة الكنسية وتعاني أغلب الكنائس من فوضي إدارية وغياب التخطيط عن عمل الكنيسة وغياب مشاركة الشعب، كما أن هناك إهدارا للمال بشكل مستفز. خامسا: الموقف من الطوائف الأخري، ورصد الباحث قيام الأنبا بيشوي «مطران دمياط ومعه آخرون بذرع الكراهية بين المسيحيين داخل مصر وتكفير الطوائف الأخري. سادسا: غياب الانتهاء والثقافة العامة والتقوقع داخل الكنيسة. منابع الأزمة في الفصل الثاني تناول الباحث «الأساليب السائدة في التعليم» أو منابع الأزمة الحالية في الكنيسة.. والتي رصدها في: إن التعليم يتم من خلال التلقين، بينما التعليم الفعال ينبغي أن يتم من خلال الحوار والبحث والدرس. وللأسف فقيمة الرأي تبني علي صاحب الرأي، والمنهج الصحيح أنه لا توجد فكرة فوق النقاش، ولا تؤسس قيمة الفكرة علي شخص قائلها بل علي مدي اتفاقها مع النصوص المعتمدة، وعلي مدي نفعها وفعاليتها في حياتنا الروحية وتعاملاتنا اليومية. وأيضا ينظر إلي الحوار علي أنه تشكيك في المسلمات وسبب للبلبلة، بينما الحوار وديمقراطية الفكر يعمقان مبدأ الطاعة المستنيرة ويبنيان الروح الجماعية، حيث الجسد الواحد ذو الأعضاء المتنوعة، فلا يوجد بالضرورة حل واحد لكل موقف ولا إجابة واحدة لكل سؤال. وأسلوب التربية الحالية يؤدي بالإنسان إلي بناء القرار علي رأي الإكليروس أو علي أشياء غيبية، بينما التربية السليمة تبني الشخصية المستقلة وتدرب الفرد علي اتخاذ القرار. ولابد من التأكيد علي أن كثيرا مما ينسب إلي الآباء يتردد دون تحقيق خاصة وأنه يقدم علي أنه فوق المناقشة. وكذلك يوجد انفصال واضح بين ما نتعلمه من مفاهيم عقائدية وطقسية وروحية وبين الحياة اليومية، يجب أن يتعمق من يتصدون للتعليم في فهم كل فكرة أو حقيقة قبل تعليمها.. وأؤمن عن اختبار أن ما تقدمه المسيحية يسهل فهمه متي قدم بالأسلوب المناسب. ولذلك فالحاجة الماسة إلي أن يمتد التعليم إلي قلب هموم وتناقضات الإنسان المعاصر، وأن يدرسها بشجاعة ودأب مثل قضايا العاطفة والجنس والالتزام الاجتماعي والانتماء. ولابد من التوقف لدراسة تاريخنا بمنهج علمي موضوعي لنكتشف ما به من كنوز حقيقية وليس لمجرد الانبهار بالبطولات. والإعلان أن الثقافة العامة هي الطريق الوحيد لتكوين الشخصية السوية وتجاوز الانشغال بالهموم المادية، بهدف تحقيق التوازن الفكري والنفسي وبناء التذوق الجمالي. الكنيسة والسلطة ثم تعرض الباحث في الفصل الرابع «الكنيسة والسلطة» إلي نتائج تزايد شعبية الأب البطريرك البابا شنودة الثالث، وتركيز القرار في الكنيسة واستبعاد المفكرين، وقد أدي ذلك إلي: ابتعاد الأقباط عن العمل السياسي، وإن اضطر رجال الأعمال منهم إلي تكوين صلات مع رموز النظام لحماية استثماراتهم، لكن دون تأثير يذكر علي القرار السياسي. وتعامل النظام مع الكنيسة علي أنها «ملة» يجري التفاهم مع رئيسها بتقديم بعض الترضيات، مما أكد عزلة الأقباط عن دورهم السياسي كمواطنين مصريين. وتزايد الفزع من التيار الإسلامي المتنامي، والاقتناع بأن الحماية الوحيدة للأقباط من هذا الخطر الداهم هو تأييد النظام الحاكم مهما كان فساده، فهو أهون الشرين. مما أدي إلي وأد أجيال شابة كان ممكنا أن يخرج منهم قيادات علمانية «مع غير الإكليروس». رجال الدين مؤهلة للعمل السياسي كمواطنين وليس كأقباط. وتم اختصار الكنيسة في شخص البابا لتصبح مواقفه هي مواقف الأقباط، وقرارات الكنيسة معتمدة علي توجهاته وعلي ما يتاح له من معلومات، واعتماد الإكليروس كمتحدث سياسي باسم الأقباط مما كرس انفصالهم عن اخوتهم المسلمين. وحتي ثورة 25 يناير اضطر كثير من الكنائس إلي تقديم هبات شبه دورية إلي أجهزة الأمن المتربحة تجنبا للمعوقات، في عودة إلي أسلوب كان سائدا في العصر العثماني. وتورط الكنيسة في فخ لا تجد منه مخرجا، فقد أعاد الأمن بعض النساء القبطيات ممن ابتعدن عن أسرهن لسبب أو لآخر، لتصبح هذه الحكاية محرك الفتنة لكل من لا يريد الخير لمصر، وبينما ينظر الناس إلي أمثال هذه المشاكل من منطلق الحرية الشخصية، لا يملك الإكليروس إلا التعامل معها من منطلق عقيدي. وكذلك تم انحسار المطالب الوطنية العامة إلي مجرد مطالب طائفية تدفع بالوطن إلي مشارف الهلاك ومحاذير الفتن المتتالية. وأدي دخول أقباط المهجر في الساحة السياسية، وشيوع وهم المساندة الخارجية، مؤكدين الفُرقة بين المواطنين الأقباط والمسلمين، مجردين المواطن القبطي من أهم اسلحته، وهو رفضه لأن يعامل بوصفه قبطيا، وإصراره علي أن يعامل بوصفه مصريا.