إذا كانت السينما المصرية قد تراجعت قليلاً في الموسم الماضي في عدد الأفلام التي أنتجتها. ولكنها حققت مقابل ذلك الاخفاق نجاحًا كبيرًا في التواجد في عدد كبير من المهرجانات المهمة كمهرجان «كان» و«فينسيا».. كما استطاعت أن تحصد عددًا معقولاً من الجوائز في هذه المهرجانات.. عدد لم تصل إليه سابقًا في تاريخها كله، وقد تجمع هذا الحضور وهذه الجوائز في فيلمين استطاعا أن يجمعا بين الرضا الجماهيري والثناء النقدي هما «واحد صفر» للمخرجة الشابة كاملة أبوذكري.. و«احكي يا شهرزاد».. ليسري نصرالله. في المقابل استطاعت السينما الأمريكية (مع الأسف ليس هناك سواها علي شاشاتنا المصرية) أن تحقق نجاحًا كبيرًا.. وتفوقًا في عدد الأفلام المعروضة.. وازديادًا ملحوظًا في إيراداتها. أفلام الجوائز والحق يقال إن هذه السينما قد أعطتنا الكثير مما كنا نأمله أفلام.. حازت علي جوائز مختلفة في الجولدن جلوب وفي الأوسكار.. وإن كانت الرقابة قد حرمتنا من رؤية الفيلمين اللذين سببا الكثير من ردود الفعل ونالا جوائز التمثيل الكبري.. وأعني بها (القارئ) الذي انبعثت فيه الغريزة كيت وينسلت بأداء دور حارسة المعتقل اليهودي.. التي تقيم علاقة مع شاب مراهق في أعقاب الحرب العالمية الثانية يعلمها القراء مما يجعلها قادرة آخر الأمر.. علي محاسبة نفسها ومحاكمتها، فيلم بديع في إخراجه وفي تمثيله وفي خطورة الموضوع الذي يطرحه.. كما منعت الرقابة عرض فيلم (ميلك) الذي يستعرض حياة النائب الجمهوري المثلي الجنس الذي كاد أن يصل إلي سدة الرئاسة الأمريكية لولا مصرعه علي يد متعصب ديني قد نال ممثله الأول (شون بن) أوسكار أحسن ممثل علي روعة أدائه لهذا الدور الصعب والمعقد. بخلاف هذين الفيلمين الكبيرين الذين حرم الجمهور المصري من رؤيتهما.. كانت هناك أفلام أخري بريئة تسنت له مشاهدتها.. كفيلم (حياة بنجامين بوكون الغربية) المأخوذ عن قصة فيتزجيرالد القصيرة.. والذي قدم لنا نموذجًا مدهشًا.. لما يمكن أن تصل إليه السينما الأمريكية من إتقان وإبداع إذا توفر لها المخرج الكبير والأداء العبقري والسيناريو الماهر. قصة حقيقية وأسعدنا الحظ أيضًا برؤية الفيلمين الأخيرين.. اللذين أخرجهما (كلينت ايستوود) وهما الاستبدال القائم علي قصة حقيقية.. يحاول فيها جهاز الشرطة إقناع أم ثكلي فقدت ابنها.. بأن جهازها قد عثر عليه ويقدمون لها بدلاً عنه طفلاً آخر.. ترفض بعزم وجرأة.. مما يعرضها لاضطهاد هذا الجهاز.. يتم الكشف عن جرائم مروعة راح ضحيتها عدد كبير من الأطفال ثم خطفهم واغتصابهم ثم قتلهم وعجزت الشرطة عن إيجاد المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر. فيلم يؤكد موهبة ايستوود الرائعة في الإخراج.. كما أكد فيلم (جران كورنيو) موهبته التمثيلية التي نعرفها عنه منذ زمن خلال تجسيده لرجل يميني متعصب.. تجعله علاقته مع طفل آسيوي يكتشف منابع الحنان التي أغلقها في قلبه. فيلم طافح بإنسانية كريمة وبنظرة سينمائية واسعة ومقتدرة. ومن حسنات توزيع الأفلام عندنا.. أن نري فيلم (المحاربون السفلة) آخر أفلام تارانتينو التي عرضت في مهرجان «كان» الأخير.. وتقوم علي سرد رواية خيالية عن مؤامرة لقتل هتلر.. نجح المخرج في تقديمها بأسلوبه الخاص المميز، كما نجح في إلقاء نظرة تهكمية ساخرة علي الحرب.. وعلي النازية واليهود. ولم يحالفنا الحظ كله فيلم «الطريق الثوري» للمخرج سام فنديس، الذي حقق فيما سبق نجاحات كثيرة رغم وجود أبطال من أمثال برادبيت وكيت وينسلت (أبطال تيتانيك) علي رأسه.. الفيلم يمثل اتجاهًا آخر معاكسًا تمامًا لفيلم «تيتانيك» الرومانسي.. ويصور لنا دون قصة حب وزواج.. في مجتمع أمريكي غرق في المادية والأنانية حتي أذنيه. انصراف الجمهور وكما انصرف الجمهور المصري عن هذا الفيلم البديع.. انصرف أيضًا عن تحفة سينمائية كبري هي (العلم الأحمر) قدمها لنا المخرج اللامع (جون وو) عن الحروب الصينية في القرن الثالث عشر بابهار غير مسبوق وبحس سينمائي ترافقه كاميرا عبقرية.. وتحريك للمجاميع قل أن رأت السينما العالمية مثيلاً له.. فيلم نادر كالألماسة الزرقاء.. ألقاه جمهورنا في سلة المهملات منذ أيامه الأولي. الحرب الثانية.. محاولة اغتيال هتلر.. كانت أيضًا موضوعًا لفيلم (الفالكيري) الذي عاد إلينا فيه توم كروز وهو في أوج أدائه ليقدم صورة لهذا الضابط الألماني الأرستقراطي الذي نظم مؤامرة لقتل الزعيم النازي.. لم تنجح ودفع ثمنها حياته. الفيلم شديد الواقعية.. قدم الحدث التاريخي بطريقة بوليسية واستطاع المخرج بمهارة أن يرسم صورة موفقة للجو النازي بأزيائه وديكوراته وشخوصه.. تمامًا كما فعل مايكل مان.. عندما قدم رؤيته لحياة الشغب الشهير والفجر المسمي عدو الشعب والذي تشكلت حوله هالة أسطورية من خلال مواجهته للسلطة إبان الأزمة الأمريكية الاقتصادية في الثلاثينات (مان) تميز بهذا الفيلم في خلق الجو الأسطوري لهذا الشقي الدموي مع إعطاء مساحة كبيرة للخلفية السياسية والاقتصادية والتي توجها بقصة حب رومانسية لعبت بطولتها (ماريون كوتيارد) التي عرفناها من خلال تجسيدها لشخصية أديث بباف والتي قدمت بهذا الفيلم أول ظهور أمريكي مبشر لها أمام أسطورة هوليوود الجديدة (جوني ديب) الذي يزداد نضجًا وتألقًا عامًا بعد عام وفيلما بعد فيلم. أفلام الكوميديا الكوميديا.. كان لها شأن كبير في الموسم الماضي.. ويرجع ذلك طبعًا.. إلي ضرورة إعادة البسمة إلي شفاه الأمريكيين الذين أغلقت البطالة قلوبهم.. فجاء فيلم (هانجوفر) الذي يروي مغامرة ثلاثة أصدقاء في مدينة القمار والفساد لاس فيجاس أثناء توديع حياة عزوبية أحد زملائهم الذي يختفي فجأة في سراديب المدينة الملوثة.. من خلال مواقف كوميدية تصل أحيانًا إلي درجة (الفارس) ثم كوميديا (عرض الزواج) الذي يعيد لنا ساندرا لولوك ممثلة قادرة علي لعب كوميديا الموقف بنفس براعتها في أداء أدوار الحركة.. وكوميديا (الحقيقة المرة) الذي يعالج موضوعًا جنسيا بجرأة وحوار غير مسبوقين في السينما الأمريكية. وعادت إلينا الكوميديا الرومانسية مرة أخري.. من خلال علاقة تربط بين رجل تجاوز الستين يلعب دوره وستن هوفمان بامرأة تخطت هي أيضًا سن الشباب ليعيشا آخر أيام الحب وعذوبته وحرارة الحنان ودفء العواطف في فيلم حمل عنوان (آخر فرصة لهارفي). آفاتار وبالطبع كان لأفلام الابهار والحركة دورها الكبير هذا العام.. بدءًا من أفلام الخيال العلمي كفيلم المتحولون الجزء الثاني وفيلم (2012) الذي يروي تصوره عن نهاية العالم القريبة من خلال خدع سينمائية متطورة.. وأخيرًا.. انتهي الموسم بفيلم (آفاتار) الكوكب الوهمي الذي تحاول السلطة الأمريكية احتلاله وإبادة سكانه للاستفادة من موارده الطبيعية. فيلم جيمس كاميرون (مخرج تيتانيك) الذي يحقق الآن إيرادات غير مسبوقة في أرجاء العالم، فيلم يعتمد أكثر ما يعتمد علي الابهار الصوري والتكنيك الشديد التقدم الذي وصلت إليه صناعة السينما في أمريكا.. والتي تخطت حدود أية منافسة ممكنة من أية سينما أخري غيرها. ولكن يبقي (آفاتار) رغم ابهاره.. فيلمًا يمكن نسيانه بسرعة.. تمامًا كالجزء الأخير من (هاري بوتر) الذي بدا لنا وكأنه قد فقد أنفاسه.. ولم يعد قادرًا علي جذب المعجبين به شأن الأجزاء السابقة وظهرت موضة جديدة في الفيلم السينمائي الإيراني.. تعتمد هذه المرة علي رومانسية مصاصي الدماء الذين ابتعدوا عن أجواء دراكولا.. ليقتربوا أكثر من أجواء (قصة حب).. وهكذا رأينا في بداية الموسم فيلم (الشفق) الذي يروي غرام طالبة جامعية بزميلها مصاص الدماء.. وسبب نجاح الفيلم الرهيب وغير المتوقع ظهور جزء ثان من القصة تحمل اسم (القمر الجديد) عرض في آخر شهور الموسم.. وكان أقل نجاحًا بكثير من الجزء الأول.. بعد أن زالت هذه المفاجأة ودخلت الشخصيات في نطاق (العادية)، ولكن رغم الفشل النسبي لهذا الفيلم الأخير.. فإننا نتوقع خلال الموسم الجديد أفلامًا أخري عن مصاصي الدماء الرومانسيين.. وعن هذا العالم الغريب الذي نتخيله ولا نعرف عنه شيئًا.. الإثارة والفزع أفلام الرعب توالت بكثرة خلال هذا الموسم.. أغلبها يعتمد علي إثارة الفزع دون أية حبكة سينمائية حقيقية.. باستثناء فيلم (خذني إلي الجحيم) الذي أخرجه سام ريمي وأعاد لأفلام الرعب شيئًا من المستوي.. رغم فظاعة وقسوة الأحداث التي وصلت إلي حد عدم الاحتمال أحيانًا. الأفلام السياسية كانت نادرة هذا الموسم.. ولا أدري إذا كان من الممكن اعتبار (ملائكة وشياطين) واحدًا منها.. وهو تيمة لفيلم الفضيحة الشهير (شارة وفيش) الذي منعته رقابتنا لأسباب دينية.. بينما سمحت بعرض هذا الفيلم رغم تجاوزاته ورغم مسه بالسلطة الكاثوليكية بشكل مباشر.. يتخذ طابع الفيلم البوليسي.. بينما تذهب أهدافه إلي أبعد من ذلك بكثير، وربما كان (المخطوفة) رغم كونه فيلم مطاردات وحركة.. يدور حول اختطاف عصابة للرقيق الأبيض تعمل لحساب الأمراء العرب لفتاة أمريكية صغيرة.. تزور باريس لأول مرة فيلمًا له خلفية سياسية تهاجم العرب.. بشكل غير مباشر. الفيلم مصنوع جيدًا ويمسك بأنفاس المتفرج تمامًا كفيلم (لعبة سياسية) الذي يكشف مناورات الانتخابات الأمريكية بأسلوب ذكي وحاذق ومن خلال أداء شديد الجودة لممثليه الرئيسيين.. وتمامًا كفيلم (العالمي) الذي يفضح أسرار البنوك الدولية وتلاعباتها. ولابد أن أشير إلي فيلم نفيس جدير بالاهتمام قدمه الممثل الأسود (ويل سميث) بدور مختلف تمامًا عن أدواره السابقة. له منحني إنساني ونفسي عميق هو (7 باوندز) الذي لم يحقق النجاح الذي يستحقه رغم دفء الموضوع الذي يعالجه رغم قتامته. المليونير المتشرد ويبقي أخيرًا.. فيلم (المليونير المتشرد) الذي فاز بأكثر جوائز الإدارة التي منحت العام الماضي والذي أبهر العالم بمونتاجه الذكي.. وبقدرته علي تصوير حياة المهمشين في مدينة (بومباي). والذي كسب المعركة ضد فيلم (بنجامين بوكون) الذي يفوقه عشرات المرات.. في شتي الأقسام (قصة وأداء وسيناريو وتصويرًا) ولكنها مفاجآت السينما والجوائز.. ومفاجأة هذا الموسم المنصرم الذي رفعنا مرة إلي أقصي مراحل النشوة.. وسقط بنا مرات أخري إلي قاع اللامبالاة.