قديما، كان صناع السينما يتباهون بوصول أحد أفلامهم إلى المهرجانات الدولية، بل كانوا يقاتلون من أجل شرف المشاركة فقط فى أى من هذه التظاهرات العالمية. أما الآن فقد أشاع البعض أن وصول الفيلم إلى المهرجان يعنى سقوطه جماهيريا، وأن أفلام المهرجانات يصنع بينها وبين شباك التذاكر حاجزا.. ولهذا يرى البعض أن مجرد الاشتراك فى أى مهرجان كارثة للمنتج ومصيبة للموزع وضررا بالغا لصناعة السينما..!! «الشروق» فتحت ملف أفلام المهرجانات وعلاقتها بالجماهير فى هذا التحقيق.. فى البداية يؤكد المخرج خالد يوسف أنه ضد هذه الشائعة تماما بل ضد مبدأ الفصل بين الأفلام تحت مسميات غير صحيحة كفيلم فنى وفيلم جماهيرى، مؤكدا أنه فقط يوجد فيلم جيد وآخر غير جيد، وهو شخصيا شاهد عدة تجارب تثبت صحة وجهة نظره منها ما حدث مع يوسف شاهين فى تجربة فيلم «المصير» الذى نال جائزة اليوبيل الذهبى لمهرجان «كان» وحقق إيرادات كبيرة عقب عرضه فى دور السينما فى مصر، وأيضا فيلم «هى فوضى» الذى شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا وحقق أيضا إيرادات كبيرة جدا، وكذلك فيلم «حين ميسرة» حقق إيرادات كبيرة جدا وفاز بالعديد من الجوائز ولذلك ففكرة أن أفلام المهرجانات تخسر فكرة خاطئة وأكذوبة كبيرة يروج لها البعض والفيلم الجيد يقبل عليه الجمهور، والفيلم الردىء ينصرف عنه الناس. ويتفق معه المخرج يسرى نصرالله مؤكدا أنه لا يصدق هذه المقولة ويؤكد أن أفلامه هو شخصيا التى شاركت فى العديد من المهرجانات المهمة والكبيرة لم تخسر، مستشهدا بفيلم مثل «مرسيدس» الذى هاجمه البعض ولكن عندما نال فرصته فى التليفزيونات حقق نجاحا كبيرا ولكن كانت هناك مشكلة تواجه مثل هذه الأفلام فى كونها تعتمد على وجوه جديدة ربما لا تحقق عناصر جذب للجمهور.. ويضيف: ولهذا السبب كان قرارى بالاستعانة بالنجوم الكبار المناسبين لأدوارهم كما فعلت مع هند صبرى فى «جنينة الأسماك» ومعها عمرو واكد وأخيرا منى زكى فى «احكى يا شهرزاد» وهو الفيلم الذى حقق إيرادات جيدة برغم مشاركته فى العديد من المهرجانات. ويؤكد يسرى أنه شخصيا ضد هذه المقولة ويدعو لمحاربتها بكل قوة وشراسة كى نستطيع صنع أفلام جيدة وتجارية فى الوقت ذاته، وهو شخصيا متحمس جدا لنجاح أفلام مثل «واحد صفر» و«إبراهيم الأبيض» وينتظر نجاحا مماثلا لفيلم «رسائل البحر» لداوود عبدالسيد. أما المخرج أحمد ماهر صاحب فيلم «المسافر» فيرفض هذه الشعارات، مؤكدا أنه يجب أن نصبح مثل الدول الأخرى التى يمثل عدد المهرجانات شارك فيها الفيلم والجوائز التى حصل عليها عنصرا جاذبا للجمهور، وهو يؤكد أنه حرص طوال مراحل صنع فيلمه على تحقيق هذا التوازن بين الناحية الفنية وبين عناصر الجذب الجماهيرى وهو شخصيا يتساءل: هل ألغى طموحى المشروع بالمشاركة فى مسابقة أحد المهرجانات الثلاثة الكبرى كان وفينسيا وبرلين؟ بالطبع لا.. ولهذا يجب أن نصحح هذا المفهوم لدى الجمهور العادى من خلال اعتياده على الاختلاف فى الرأى وفى الأفلام فنحن دوما نحاول فرض نوع واحد من السينما بإيقاع واحد فقط مما يحرم جمهورنا من أفلام مهمة لاعتقاد بعض الموزعين أنها لن تحقق أرباحا، فأصبحنا لا نعرف إلا السينما الأمريكية فقط وهو شىء خطير جدا. ويناشد ماهر المنتجين والموزعين فتح الباب أمام الأنواع المختلفة من السينما، موضحا أنهم شخصيا سيستفيدون، مشيرا إلى أن فيلم مثل «المسافر» وبمجرد عرضه فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا انهالت عليه عروض التوزيع فى أوروبا أمريكا، مؤكدا أن هذا هو السبيل الوحيد لفتح أسواق جديدة للسينما المصرية. وتؤكد الفنانة اللبنانية سيرين عبدالنور معارضتها الشديدة لهذه المقولة وتقول: أنا شخصيا مثلت فى فيلم تجارى مثل «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة» ولم يكن مستواه الفنى فى مجمله سيئا، ومثلت فى فيلم مثل «المسافر» شارك فى مهرجانات كبرى كفينسيا ومن بعده لندن.. لكن يجب علينا أن نضع فى الاعتبار أنه ربما لا تحقق الأفلام الفنية إيرادات ساحقة لكنها تنجح نجاحا معقولا وهو ما أتوقعه ل«المسافر». وأكدت سيرين أن الجمهور المصرى والعربى أصبح يبحث عن الأفلام الجيدة خصوصا بعد ثورة المعلومات الهائلة التى وفرتها شبكة الانترنت، وهو ما زاد من قدرة الشباب العربى على مشاهدة أى فيلم فى العالم، موضحة أن الشباب يقبلون الآن بشدة على الأفلام المحترمة ويبحثون عنها. أما الناقدة ماجدة خيرالله فتختلف مع الآراء السابقة مؤكدة أن هذه الحالة موجودة وتقول: هو شىء ملموس حتى بالنسبة للفيلم الأجنبى وفى الأفلام العربية يشعر المشاهد العادى أنه فيلم نقاد ويتعالى عليه وهو رأى اكتسبه المشاهد من مجموعة من الأفلام ذات المستوى الفنى الجيد لكنها منفصلة عنه مثل أفلام «البحث عن سيد مرزوق» و«أرض الخوف» و«بحب السيما» وهى أفلام مستواها الفكرى لا يلائم المستوى الفكرى لجمهور السينما الحقيقى حاليا من الشباب والمراهقين الذين يريدون أنواعا خفيفة من السينما يتناولون فيها الفشار ويرتادون بعدها المولات، ومثل هذه النوعيات من الأفلام الجيدة المستوى لا تناسبهم وحتى الأفلام الأجنبية ففيلم مثل «شيكاغو» وهو حدوتة بسيطة بها نجوم كبار ورقص لم يقبل عليه الجمهور المصرى. وترى خيرالله أن نجاح أفلام مثل «واحد صفر» أو «هى فوضى» استثناء وليس القاعدة، وحتى فيلم «احكى يا شهرزاد» برغم جماله إلا أنه لم يحقق ما يجب أن يحققه من إيرادات، مشيرة إلى أن جمهورنا للأسف صاحب ثقافة فنية تليفزيونية ويحب الشرح بغض النظر عن الصورة. وتؤكد ماجدة أن عوامل جذب الجمهور تتحقق مع رفع مستواه الفنى والثقافى،الذى ينبغى أن يبدأ من المدرسة. وتقول خيرالله إنها عندما كانت فتاة صغيرة فى المرحلة الابتدائية كانت تشارك مع كل تلاميذ المدرسة فى حفلات فنية زرعت بداخلهم قيمة الفن، أما فى الوقت الحالى فلا يجد التلاميذ مكانا يلعبون فيه.. ويتفق خالد أبوالنجا حول أهمية المشاركة فى المهرجانات الكبرى متعجبا فى الوقت ذاته من رفض البعض رفع شعار فيلم مهرجان بداعى الخوف من تدنى الإيرادات. ويؤكد أبوالنجا أن فيلما مثل «واحد صفر» الذى حقق إيرادات كبيرة يشارك فى العديد من المهرجانات العالمية الكبرى، وفيلمه «هليوبوليس.. مصر الجديدة» برغم كل المهرجانات التى شارك فيها فهو يراهن على نجاحه الجماهيرى عند عرضه تجاريا، وهو ما تحقق من قبل مع فيلم «هى فوضى» الذى شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا. ويطالب أبوالنجا المنتجين والموزعين بالشجاعة وزيادة مساحة الاختلاف وتقديم الأفلام القوية فنيا، فبهذه الطريقة فقط نجذب الجماهير ونرفع مستوى أفلامنا. أما المنتج والسيناريست محمد حفظى فيختلف مع مقولة الجمهور يقاطع الأفلام الفنية ففيلمه «زى النهارده» مثلا شارك فى عدة مهرجانات برغم هذا حقق نجاحا معقولا ومقبولا لأنه لم يكن ينفصل عن واقعه ولم يتعال على جمهوره فالمطلوب فقط من صناع الأفلام هو تجويد أعمالهم وتحسينها وهنا فقط نستطيع الحكم عليها بصدق وموضوعية.