يعيش صناع السينما المصرية هذه الأيام حالة من النشاط الفنى الحقيقية، تزامنت مع انعقاد ستة مهرجانات دولية فى شهر واحد لم يخل أى منها من أفلام مصرية أو فنانين مصريين.. (الشرق الأوسط بأبوظبى، الدوحة تريبيكا، دمشق، بيروت، الإسماعيلية، فانكوفر بكندا) وكلها مهرجانات كان لمصر سفراء بين فاعلياتها تحدثنا معهم وعن أمانيهم فيها. ومع بدء فاعليات مهرجان الشرق الأوسط للأفلام بأبوظبى اليوم، تشهد دورته الثالثة تحت إدارة الناقد «بيتر سكارليت»، مشاركة مصرية قوية بخمسة أفلام تتنافس على اللآلئ السوداء للمهرجان.. منها 3 أفلام روائية طويلة وهى «هليوبليس» للمؤلف والمخرج أحمد عبدالله، وبطولة خالد أبوالنجا ويسرا اللوزى وحنان مطاوع، وينافسه فيلم «المسافر» للمخرج أحمد ماهر وبطولة عمر الشريف وخالد النبوى، وتكتمل الثلاثية بفيلم «بالألوان الطبيعية» للمخرج أسامة فوزى ومن بطولة يسرا اللوزى وكريم قاسم وفريال يوسف. وقد اختيرت الأفلام الثلاثة من بين 18 فيلما تتنافس فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة وتتنافس على الجوائز كالتالى (100 ألف دولار لأفضل فيلم روائى طويل، و50 ألفا لأفضل مخرج جديد، و100 ألف لأفضل فيلم روائى شرق أوسطى، و50 ألفا لأفضل مخرج شرق أوسطى جديد، و25 ألفا لأفضل ممثل، و25 ألفا لأفضل ممثلة). أما الأفلام التسجيلية الطويلة فنجد «جيران» للمخرجة تهانى راشد ويتنافس معه «كاريوكا» إخراج نبيهة لطفى وقد تم اختيارهما من بين 15 فيلما تسجيليا وتوزع جوائز هذه المسابقة كالتالى (100 ألف دولار لأفضل فيلم وثائقى، و50 ألفا لأفضل مخرج جديد، و100 ألف لأفضل مخرج شرق أوسطى، و50 ألفا لأفضل مخرج شرق أوسطى جديد). بداية تحدثنا مع النجم خالد أبوالنجا بطل فيلم «هليوبليس» الذى يشارك أيضا كعضو لجنه تحكيم بمهرجان بيروت، فقال إن الفيلم الآن يعرض بمهرجان فانكوفر بكندا، وسوف يعود ليعرض لأول مرة بالشرق الأوسط بمهرجان أبوظبى لذا سيكون من الأفلام ذات العرض الأول وأتوقع أن تلاقى احتفاء خاصا. وقال إن مشاركته كعضو لجنة تحكيم بمهرجان بيروت قد تجعله يتأخر بعض الأيام ولذا يحاول مسئولو المهرجان أن يؤجلوا عرض الفيلم لحين، وأكد أنه شعر بالحزن بسبب عودة «واحد صفر» من فينسيا بلا جوائز ،لأن كل الأفلام التى تنافست معه لم تكن أقوى منه خصوصا الفيلم الفائز بجائزة «آفاق» الذى كانت فكرته قوية ولكنه أقرب لمشروع تخرج وأقل فنيا من «واحد صفر» الذى كان لابد أن يشترك بالمسابقة الرسمية لا ببرنامج آفاق. وقال أبوالنجا إن تنافس الأفلام المصرية داخل المهرجانات الدولية مع بعضها يعتبرانها ظاهرة صحية، وأيضا وضع طبيعى بعد عدد الأفلام الجيدة التى قدمتها السينما المصرية فى الفترة الأخيرة والتى أكدت أن كل عناصرنا الفنية جيدة ومتوافرة ولكن فقط تحتاج جهة إنتاجية تتحمس لتجميع تلك العناصر. كما أكد أبوالنجا أن فيلم «واحد صفر» كان مقرر له المشاركة بأبوظبى لولا تخلف لجنة المشاهدة عن رؤيته. ويقول سامة فوزى مخرج فيلم «بالألوان الطبيعية» الذى يشارك أيضا بالمسابقة الرسمية إنه الآن يعمل على إنهاء النسخة النهائية من الفيلم فى لندن ليصل المهرجان فى اللحظات النهائية قبل عرضه يوم 10 أكتوبر.. وأضاف: فكرة المشاركة بالمهرجانات أصبحت تثير الالتباس فى مصر، فأنا مع ترحيبى بمشاركة فيلمى بالمهرجانات ولكن للأسف هذه المشاركة مضرة للفيلم لأنها تجعل الجمهور يعزف عن الفيلم لاعتقاده أنه غير تجارى، وهذا المفهوم أرساه كبار المنتجين المحتكرين لعملية الإنتاج فى مصر والقنوات الفضائية الكبيرة. أما يسرا اللوزى والتى تشارك بفيلمين فى المهرجان فتقول: يجب الاعتراف بأن مشاركة 4 أفلام مصرية قوية فى مهرجان أبوظبى شىء مشرف جدا للسينما المصرية، ويكفى أن الفنان العالمى عمر الشريف بطل أحد هذه الأفلام.. وتضيف: شعرت بانفعال شديد عندما علمت أننى سأشارك فى المهرجان بالفيلمين اللذين صورتهما خلال عامين كاملين، فقبل إعلان خبر مشاركة الفيلمين تملكنى شعور بأن مجهودى طوال العامين ذهب هدرا، لأن الناس لم تشاهدنى فى السينما منذ عرض «قبلات مسروقة»، لكن الحمد لله أن الفيلمين خرجا للنور فى وقت واحد، وأدعى أن الفيلمين مختلفين تماما فالأول «هليوبوليس» وهو فيلم مستقل له روح وشكل وشخصية مختلفة عن الأفلام المصرية الأخرى المشاركة فى المهرجان، وأيضا يختلف عن فيلمى الثانى «بالألوان الطبيعية» مع أسامة فوزى، وافتخر أننى الممثلة الوحيدة على مستوى المهرجان كاملا التى تشارك بفيلمين، وأكدت يسرا أنها متحمسة لمهرجان أبوظبى ليس فقط بسس اشتراكها بفيلمين، ولكن لأن قائمة الأفلام المشاركة فى المهرجان هذا العام جذبتها. وتقول نبيهة لطفى مخرجة فيلم «كاريوكا» الذى فى مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، ويدور عن حياة الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا: حياة تحية كانت زاخرة بالأحداث والمواقف فهى راقصة وممثلة ومناضلة سياسية وإنسانة رائعة شهدت على كثير من الأحداث المهمة لذا كان من المستحيل أن يجمع حياتها فيلم مدته ساعة، فهو «صفحات من تاريخ حافل». وأكدت نبيهة أنها تذهب إلى أى مهرجان وتتمنى أن يعجب الجمهور والنقاد بفيلمها.. وتقول: أما موضوع الجوائز فهو يخضع للتقديرات، ولا يعنى أن يحصل فيلم آخر على جائزة أن فيلمى سيئ ولكن يعنى أنه أحسن، ولكن لو حصلت على جائزة بالطبع سيكون شيئا جميلا ولكن يهمنى أكثر أن يحب الناس الفيلم ولكن لا أحبط إذا خرجت دون جوائز. وعن حال السينما التسجيلية قالت: لا أحب ما يحدث من «ندب» على أحوالها لأنها بخير. أما الفيلم الآخر المشارك فى نفس المسابقة فهو «جيران» للمخرجة تهانى راشد وتقول عنه: الفيلم بطلة هو المكان والمتمثل فى منطقة جاردن سيتى أحد أهم الأحياء المصرية، واتخذت من هذا المكان منطلقا لأرصد حالة كبيرة من المتغيرات والحراك السياسى والاجتماعى الذى شهدته مصر، ومن خلال قاطنى تلك المنطقة مع اختلاف طبقاتهم كان هذا الرصد فالفيلم يحتوى على 23 شخصية مختلفة منها «سايس جراج، سكان الأسطح، أحد أبناء عائلة صيدناوى، وحارس عقار، علاء الأسوانى، مصطفى سراج الدين، وآخرون» وتعرضنا أيضا لسفارتى أمريكا وبريطانيا ووضعهما الأمنى ودلائل هذا على تغييرات سياسية ومجتمعية عديدة». وتطرقت راشد إلى أن مشاركة مصر بفيلمين وثائقيين يعكس أن هناك صناعة جيدة للأفلام التسجيلية فى مصر، وأشارت إلى أن المهرجانات فرصة لتلاقى صناع السينما لصقل خبراتهم، مؤكدة أنها لا يهمها الجوائز قدر ما يهمها أن يعرض الفيلم بعد المهرجان ويأخذ حقه من المشاهدة الجماهيرية، لأن فيلمها السابق «البنات دول» حصل على جوائز عديدة ولكن لم يبع أو يعرض بشكل جيد حتى الآن!! وأكدت أنها لا تصنع أفلاما للمهرجانات ولكن تصنعها من أجل الجمهور. أما مهرجان دمشق، فيعتبر سفيرنا الوحيد فيه حتى الآن هو الفنان الكبير حسين فهمى كعضو لجنة تحكيم الذى يعرض له أيضا فيلم «لمح البصر» خارج المسابقة ومن بطولته مع أحمد حاتم ومنى هلا، وتحدث فهمى قائلا: أنا سعيد بالمشاركة فى مهرجان دمشق لأنه فى بلد شقيق، وأحاول التركيز فى اختياراتى لأن نجاح هذا المهرجان العربى هو نجاح لنا جميعا. وعن أيهما يفضل أن يكون «لمح البصر» فى المسابقة أو يكون هو عضو لجنة تحكيم قال: أفضل أن أكون محكما لأن الغرض من وجود أى فيلم بالمهرجانات هو أن يشاهده الجمهور ويعجب به ويثير جدلا ونقاشا وهذا يحدث إذا كان الفيلم خارج أو داخل المسابقة. وحول رؤيته لمشاركة العديد من الأفلام المصرية فى عدة مهرجانات فى نفس الوقت قال: إن السينما المصرية تعودت على هذا طوال تاريخها ودائما توجد فى العديد من المهرجانات وحتى العالمية منها وهذا طبيعى بالنسبة لها. وأكد فهمى أنه كثيرا ما شارك فى العديد من المهرجانات العربية كعضو أو كرئيس لجنة تحكيم ولكنه أبدا لم يتحيز لأى فيلم مصرى يشارك بالمسابقة، والتحيز فقط يكون للفيلم الجيد وليس لجنسية الفيلم، لأن العكس يكون شيئا مهينا لى ولمصر، وهذا ما يعطينا المصداقية أمام فنانى العالم أجمع. ومن دمشق إلى الدوحة تريبيكا فى دورته الأولى التى تبدأ فى 29 أكتوبر القادم ويمثلنا فيه فيلمان هما «واحد صفر» و«احكى يا شهرزاد». وهذا المهرجان ظهر بعد التعاون مع ممولى مهرجان «تريبيكا» السينمائى الأمريكى وهم «جين روزينثال» و«كريج هاتكوف» والممثل الشهير «روبرت دى نيرو»، وتديره هذا العام أماندا بالمر المخرجة ومذيعة لبرنامج «سينمائى» بقتاة الجزيرة الإنجليزية.. وسيعرض المهرجان خلال أيامه الأربعة 32 فيلما بينها 12 لمخرجين من الشرق الأوسط. وتشهد هذه الدورة عده أفلام لنجوم ومخرجين كبار مثلا فى الافتتاح فيلم «Amelia» «اميليا» بطولة ريتشارد جير وهيلارى سوانك ومن إخراج المخرجة العالمية ميرا ناير، وهو يتناول قصة حياة الطيارة الأمريكية الأسطورية أميليا إيرهارت. وفيلم «المخبر» بطولة مات دايمون وإخراج ستيفن سودربرج، وأيضا فيلم «بتوقيت القاهرة» بطولة ألكسندر صديق وباتريشيا كلاركسون وإخراج ربا ندا، الذى تم تصويره كاملا فى مصر وحصل على جائزة أفضل فيلم كندى هذا العام فى مهرجان تورنتو، وأيضا الفيلم الإيرانى «لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية» للمخرج باهمان جوبادى الذى عرض بكان أيضا. كما ينوى المنظمون عرض فيلم «المومياء» (1969) لشادى عبدالسلام فى عرض مفتوح للجميع. ويمنح المهرجان فقط جوائز للأفلام الفائزة فى فئتى الوثائقى والروائى وقيمة كل منها خمسين ألف دولار. وسيعلن خلال المهرجان تأسيس برنامج لإخراج الأفلام وتقديم منح تمويلية لصانعى الأفلام بهدف «دعم صناع الأفلام فى المنطقة على مدار السنة». ومن سفرائنا بتريبيكا قالت الكاتبة المتألقة مريم نعوم عن تجربة «واحد صفر» والذى شارك حتى الآن بعشرة مهرجانات دولية فضلا عن عرضه بفينسيا: هذا النجاح الكبير يؤكد أنى كنت على حق فى كل اختياراتى، وأن صبرى لتقديم ما أحبه وأريده لم يذهب سدى، لأنى فى النهاية فعلت ما أحلم به وكتبت ما أريد أن أكتب. وعما إذا كانت كأحد صناع الفيلم تحلم بالجوائز أم تكتفى بالتمثيل المشرف قالت مريم: هذا يتوقف على طبيعة المهرجان ففى فينسيا مثلا تكفى المشاركة، والجائزة لم تكن فى طموحاتنا. وأشارت نعوم إلى أن خبرتها بالمهرجانات قليلة ولكن هناك مهرجانات يتوقع فيها الجوائز. ورأت مريم أن تنافس الفيلم المصرى فى مهرجانات دولية شىء رائع ومبهج بعد مشاركة العديد من الفنانين فى المهرجانات وليس كما كان يحدث من قبل، عندما كان المشاركة تقتصر على الأسماء الكبيرة كشاهين ونصرالله، وفى النهاية كل ذلك فى مصلحة السينما المصرية وصناعها وجمهورها. أما فى مهرجان بيروت، فيمثلنا فيه فيملان وهما «بصرة» لأحمد رشوان وبطولة باسم سمرة ويارا جبران وإياد نصار وكريستين سليمان، ولكن تعرض أحمد رشوان لبعض المشكلات مع الأمن اللبنانى حال دون سفره. أما الفيلم الثانى فهو «شهر 12» للمخرج الشاب محمود شكرى والحائز على جائزة أحسن فيلم قصير بمهرجان القومى الماضى والذى يشارك أيضا بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة فى 10 أكتوبر القادم وهو فيلم يدور عن فكرة الهجرة من مصر والتى لم تعد تقتصر على الفقراء فقط ولكن امتدت لتصل إلى أبناء الطبقات الأخرى الميسورة الحال نتيجة لأن «الناس جابت آخرها..» ويشعرون أن البلد ليس بلدهم. ولهذا المخرج الشاب أفكار جديدة مختلفة موضحا أن رهانه فى هذا الفيلم هو أن يحمل قضية وفنيات عالية مع الحفاظ فى نفس الوقت على تيمة الأفلام التجارية وقد تعلم هذا من أفلام شريف عرفة الذى يحقق تلك المعادلة الصعبة، لذلك لم يقدم فيلما على شاكلة أفلام كثيرة تخرج من معهد السينما كئيبة وثقيلة رغم فكرتها القوية.. وقال أنا لا أريد التنظير ولكن لابد أن تحمل أفلامنا قضايا مهمة بدلا من الاستسهال لأن السينما منذ نشأتها سلاح ذو حدين وهى مؤثر كبير فى الجماهير وهو ما تستثمره الدول الكبرى التى تنشر أفكارها عبر السينما. ويرى شكرى أن مشاركته بالمهرجان فى المقام الأول تاتى لمشاهدة سينما جديدة والتعارف بصناعها أما موضوع الجوائز فصانع الفيلم يعرف جيدا عيوب ومميزات فيلمه، ولجان التحكيم أحكامها دائما مختلفة لذلك لا يهمه حصول الفيلم على جوائز أو لا. أما مهرجان الإسماعيلية الذى سيقام يوم 10 أكتوبر القادم فيشارك فيه إضافة لفيلم «شهر 12» فيلم وثائقى قصير بعنوان «المستعمرة» خاض فيه مخرجه أبوبكر شوقى مغامرة جديدة تماما على عالم السينما التسجيلية حيث حمل كاميرته إلى مستعمرة الجذام بأبوزعبل وعاش فترة بين مرضاها ونقل تفاصيل معاناتهم.. وهى المغامرة التى منحت فيلمه عده جوائز منها جائزة ذهبية بمهرجان لاس فيجاس للأفلام بأمريكا فضلا عن جائزة أحسن فيلم تسجيلى قصير بالمهرجان القومى الماضى وبرونزية بمهرجان هيوستن بأمريكا فضلا عن مشاركته بعشر مسابقات أخرى حول العالم، كما يتوقع أن يسافر أيضا الفيلم هذا الشهر إلى مهرجان لندن لأفلام الشباب. ويقول شوقى عن كل هذه المشاركات: بذهاب الفيلم إلى كل تلك المسابقات أكون حققت هدفى، وليس على صعيد الجوائز ولكن لأننى كنت أتمنى طوال تحضيرى للفيلم أن يشاهده الناس حول العالم وأن أوفق فى نقل معاناة مرضى المستعمرة للآخرين.