منذ خمسة أيام قال عام 2009 للجميع مقولة «مالك حداد» في مقدمة روايته «سأهبك غزالة» - لا تطرق الباب كل هذا الطرق، فأنا لم أعد أسكن هنا - رحل هذا العام وتبدد بما قدمه من أحداث سياسية وفنية واجتماعية، فليأخذ معه غيومه وسعادته، دموعه وابتساماته، ويبقي منه ما استطاع أن يأخذ ركنا ولو صغيرا في زوايا «البال» - بالفعل- استطاعت أصوات كثيرة أن تشق حصون هذا العام وتقتحم صمته، تراوحت هذه الأسماء ما بين الشعري والموسيقي والغنائي، لذا جاء المشهد الغنائي رافدا طالما بحثنا حوله عن شاطئ للراحة، أو ركن ترتاح فوق رماله أعصابنا التي أرهقتها تفاصيل الحياة، والسعي نحو خيط فني جديد. من الصعب تقييم تجربة عام كامل في مقال واحد، ولا سيما أن المنجز الغنائي أصبح من الكثرة بحيث يجعل الواحد منا لا يستطيع اللحاق بكل ما يتم تقديمه، علي عكس ما كان يحدث في تجربة ما قبل ظهور -الكاسيت - حيث كان المطرب يقدم أغنية أو أغنيتين أو ثلاثا علي الأكثر في عام كامل، بينما اختلف الأمر مع ظهور فكرة الألبوم، إذ أصبح من حق كل مطرب أن يقدم ما يزيد علي خمس أغنيات، إلي أن وصلت إلي (16) أغنية في العام الواحد بحسب هذا العام، لذا سأحاول أن أضع يدي علي التجربة ولي العذر إذا لم ألملم خيوطها كاملة. طرب ليس تقليدياً من الألبومات التي استطاعت أن تفرض صوتها في هذا العام، ألبوم (بعدا ع البال) للمطرب «فضل شاكر»، وهنا أنتهز الفرصة لأوضح أن «فضل» من مدرسة الغناء الذي يميل إلي الطرب أو التطريب، إلا أن هذا لا يضعه في خانة الغناء التقليدي بل استطاع «فضل» أن يتطور بتطور المشهد الحالي، وفي ألبومه (بعداع البال) قدم لنا أغنيات ما زالت في الذاكرة، ومنها ( روح - افترقنا - نسيت انساك- بعدا ع البال) ومن هذا الألبوم عرفنا ملحنا جديدا هو «بلال الزين»، كما أكد «وليد سعد» حضوره واستمراريته، كذلك الشاعر «نادر عبدالله» الذي أصبح من الأسماء المهمة في حقل الكتابة الغنائية. الاختلاف الملفت ومن الألبومات التي استطاعت أن تثبت حضورها في هذا العام ألبوم (واحشني جدا) للمطرب «صابر الرباعي»، و«صابر» دائما ما يحاول أن يبحث عن الجديد، لذا نجده يختلف في كل ألبوم عن الآخر، ومن الأغنيات اللافتة للنظر في ألبوم (واحشني جدا) (أنا قلت أسأل) وهي للشاعر «نادر عبدالله» ومن ألحان «وليد سعد» وكذلك أغنية (واحشني جداً) للشاعر «هاني عبدالكريم»، ومن ألحان الموهوب «محمد رحيم» وهي من أكثر الأغنيات حساسية في ألبوم الرباعي. البحث عن صيغة جديدة لم تترك «أنغام» مقعدها في التنافس، إذ قدمت من خلال هذا العام ألبومها الجديد (نفسي أحبك)، وأنغام من المطربات اللاتي ينطبق عليهن بيت شعر عظيم للمتنبي (علي قلق كأن الريح تحتي)، فهي دائما ما تحاول أن تبحث عن صورتها في ما تقدمه، ومن خلال كلمات «بهاء الدين محمد» وألحان «خالد عز» قدمت أنغام «نفسي أحبك» كأغنية تحاول أن تكشف شكلا جديدا للحب، ومن الحالات التي ميزت ألبوم «أنغام» أغنية «واحدة بتحبك» مع الشاعر «نادر عبدالله» والملحن «وليد سعد». صوت قادم بقوة في فترة بسيطة استطاعت «جنات» أن تثبت حضورها وتؤكد موهبتها، وذلك عبر ألبومين كان آخرهما (حب امتلاك)، ومن خلال هذا الألبوم استطاعت «جنات» أن تثبت مكانتها كمطربة جديدة، وقدمت حالات كثيرة واعية ومتطورة نذكر منها أغنية (الطفلة البريئة - أنا دنيته) وكلتاهما للشاعر «نادر عبدالله» ومن ألحان «وليد سعد»، كذلك كانت مشاركة «أيمن بهجت قمر» والملحن «محمد يحيي» بأغنية (علي فكرة) من المشاركات المميزة في الألبوم، وجاءت أغنية (خيط ضعيف من كلمات «بهاء الدين محمد») وألحان «خالد عز» كإضافة جديدة لهما، أما عن أغنية (حب امتلاك) والتي كتبها «نادر عبدالله» ولحنها «تامر علي» فكانت من الأغنيات الناجحة في هذا العام، وذلك لبساطتها ورقتها وإيقاعها المميز. الكلمة في ذيل الاهتمامات شهد هذا العام أيضاً صدور أحد الألبومات المفجرة للاختلاف ما تصنعه حولها من حالة إعلامية واهتمام بالغ، فمن منا لا ينتظر صدور أي ألبوم ل«عمرو دياب» سواء اتفق أو اختلف معه، صدر هذا العام ل«عمرو»، ألبوم (وياه) وهو من الألبومات التي انتصرت موسيقيا علي حساب شعريتها، ف«عمرو دياب» من التجارب التي تبحث عن أي جديد في الموسيقي، بينما الشعر أو النص المكتوب فيأتي لدي «عمرو» في ذيل القائمة، لذا نجد حالات لحنية عبقرية، بينما يقل عدد الأغنيات المميزة علي مستوي الكتابة، ومن هذه الأغنيات تأتي أغنية (يهمك في إيه) للشاعر «أيمن بهجت قمر» وهي من ألحان «محمد يحيي» كذلك مع نفس الشاعر جاءت أغنية (مالك) وقام بتلحينها «عمرو دياب» وأغنية أخري هي (آه من الفراق) مع الشاعر «بهاء الدين محمد» ومن ألحان «عمرو دياب» وقد طالبت أكثر من مرة عبر كتابات كثيرة أن يكمل «عمرو» جملة ويبحث عن نصوص متميزة علي مستوي الكتابة، أو يعطي الكتابة مثلما يعطي الألحان من المجهود. ألبوم عادي بنفس الجلبة والصخب والضجيج الإعلامي والصيحات تأتينا ألبومات «تامر حسني»، وفي كل مرة ننتظر ما يدل علي هذا الصخب أو يعزز هذه الجلبة دون جدوي، لقد سبق صدور ألبوم (هاعيش حياتي) ل«تامر حسني»، اهتمام غير عادي، وافيشات في ميادين القاهرة وغيرها، وفي الحقيقة الألبوم عادي جداً، ولا يقدم ما يستحق الالتفات باستثناء أغنية واحدة هي أغنية (فهمي رسمي نظمي) وهي من كلمات وألحان «محمد رحيم» كما شارك كل من «رحيم» والمطرب الجميل «علاء عبدالخالق» مع «تامر حسني» في أداء هذه الأغنية، وكانت الأغنية إضافة جديدة علي كل المستويات شعريا وموسيقيا وأداء، لما استطاعت أن تقدمه من صورة جديدة للحب والمحب والمحبوب ذاته. حضور شديد بنفس القوة طرحت «شيرين» ألبومها الجديد (حبيت) في هذا العام إذ جاء الألبوم ليؤكد حضور «شيرين» الفني، وقد أشرت مسبقا إلي أهمية أداء شيرين كمطربة، كما أنها تضع يديها علي ألحان مهمة ولا تغفل أهمية ما يعبر عنها من نصوص غنائية، وفي ألبومها الأخير قدمت «شيرين» حالات لحنية استطاعت أن تعلو من خلالها، ومن أغنياتها المهمة في هذا الألبوم والتي لاقت نجاحاً مبهراً، أغنيات (أخيراً اتجرأت) وذلك بحكم تصدرها للألبوم، وهما من كلمات «نادر عبدالله» وألحان «وليد سعد»، كذلك أغنية (كتر خيري) وهما للشاعر «نادر عبدالله» ومن ألحان «تامر علي» وكانت مفاجأة الألبوم، ومن مفاجآت تجربة (حبيت) لشيرين أغنية كتبها ولحنها الشاعر «محمد رفاعي» وهي أغنية (ما تحاسبنيش) والتي تميزت في لحنها وطريقة أداء «شيرين» لها، ومن الأغنيات اللافتة أيضا أغنية (أنكتبلي عمر) بالرغم من التكرار الذي عاني منه النص الشعري، إلا أن اللحن الذي قدمه «تامر علي» استطاع أن يعبر بالأغنية إلي مكان خاص، ولعل أهم لفتة جاءت في ألبوم (حبيت) هي طرح أغنية (فاكرني إيه) وهي كلمات ضعيفة كتبها «نصر محروس» ولحنها الراحل «رياض الهمشري» لتكون إحدي الجمل المهمة في ألبوم «شيرين» الأخير في ترتيبه. تجارب من زمن آخر كما لم يخرج «كاظم الساهر» من حلبة السباق بألبومه الجديد (الرسم بالكلمات) والذي اعتمد فيه علي ألحانه وقصائد «نزار قباني»، إضافة إلي أغنية كتبها «كريم العراقي»، ومشكلة «كاظم» قد طرحناها من قبل وتكمن في التعامل مع كتابات قد تعبر عن تجربة أخري في زمن آخر، علاوة علي احتكاره كل أغنياته من حيث التلحين، علما بأنه ملحن متواضع ولا يسعي إلي تقديم أي جديد، كما لا يتعامل مع ملحنين آخرين، وهو ما ساهم في وضع تجربة داخل إطار ضيق. حسين الجسمي وألبوم جديد علي الرغم من أنه كتب علي ألبومه من الخارج «حسين الجسمي 2010» إلا أن الألبوم يعد من منجزات 2009 بحسب الصدور، وكانت مفاجأة «الجسمي» في هذا الألبوم أغنية كتبها الشاعر «أيمن بهجت قمر» ولحنها «وليد سعد» وقد اعتدنا من «وليد سعد» أن يقدم مفاجأة مدوية في كل عام، وبالفعل جاءت أغنية «ستة الصبح» تقلب موازين الساحة الغنائية، فلأول مرة تتفوق أغنية وتحوز مثل هذا النجاح، إلا أن ما يحسب في هذه المرة ل«حسين الجسمي» هو النجاح الفني، فالأغنية لم تلجأ إلي أي حيلة من الحيل الدعائية حتي ينجح كل هذا النجاح، بل كان وراءها فن حقيقي وجديد، سواء علي مستوي النص الذي كتبه «أيمن بهجت قمر»، أو اللحن الذي وضعه «وليد سعد» إضافة إلي أداء الجسمي» ذاته، وعلي مدار أربعة أسابيع يتم اختيار الأغنية كأحسن أغنية أو رقم (1) بحسب استفتاءات الإذاعة المصرية عبر برنامجها (30 TOP)، وهي بالفعل من حسنات هذا العام، الذي افرز شعراء مازالوا يثبتون أقدامهم في الساحة الغنائية كالشاعر «أيمن بهجت قمر» والشاعر «بهاء الدين محمد» ويلحق بهم الشاعر «نادر عبدالله» وأسماء أخري كثيرة، بينما يبرز نجم «تامر علي» كملحن معهم ويؤكد كل من «وليد سعد» و«محمد رحيم» و«محمد يحيي» علي رسوخ أقدامهم في الحفل الغنائي. محمد منير.. طعم البيوت وعلي الرغم من صدور ألبوم «محمد منير»، (طعم البيوت) في نهايات عام 2008، إلا أنه يصنف ضمن تجربة العام المنصرم 2009 - 2008، وقد كان هذا الألبوم من الألبومات الفارقة والذي اثبت «منير» من خلاله، مقدرته علي السيطرة والثبات في الحقل الغنائي المصري، وقد احتفي الألبوم بالتجربة الإنسانية بدءاً من وجدانها الشعبي متجسدا في أغنية «يونس» من كلمات الشاعر الكبير «عبدالرحمن الأبنودي»، ومن ألحان «محمد رحيم»، والتي استلهمت النص الشعبي الخالد «السيرة الهلالية»، وذلك عبر أحد أبطاله «يونس»، انتهاء بأغنيات أخري كانت من العلامات المميزة في غناء هذا العام، كأغنيات: (معاكس - من غير كسوف - تحت الياسمين - أبوالطاقية - طعم البيوت) وبذلك يظل «منير» جامعا ما بين الحالة الفنية في عمقها، والحالة الجماهيرية في مزج يحسب له.