يبدو ان الجولة الخليجية التي أجراها الرئيس حسني مبارك تثير قلق إسرائيل، في ظل تأكيد علي انه لا يتحرك إلا من أجل أمر مهم، "وإلا لاكتفي بإرسال المبعوثين". فذهب البعض إلي القول إنه سافر إلي دول الخليج حاملا عرضا سخيا للتصالح بين إيران والعالم العربي الذي يئس من سياسة المماطلات والسلبية الأمريكية والإسرائيلية. وادعت المصادر الإسرائيلية التي تؤكد علي قربها من مصادر استخباراتية إسرائيلية أن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بحث مع الرئيس مبارك، خلال لقاء استمر ساعتين، فكرة إقامة محور عربي إيراني، وقالت المصادر ان مبارك قرر السفر في اليوم التالي إلي دول الخليج العربي لنقل تفاصيل العرض الإيراني المقترح، وذهبت المصادر إلي حد القول بان العرض الإيراني تضمن عرضا بالتعاون النووي بين إيران والعرب لتبديد مخاوفهم من البرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي يعني إحباط الضغوط والعقوبات المفروضة علي إيران من جانب الولاياتالمتحدة. ووصفت المصادر الإسرائيلية نجاح التقارب الإيراني العربي بأنه سيكون بمثابة "زلزال استراتيجي" يضرب منطقة الشرق الأوسط بقوة! خطة عربية علي الجانب الآخر قالت مصادر إسرائيلية أخري إن الرئيس مبارك قام بجولته الخليجية بهدف اتمام التنسيق اللازم لتنفيذ خطة عربية تقودها مصر والسعودية بالتنسيق مع دول الخليج العربي والسلطة الفلسطينية لعقد اجتماع لمجلس الأمن ودفعه إلي اتخاذ قرار بإعلان إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود 1967 وعاصمتها القدس، وتقول المصادر ان الخطة يجري تنفيذها تحت غطاء من السرية الكثيفة، لإخفاء مجريات الأمور عن الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وان الدول العربية بقيادة مصر ستطلب انعقاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قريبا لبحث اقتراح سيتم تقديمه عبر ليبيا او لبنان، علي ان ينتهي الاجتماع باعتراف مجلس الأمن بإقامة دولة فلسطينية علي أراضي الضفة الغربيةوغزة، علي ان تكون حدودها هي خطوط وقف إطلاق النار في 1967، وعاصمتها القدس. واعتبرت المصادر تصريحات صائب عريقات، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأسبوع الماضي التي قال فيها "ان الفلسطينيين لا يبحثون عن طريق آخر لإقامة دولة مستقلة بدون التفاوض المباشر مع إسرائيل"، اعتبرتها المصادر مجرد ذر للرمال في عيون الإسرائيليين لإخفاء الخطة العربية المذكورة المنتظر تنفيذها خلال الأيام القادمة، وأوضحت أن المشاورات بشأن هذه الخطة العربية تجري بمباحثات مباشرة بين الرئيس حسني مبارك والعاهل السعودي الملك عبد الله وأبو مازن. وتقول المصادر إن المشاورات العربية انتهت إلي انه في حالة استخدام الولاياتالمتحدة حق الفيتو لرفض المشروع العربي، سوف يبادر أبو مازن إلي إعلان استقالته من منصبه ولن يوافق أي احد من قادة السلطة علي خلافته. وتري المصادر ان هذا هو سبب إصرار أبو مازن علي تكرار التأكيد علي أن قرار استقالته ورحيله عن منصبه قرار نهائي لا رجعة فيه، وعندئذ سوف تضطر الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلي التعامل مع رئيس البرلمان الفلسطيني الدكتور عبد العزيز دويك، وهو من قادة حماس، لأنه سيحل محل أبو مازن في حال استقالته، بموجب الدستور الفلسطيني. وتوقعت المصادر الإسرائيلية ألا يستخدم الرئيس الأمريكي باراك اوباما حق الفيتو لمعارض المشروع العربي الذي تقول المصادر انه ينسجم مع المواقف المبدئية للولايات المتحدة، مع توقعات بان تلجأ أمريكا إلي الامتناع عن التصويت في أسوأ الظروف! وقالت المصادر ان العرب يتوقعون ان يحظي مشروعهم بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية بموافقة ما يتراوح بين 10 و 12 صوتا من بين ممثلي الدول أعضاء مجلس الأمن، وهو ما يعني إصدار المجلس لقراره بالموافقة، علي غرار ما حدث عند إصدار القرار 181 في 27 نوفمبر 1947، المعروف عربيا بقرار التقسيم، والذي تضمن الإعلان عن إقامة دولتين في فلسطين، واحدة عربية وأخري يهودية. وأوضحت المصادر انه في حالة اتخاذ قرار كهذا في مجلس الأمن لن تكون هناك مباحثات او مفاوضات علي حدود الدولة الفلسطينية مع إسرائيل، وسوف يعد كل وجود إسرائيلي خلف خطوط يونيو 1967، عسكريا كان أو مدنيا، وجودا غير شرعي يخالف قرارات مجلس الأمن. وادعت المصادر أن ذلك الموضوع هو السبب الحقيقي لجولة الرئيس مبارك في منطقة الخليج الأسبوع الماضي، وان العرب حصلوا بالفعل علي دعم 4 من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وهي الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن الفوز بدعم كتلة الدول الأوروبية والكتلة الأفريقية وأمريكا الجنوبية في المجلس. صفقة شاليط بل كان هناك بين الإسرائيليين من ألمح إلي ان الخطة العربية التي تستهدف انتزاع اعتراف من مجلس الأمن بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ليست سوي محاولة عربية لامتصاص النجاح والشعبية الزائدة والمكسب الاستراتيجي الذي ستحققه حماس في حالة عقد صفقة الإفراج عن ألف أسير فلسطيني مقابل الاسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، ويقول أصحاب هذا الرأي إن إتمام صفقة شاليط سيؤدي إلي إلحاق الضرر بثلاث جهات. الجهة الاولي هي صورة إسرائيل التي ستبدو خانعة خضعت لشروط حركة حماس، بل وأجرت مفاوضات معها، علي عكس ما تعلنه إسرائيل ليل نهار من أنها لن تتفاوض معها ابدا لانها تعتبرها حركة إرهابية. أما الجهة الثانية التي ستتضرر من الصفقة، بحسب الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع، في مقال له بصحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، هي المساعي التحريضية الإسرائيلية علي توجيه ضربة عسكرية لإيران، ويقول: "إن إسرائيل تدعو العالم لتقديم الضحايا في مواجهة إيران وعدم الخوف او التنازل ومع ذلك هاهي إسرائيل تتنازل وتضعف في مواجهة حماس التي تمثل رأس حربة متقدمة لإيران وتأسر احد الجنود الإسرائيليين". أما الجهة المتضررة الثالثة فهي السلطة الفلسطينية، حتي أن هناك من يعتقد بأن هذه الصفقة ستكون الضربة القاضية لابو مازن في إطار معركة القوي بينه وبين حماس، وهو ما يعتقد بعض الإسرائيليين ان ذلك هو سبب أساسي لغضب واشنطن والعواصم الأوروبية علي الصفقة. بل ويقول الكاتب الإسرائيلي بن كسبيت في مقال له بصحيفة معاريف الإسرائيلية ان "الصفقة ستلحق ضررا استراتيجيا فادحا بإسرائيل وبالمعتدلين وبابو مازن والكثيرين غيرهم، وإنها ستتسبب في موجة اختطافات جديدة وربما أيضا موجة إرهابية وإراقة للدماء وإضعاف لقوة الردع وتعزيز لقوة حماس والإسلام الجهادي". ويحق للبعض أن يعتبر هذا الكلام جزءا من عدة تحركات إسرائيلية زادت في الآونة الأخيرة تمهد لعدوان إسرائيلي جديد علي قطاع غزة تحديدا، لا سيما إذا اشرنا في هذا السياق إلي المنشورات التي ألقتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي فوق سكان قطاع وتهددهم فيها بعدوان جديد، وتزايد التقارير التي تتحدث عن تضخم ترسانة الصواريخ التي بحوزة حركة حماس، فضلا عن تكثيف الحديث عن الآثار السلبية لرحيل أبو مازن عن منصبه بسبب حماس، ويحدث هذا كله بالتزامن مع مرور عام علي العدوان الإسرائيلي الوحشي علي القطاع. في حين يؤدي عدم إبرام الصفقة إلي ظهور إسرائيل في صورة الجانب المسوف غير الجاد أمام الرأي العام العالمي، بما يعنيه ذلك من زيادة تدهور مكانتها عالميا، فضلا عن تدهور مكانة الحكومة الإسرائيلية في الشارع الإسرائيلي من ناحية، ومكانة إسرائيل كدولة في ذهن كل إسرائيلي باعتبارها الدولة التي تخلت عن احد أبنائها، بما ينعكس حتما علي ميدان القتال، فلا يكون الإسرائيلي مستعدا البتة للقيام بأية مغامرة تكلفه حياته أو حريته، لأنه سيكون عندها قد تعلم من السوابق ان إسرائيل لا تسارع إلي إنقاذ أبنائها، وبالتالي فهي لا تستحق تضحياتهم. انقسام ويتزامن ذلك كله مع حديث عن وجود انقسام بين قادة حركة حماس في الداخل، في قطاع غزة، وبين قادة حماس في الخارج، وتحديدا في دمشق، حول صفقة شاليط. فتشير التقارير الصحفية إلي ان فريق غزة يؤيد إتمام الصفقة، بينما يميل فريق دمشق إلي الرفض ومزيد من التشدد ما لم تتم الاستجابة لكامل مطالب الحركة مقابل الإفراج عن الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط. وتقول مصادر دبلوماسية غربية ان إسرائيل وافقت علي إطلاق سراح 443 أسيرا فلسطينيا من سجونها من أصل 450 طلبتهم حماس، بشرط إبعاد نحو 100 منهم إلي قطاع غزة أو أية دولة أجنبية خارج فلسطين. وما زالت إسرائيل تعترض علي الإفراج عن 7 أسري لديها وهم: مروان البرغوثي، احمد سعدات، إبراهيم حمد، عبد الله برغوثي، عباس السيد، جمال أبو هيجة، وحسن سلامة.