علي الصعيد السياسي، قوبلت مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح بردود أفعال متباينة.. فبينما لقيت المبادرة قبولاً من بعض الشخصيات المقربة من النظام، قابلها المعارضون برفض تام أصدرت أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في مدينة تعز بياناً أكدت فيه أنه لم يعد هناك أي مبادرات قابلة للتسويق لأن كل المبادرات قد أصبحت منتهية الصلاحية حزب رابطة أبناء اليمن (رأي): المبادرة محاولة للتسويف وكسب الوقت، ومماطلة في تنفيذ المطلب الجماهيري الثوري في الرحيل بلا شروط أمنية النجار شهدت الثورة الشعبية اليمنية تطوراً جديداً عشية الحادي عشر من الشهر الجاري والذي أطلق عليه المتظاهرون "جمعة الصمود" حيث اقتحمت قوات الأمن ساحة جامعة صنعاء فجر يوم السبت، وهاجمت آلاف من المتظاهرين المعتصمين منذ الحادي والعشرين من فبراير مما أسفر عن مقتل خمسة أفراد بينهم طفل في الثانية عشرة وإصابة المئات. مبادرة براءة الذمة وتأتي هذه التطورات بعد قيام الرئيس علي عبد الله صالح يوم الخميس الماضي بالإعلان عن مبادرة اصلاح جديدة تشمل التخلي عن صلاحيات الرئاسة والاستفتاء علي دستور جديد والانتقال إلي نظام برلماني في غضون أقل من سنة. وتنص المبادرة التي قدمها صالح علي تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشوري والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يقوم بالفصل بين السلطات وبحيث يستفتي عليه في نهاية العام الحالي، وتشكيل حكومة اتفاق وطني تقوم بالإعداد للانتخابات بما في ذلك القائمة النسبية، وتشكيل لجنة عليا للانتخابات والاستفتاء، كما تنص علي تطوير نظام حكم محلي كامل الصلاحيات علي أساس لا مركزية مالية وإدارية، وعلي إنشاء الأقاليم اليمنية علي ضوء المعايير الجغرافية الاقتصادية. وعلي الرغم من جدية المبادرة، سارعت المعارضة اليمنية برفضها ووصفتها بأنها جاءت متأخرة. وقال محمد قحطان المتحدث باسم المعارضة اليمنية إن المبادرة لا تلبي مطالب المحتجين، وأضاف "ما أعلن عنه الرئيس صالح كان سيكون مبادرة لو حدد آلية واضحة لانتخابات رئاسية، ولنقل منصب الرئاسة وبصورة سلمية وسلسة إلي غيره، والتزم التزاما قاطعا بألا يعيد ترشيح نفسه لا في رئاسة الوزراء ولا في غيرها، وألا يترشح أي من أبنائه. المبادرة خلت من آليات الانتقال السلس والعاجل للسلطة، وبكل تأكيد فإن ما قاله الرئيس صالح أقل بكثير من مطالب الشارع ومن مطالب الجماهير المحتشدة في الساحات". بينما اعتبر محمد الصبري، القيادي في أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، المبادرة بمثابة شهادة إعلان وفاة للنظام السياسي في اليمن. في الوقت نفسه، اتهمت كوادر في المعارضة الولاياتالمتحدة بالتعاون مع النظام اليمني ومحاولة فرض الحوار حفاظاً منها علي مصالحها في اليمن. وكان السفير الأمريكي في صنعاء، جيرالد فيرشتاين، قد دعا المعارضة إلي الحوار مع الرئيس اليمني محذراً من خطر نشوب حرب اهلية يستفيد منها تنظيم القاعدة، وأكد أن بلاده تريد عملية انتقالية سلمية للسلطة في اليمن. وأضاف "نعتقد أن انعدام الأمن والاستقرار سيساعد القاعدة والمجموعات المتطرفة الأخري". كما قام جون برينان، مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب، بإجراء اتصال بالرئيس اليمني لتهنئته علي مبادرته ودعا المعارضة إلي الموافقة عليها. المعارضة ترفض وفور إعلان الرئيس اليمني عن مبادرته، أصدرت أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في مدينة تعز بياناً أكدت فيه أنه لم يعد هناك أي مبادرات قابلة للتسويق لأن كل المبادرات قد أصبحت منتهية الصلاحية ولا صلاحية إلا للثورة الشعبية التي تطالب النظام بالرحيل. وقال البيان "إن أحزاب اللقاء المشترك بمحافظة تعز وهي تنظر إلي ما قيل إنها مبادرة يقدمها رأس النظام لتربأ بنفسها وبالشعب اليمني كله أن يكلف نفسه حتي مجرد مناقشتها لأن الزمن قد تجاوزها، والظروف والواقع ما عادا يقبلانها ، فالثورة قد حصرت مطالبها في مطلب واحد فقط وهو التغيير ولا يكون التغيير المنشود إلا بأن يستجيب النظام للرحيل". ووصف حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) المبادرة بأنها محاولة للتسويف وكسب الوقت، ومماطلة في تنفيذ المطلب الجماهيري الثوري في الرحيل بلا شروط، وقال بيان صادر عن الحزب "نرفض هذا الذي سُمي مبادرة ونقف مع شعبنا وثورته وشبابنا وغضبته في مطالب الثورة العظيمة التي لا تفريط فيها وهي: الرحيل الكامل لهذا النظام وإفرازاته ومفاسده وفاسديه ومفسديه، وكل آليات وأدوات إنتاجها وتنميتها وإبقائها، لا حوار أو مفاوضات أو تواصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، السعي لإقامة نظام دولة لا مركزي مدني ومنظومة حكم متماسكة تحقق التوازن والعدل والحرية والديمقراطية الحقة والشفافية ولا وجود فيها للفساد والمفسدين والفاسدين، ولا لمن أذلوا شعبنا وامتهنوا كرامته، وسفكوا دماءه". ازدياد موجة الغضب وأثارت المواجهات بين الشرطة والمعتصمين موجة غضب عارمة في البلاد، وشهدت عدة مدن ومنها مدينة تعز ومدينة عدن الجنوبية مواجهات بين الشرطة وبين آلاف من المتظاهرين الذين خرجوا للتنديد بأعمال العنف. ويطالب المتظاهرون المعتصمون بتنحي الرئيس اليمني الذي يحكم اليمن منذ العام 1978، ويرفضون بقائه في منصبه حتي نهاية ولايته في 2013 رغم تأكيده أنه لن يترشح لفترة ولاية جديدة كما يرفضون المبادرة التي تقدم بها وأعلن من خلالها حماية المتظاهرين والمعتصمين. وانضم ضباط في الجيش والأمن للمتظاهرين، كما أعلن العشرات من مشايخ قبائل مراد في مأرب عن انضمامهم للمعتصمين بساحة التغيير في صنعاء، وقال اللواء علي عبد الله الأعوش، أحد مشايخ قبائل مراد، أن "نظام الرئيس صالح لم يعد قادراً علي تقديم أي شيء لليمن، بل إنه أصبح السبب لكل مشاكل البلاد". واتهم أطباء من المعتصمين قوات الشرطة باستخدام غازات سامة تؤثر علي الجهاز العصبي وتؤدي الي غيبوبة بينما حملت وزارة الداخلية اليمنية المعارضة مسئولية أحداث العنف واتهمتها بإثارة الفوضي والشغب عن طريق نصب خيام بالقوة أمام منازل ومحال المواطنين، وبإطلاق النار باتجاه رجال الأمن مما أدي إلي إصابة 161 من أفراد الأمن. ونفي مصدر أمني صحة الاتهامات باستخدام الغاز السام قائلاً "هذه افتراءات لا أساس لها من الصحة، وأن ما يطلقه بعض الأطباء من المنتمين للتجمع اليمني للإصلاح وبعض أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) من تصريحات في هذا الجانب إنما هي بيانات سياسية حزبية، وليست لها صلة بالجانب الطبي، وحيث قد سبق تفنيد ذلك في تقرير اللجنة الطبية التي شكلتها وزارة الصحة العامة والسكان للتحقيق في هذا الشأن." تفاوت في ردود الأفعال وعلي الصعيد السياسي، قوبلت مبادرة الرئيس علي عبدالله صالح بردود أفعال متباينة. فيما لقيت المبادرة قبولاً من بعض الشخصيات المقربة من النظام، قابلها المعارضون برفض تام. وقال رئيس الوزراء اليمني السابق، أحمد صوفان "كنا نأمل من أحزاب المعارضة القيام بما يناسب لتحريك الواقع المجمد وقبول النقاط التي يوافقون عليها من مبادرة الرئيس صالح ومناقشة النقاط الأخري، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وأنا أحذر من تزايد تعامل الشارع اليمني مع القضايا السياسية خارج المؤسسات والأطر السياسية، وبالتالي فلابد من الحوار والتهدئة". من ناحية أخري، رفض النائب عبدالكريم الأسلمي الذي كان قد انشق منذ أسابيع عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم المبادرة بسبب لجوء النظام إلي استخدام القوة ضد المعارضين قائلاً "الأمور تسير بشكل خطير وقد قطع النظام بالكامل حبل الحوار لأنه يدعو إلي النقاش السياسي ومن ثم يعتدي علينا في الشارع". وفي تطور آخر ملفت، استقال 88 عضواً من التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، وهو أكبر أحزاب المعارضة وعضو تحالف اللقاء المشترك، وأعلنوا عن انضمامهم إلي حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. وذكر بيان مركز الإعلام التابع لحزب المؤتمر الشعبي أن انضمام هؤلاء الأعضاء للحزب الحاكم جاء نتيجة لتخبط أحزاب اللقاء المشترك وانقلاب تجمع الإصلاح علي مبادئه وأهدافه وتبنيه مواقف مشبوهة علي حساب تاريخ الإصلاح ونضاله الوطني، وأضاف البيان "أنه في الوقت الذي يقدم رئيس الجمهورية المبادرات تلو المبادرات استجابة لمطالب أحزاب اللقاء المشترك، لا يزال موقف الأخير يتجه نحو الدعوات للفوضي والانقلاب علي الشرعية الدستورية والعملية الديمقراطية". في الوقت الذي انضم فيه هؤلاء إلي حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، توالت الشخصيات التي قدمت استقالاتها من الحزب الحاكم وانضمت للمعتصمين في ساحة التغيير، حيث أعلن أعضاء الهيئة الاستشارية للمؤتمر بجامعة ذمار الدكتور عبدالله غالب المتوكل، ويحيي عبد الوهاب الوريث، ويحيي داديه، وعبد العزيز عبد المغني، والدكتورعبد الحليم السامعي، وأحمد سيف حيدر، ومحمد المعافا استقالاتهم وانضمامهم للثورة. كما أعلن عدد من المشايخ استقالاتهم من الحزب الحاكم ودعمهم لثورة شباب التغيير وهم الشيخ محمد علي عمران، والشيخ جمال عبد الناصر القيسي، والشيخ حميد أحمد المقدشي، والشيخ راجح مقبل الجرادي، والشيخ علي محمد الجرادي، والشيخ شاجع محمد الشغدري التطورات الأخيرة في اليمن تشير إلي أن الثورة اليمنية باتت تأخذ مساراً شبيهاً بالمسار المصري الذي مارس الضغوط علي النظام باستمرار الاعتصامات عجزت معها مبادرات النظام في تهدئة غضب الشارع والتقليل من سقف المطالب الجماهيرية. مع رفض المعارضة مبادرة الرئيس اليمني ومع ازدياد غضب المتظاهرين، ربما سيتحتم علي النظام الإسراع بالتنحي عن السلطة وضمان الانتقال السلمي للسلطة.