أصيب الشارع اليمني أمس ب(خيبة أمل) كبيرة من موقف احزاب المعارضة اليمنية الرئيسية التي أعلنت تفضيلها لخيار (الحوار) في وقت كان الشارع اليمني يفور غليانا وينتظر المعارضة إطلاق صفارة البداية للنزول للشارع، وبالذات عقب نجاح ثورة الشارع المصري التي نجحت في إسقاط نظام حسني مبارك في مصر. وزاد استياء الشارع اليمني من موقف المعارضة اليمنية الذي أعلنته أمس في مؤتمر صحافي بعد تأخر استمر 12 يوما منذ إعلان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن مبادرته السياسية التي قدم فيها تنازلات مقابل تهدئة الشارع، وتضمنت تخليه عن السلطة مع نهاية الفترة الرئاسية الحالية في 2013 وعدم توريث السلطة لأحد أقاربه، وأعلنت المعارضة أمس قبولها بهذه المبادرة الرئاسية وتخليها عن النزول للشارع.
وذكر مراقبون سياسيون أن مبادرة الرئيس صالح كانت أبلغ في التعبير عن طموح الشارع وأسهمت في تهدئته بشكل كبير، بينما كان بيان أحزاب المعارضة اليمنية المنضوية تحت تكتل أحزاب اللقاء المشترك (هزيلا) ولا يعبّر عن حالة الغليان التي تسود الشارع اليمني والتي اضطرت المئات من طلاب الجامعات والشباب العاطلين عن العمل إلى الخروج للشارع منذ إعلان حسني مبارك تنحيه عن السلطة دون الاكتراث بتهديدات السلطة أو بمواقف المعارضة.
وفي حين رحّبت المعارضة اليمنية أمس بمبادرة الرئيس صالح وأعلنت استعدادها التوقيع خلال أسبوع على آلية محددة للحوار الوطني الشامل مع السلطة على أساس اتفاق شباط (فبراير) 2009، طالبت النظام باستيعاب درس سقوط الأنظمة في تونس ومصر وتغيير سياستها ذاتيا قبل أن يطالها التغيير قسريا.
وذكرت المعارضة اليمنية ان عملية الحوار الوطني مع السلطة يجب أن يكون شاملا وعلى أساس إلغاء كافة الإجراءات الانفرادية التي أقدم عليها حزب المؤتمر الحاكم خلال الفترة الماضية من تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات منفردا.
وأكدت في بيانها أنها لا ترفض ما ورد في خطاب رئيس الجمهورية أمام مجلسي النواب والشورى مطلع الشهر الجاري بشأن عودة اللقاءات مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم 'التي كان قد قرر هو نفسه إيقافها بينما كانت هيئة رئاسة لجنة المائتين للحوار بين الجانبين تتهيأ للتوقيع على ما كان قد تم الاتفاق عليه كخريطة طريق للوصول إلى حوار وطني شامل لا يستثنى منه أحد من شركاء الحياة السياسية في الداخل والخارج'.
واقترحت أحزاب المعارضة مسودة من ثماني نقاط قالت انها تاتي 'سداً لذرائع المماطلة وتبديد الوقت' وأنها 'لن تقبل بأي حال من الأحوال أي تضييع أو تلاعب بالوقت'.
ودعت المعارضة اليمنية من العالم الخارجي من أصدقاء اليمن بحضور اتفاق الحوار الوطني كاحد الضمانات الضرورية لإلزام النظام في اليمن على الوفاء بوعوده وتنفيذ التزاماته أمام الآخرين.
وكان قطاع واسع من الشباب اليمني ومنهم قواعد في أحزاب المعارضة تخلوا عن توجهات وسياسات أحزابهم ورفضوا وصاية أحزابهم عليهم فخرجوا بشكل عفوي للشارع منذ إعلان تنحي حسني مبارك عن السلطة الجمعة الماضي، حيث شهدت محافظات تعز وعدن والعاصمة صنعاء مظاهرات شبابية طلابية تطالب بالتغيير وتجاوزت شعاراتها ومطالبها مطالب احزاب المعارضة وهو ما دفع بالسلطة إلى مواجهة هذه المظاهرات بالقوة واعتقال العشرات من الناشطين خلال اليومين الماضيين أغلبهم في مدينة تعز.
وبرر الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني المعارض الدكتور ياسين سعيد نعمان عدم نزول المعارضة للشارع بقوله 'كيف نحرك الشارع وهناك غياب كامل للنقابات وللمنظمات الجماهيرية الحقيقية منذ 1994'.
وأوضح 'نحن لا نعبث بورقة الشارع ولكننا يمكن أن نحرك الشارع بهدف مرسوم لتغيير سلمي للسلطة'. وقال 'نحن متمسكون بالحوار ليس لتجاوز الشارع ولكن للتعبير عن تطلعات الشارع اليمني'.
في غضون ذلك قام الرئيس اليمني باستخدام كافة الوسائل لإحباط أي محاولة لتحريك الشارع اليمني ضد نظامه، حيث عقد فور إعلان تنحي مبارك عن السلطة اجتماعا عاجلا لمجلس الدفاع الوطني وهو أعلى مجلس عسكري في البلاد لتدارس كيفية إجهاض أي محاولة لتحريك الشارع، سواء بدفع من قبل أحزاب المعارضة أو بشكل عفوي.
ويلتقي صالح بشكل متواصل منذ نهاية الأسبوع الماضي بمشايخ وأعيان القبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء للاستعانة بهم على ما يبدو لصد موجات المتظاهرين في العاصمة صنعاء، وهو ما ظهر جليا منذ الوهلة الأولى حيث احتشد الكثير من رجال القبائل المسلحين في قلب ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء منذ مساء الجمعة الماضية ويتسع حضورهم كل يوم ليشمل العديد من المناطق الهامة في صنعاء واستخدمتهم السلطة لقمع المتظاهرين عبر استخدام الهراوات والجنابي (الخناجر التقليدية) لتفريق المتظاهرين.
إلى ذلك أعلن مصدر مسؤول برئاسة الجمهورية مساء أمس أن الرئيس صالح قرر "تأجيل زيارته إلى الولاياتالمتحدة التي كان مقررا القيام بها نهاية الشهر الجاري".
وقال المصدر إن التأجيل لهذه الزيارة رغم أهميتها جاء "نتيجة للظروف الراهنة التي تمر بها'المنطقة"، في إشارة إلى ما يمر به اليمن من موجات غضب جماهيرية تتصاعد كل يوم بشكل أقل هدوءً عن الدول العربية الأخرى. وأشار المصدر الرئاسي اليمني إلى أنه سيتم التواصل عبر القنوات الدبلوماسية بين البلدين لتحديد موعد آخر للقيام بهذه الزيارة في'وقت لاحق.