ياسر عرفات أو الختيار لم يكن رجلا عابرا في كلام عابر ولا مجرد رئيس تقليدي لحركة تحرر وطني وإنما كان زعيما لشعب تحت الاحتلال تواق للاستقلال وبناء الدولة الوطنية ومن هنا اتسم دونا عن غيره بقدرة فائقة علي إدارة العلاقة بين البندقية وحمامة السلام أو بين التفاوض ودعم المقاومة كما كان ماهرا في إدراك حقائق الجغرافيا والتاريخ ومنها انه لاحرب بدون مصر ولاسلام بدون سوريا، وأن المرجعية الحقيقية للثورة الفلسطينية هي القاهرة حتي وإن وقع خلاف مرحلي في التفاصيل أو الاجتهادات ،وبعد 6سنوات علي رحيله يبقي السؤالماذا تغير في الخارطة الفلسطينية؟ هل استطاع خلفاؤه أن يحافظوا علي مسيرة حركة التحرر الفلسطينية أم أن رياح الخلافات هبت وهددت السفينة؟ أولا قدم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات نموذجا في الصبر وهو الذي حاصرته إسرائيل لأربع سنوات متتالية، لم يتراجع خلالها خطوة واحدة بل واجه في غرفته الوحيدة الآلة الحربية الإسرائيلية، في حين أن الوضع الفلسطيني بعد رحيله يسر العدو ولا يسر الحبيب من حيث "التردي والتشتت والترهل" التي وصلت إليها "القضية الفلسطينية" فلا المفاوضات حققت نتائج ملموسة ولا المقاومة استطاعت أن تفرض كلمتها ومازال الوضع الفلسطيني يتدحرج إلي الوراء في ظل استمرار بناء المستوطنات في القدسالشرقية والضفة الغربية وخلق وقائع جديدة علي الأرض أهمها قضم ماتبقي من القدسالشرقية التي كانت في يد العرب فصار 70منها في يد إسرائيل فضلا عن بناء إسرائيل لقدس جديدة يسكنها العرب خارج القدس التاريخية غربية وشرقية ثانيا في غياب عرفات وقع الانقسام الفلسطيني بين المهيمنين علي غزة"حماس" والمسيطرين علي الضفة "فتح" وكاد الفلسطينيون أنفسهم يخلقون بأيديهم كانتونات صغيرة وهشة وغير قابلة للحياة بعد "اقتتالهما" في يونية حزيران عام 2007، وما ترتب عليه من "إحباط عام واختلال في موازين القوي الداخلية" التي أثرت بدورها علي مستوي قيادة الشعب الفلسطيني، الذي بدوره لا يعرف، هل يقاوم أم يفاوض تحت النيران؟ وهو أمر ماكان يمكن أن يحدث في وجود "الختيار" الذي كان رمانة ميزان للحركة الوطنية الفلسطينية بكل ألوانها والشاهد أن أية مصالحة فلسطينية لابد وأن يسبقها اعتذار تقدمه الحركتان"فتح وحماس" تأكيدا لاستيعاب درس الوحدة والتنوع الديمقراطي وليس الاختلاف والاقتتال الاستبدادي ثالثاتعقد الوضع داخل إسرائيل أكثر من أي وقت مضي ،في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة يقودها "بنيامين نتنياهو"، الذي أعلن في أول خطاب له بعد تسلمه رئاسة وزراء حكومة الاحتلال،"أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل" و"أن الفلسطينيين مطالبون بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية"، كلها إشارات واضحة أطلقها نتنياهو، ومع ذلك ذهب الفلسطينيون والعرب إلي "واشنطن" لإحياء مفاوضات "معلقة" بين خيبة 26 سبتمبر وخيبة "تهرب" الرئيس الأمريكي باراك أوباما من وعوده بإقامة دولة فلسطينية فمنذ "توقف المفاوضات" في الثاني من أكتوبر الماضي ، دعا عباس، "نتنياهو"، إلي وقف "البناء في المستوطنات لمدة 3 أو 4 أشهر إضافية، وفي المقابل، رفض نتنياهو هذه الدعوة، مشترطاً قبول الفلسطينيين ب"دولة إسرائيل ديمقراطية ويهودية" مقابل "التجميد المؤقت"، ومع ذلك خرج "ياسر عبدربه" لقبول "شرطه مقابل تحديد حدود هذه الدولة"، وهذه "الموافقة" تؤكد حجم "التراجع " الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية بعد رحيل "زعيم" الفلسطينيين، ودخول القيادات البديلة في دوامة الخلافات ثالثاأن الوضع الإقليمي صار أكثر حدة في تدخله في المشهد الفلسطيني ومحاولة تغذية التناقضات وليس حلها بين ماسمي محور الاعتدال والتفاوض ومحور المانعة والمقاومة لاسيما وانعكست عملية نقل الخلافات الإقليمية إلي الداخل الفلسطيني سلبيا ،ولم تعد هناك حلول واقعية لإشكالية، التفاوض والمقاومة وفشلت حركتا "فتح" و"حماس" في انجاز أي برنامج لتحريك الوضع الفلسطيني ،فبرنامج التفاوض الذي انتهجته "فتح" بتشجيع إقليمي ووعود دولية لاسترجاع الأرض، أثبت "فشله"، لأسباب متعددة أهمها "غياب الشريك الإسرائيلي المؤمن بالسلام" ، باعتراف "عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي"،بل علي العكس واجهت "فتح " تحالفا يمينا أصوليا في غاية التشدد وقد طرح أفكارا لم تكن معهودة منها قصة"الدولة اليهودية "مازاد الأمر تعقيدا وجمودا في المقابل لم ينجح برنامج المقاومة الذي تبنته "حماس" وأخواتها ولم تقاوم هذه الحركات كما قاومت في وجود عرفات لاسيما مرحلة الانتفاضة الثانية التي شكلت تهديدا حقيقيا للوجود الإسرائيلي من خلال القنابل البشرية التي ابتدعها الفلسطينيون ،وإزاء الضغوط الدولية الإقليمية، قبلت حماس بدولة فلسطينية علي حدود عام 1967، بعد وصولها إلي السلطة عام 2006، حسب تصريح "رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل" لكن مع ذلك فإسرائيل لم تحرك ساكنا مقابل هذا التراجع الحمساوي وثبت أن عرفات كان أذكي من كل القيادات الفلسطينية بدليل قراره إشعال الانتفاضة الثانية إثر "فشل" قمة "كامب ديفيد الثانية" التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" عام 2000 وشاركت فيها كتائب شهداء الأقصي من فتح مع كتاب القسام الحمساوية ،ورسم الختيار المنهج الصحيح وهو الجمع بين المفاوضات و "البندقية في يد والغصن الأخضر في يدي الأخري...." وقتها امتلكت الثورة الفلسطينية روحها الوثابة التي من خلالها انطلقت في الأول من يناير1965 واستطاع أن يغيرمن قضية "شعب لاجئ إلي شعب مقاوم" هذه الدروس مطروحة علي طاولة المصالحة الفلسطينية الحالية بين حماس وفتح ..فهل ثمة من يستوعبها ويعمل بها؟