رغم وصفها بصاحبة الجلالة، لم يمنعها ذلك من الوقوع في الخطأ شأنها شأن كل مهنة، ومابين أخطاء قد يمر بعضها مرور الكرام علي القارئ الذي قد لاينتبه لها وأخطاء أخري قد تكون واضحة وضوح الشمس بل وقد تتسبب في ملاحقة الصحيفة قضائيا، قد تفقد الصحيفة جزءا من مصداقيتها أو دقتها خاصة إذا كانت الأخطاء في المعلومات الواردة في الأخبار أو الموضوعات. أما عن الأخطاء المطبعية , فتاريخ الصحافة المصرية يحوي مجموعة من الأخطاء التي رصدت بعضها نوادر ألفت لها خصيصا بعض الكتب التي حفظت أطرفها ونذكر منها أنه في إبريل عام 1960 كان الرئيس عبد الناصر في زيارة لباكستان وفي اليوم نفسه تم القبض علي أشهر سفاح في مصر في ذلك الوقت ونظرا لأهمية كلا الخبرين فقد نشرت جريدة الأخبار عنوانين بنفس البنط أسفل بعضهما ليظهرا وكأنهما عنوانا واحدا " مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان ". مما تسبب في حدوث أزمة كبيرة بين الجريدة والجيش. وللرئيس السادات أيضا نصيب من الأخطاء , فقد نشرت إحدي الصحف العربية خبرا تحت عنوان " الرئيس المدمن يتضاءل بالبيض المحلي " والصحيح أن " الرئيس المؤمن يتفاءل بالبيض المحلي " . وخشي محرر حوادث أن يذكر أن المتهم في الجريمة سعودي الجنسية فيسيء إلي العلاقات بين بلده والمملكة، فكتب ملمحا إلي أن المتهم ينتمي إلي دولة يحج إليها المسلمون! أما ماتسبب بمشكلة كبيرة حقا فكانت تغطية أحدهم لحادث مروري نتج عنه انقلاب الدراجة البخارية التي كان يقودها عسكري، وجاءت بعنوان "انقلاب عسكري في مدينة..." وهو ما فهمه مراسلو الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء علي أنه انقلاب علي السلطة قام به عسكريون بهذه المدينة! وقد يرجع الخطأ إلي الثقافة الضحلة للمحرر، كما وصف أحدهم انتحار سيدة بقوله "علي طريقة يوليوس قيصر زوج كليوباترا.. انتحرت سيدة بطعن نفسها بالسكين أمام المارة"، وطبعا فإن قيصر لم ينتحر ولم يتزوج كليوباترا.. كما أن قتله لم يكن أمام المارة! كما نشر رئيس تحرير صحيفة عربية كبري المقال الافتتاحي للصحيفة بعنوان "يريد الشياطون"، وعندما صوبها المراجع اللغوي إلي "يريد الشياطين" انفعل الصحفي الكبير ، واتهم المصحح اللغوي أنه لا يعرف أن الشياطين هنا فاعل مرفوع بالواو! وإذا كانت الأخطاء المطبعية قد تثير قدرا من الفكاهة , فإن الخطأ في دقة المعلومات الواردة في متن الخبر قد يثير استهجان البعض لأن ذلك قد يعتبر دليلا علي إهمال الصحيفة في تحري الدقة، وقد يحدث ذلك عند محاولة تحقيق سبق صحفي علي حساب الدقة، وهو مايثير بعض التساؤلات المهمة عن مدي أحقية الصحيفة في تحقيق السبق علي حساب الدقة وصحة المعلومات والتيقن منها. في هذا التحقيق يهمنا معرفة كيفية تصرف الصحيفة في حال حدوث خطأ بها وهل عليها تصحيحه والاعتذار عنه في العدد التالي حتي وإن كان خطأ صغيرا أم أن تكرار الاعتذار قد يضر بصورة ومصداقية الجريدة لدي جمهورها؟! فسألنا مجموعة من الصحفيين العاملين في الديسك المركزي لبعض الصحف الذين تتمثل مهمتهم في مراجعة المواد الصحفية والتأكد من صحتها وصلاحيتها للنشر. عطية عيسوي الصحفي بالديسك المركزي لجريدة الأهرام يري أن السبق الصحفي والدقة في نشر المعلومات كلاهما مهم , والصحيفة التي تستطيع تحقيق التوازن بينهما هي التي تكسب احترام القارئ. ويؤكد أن الصحف نوعان فمنها من يفضل تحقيق السبق الصحفي علي حساب الدقة معتمدا علي نشر تصحيح في العدد التالي إذا ماظهر أي خطأ، والنوع الآخر من الصحف هو الذي يهتم بالدقة علي حساب السبق لرغبته في الحفاظ علي صورته ومصداقيته لدي القارئ. ويشير لتجربة مؤسسة البي بي سي المعروفة بالتزامها مبدأ الدقة علي حساب السبق وهو مايجعلها تتأني كثيرا قبل الإعلان عن أي خبر أومعلومة. ويري أنه في حال حدوث خطأ بالنشر فإن ذلك قد يكون نتيجة إهمال أو قد يحدث نتيجة سهو غير متعمد وعندها لابد من التصحيح والاعتذار للقارئ خاصة إذا كان الخطأ يمس شخصًا أو جهة معينة قد يسبب لها ضررا، وقتها لابد من نشر التصحيح سواء من قبل الجريدة أو إعطاء مساحة له لينشر تصحيحا لما جاء لأن هناك بعض الأخطاء التي قد تسبب مشكلات قضائية للصحيفة. الكاتب الصحفي مصطفي الجارحي بالديسك المركزي لجريدة اليوم السابع يؤكد أن محرر الديسك يحمل أمانة تقديم الصحفي في أفضل صورة، فهو أولاً يستكمل المعلومة إذا كانت ناقصة، و(يفرد) الموضوع إذا كان مهماً ويعطيه حقه في المساحة،أو يختصره بحرفية إذا كان لا يستحق أكثر من ذلك، وعليه أن يحمي الصحفي والجريدة قانونياً بالاطلاع علي المستندات، يهمه في المقام الأول دقة المعلومة حتي لو كانت الصياغة ركيكة، لأن هناك صحفياً لديه موهبة التقاط المعلومة، وهناك صحفي لديه موهبة الصياغة، وربما لا تتوفر الموهبتان لفرد واحد . ويري أن فكرة السبق تحتم سرعة نشر الخبر حتي ولو لم يتم التأكد من دقته و في هذه الحالة يمكن استخدام مصطلح شائعات أو أقاويل قبل عرض المعلومات لتفادي الوقوع في الخطأ . وفي حال التأكد من وجود أي خطأ فلابد من الاعتذار وهذا لايضر بصورة الجريدة لأن السهو وارد . أما ميلاد زكريا الصحفي بالديسك المركزي لجريدة المصري اليوم فيري أنه من المفترض التأكد من صحة ودقة المعلومة قبل نشرها حتي وإن جاء ذلك علي حساب السبق لأن الأهم هو الحفاظ علي سمعة ومصداقية الجريدة . ويؤكد أن الاعتذار عن الخطأ يصلحه وكثرة الأخطاء لاتعد عيبا، فالخطأ سيظل موجودا في ظل صعوبة الوصول للمعلومات خاصة من قبل المسئولين أو المصادر التي من المفترض أن تتسم بالشفافية في عرض المعلومات وتسهل الوصول إليها، معتبرا ذلك من أكبر الأزمات التي تواجه منظومة الإعلام في الوقت الحالي. ويعترف بأن معظم الصحفيين الآن يقدمون الخبر في صورة مادة خام ويتركون للديسك مهمة صياغة وكتابة الخبر، وهو لايعتبر ذلك عيبا بل يري أن الصحفي الآن تتركز مهمته في سرعة الوصول للخبر حتي ولو جاء ذلك علي حساب اللغة أو الصياغة ، فالمهم هو أن يكون دقيقا أما الباقي فيمكن للديسك أن يتولي إصلاحه . ويري أن من أطرف الأخطاء التي قرأها كانت في خبر نشر تحت عنوان " شاب يتجرد من مشاعر الأمومة ". وخبر آخر كتب في سياقه " وبتفتيشه عثر بحوزته علي ميكروباص ". ويؤكد خالد حجاج الصحفي بالديسك المركزي بجريدة الأخبار أنه بحكم طبيعة عمله في مراجعة المواد الصحفية فإنه يتعامل مع بعض الأخطاء من خلال نشر أخبار أو معلومات غير دقيقة وفي بعض الأحيان تكون المعلومات الواردة بالخبر قديمة أو طرأ عليها تغير كبير. ويري أن معظم الأخطاء التي يتعامل معها يوميا تكون في عدم دقة بعض الأرقام أو النسب التي قد لايلاحظها القارئ أو حتي المسئول، لكنه يعتقد أن علي الصحيفة التي تحترم صورتها ومصداقيتها أن تصحح أي خطأ يرد بها وأن تعتذر للقارئ حتي تكسب احترامه. أما محمد عبد الحميد الصحفي بالديسك المركزي بجريدة الشروق الجديد فيؤكد أن العمل الخبري أسهل كثيرا ونسبة الخطأ فيه أقل كثيرا مما يحدث في المقالات و التحقيقات . ويعتبر أن وظيفته لاتعتمد فقط علي تصحيح الأخطاء وإنما هو يعبر عن وجهة نظره الخاصة في شكل الخبر من خلال إعادة صياغته أو تقديم جزء علي الآخر وهو لا يعد تصحيحا لخطأ بقدر ماهو عرض لوجهة نظر المسئول عن الديسك. ويؤكد علي ضرورة أن تصحح الجريدة أي خطأ يرد بها لأن ذلك لايقلل من شأنها بل علي العكس يعد دليلا علي مصداقيتها . الأصدق لا الأسبق! وعلي الجانب الأكاديمي تشيد د. إيناس أبو يوسف أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة بالمبدأ الذي اعتمدته البي بي سي منذ بدايتها وهو "ليس المهم أن أكون الأسبق لكن المهم أن أكون الأصدق" . فالمهم هو المصداقية لأن كثرة الأخطاء ستفقد الجريدة مصداقيتها وهي أهم ماتملك . وتري أن التنافس الذي تشهده الصحف ووسائل الإعلام حاليا هو ماأسهم في انتشار ظاهرة تحقيق الانفراد والسبق علي حساب الدقة والمصداقية في الكثير من الأحيان، وهو ماتلاحظه كقارئة من انتشار المعلومات الخاطئة أو حتي التي لا أساس لها من الصحة . وتؤكد أن هناك صحفًا معروفة علي الساحة بدأت بمستوي عال لكنها انحدرت بشكل كبير عندما أهملت المصداقية علي حساب السبق. وتري د. إيناس أن المعلومة الخطأ تكتشف بسهولة الآن في ظل انفتاح الإعلام والازدياد الكبير في أعداد الصحف وهو مايجعل من الصعب إخفاء الحقيقة , كما أن القارئ الآن أصبح أكثر ذكاء وقدرة علي اكتشاف الحقيقة , لذا فمن الأفضل للصحيفة أن تسارع بكشف الخطأ والاعتذار عنه لأن ذلك من أهم أسس المسئولية الاجتماعية للصحافة.