من أبرز تجليات إنتخابات2010 دور الصحافة في متابعة و قائعها و رصد أخبارها أوصناعة الأخبار عن أحداثها, إلي جانب القراءة الخاطئة المتعمدة للوقائع, بهدف صناعة أزمات تصيب مؤسسات الدولة وتخلق الشكوك في شرعيتها و دستوريتها, وتتيح مادة للخارج تمنحها القدرة علي التشكك في مدي إستقرار الواقع السياسي المصري. ما سبق ليس موقفا شخصيا من صحيفة بعينها, أو تربص أو إنحياز لطرف علي حساب الآخر, وإنما للأسف هو حقيقة واقعة تابعناها جميعا علي مدار فترة الحملات الانتخابية, في أكثر من موقف, وأكثر من حدث, وجري تتويجها خلال اليومين الماضيين بفجاجة منقطعة النظير. نشرت صحفا خاصة مانشيت يقول' حكم تاريخي للإدارية العليا' وفي نهاية المانشيت' عدم تنفيذ الأحكام بوقف نتائج الانتخابات يعني بطلان البرلمان', وهي معلومات نشرت في صحف خاصة بصياغات مختلفة كلها تنتهي إلي بطلان البرلمان بشكل قاطع وحاسم, بكل ما عنيه ذلك من معان مختلفة وأبرزها التأكيد علي بطلان الانتخابات و المؤسسة التشريعية وكل ما يصدر عنها من قوانين وتوصيات وسياسات. المفاجأة أن الإدارية العليا لم تقض ببطلان الانتخابات ولا البرلمان, و قضاتها الأجلاء يعلمون جيدا أن إبطال البرلمان ينعقد للمحكمة الدستورية دون غيرها, بل إن المنشور في هذه الصحف يؤكد نفي العناوين التي اخروها, حيث تضمن الحكم الصادر عن الإدارية العليا' أن تكوين مجلس الشعب عندئذ مشوب بشبهة البطلان' المؤكد أن الفارق كبير جدا بين بطلان وشبهة بطلان, والمؤكد أيضا أن اختيار العنوان مخالفا لمضمون الخبر بل ومتناقضا معه لا يتم بالصدفة أو بالخطأ غير المقصود, خصوصا وأننا نتحدث عن بطلان المؤسسة التشريعية, و ليس عن انتخابات نادي الزمالك. المفارقة أن ذات الخطأ في اختطاف الخبر والإتجاه به لناحية سياسية ذات مغزي محدد تكررت في اليوم التالي من خلال متابعات أحكام القضاء الإداري وتوالي إصدارها بوقف إعلان النتائج, مع تجاهل هذه الصحف و بوعي شديد للجديد والإصرار علي المضي قدما في تعميق أزمة مفتعلة غير حقيقية للإيحاء بوجود صراع حول بطلان أوشرعية البرلمان بين القضاء وبين مؤسسات الدولة, ومخالفة الأخيرة للقانون علي خلاف الحقيقة. وبدلا من إبراز الصحف لمعلومة صدور عشرات الأحكام من القضاء الإداري المناقضة للاحكام السابقة, والمؤكدة لعدم اختصاصها بنظر الطعن علي نتائج الانتخابات, وانعقاد ذلك لمحكمة النقض ومجلس الشعب, واصلت هذه الصحف نشر وإبراز العناوين عن أحكام أخري ببطلان إعلان النتائج. الشاهد أن بعض الصحف المصرية و تحديدا الخاصة منها ارتكبت أخطاء في متابعة الانتخابات تتجاوز أحاديث الأخطاء المهنية إلي التعمد والقصدية في إهالة التراب والماء' القذر' علي الانتخابات ونتائجها بقصد الإساءة للمشهد السياسي من ناحية, وتبوؤ مكانة غير مستحقة بين القراء, بزعم نشر الحقيقة والمعلومات غير المتاحة عبر الصحافة القومية. ومن الصعب التعامل مع هذه الأخطاء التي تصل لمستوي الخطايا من منطلق سوء التفسير او عدم الفهم, فمهنة الصحافة لم تعد تلك الناقلة للأخبار والمعلومات دون تدقيق أو تمحيص, بل أصبح التعامل مع مضمون الخبر ودلالته جزءا لا يتجزأ من الخبر ذاته, كما أن الخروج عن حدود الحياد في نقل الخبر والانحياز بالمعلومات لجهة ضد الآخر يعني و بمنتهي البساطة خداع وغش للقراء من جهة, وإثارة للأزمات من جهة أخري بين الأطراف المختلفة. القضية أن البعض خلال متابعة الانتخابات إنحاز لمدرسة' الخبر في الشر', والبحث عن الظواهر السلبية و إبرازها و التأكيد عليها, دون الفحص أو التمحيص في حقيقة المعلومة ومدي دقتها, ومن دون حتي القراءة الصحيحة للأحداث والاكتفاء بالبحث في ثناياها عما يثير الأزمات بدلا من توضيح الحقائق. فبدلا من الحديث عن صدور أحكام متناقضة من داخل القضاء الإداري في شأن إعلان نتائج الانتخابات, ومعني ذلك في عدم ثبوت صحة بطلان الانتخابات, والاحتياج إلي اللجوء لجهة تحسم هذه الخلاف الناشب داخل مؤسسة القضاء الإداري, يتحول الأمر إلي صراع بين مؤسسة القضاء الإداري وبين الدولة, في إثارة لأزمة هي غير قائمة فعليا. الحاصل أننا أمام ظاهرة سلبية في الصحافة المصرية تتبلور و تتفاعل وتتفاقم, وتلعب دورا سياسيا مثيرا للأزمات عن وعي وقصد لأهداف يمكن توصيفها مع افتراض حسن النوايا بأنها ترويجية تجارية تسعي للانتشار ولو علي حساب الحقيقة. لسنا في مجال تقييم الأداء الصحفي خلال الانتخابات, فالظواهر عديدة و متنوعة علي مستويات عدة, فضلا عن حصول تجاوزات غير مقبولة, لكننا هنا و هذا هو الأهم أمام فكرة الصحافة الخبيثة, تلك المستندة إلي معلومات يتم تحريفها و تلوينها بهدف الإيحاء بمعان مختلفة تثير الأزمات, وتلصق الاتهام بغير مستحقيه. ولأن الصحافة هي ضابط الاتصال السياسي بالرأي العام, والقادرة علي صناعته وتوجيهه, فإن تبني منهج الصحافة الخبيثة يمثل أخطر الفيروسات القادرة علي إصابة المجتمع في مقتل, وإثارة الأزمات بين مكوناته وخلق الفوضي في جنباته, وهو ما سعي له البعض للأسف خلال متابعته للانتخابات. [email protected]