كتب أحمد رحمي الناظر لحال مصر بل والعالم أجمع الأن يجد غموضًا كبيرًا وخلطًا كثيرًا، ومن أقوى الأسلحة المعروفة في هذه الظروف هو الصمت، الصمت والعمل فيما يؤمن به الإنسان من أفعال وإتقانها، أيما كانت، إنتاجًا صناعيًا، فكريًا، ثوريًا، يفعل ما يحلو له ولكن في صمت وبإتقان، ولا يحاول إقناع الغير بما يفعل ولا الإقتناع بما يفعله الأخرون. فليؤمن بما يحلو له من تفسيرات ونظريات وسيناريوهات ولكن لا يناقشها مع أحد، لأنه إن فعل فستتحول إلى قناعات وتضطره إلى أخذ مواقف نظرية والدفاع عنها في المحافل المختلفة، وهو ما سيلهيه عن القاعدة الأساسية (الصمت والإنتاج) تختفي العلوم وتعجز في مثل هذه المواقف التي نعيشها في وضع تفسيرات وخطوط واضحة نمشي عليها، وتجد أفقه العلماء في مجالاتهم متخبطون لا يستطيعون قرارًا ولا توجيهًا، لأنهم وببساطة لا يعيشون ثورة كل شهر، وفكرة التاريخ المتكرر الذي يعيد نفسه هي فكرة قاصرة لأنه وإن تشابهت الظروف فالمآل تختلف دومًا وفقًا لترتيب الله في أرضه. وتظهر طبقة جديدة من محترفي الكلام وشهوة التحليل والتنظير، تسمى طبقة السفسطائين، والسفسطائية كوصف مرت بمرحلتين، فكان يطلق قديمًا على أهل العلم والمعلمين، وتطور مع الزمن ليصبح قديمًا أيضًا دلالة على الحكمة المدعاة والعلم المموه، فكان السفسطائيون يحترفون العلوم التي تقبل الجدل والأراء الشخصية مثل البلاغة والتاريخ، لصعوبة الإحتكام فيها إلى أرقام أو إثباتات واضحة مثل علوم الرياضيات وماشابها من علوم. ويتميزون بحسن المنطق وبلاغة التعبير والألفاظ وقوة البيان، ويستطيعون إقناع الناس بالأمر وعكسه بنفس القوة. وتجدهم مع الوقت يرتدون عباءة العلم أو النشاط الذي يجيدون فيه السفسطة، فيسمون بالصحفي والناشط السياسي والداعية إلى الله، والوزير والمدير وإلى آخر القائمة الطويلة. وساعد على انتشارهم في الفترات الأخيرة من الزمن الحالي، وجود منابر لا حصر لها تلهث لملء فراغ ساعات بثها أو صفحات أعدادها اليومية، وغموض المواقف المحلية والدولية مع غياب أفكار مثل فكرة الحق المطلق والشر المطلق، والعدو والصديق، وما شابهها من أفكار تصلح معيارًا للحكم على بعض الأمور أو أجزائها. فليعمل كلٌ منا في صمت ولا يحاول إثبات صحة منطقه ولو حتى لنفسه حتى لا يزيده هذا شتاتا، وليعتمد على قلبه، وسنلتقي جميعًا إن كنا على الحق في يوم من الأيام، وستمحص الأيام قريبًا عن من هو العالم الحق في كل مجال ومن هو متسفسط.