وزارة التخطيط تُشارك في منتدى «أفريقيا تنمو خضراء للتمويل المناخي»    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قائد منظومة الصواريخ في "حماس"    عاجل.. مرموش يقود تشكيل مانشستر سيتي أمام بورنموث في الدوري الإنجليزي    الزمالك يرفض تظلم زيزو بشأن العقوبات الموقعة عليه    استعدادًا لامتحانات 2025 .. مراجعة نهائية فى الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة    الصور الأولى من كواليس فيلم "بروفة فرح" ل نيللي كريم وشريف سلامة    محافظ الإسكندرية: الرئيس السيسي وجه بإحياء "أبو مينا" الأثرى    شاهد أول صورة من حفل زفاف المطرب مسلم    نائب محافظ كفر الشيخ يشيد بدور المدرسة الرسمية الدولية في بناء جيل المستقبل    أحمد فارس: التحالف الإعلامي المصري الصيني ضرورة لصناعة مستقبل مشترك أكثر تأثيرًا وتوازنًا    نقيب المحامين يحذر من القرارات الفردية في التصعيد بشأن أزمة الرسوم القضائية    رانيا ياسين: «إيلون ماسك عايز يعمل فيلم على المريخ.. وإحنا ماسكين في جواب سعاد وحليم»    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب (فيديو)    وزير الصحة من جنيف: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي لبناء مستقبل صحي لأفريقيا    بسمة نبيل تنضم إلى فريق عمل فيلم بنات فاتن    هربوا من الحر فاحتضنتهم الترعة.. نهاية مأساوية لثلاثة أطفال غرقوا بقرية درين في نبروه بالدقهلية    الخطيب يقود حملة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بالقليوبية    محافظ الإسكندرية: السيسي وجّه بإحياء «أبومينا».. والتطوير يشهد إشادة من اليونسكو    سياسات الأدب ومؤتمر ميلانو    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة للمنطقة الغربية    الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في السودان    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    الإسكان: تفاصيل طرح سكن لكل المصريين 7 غدا ومميزات المبادرة    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    أول رد من بيراميدز على تصريحات سويلم بشأن التلويح بخصم 6 نقاط    اتحاد الكرة يستقر على تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    لابورتا: لامين يامال مشروع نجم مختلف عن ميسي    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    بآلة حادّة.. شاب يقتل والدته جنوبي قنا    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    لتجنب الإصابات.. الزمالك يعيد صيانة ملاعب الناشئين بمقر النادي    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    حكومة بلجيكا تتفق على موقفها بشأن الوضع في قطاع غزة    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة وأصداء الصمت

للكاتب المسرحي الشاعر والناشط السياسي البريطاني هارولد بينتر الحائز علي جائزة نوبل في الآداب عبارة طريفة وعميقة يميز فيها بين نوعين من الصمت‏:‏ الصمت الناشئ عن عدم الكلام والصمت الناجم عن هدير من الكلمات والأصوات. التي تخفي تحتها لغة أخري سجينة, بحيث يكون مانسمعه مجرد دليل ومؤشر علي مالا نسمعه بالفعل, أي أن مانسمعه هو ستار من الدخان الكثيف الذي يحجب وراءه أهدافا قد تكون مدمرة أو عنيفة أو مراوغة أو خلاقة وبناءة, ولكنها قادرة في كل الأحوال علي أن تجبر الطرف الآخر علي أن يلزم مكانه ويعرف حدوده.
ويبدو أن كلا النوعين من الصمت كانا وراء ثورة52 يناير وأن الثائرين من الشباب أفلحوا في تطويعهما لتحقيق أهدافهم بدقة ومهارة, تكاد تصل إلي حد الحرفية التي أثارت إعجاب الجميع الذين فوجئوا باندلاعها علي غير توقع, رغم إحساسهم طيلة الوقت بأن شيئا ما سوف يحدث في وقت ما وإن لم يكن بالتأكيد هو الوقت الذي حدثت فيه بالفعل, وتركت العالم يلهث وهو يحاول متابعة احداثها المتوالية السريعة, وفهم أغوارها والتحقق من أهدافها, وكيف تم الإعداد لها ومن يقف وراءها واختراق ستار الصمت الذي انفجر فجأة عن ذلك الهدير من الأفعال وليس الكلمات أو الأصوات وبحيث جرفت أمامها كل شئ, وكسبت تقدير العالم الذي لم يكن يحلم بأن شيئا مثل هذا يمكن أن يصدر عن تلك الشريحة العمرية بالذات في المجتمع المصري بالذات, وفي ذلك التوقيت بالذات أيضا.
كان ذلك هو الصمت العقلاني الهادف الذي يعرف كيف يخطط ويفكر في النتائج قبل أن ينطق وينطلق نحو تحقيق هدفه, وهو تغيير نظام حكم كان يبدو متكاملا ومتجانسا وراسخا وواثقا من نفسه ومستهينا بكل ما عداه, ولكنه كان في الوقت ذاته غافلا عن خطورة لغة الصمت مع أنها جديرة بأن تبعث الرعب في قلوب الطغاة المستبدين لأنها تخفي وراءها حقيقة المشاعر المكبوتة والأفكار المعادية والمناوئة, في الوقت الذي يعمد فيه الحكم الاستبدادي إلي جمع أكبر قدر من المعلومات وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لاستغلالها في فرض سلطانه وهيمنته علي الآخرين. وليس من شك في أن الصمت سلاح من أقوي أسلحة الرفض والتمرد والاحتجاج ومناوأة نظم الحكم المتسلطة القاهرة وإن كان الغافلون لايدركون مدي خطورة ذلك السلاح ويركنون إلي الأخذ بمبدأ السكوت علامة الرضا.
كان ذلك الصمت العقلاني هو الأساس الأول الذي ارتكز عليه التخطيط للثورة, وكانت وسيلته الي تفعيل ذلك الصمت استخدام أسلحة صامتة لايكاد يسمع هسيسها أو همسها أو تتبع مصدرها أو توجهها ورسم خطاها رغم خطورة هذا الهمس أو الحديث الصامت الصاخب وكان هذا السلاح هو الإنترنت وشبكات التواصل مثل الفيس بوك وهي تكنولوجيات علمية حديثة لاتكاد الشرائح المتحكمة الشائخة تعرف عنها شيئا, أو تدرك مدي فاعليتها وخطورتها في تعبئة الرأي العام.
وقد كان صدي الصمت ذلك الشلال الهادر من الأفعال والتحركات والتجمعات التي فاجأت الجميع بما صاحبها من حسن السلوك, والالتزام بالقيم الاجتماعية والإنسانية الرفيعة, ولم يكن صدي ذلك الصمت النبيل الراقي شعارات زائفة تستنزف القوي والغليان المكتوم, وتتحول إلي فوضي تدميرية شاملة وهو ماسجله التاريخ الحي المعاصر لمصر الحضارة المتحضرة. وكانت تلك الأدوات والوسائل والاتفاقات والترتيبات الصامتة تتطلب وجود ثقافة معينة تتعامل معها بكفاءة, وتفرض نفسها في الوقت ذاته علي الآخرين.
وتجلت هذه الثقافة في سلوك وتصرفات وأخلاقيات الجموع الحاشدة النبيلة والمحترمة في مختلف ميادين المدن المصرية دون أن تكون هناك تعليمات صادرة من أية جهة أو هيئة تنظيمية محددة, فقد فرضت سياسة أو فلسفة الصمت وتكنولوجياتها الصامتة فهمها العميق لاهداف الثورة, وتوحيد الأفكار بطريقة تلقائية من خلال تبادل الرسائل عبر الانترنت, وتكوين رأي عام بين جماهير عريضة لاتعرف بعضها بعضا, وبغير ترتيبات مسبقة عن طريق التخاطب لاستشفاف الآراء عن بعد. كان الصمت هو صوت الثائرين.
وليس من شك في أن التطورات الحديثة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تتطلب إعادة النظر في مشكلة العلاقة بين التكنولوجيا واتخاذ القرار, فقد نتج عن هذه التكنولوحيات طهور مجالات ثقافية جديدة, وحدوث تغيرات جذرية في طبيعة هوية الإنسان وعلاقاته الاجتماعية, وقيام علاقات افتراضية بين جماعات افتراضية قد لاتتاح لها فرصة التلاقي في أي وقت من الأوقات, ولكنها تتعارف وتتقابل فكريا علي البعد وتوحد أفكارها وأهدافها في صمت شامل بعيدا عن أجهزة الرقابة التي تتربص لأي تفكير حر, وقد لعبت هذه التكنولوجيات دورا كبيرا ومؤثرا في نجاح ثورة52 يناير, وخلق إنسان جديد له نمط جديد من التفكير ونظرة جديدة إلي الحياة, وإلي دوره في هذه الحياة وتقديره الأمور.ولكن في مجتمع شديد التنوع اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وحضاريا مثل المجتمع المصري بملايينه التي تتجاوز الثمانين عددا وتنظيماته العديدة المتفاوتة والمتغايرة أشد التغاير نتيجة ظروف وأوضاع جغرافية وتاريخية وسياسية معقدة ليس هنا الآن مجال الخوض فيها أقول في مثل هذا المجتمع يصعب وجود نمط واحد من السلوك أو الأفكار أو حتي الاتفاق علي مجموعة صغيرة محددة من الآراء المتقاربة حتي وإن كان هناك اتفاق عام علي منظومة من القيم الاجتماعية الأساسية.
ولذا فليس من المستغرب أن تنسي أو تتناسي بعض فئات وشرائح المجتمع المعني الحقيقي والأبعاد الثقافية النبيلة لأهداف سياسة الصمت وأبعادها العقلانية الرشيدة التي تهدف الي التغيير الشامل الواعي لنظام الحكم ككل, فلا تري في الثورة سوي فرصة للنهب المنظم أو غير المنظم الذي يشيع الفوضي, ويتبني سياسة الصخب والصوت العالي. فالثورة بالنسبة لتلك الشرائح التي قد تضم أعدادا كبيرة من المتعلمين ولا أقول المثقفين فرصة متاحة للخروج علي القيم والأخلاق, وهدم التقاليد والقوانين والافتئات علي حقوق الآخرين وهكذا.
أليست هي ثورة؟ ثم أليس هناك شرعية ثورية رغم ما في هذه العبارة من تناقض يحتاج الي دراسة, ويستوي في ذلك من اصطلح علي تسميتهم أصحاب المطالب الفئوية, وقاطعي الطرق العامة ووسائل المواصلات احتجاجا علي بعض التعيينات التي لاتوافق أهواءهم, وأصحاب موقعة الجمل الشهيرة, والبلطجية الذين طاردوا بالحجارة إنسانا راقيا متحضرا مثل الدكتور البرادعي وغيرهم. فقد تختلف المطالب وتتنوع الأهواء ولكن طريقة التعبير واحدة وهي الصخب والزعيق والعنف والصدام كما أن النتيجة واحدة وهي التدمير والتخريب بدلا من البناء الخلاق المتعقل الذي تهدف إليه سياسة الصمت, وأصداؤها التي تتجسد في تغيير الأوضاع المتردية في مصر, وتغيير نظرة العالم إلي مصر وتغيير نظرة الإنسان المصري إلي ذاته وإلي وطنه وإلي العالم الذي يعيش فيه, ولكن هذا هو منطق الثورات في كل زمان ومكان, والعاقبة للعاملين الصامتين.
المزيد من مقالات د.أحمد ابوزيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.