يوفنتوس يستعيد لاعبه بعد غياب 550 يوما    لميس الحديدي تشيد بفيلم «الست» وتدعو الجمهور لمشاهدته    محافظ المنيا يشهد ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح في دورته الثالثة    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    خارجية كوبا تتهم لجنة نوبل بازدواجية المعايير    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    أوروبا.. تعاون مشروط وتحمل مسئولية الحماية    فلسطين.. استشهاد طفل برصاص الاحتلال في السيلة الحارثية غرب جنين    نائب وزير الصحة: الشائعات عن فيروس ماربورغ في مصر ليس لها أساس من الصحة    توروب: الشناوي وشوبير؟ لست هنا لأصنف الحراس.. وهذا موقفي من عبد الكريم وديانج    رئيس هيئة المتحف الكبير بعد تسرب مياه الأمطار للبهو العظيم: تمثال رمسيس فقط الموجود في المنطقة المفتوحة    الطفل المؤلف ندوة بمعرض جدة للكتاب    قلق وترقب حول الحالة الصحية لجليلة محمود بعد دخولها العناية المركزة    إصابة رئيس محكمة بعد انقلاب سيارته بطريق الإسكندرية الصحراوي    د.محمود مسلم عن استقبال السيسي لنتنياهو في القاهرة: مستحيل.. ومصر لن تقبل أي شيء على حساب الفلسطينيين    نائب وزير الصحة: نسبة الإصابات بكورونا لا تتجاوز ال 2% والإنفلونزا الأعلى 60%    خلال ساعات نتيجة كلية الشرطة 2025    طفل يلقي مصرعه خنقًاً.. ويُكشف عنه أثناء لعب أصدقائه بقرية اللوزي بالداقهلية    مصرع شاب تناول حبه غله سامة لمرورة بضائقة ماليه في العدوة بالمنيا    وفاة حداد إثر سقوط رأس سيارة نقل عليه بالدقهلية    محامي عروس المنوفية: إحالة القضية للجنايات.. ووصف الجريمة قتل مقترن بالإجهاض    العثور على جثمان تاجر مواشي داخل سيارته بالشرقية    تحويلات مرورية بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي بسبب كسر ماسورة مياه    إصابة سيدة بجرح في الرقبة خلال مشاجرة مع زوجها بعزبة نور الدين بالجمالية    رئيس أريتريا يزور ميناء جدة الإسلامي ويطّلع على أحدث التقنيات والخدمات التشغيلية    تراجع حاد في صادرات النفط الفنزويلية بعد مصادرة الناقلة والعقوبات الأمريكية    موسكو.. فرصة لضبط العلاقات    أخبار مصر اليوم: الاحتياطي الاستراتيجي من زيت الطعام يكفي 5.6 أشهر، بدء الصمت الانتخابي في 55 دائرة بجولة إعادة المرحلة الثانية من انتخابات النواب غدا، الصحة تكشف حقيقة انتشار متحور جديد    أخبار 24 ساعة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة عن شهر ديسمبر    الزراعة: التوعية وتغيير سلوكيات المجتمع مفتاح حل أزمة كلاب الشوارع    خالد لطيف ل ستوديو إكسترا: الكل مسئول عن تراجع الكرة المصرية    اتحاد الصناعات: الاقتصاد غير الرسمي يهدد التنمية ويثير المنافسة غير العادلة    وزراء رحلوا وسيرتهم العطرة تسبقهم    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا الموسم أكثر شراسة    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    محافظ المنيا يتابع مشروعات رصف الطرق ورفع كفاءة الشوارع    وزير العمل: الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يعيدان تشكيل خريطة الوظائف في مصر    الداخلية تعلن نتيجة القبول بكلية الشرطة غدًا    بعد رفض دعوى أهالي طوسون كما الوراق والعريش.. القضاء الإداري أداة اعتراض تحت صولجان السلطة التنفيذية    "الإسكان" تناقش استراتيجية التنقل النشط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومعهد سياسات النقل والتنمية    شعبة الدواجن: المنتجون يتعرضون لخسائر فادحة بسبب البيع بأقل من التكلفة    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    استعدادات مكثفة بمستشفى أبو النمرس تمهيداً لافتتاحه    الليجا على نار.. برشلونة يواجه أوساسونا في مواجهة حاسمة اليوم    بيراميدز أمام اختبار برازيلي ناري في كأس القارات للأندية.. تفاصيل المواجهة المرتقبة    محافظ أسيوط يفتح بوابة استثمارات هندية جديدة لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة وأصداء الصمت

للكاتب المسرحي الشاعر والناشط السياسي البريطاني هارولد بينتر الحائز علي جائزة نوبل في الآداب عبارة طريفة وعميقة يميز فيها بين نوعين من الصمت‏:‏ الصمت الناشئ عن عدم الكلام والصمت الناجم عن هدير من الكلمات والأصوات. التي تخفي تحتها لغة أخري سجينة, بحيث يكون مانسمعه مجرد دليل ومؤشر علي مالا نسمعه بالفعل, أي أن مانسمعه هو ستار من الدخان الكثيف الذي يحجب وراءه أهدافا قد تكون مدمرة أو عنيفة أو مراوغة أو خلاقة وبناءة, ولكنها قادرة في كل الأحوال علي أن تجبر الطرف الآخر علي أن يلزم مكانه ويعرف حدوده.
ويبدو أن كلا النوعين من الصمت كانا وراء ثورة52 يناير وأن الثائرين من الشباب أفلحوا في تطويعهما لتحقيق أهدافهم بدقة ومهارة, تكاد تصل إلي حد الحرفية التي أثارت إعجاب الجميع الذين فوجئوا باندلاعها علي غير توقع, رغم إحساسهم طيلة الوقت بأن شيئا ما سوف يحدث في وقت ما وإن لم يكن بالتأكيد هو الوقت الذي حدثت فيه بالفعل, وتركت العالم يلهث وهو يحاول متابعة احداثها المتوالية السريعة, وفهم أغوارها والتحقق من أهدافها, وكيف تم الإعداد لها ومن يقف وراءها واختراق ستار الصمت الذي انفجر فجأة عن ذلك الهدير من الأفعال وليس الكلمات أو الأصوات وبحيث جرفت أمامها كل شئ, وكسبت تقدير العالم الذي لم يكن يحلم بأن شيئا مثل هذا يمكن أن يصدر عن تلك الشريحة العمرية بالذات في المجتمع المصري بالذات, وفي ذلك التوقيت بالذات أيضا.
كان ذلك هو الصمت العقلاني الهادف الذي يعرف كيف يخطط ويفكر في النتائج قبل أن ينطق وينطلق نحو تحقيق هدفه, وهو تغيير نظام حكم كان يبدو متكاملا ومتجانسا وراسخا وواثقا من نفسه ومستهينا بكل ما عداه, ولكنه كان في الوقت ذاته غافلا عن خطورة لغة الصمت مع أنها جديرة بأن تبعث الرعب في قلوب الطغاة المستبدين لأنها تخفي وراءها حقيقة المشاعر المكبوتة والأفكار المعادية والمناوئة, في الوقت الذي يعمد فيه الحكم الاستبدادي إلي جمع أكبر قدر من المعلومات وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لاستغلالها في فرض سلطانه وهيمنته علي الآخرين. وليس من شك في أن الصمت سلاح من أقوي أسلحة الرفض والتمرد والاحتجاج ومناوأة نظم الحكم المتسلطة القاهرة وإن كان الغافلون لايدركون مدي خطورة ذلك السلاح ويركنون إلي الأخذ بمبدأ السكوت علامة الرضا.
كان ذلك الصمت العقلاني هو الأساس الأول الذي ارتكز عليه التخطيط للثورة, وكانت وسيلته الي تفعيل ذلك الصمت استخدام أسلحة صامتة لايكاد يسمع هسيسها أو همسها أو تتبع مصدرها أو توجهها ورسم خطاها رغم خطورة هذا الهمس أو الحديث الصامت الصاخب وكان هذا السلاح هو الإنترنت وشبكات التواصل مثل الفيس بوك وهي تكنولوجيات علمية حديثة لاتكاد الشرائح المتحكمة الشائخة تعرف عنها شيئا, أو تدرك مدي فاعليتها وخطورتها في تعبئة الرأي العام.
وقد كان صدي الصمت ذلك الشلال الهادر من الأفعال والتحركات والتجمعات التي فاجأت الجميع بما صاحبها من حسن السلوك, والالتزام بالقيم الاجتماعية والإنسانية الرفيعة, ولم يكن صدي ذلك الصمت النبيل الراقي شعارات زائفة تستنزف القوي والغليان المكتوم, وتتحول إلي فوضي تدميرية شاملة وهو ماسجله التاريخ الحي المعاصر لمصر الحضارة المتحضرة. وكانت تلك الأدوات والوسائل والاتفاقات والترتيبات الصامتة تتطلب وجود ثقافة معينة تتعامل معها بكفاءة, وتفرض نفسها في الوقت ذاته علي الآخرين.
وتجلت هذه الثقافة في سلوك وتصرفات وأخلاقيات الجموع الحاشدة النبيلة والمحترمة في مختلف ميادين المدن المصرية دون أن تكون هناك تعليمات صادرة من أية جهة أو هيئة تنظيمية محددة, فقد فرضت سياسة أو فلسفة الصمت وتكنولوجياتها الصامتة فهمها العميق لاهداف الثورة, وتوحيد الأفكار بطريقة تلقائية من خلال تبادل الرسائل عبر الانترنت, وتكوين رأي عام بين جماهير عريضة لاتعرف بعضها بعضا, وبغير ترتيبات مسبقة عن طريق التخاطب لاستشفاف الآراء عن بعد. كان الصمت هو صوت الثائرين.
وليس من شك في أن التطورات الحديثة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تتطلب إعادة النظر في مشكلة العلاقة بين التكنولوجيا واتخاذ القرار, فقد نتج عن هذه التكنولوحيات طهور مجالات ثقافية جديدة, وحدوث تغيرات جذرية في طبيعة هوية الإنسان وعلاقاته الاجتماعية, وقيام علاقات افتراضية بين جماعات افتراضية قد لاتتاح لها فرصة التلاقي في أي وقت من الأوقات, ولكنها تتعارف وتتقابل فكريا علي البعد وتوحد أفكارها وأهدافها في صمت شامل بعيدا عن أجهزة الرقابة التي تتربص لأي تفكير حر, وقد لعبت هذه التكنولوجيات دورا كبيرا ومؤثرا في نجاح ثورة52 يناير, وخلق إنسان جديد له نمط جديد من التفكير ونظرة جديدة إلي الحياة, وإلي دوره في هذه الحياة وتقديره الأمور.ولكن في مجتمع شديد التنوع اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وحضاريا مثل المجتمع المصري بملايينه التي تتجاوز الثمانين عددا وتنظيماته العديدة المتفاوتة والمتغايرة أشد التغاير نتيجة ظروف وأوضاع جغرافية وتاريخية وسياسية معقدة ليس هنا الآن مجال الخوض فيها أقول في مثل هذا المجتمع يصعب وجود نمط واحد من السلوك أو الأفكار أو حتي الاتفاق علي مجموعة صغيرة محددة من الآراء المتقاربة حتي وإن كان هناك اتفاق عام علي منظومة من القيم الاجتماعية الأساسية.
ولذا فليس من المستغرب أن تنسي أو تتناسي بعض فئات وشرائح المجتمع المعني الحقيقي والأبعاد الثقافية النبيلة لأهداف سياسة الصمت وأبعادها العقلانية الرشيدة التي تهدف الي التغيير الشامل الواعي لنظام الحكم ككل, فلا تري في الثورة سوي فرصة للنهب المنظم أو غير المنظم الذي يشيع الفوضي, ويتبني سياسة الصخب والصوت العالي. فالثورة بالنسبة لتلك الشرائح التي قد تضم أعدادا كبيرة من المتعلمين ولا أقول المثقفين فرصة متاحة للخروج علي القيم والأخلاق, وهدم التقاليد والقوانين والافتئات علي حقوق الآخرين وهكذا.
أليست هي ثورة؟ ثم أليس هناك شرعية ثورية رغم ما في هذه العبارة من تناقض يحتاج الي دراسة, ويستوي في ذلك من اصطلح علي تسميتهم أصحاب المطالب الفئوية, وقاطعي الطرق العامة ووسائل المواصلات احتجاجا علي بعض التعيينات التي لاتوافق أهواءهم, وأصحاب موقعة الجمل الشهيرة, والبلطجية الذين طاردوا بالحجارة إنسانا راقيا متحضرا مثل الدكتور البرادعي وغيرهم. فقد تختلف المطالب وتتنوع الأهواء ولكن طريقة التعبير واحدة وهي الصخب والزعيق والعنف والصدام كما أن النتيجة واحدة وهي التدمير والتخريب بدلا من البناء الخلاق المتعقل الذي تهدف إليه سياسة الصمت, وأصداؤها التي تتجسد في تغيير الأوضاع المتردية في مصر, وتغيير نظرة العالم إلي مصر وتغيير نظرة الإنسان المصري إلي ذاته وإلي وطنه وإلي العالم الذي يعيش فيه, ولكن هذا هو منطق الثورات في كل زمان ومكان, والعاقبة للعاملين الصامتين.
المزيد من مقالات د.أحمد ابوزيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.