"إسرائيل في نظر الجماعة مجرد كيان صهيوني مغتصب لأراضينا العربية والإسلامية المقدسة، قام على (الجماجم) والدماء، وسنعمل على إزالته مهما طال الزمن، هذه المسألة ثابت من ثوابت الجماعة وليست محل جدل أو نقاش" الجملة السابقة حرفيا كانت تصريحات محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين عام 2007 لصحيفة المصري اليوم. والجملة جاءت في سياق رد المرشد على التصريحات المثيرة للجدل وقتها والتي أدلي بها الدكتور عصام العريان القيادي البارز بجماعة الأخوان المسلمين والتي نشرتها جريدة الحياة اللندنية يوم 13 أكتوبر 2007 بأن: "الإخوان لو وصلوا إلى الحكم سيعترفون بإسرائيل، ويحترمون المعاهدات" على خلفية إعلان تولي المرشح الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر، أعتقد أنة ليس نوع من الترف السياسي فتح الملف الإسرائيلي الشائك الآن. أهمية التكهن بالخطوط العريضة لرؤية الإخوان المستقبلية في التعاطي مع الملف الإسرائيلي، لا تكمن فقط في كون الجماعة بحكم المنطق ستكون الفاعل الرئيسي في تحديد ملامح العلاقة على النظام المصري في الفترة القادمة، ولكن تكمن أهميتها أيضا – من وجهة نظري – في أن الإخوان لم يحسموا داخليا الكثير من الامور الخاصة بهذا الملف. فتصريحات العريان 2007، لاقت استهجان كبير داخل قيادات صفوف الجماعة وقتها. وبالفعل تم ممارسة نوع من الضغط الداخلي عليه لإجباره على التراجع عن تصريحاته.والنتيجة كانت هي أن العريان عاد ونفى بعدها بأيام قليلة التصريحات السابقة له وصرح لموقع إسلام أون لاين أنه كان يقصد.."إنه في حالة وصول الحزب المرتقب للإخوان إلى السلطة في مصر، فإنه سوف يتعامل بواقعية سياسية مع إسرائيل" وأضاف في التصريحات نفسها أن:"الحزب السياسي دائما يكون وضعه مختلفا، ويتعامل مع المعطيات القائمة بواقعية، بل إنه عادة ما يختلف موقف الحزب نفسه، وهو في المعارضة أو خارج السلطة، عن موقفه وهو في السلطة" نبوءة العريان التي اعتبرها إذا شيوخ الجماعة حينها نوع من الهرطقة تستوجب العقاب، يبدو أنها الأن تتحقق. فعصام العريان – الذي سطع نجمه مبكراً داخل صفوف الجماعة في السبعينيات، وقام بتمثيل الجماعة عام 1987 داخل البرلمان المصري عن دائرة إمبابة بمحافظة الجيزة، وكان أصغر أعضاء مجلس الشعب سناً حينها، والذي حمل تاريخيا الملف السياسي داخل صفوف الجماعة – كان يعي تماما ما قاله في 2007 بكل تأكيد. على عكس تصريحات عاكف 2007 ، الإخوان بالفعل مؤخراً أصبح: ليس لديهم "ما يمنع"من الالتزام ب"المعاهدة مع إسرائيل"بنص تصريحات الدكتور عبد الموجود راجح الدرديري عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان في مصر بقناة (CNN) الأمريكية في رسالة "مطمئنة" على خلفية الزيارة التي قام بها الحزب لواشنطون، والخبر منشور على موقع إخوان أون لاين الناطق الرسمي بإسم الجماعة بتاريخ 4 أبريل 2012. الخطاب الرسمي الأول لمرسي كرئيس للجمهورية حمل رسائل ضمنية يمكن ترجمتها في هذا السياق عندما قال: ".. سنحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية -لقد جئنا للعالم برسالة سلام- والالتزامات والاتفاقيات المصرية مع العالم كله.." وفي نفس السياق، المهندس خيرت الشاطر – الذي دفعت به جماعة الاخوان المسلمين كمرشح "أساسي" رسمي لها للمنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية قبل الدكتور مرسي – عندما سُئل عن مسألة اعتراف الاخوان بدولة إسرائيل في أول لقاء تليفزيوني له كمرشح رئاسي على قناة المحور المصرية يوم 9 أبريل 2012 مع الاعلامي عمرو الليثي لم ينف بشكل قاطع عدم اعتراف الجماعة بدولة إسرائيل ولم يؤكد على أن هذه المسألة من ثوابت الجماعة. وصرح بعد مراوغات كثيرة أن النظام السياسي المصري.."معترف بإسرائيل بغض النظر عن مكوناته وأفراده"، والكلام للشاطر. "خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود" هكذا – على النقيض تماما – يهتف و يردد نشء (أشبال) الإخوان المسلمين في معسكراتهم التربوية، فإسرائيل في أدبيات ومناهج التربية الإخوانية هي مسألة عقائدية تتعلق بالحلال والحرام أكثر من كونها موقف سياسي للجماعة يخضع لحسابات المكسب والخسارة. الاقتراب من هذه المسألة حتي على سبيل التلميح أو المناورة أو التكتيك غير مسموح به على الإطلاق طبقا للعقيدة الأصلية لجماعة الاخوان المسلمين، وبالتالي فمن وقع فيها فقد وقع في الحرام! رشاد البيومي، عضو مكتب الإرشاد بالجماعة علق على تصريحات العريان 2007 في وقتها لجريدة المصري اليوم وأكد أن: "الإخوان لا يمكن لهم أن يساوموا على أحد ثوابت الجماعة والأمة الإسلامية، ولن يعترف أحد بإسرائيل داخل الجماعة، لأن هذا الاعتراف حرام شرعا" وفي محاولة لإحتواء الموقف ومنعه من التفاقم، صرح وقتها عبد الحليم الغزالي المستشار السياسي للمرشد العام السابق مهدي عاكف وقال: "إن مسألة الاعتراف سابقة لأوانها" يقصد الاعتراف بدولة إسرائيل. البعض رأي وقتها في تصريحات الغزالي أنها أخطر من تصريحات العريان نفسها، لأن هذه التصريحات معناها ضمنيا أن الاعتراف آت لا محالة، وأن هذه سوف تكون بداية خروج الجماعة على "ثوابتها" بل وعلى ثوابت الشرعية والوطنية من وجهة نظرهم، مدللين على ذلك بأنه لا يخفى على الجميع أليات العمل داخل الجماعة، وأن من يخطئ في نظر الإخوان تنظيميا أو فكريا يتم اتخاذ قرار إداري بشأنه وبشكل فوري أيأ كان موقعه داخل الجماعة. ولعل موقف الجماعة من رفيق درب العريان، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مازال حاضراً في الأذهان – فما بالك في من أخطأ في أمر يخص "عقيدة ودين الإخوان". المشهد يبدو الآن هزليا نوعاً ما، فجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا لمناهضة المشروع الامبريالي التوسعي الغربي في بلاد المشرق، على أثار سقوط دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، تبدو اليوم وكأنها سيتم إحتوائها لتصبح جزء لا يتجزأ من النظام العالمي الجديد. كل قرار سوف تتخذه جماعة الإخوان في هذا الشأن في الايام القليلة القادمة له كلفته الخاصة التي تتضمن في نفس الوقت القيام بالتضحية كليا بالبديل الأخر والمنافع المرجوة منه، او كما يسميها أهل الاقتصاد "تكلفة الفرصة البديلة" (Opportunity Cost). بعبارة أخرى فالجماعة أمام اختيار النزول إلى أرض الواقع السياسي المصري والاقليمي الحالي أو "الواقعية السياسية" بلفظ العريان، ويعني في نفس الوقت أنها يجب أن تتجاوز بلا رجعة عن مسألة "الحلال والحرام" و"التأصيل الفقهي الشرعي" لكل قرار سياسي تتخذه قيادات الجماعة وجعل المسألة خاضعة فقط للتقدير السياسي المرحلي المرتبط شرطيا بالظرف الوقتي وحسابات المكسب والخسارة مع مراعاة وضع بعض الضوابط العامة الحاكمة غير المتعارضة مع "الثوابت الفكرية للجماعة". أما إذا كان الإطار الفكري للجماعة صلب لا يسمح مطلقا بهذه المرونة من حيث المبدأ العام. فيلزم على قيادات الجماعة إعلان ذلك للرأي العام بكل شفافية ووضوح والتوقف عن استخدام عبارات مطاطية ك "مصلحة الدعوة" و "فقه الاولويات" و "ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع" وذلك لتبرير كل قرار سياسي مغاير لمنهج الجماعة المعلن، والإذعان التام فكرياً لسيد قطب الذي قال: " إن كلمة (مصلحة الدعوة) يجب أن ترتفع من قاموس أصحاب الدعوات، لأنها مذلة، ومدخل للشيطان.." وأن "..الله أعرف منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين. إنما هم مكلفون بأمر واحد.. ألا ينحرفوا عن المنهج، وألا يحيدوا عن الطريق..." من كلام سيد قطب من كتاب في ظلال القرآن (4/2435). الشاهد هنا ان مسألة كمسألة الاعتراف بدولة إسرائيل التي اعتبرتها قيادات الجماعة "حرام شرعا" وثابت من الثوابت وقت أن كانت تطرح نفسها للشعب المصري كبديل سياسي عن النظام "الحليف للغرب" القائم وقتها، واعتبرتها الأن وهي على أعتاب السلطة "مسألة فيها قول ويحتمل فيها الخلاف"، وغيرها من المواقف والقرارات المتناقضة للجماعة في الفترة الأخيرة يجب أن تشكل نقطة مراجعة للإطار الفكري الحركي للجماعة. فهل نتوقع من قيادات الجماعة انتهاز الظرف الحالي واعتباره فرصة سانحة لبدء سلسلة من المراجعات والمصارحات الفكرية لجماعة الاخوان المسلمين لرسم رؤية للمستقبل كما قامت بذلك من قبل في السبعينيات عندما أعادت كتابة وترتيب أوراقها المختلطة، وأكدت بوضوح على إسقاط فكرة التنظيم الخاص، ونبذ العنف بشكل نهائي والقبول بتبني النظام الديموقراطي كوسيلة ونظام للحكم وما تبعه من الانخراط الفعلي في العمل العالم وبدء المنافسة السياسية في الثمانينيات والتسعينيات على مقاعد البرلمان والنقابات، الأمر الذي أفرز مؤخراً عن تصدر الجماعة المشهد السياسي في مصر. أعتقد أن ذلك يتوقف على مدى رغبة جماعة الإخوان المسلمين الحقيقية في الإصلاح الداخلي. كريم السداوي القاهرة، 27 – 6 – 2012 http://twitter.com/kelsedawy