إن الاختلاف هو طبيعة الكون، واختلاف البشر وضع صحي، وعندما نعرف ونتفهم طبيعة هذه الاختلافات نقلل من كم الإحباطات التي نشعر بها، فلماذا نتوقع أن يكون الطرف الآخر شبيهاً لنا، وأن يشعر بما نشعر به، ويفهم ما نفهمه، وأن يتحدث مثلنا، وأن تكون ردة فعله كما نريد؟ إن الصراع يولد بين النفوس إلا أن الضغط النفسي ينتج من عدم فهمنا لبعضنا، فكل منا له أسلوبه وطريقه تفكيره.. يستوعب.. يستجيب.. يحب.. يعبر.. يفهم ويدرك بأسلوب مختلف عن الآخر. لقد فقدنا لغة الحوار، وحل التراشق والتلاعب بالألفاظ، والجدل بدل التفاهم، ووصلنا في وقتنا الحالي إلى مرحلة أصبحنا نسير فيها كقنبلة موقوتة في أي لحظة قد تنفجر، قد يكون رأينا صحيحاً ولكن أسلوبنا خطأ، ونحاول أن نغير الشخص الذي أمامنا بدلاً من أن نغير من أنفسنا، مع الأسف كثيراً ما نكتشف بعد انتهاء الحوار أننا لم نفهم جيداً ما قصده الآخر، أو أننا استعجلنا في الفهم وتسرعنا بالانفعال، ولو فهمنا لعذرنا ولكانت ردة فعلنا أقل اندفاعاً وأكثر عقلانية، وستهدأ حالة الغضب التي تنتابنا، وسنصبح أكثر تسامحاً وصفحاً، ولكن متى نصل إلى هذه المرحلة من الرقي في الفهم، والتعايش بسلام، من وجهة نظري أرى أن ذلك يتحقق عندما نعبر عن مشاعرنا بصدق، ونفسر ظروفنا ونشرح ما نقصده، فنحن غالباً لا نهتم بتوضيح أفكارنا؛ لذا يسيء من حولنا فهمنا، ويتعاملون معنا على أساس ما فهموه، ولا بد أن نمنح الآخرين الفرصة في إبداء وجهات نظرهم، حتى لو لم تعجبنا، وأن نعطيهم وقتاً كافياً للمناقشة والتفكير، وبعدها نقبل أو نرفض، فكل رأي لا بد أن يكون قابلاً للنقاش بصرف النظر عن القرار النهائي، وهناك الكثير من التصرفات الإيجابية التي نستطيع من خلالها أن نشعر الطرف الآخر بالرضا، وبأن رأيه جدير بالاهتمام والاحترام، حتى لو اختلفنا معه، فمحاولة التوفيق توصلنا إلى نقطة الالتقاء معاً في منتصف الطريق، هذا لو تعلمنا احترام وجهات النظر، وبدأنا بنقاط الاتفاق قبل نقاط الاختلاف لجنبنا أنفسنا الكثير من الخلافات. دعونا بكل صدق وأمانة نصارح أنفسنا، هل نختار الوقت المناسب وقبلها العبارة المناسبة؟ وهل نحسن الظن قبل قول رأينا؟ وهل نحن متأكدون عندما نتكلم أن الآخر قد سمع وفهم ما نعنيه، قبل أن نستفزه بكلمات تساهم في ثورته؟ فقد يكون سمعنا ولكن لم يفهمنا، أو سمعنا وفهمنا بشكل خاطئ، وهل نعرف بأن التحدث بعبارات تحتمل أكثر من معنى ومعنى من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى سوء التواصل؟ هل نعبر عن مشاعر الحب والود أم نخفيها حتى لا نظهر ضعفنا أمام الآخر؟ فالاختلاف بين البشر حقيقة فطرية، والتعددية بين البشر قضية واقعية، وآلية تعامل الإنسان مع هذه القضية هي الحوار، الذي يتم من خلاله توظيف الاختلاف وترشيده، بحيث يقود أطرافه إلى فريضة التعارف، ويجّنبهم مخاطر الشقاق والتفرق..