إذا سألنا مجموعة عشوائية عن الحقيقة وراء أمر ما فمن الطبيعى أن كل فرد سيكون له رأى و وجهه نظر و حقيقة مختلفة , و سيستطيع كل فرد أن يقدم الأدلة و البراهين التى تؤكد رأيه و تثبت أنه هو الذى يقول الحقيقة و الصواب و هذا ليس ناتج عن أراده بالتظاهر أنه هو الأحق بالمعرفة ولا يستعمل الأكاذيب ليثبت ذلك . و إنما هو ناتج عن قناعته الداخلية بأنه حقا على صواب !! لهذا تباينت الأراء حول حقيقة الحقيقة !! و اختلفت وجهات النظر حول ما هو حقيقى و ما هو وهمى و باطل , بالنسبه لى الأمر أكبر من مجرد أختلاف وجهات نظر و اختلاف اراء , و أنما الأمر له علاقة بمدى أستيعابنا نحن البشر على فهم وجود هذا الأختلاف !! وهذا الأمر لم تستطع معظم العقول استيعابة بعد! هل نحن فى حقيقة الأمر نؤمن بهذا الأختلاف ؟ و هل حتى من يظنون أنهم يحترمون الرأى الأخر يفعلون هذا ؟ لا أظن ذلك ! نحن كبشر دائما كل منا يتمسك بوجهه نظره ولا يسمح بوجود من يشكك فى هذا الأمر . نحتاج إلى أن يكون لكل فرد منا عالم خاص به حتى لا نجد من يقول لنا أننا مخطئون , حتى يستطيع كل فرد أن يفرض وجهه نظره على نفسه ولا يصبح مضطرا للنقاش مع أحد حول حقيقة صدق ما يظنه من خطأه ., فى كل الأحوال نحن لا نقبل أن يواجهنا أحد بأخطائنا حتى إذا أظهرنا غير ذلك , حتى إذا قلنا أننا متفهمين لهذا الأمر و أننا نقبل كل الأراء و لكن فى الحقيقه نحن لا نفعل ذلك , بل نكٌون داخل أنفسنا صورة وهمية أننا نقول الحقيقة و الطرف الأخر هو من لا يستطيع الفهم .. و دائما توجد المبررات !! سيقول البعض و لكنى أتقبل وجهات النظر الأخرى بالفعل و أحترم كل الأراء , ولكنى للأسف لا أعتقد هذا ! فبالرغم من قولنا هذا إلا أننا نتقبل هذا الأمر ظاهرياً فقط لكن فى داخلنا نستمر فى نقد الطرف الأخر و نستمر فى الأستغراب كيف يفكر هكذا , و ربما نتهم هذا الطرف أنه قليل الفهم لأنه لم يستوعب رأينا !! ربما لأن هذه طبيعتنا كبشر فلا مشكلة من النقد فهذا أمر طبيعى , لكن المشكلة هل يتوقف النقد عند مجرد النقد , أم يتحول إلى رده فعل و اتخاذ موقف تجاه الطرف الأخر ؟؟! وأعتقد أنه فى أغلب الأحيان يتحول هذا الموقف إلى رد فعل سلبى تجاه الطرف الأخر , و بتراكم ردود الأفعال و اتخاذ المواقف المترتبة على رفض الرأى الأخر و نقده داخلياً نتحول إلى أشخاص نتمتع بالأنانيه الفكرية , و يتغير أسلوبنا من مجرد عرض لوجهات النظر إلى فرض للأراء , و نذهب وراء كل الأساليب لفرض الفكرة التى نعتبرها حقيقة بالنسبه لنا على كل من حولنا و فى ظل وجود مجتمعات كسولة حتى فى أستخدام عقلها يصبح هذا الأمر يسيرعلى من يريد فرض نفوذه و أفكاره . ثم يبدأ الصراع حول من يستطيع فرض أفكاره و الدندنه بأنه يعرف الحقيقة و بين أخر يرى أيضا أنه هو الذى على حق وينسج كل منهم شباكة على المجموعة التى فضلت عدم وضع وجهات نظر لها حيث اعتادت وجود من يفكر بالنيابه عنها !. على كل حال إذا كنا جميعاً نفكر بمثل تلك الطريقة التسلطية و أراد كل شخص فرض رأيه هو فقط لزاد الصراع بسبب زياده الأشخاص التى تريد السيطره الفكرية !! و إذا أردنا التأكيد على ما أقول فى مجتمعنا الحالى و ما يحدث حالياً لوجدناه أقرب إلى الصحيح , حيث أصبحنا عبارة عن فرق مختلفة كل فرقة مؤمنة أنها على حق و أن البقاء سيكون لها , و يقدم كل فريق كل الأدله و البراهين على صدق كلامة و كذب الأخر . فلمن يكون البقاء الأعظم ؟ و من الذى بالفعل يمتلك الحقيقة؟؟ كل فريق لديه القناعة الداخلية القوية بأنه هو الأصح ويبذل كل ما فى وسعه لكشف بطلان الفريق الأخر . و إذا ظللنا هكذا كل منا يريد لنفسه فقط الحق فى التفكير و كل منا متمسك بوجهه نظره بغض النظر عن هى صحيحة أم لا و يريد أن يمحو الطرف الأخر من الحياة , بدون تفكير أن هناك حقيقة واحدة غيبية مخفية عنا كبشر ولا يعلمها سوى من يتحكم فى هذا الكون. سنظل فى صراع فكرى إلى أن ينتهى العالم و لن نعرف أيضاً من الذى كان على صواب !! و ربما الحقيقة المعروفة حتى الأن أننا نحن البشر سنظل فى صراع دائم إلى نهاية البشرية و سيظل كل منا متمسك بتعصبة تجاه أفكاره حتى أخر الزمان . ولكن بوجود العقل و وجود ما يسمى الأتزان الفكرى ربما نستطيع أن نتحكم قليلا فى أنفسنا و ندرك مسأله حقيقة وجود الأختلاف .. و هناك فرق بين اختلاف وجهات النظر و بين ردود الأفعال المترتبه على هذا الأختلاف . فالأختلاف ربما من الممكن السيطره عليه لكن عندما يتحول إلى رده فعل فهذه المشكلة . عندما نقوم بإيذاء الطرف الأخر فهذا لا يدخل تحت بند الأختلاف و وجهات النظر و أنما يسمى تخلف فكرى و تشرد بشرى ! فعندما نتعرض لمن يختلف معنا فكريا و نؤذيه جسدياً فيجب أن نخرج من مسميات الأنسانية. و بما أن العنف لا يولد إلا العنف و بما أننا بدأنا بإيذاء بعضنا البعض لأختلاف ارائنا فلقد تحول الصراع إلى صراع أكبر .. فيجب علينا التوقف عن هذا الصراع و نحرر عقولنا من التشدد و التعصب و سيكون هذا أفضل بكثير من بقائنا فى هذا القاع العميق من الجمود الفكرى . و يمكننا أن نستوعب حقيقة وجود هذا الأختلاف إذا نظرنا إلى حقيقتنا البشرية و أدركنا طبيعتها و تقبلنا واقع الأختلاف واتجهنا إلى النقد الذى يصلح بدلاً من هذا النقد القاتل .....