الشروط المطلوبة ومسؤوليات الوظائف وطريقة التقديم في بنكي القاهرة وقناة السويس    حازم الجندي: لقاء مدبولي ونظيره الياباني يؤسس لشراكة استراتيجية متكاملة    الأقصر تنهى الاستعداد لجولة إعادة انتخابات الشيوخ 2025    استمرار فعاليات برنامج التبادل الطلابي بكلية الطب جامعة حلوان    الجالية المصرية بفرنسا: نقف صفا واحدا لمواجهة أي محاولات تستهدف مصر    بمشاركة 33 شركة.. انطلاق مبادرة «سلامتك تهمنا» في الإسكندرية    البورصة المصرية تربح 8 مليارات جنيه في ختام تعاملات الأحد    وزير البترول يبحث مع «إيناب» التشيلية التعاون في قطاع التعدين    بنك saib يمول مشروع «تاج تاور» العاصمة الادارية بقيمة 4.8 مليار جنيه    «مرسى مطروح» تحذر المواطنين من التعامل مع العقارات المخالفة    لمدة 21 ساعة.. انقطاع المياه عن بعض المناطق بالقليوبية (تفاصيل)    سلامة الغذاء: 77 جولة متابعة على مصانع إنتاج المغلفات الطبيعية الحيوانية خلال أسبوع    تراجع أسعار سيارات إم جي وان موديل 2026 بقيمة 120 ألف جنيه    وزير الدفاع: الحفاظ على الاستعداد القتالي هو الضمان الحقيقي لأمن واستقرار الوطن    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني تطورات الأوضاع في قطاع غزة    نتنياهو يدعو الكابينت الأمني والسياسي لاجتماع موسع الثلاثاء    تحليل إخباري: انقسام درزي حول تشكيل جيش درزي مدعوم من إسرائيل في السويداء السورية    كرة طائرة.. منتخب مصر يسقط أمام هولندا في بطولة العالم للسيدات    بيشيشوا | شيكابالا يكشف كواليس خسارة الزمالك نهائي دوري أبطال إفريقيا 2016    القادسية الكويتي يعلن ضم محمود كهربا في صفقة انتقال حر    بسبب ريال مدريد.. بيدري يشكك في ذمة حكم مباراة برشلونة    بعد 3 مباريات.. سون يفتتح أهدافه بالدوري الأمريكي    بعد تصريحات شيكابالا.. أيمن يونس: الأساطير تكبر بكلامها ولا تُفشي أسرار الغرف المغلقة    ضبط 116 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    البنك الزراعي المصري يكرم أوائل الثانوية العامة    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين إثر حادث سيارة نقل موتى بمدخل مصيف بلطيم    عائشة تحقق حلم الطب.. نهاية سعيدة لقصة تلاعب إلكتروني كادت تسرق المستقبل    الإعدام للمتهم بقتل شقيقته في الجيزة: رفضت الزواج وأرادت العودة لطليقها    خلال ممارسته كرة القدم| وفاة الفنان بهاء الخطيب عن عمر يناهز 41 عامًا    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يطلق ورشة عصام السيد لتأهيل موجهي المسرح المدرسي    تامر حسني والشامي يحييان سهرة استثنائية ضمن "ليالي مراسي"| فيديو    «مش بس في الفلوس».. 6 أبراج طماعة وجشعة (تعرف عليها)    جيل ألفا.. برنامج جديد لأعمار تحت العشرين على شاشة التليفزيون المصري    «هطلّع منه كلام مقالوش».. ميدو: «نفسي أستضيف الخطيب في برنامجي»    محافظ أسوان يتابع منظومة التأمين الصحي الشامل بمستشفى المسلة التخصصي    الرعاية الصحية وسلامة الغذاء تبحثان توحيد السياسات الغذائية داخل منشآت التأمين الشامل    وزارة الصحة تعلن قرارا مهما بشأن صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية    انطلاق جراحات إصلاح عيوب الشبكية بمستشفى المقطم تحت مظلة «التأمين الصحى»    شيكابالا يتحدث عن.. أمنية تدريب الزمالك.. إعجابه بديانج.. ونهائي أفريقيا 2016    التنكيل بالضفة... حملات اعتقالات واقتحامات إسرائيلية واسعة فى الضفة الغربية    ريال أوفييدو ضد الريال.. فينيسيوس يعانى تهديفيا خارج الديار    قوافل المحافظات.. استخراج 8654 بطاقة رقم قومي و38 ألف خدمة مميكنة    ضبط عاطل وزوجته سرقا خاتم ذهبى من محل صاغة فى القليوبية    مدير القوافل الطبية: نستهدف الأماكن البعيدة عن المستشفيات والخدمات مجانية    اليونيسف: الأطفال والرضع فى غزة يمرضون ويموتون جوعا    "ادعولها يا جماعة".. مصطفى قمر يدعم أنغام بسبب أزمتها الصحية    يسري جبر: هذا جزاء من يتقن عمله    هل تعليق الصور على الحائط حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    "مباراة عادية".. المصري هيثم حسن يتحدث عن مواجهة ريال مدريد في الدوري الإسباني    وكيل عربية النواب: حملات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة للتغطية على جرائم الاحتلال    وزير الدفاع يلتقي عدد من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    الأرصاد: استمرار ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. وهذا موعد التحسن    جرائم الإخوان لا تسقط بالتقادم    تراجع أسعار الدواجن والطيور الحية اليوم الأحد فى أسواق الإسماعيلية    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    فى حفل توزيع جوائز نقابة مديرى المواقع الدولية LMGI.. المديرة التنفيذية لرابطة مفوضي الأفلام الدولية AFCI: لجنة مصر للأفلام حققت المستحيل بتصوير Fountain of Youth بالهرم مستخدمة هيلوكوبتر وسط مطاردات بالأسلحة    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاتن الحياة وشرورها على هيئة امرأة
نشر في البداية الجديدة يوم 25 - 07 - 2015

أسطورة الأزل، فتنة لا تقاوم، إغراء فاق التصور، كتلة هائلة من الجمال الذي يعجز البشري عن مقاومته فوقع في فخ المحظور، تائهة في البرية، غزالة تغوي كل من رآها، لا تقوى عينا المرء على إبعاد ناظريه وقلبه عنها، الخطيئة الأولى كما يسميها البعض، وحالة الحب الأزلية كما يراها آخرون، شيطانة في هيئة امرأة، براءة في خبث أنثى، سيل من عبق الجاذبية يسري في أوصالها فتغري كل من وقعت عيناها عليه ويفتتن بها كل من اشتم رحيق عطرها الآسر، نعم إنها ليليث، رمز الجمال والأنوثة الصارخ، هي الشماعة التي يعلق عليها الخطاؤون ذنوبهم، هل حقاً هي السبب؟ لماذا يحتاج آدم دائماً إلى ليليث ليلقي بثقل معاصيه عليها؟ ولكن ألا تستحق بالنتيجة أن يكتوي آدم بنارها..؟
انشغل البشر منذ الأزل وانهمكوا بتشخيص طبيعة هذا المخلوق الأسطوري، فنسجوا القصص الخيالية عنها وشاعت الروايات، اختلفوا حول توصيفها وتاريخ خلقها وأفعالها، وحتى على تحديد اسم لها، ابتدأ ذلك السومريون فأطلقوا عليها اسم «ليليتو» باللغة الأكَّادية، ليلحق بهم العبرانيون فأسموها «ليليث» باللغة العبرية، ثم جاء العرب باسم «ليل» باللغة العربية، وجميع تلك الأسماء مشتقة من معنى الظلام بوصفها أنثى ليلية.
جسَّد السومريون ليليث للمرة الأولى في الألفية الثالثة قبل الميلاد، فجعلوا منها شيطانة محركة للرياح أو ما عُرف باسم «ليليتو» آلهة الريح الحارة التي ترافق العواصف فتجلب معها المرض وتسبب وفاة النساء أثناء الولادة وحمى النفاس، جرى اكتشاف أول ظهور لاسم ليليتو على قرص طيني سومري يعود تاريخه إلى نحو عام 2000 ق. م، وتقول الأسطورة إن الإله أمر بخلق شجرة صفصاف في مدينة أورك في بلاد الرافدين، كبرت الشجرة وسكن تنين في جذورها مع طائر عملاق مخيف، في حين عاشت ليليث في جذعها، وأن الملك السومري جلجامش قام بقتل التنين واقتلاع الشجرة، لكن ليليث تمكنت من الهرب مع الطائر إلى الغابات، وذكرت الأساطير السومرية أن ليليث كانت تجوب الطرقات ليلاً لتفتن الرجال وتجلبهم إلى المعبد لممارسة الطقوس المقدسة للخصوبة.
كما اكتشف أيضاً اسم ليليث محفوراً عند الحضارات اللاحقة على الرُقم والنقوش في الآثار البابلية والآراميّة، وكان ذلك خلال الألفية الثانية والأولى قبل الميلاد، ليظهر مجدداً اسم ليليث في القرن السابع قبل الميلاد في الأساطير العبرية والكتب اليهودية، وقد وردت قصتها في الكتاب المقدس «العهد القديم» في الإصحاح الأول والثاني من سفر التكوين الذي يروي بداية الخلق، وكان مفاده أن ليليث خلقها الله لتكون شريكة لآدم زوجة أولى له قبل حواء، إلا أنها تمردت على آدم وأبت الخضوع له فهجرته وهربت من جنة عدن إلى الأرض، لترتبط بالشيطان وتلد منه مئات الأولاد، اشتكى آدم إلى الله، فأرسل لها ثلاثة ملائكة لإقناعها بالرجوع أو قتلها، لكنها رفضت فحُكِم عليها بأن تصير عاقراً وأن يموت مئة من أولادها كل يوم، فدفعها ذلك للانتقام من ذرية آدم وحواء بأن تقوم بدورها بقتل أطفالهم، وهذا ما جعل النساء في العصور القديمة يضعن أنواعاً من الصيغ السحرية وتعويذات منقوش عليها أسماء هؤلاء الملائكة ليكفّوا بلاء ليليث عنهن، وهي مستوحاة من تقاليد مذهب الكابالا، كما وصفت في الكتاب المقدس بأنها بارعة الجمال والذكاء وشديدة الإغراء، تملك أجنحة ومخالب وأنها الأفعى التي أغوت آدم وحواء لأكل التفاح من الشجرة المحرمة. كما تم ذكرها في العهد القديم أيضاً في كتاب الرسل- إشعيا في الإصحاح 34، فقال إنها ستجد مأوى ومستقراً للراحة في منطقة «آدوم»، الواقعة بين جنوب فلسطين وخليج العقبة، بعد أن تتحول إلى كتلة نارية ومكان مقفر ويعمُّها الدمار والخراب، ووصف ليليث بأنها خراب العالم.
استمر الجدل والنقاش بخصوص فكرة ليليث إلى عصرنا الحديث، فجرى تجسيد ليليث وسرد قصتها بأشكال متعددة في الأعمال الأدبية العالمية، وتم تصويرها بأنها المرأة الشهوانية المتمردة والثائرة التي تصر على حقها في الحرية واللذة والمساواة مع الرجل المستبد الذي يعمل على فرض سلطانه عليها، ففي عام 1667م كانت الملحمة الشعرية «الفردوس المفقود للكاتب الإنكليزي جون ميلتون، التي تدور حول هبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض، وجسدت ليليث في هذه الملحمة أحد أدوار البطولة لكونها الأفعى الساحرة التي أبدعت بإغواء آدم وحواء، كما استحضرها الأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو عام 1886 في كتاب «نهاية الشيطان» مصوراً إياها بمظهر قبيح على أنها مصاصة دماء مرعبة ووصفها بامرأة الظلام والروح السوداء للعالم، وأيضاً تناولها الشاعر والرسام الإنكليزي دانتي غابريال روسيتي في الفترة ما بين عام 1870 و1880، فأظهر ليليث على أنها جنيّة خالدة مغوية وساحرة بجمالها الفتان المدمر للرجال حيث تقودهم إلى ضياعهم بكل سرور، ويقعون ضحايا يشباكها من دون اهتدائهم لسبيل النجاة من شعرها الطويل الذي يلتف حول أعناقهم كما الأفعى.
انحسرت أسطورة ليليث- بشكلها الدارج- على أنها رمز للغواية والشر المطلق مع بداية خروج أوروبا من حقبة الظلام، لتصبح ليليث في عصرنا الحديث رمزاً لتحرر المرأة وتخلصها من سيطرة الرجل وانعتاقها من هيمنته وسلطته، وبات اسمها وصورتها الافتراضية رمزاً للكثير من الجمعيات والمجلات النسائية حول العالم الداعية للتحرر، وجرى تسويق فكرة أن ليليث تفوقت على آدم بالذكاء وهو ما دفعها للسأم منه وهجره طوعاً، تعبيراً عن رفضها أن تكون مجرد أم وزوجة ينحسر دورها بخدمة الرجل وتلبية احتياجاته بالشكل التقليدي.
وإن تأملنا الطبيعة البشرية من دون تزييف ولا طمس للحقيقة، فسوف ندرك أن ليليث مازالت تمكث في تكوين جميع النساء من دون استثناء، مناصفة ومشاركة مع خليفتها حواء، سنجد في شخصية كل امرأة جانباً ينتمي إلى طباع ليليث بأنوثتها الطاغية وذكائها المبدع وقوة شخصيتها وكبريائها وشموخها وسحرها الذي لا يقوى رجلٌ على مقاومته ودرء خطره، كما سنجد في نصفها الآخر صفات حواء التي تميل للاستكانة والشعور بالطمأنينة والاتكاء على رجل تستنجد به وتأوي إليه حين تواجهها مصاعب تقف أمامها عاجزة عن تدبر أمرها، وفي المقابل نرى ذاك الرجل الذي يبحث عن ليليث وعن حواء ويحلم بالعثور على المرأة التي تملك القدرة على جمع صفات ليليث وحواء بشكل صارخ في آن معاً، وهو أشبه بالأمر المستحيل، ففي أغلب الأحيان تطغى صفات إحدى المرأتين على الأخرى بنسب متفاوتة، ولعل ذلك ما يبرر للرجل قدرته على الجمع بين حب امرأتين في آن واحد، فنراه عاشقاً لحواء الغالبة على إحداهن، ومفتوناً بشخصية ليليث المتجسِّدة في المرأة الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.