لاحظ على الأطفال العاديين أنهم يُعبرون في رسوماتهم أحياناُ عن أشكال اللعب فيختار كل منهم الشكل الذي يروقه و ينبعث ذلك من الطفل ليرضي حاجاته حيناُ أو لمواجهة بعض المواقف الخاصة أحياناُ أخرى . و هو نشاط يحتاجه الطفل لتنمية قدراته الذهنية و تطوير أفكاره و إثراء خياله و إثراء معرفته. فالتعبير الفني للطفل العادي يشبه اللعب الإيهامي الذي يُعبر فيه الطفل عن الأشياء المحيطة به ، و هي في الغالب أشياء ملموسة - ذات طابع واقعي - يحدثها وفقاً لصورة ينقلها له خياله الشخصي الذي هو وحده وليد إنفعالاته الذاتية ,
و إذا كان هناك فوائد هامة تعود على الأطفال العاديين من خلال التعبير الفني فإن من الممكن أن يُستفاد منها لأطفال التوحد و من ذلك ما يلي :
الفائدة في دافع اللعب و الحركة و النشاط الممثلة في أعضاء الحس و الحركة من حيث العضلات "الدقيقة و الكبيرة" و الأوتار و المفاصل و هو ما يُعرف بالرياضة الوظيفية لأعضاء الجسم , نظراً لما يبعثه من نشاط و حيوية في الجسم فضلاً عن أنه يُنمي الجهاز العضلي تبعاً لقانون النمو و يستغل التوحديون هذا التعبير كأسلوب بديل للغة و التواصل اللغوي , فهذه الرسوم التي تنبثق عن أذهان الأط فال التوحديين و التي تُعبر عن أحاسيسهم و مشاعرهم و تخيلاتهم قد لا يفهمونها و كذلك التطورات التي تُصاحب تطورهم البيولوجي و الفسيولوج
ي . و يجب على الأسرة و المدرسة أن تعرف أن لهذه الرسوم لغة تفوق في أهميتها و دلالاتها معنى المُفردات اللغوية اللفظية التي يعجز الطفل عادة عن التعبير عنها. إن رسوم التوحديين و أعمالهم الفنية تُعتبر مصدراً هاماً للبحث السيكولوجي في إطار العلاج و هي الأداة التي يم
كن على ضوئها أن نحدد لهم فهم الأمور الحياتية مثل معنى الدور و كيف يتصرف وقت العمل أثناء أخذ فرصته أو كيف يتحرك و يتصرف أثناء اللعبة عندما يحين دوره في اللعبة , و فهم و إدراك أن لك وقتاً , و لي وقت , و أن لك فرصة الرسم و لي فرصة الرسم.
فالرسم Drawing يحتاج إلى قدرات فنية تساعد الطفل الذي لديه (توحد) على أن يتعود على التفكير عن طريق اللعب بالألوان و التعبير بالرسم و لا شك أن أثر ذلك يكون واضحاً في المستقبل و من المعلوم أنه بقدر تنمية القدرات في مرحلة الطفولة تكون النتائج أفضل من مرحلة ما بعد الطفولة أي المراهقة و ما بعد المراهقة , علماً بأن الرسوم التعليمية و حب اللعب بالألوان و الأدوات الفنية قد تأخذ طابعاً آخر , و قد تكون ملحوظة للتوحديين من خلال الكمبيوتر و هو ينتقل من عالم الورق و القلم إلى عالم الكمبيوتر و الأجهزة و التطور التقني حيث تتشعب مداركه و تُنمي حواسه البصرية و اللمسية و تُطور قدراته المعرفية فيلعب من خلال الكمبيوتر و تبعاً للعديد من البرامج الفنية المخصصة بقص الورق و رسم و تلوين الأشكال فيقوم بتلوين الشاشة حسب الأشكال و الألوان الموجودة في البرامج, كما يُمكنه من خلال برامج اللعب هذه بالألوان أو ما يُسمى بالتلوين Coloring نستطيع أن نُعدل سلوكياته السلبية في الأمور الحياتية و الأمور التعليمية , و أن نطور من إمكانيات التوحديين عن طريق ألعاب الكمبيوتر أو الأتاري و جعلها أدوات مُعززة لسلوك مُستهدف فإذا أراد مثلاً أن يلعب على الكمبيوتر فإنه يمكن إعداد مجموعة معينة من الألعاب لتلبية حاجات البرنامج الذي سوف يطبقه في تعديل سلوكه. و هكذا يتضح لنا من خلال الرسم و اللعب بالألوان مدى توافق الطفل الإجتماعي و رغباته و مشكلاته الإنفعالية و الإسقاطات اللاشعورية التي تظهر في الرسم و كذلك الميكانزمات (الآليات) و الأنشطة التي دفعت الطفل الذي لديه توحد إلى أن يرسم ما رسمه و ذلك راجع في الواقع لأصول التحليل النفسي. ففي دراسة أجريت (من 1977 إلى 1983) للعالم سلف Self على رسوم طفلة توحدية في السادسة من عمرها , إسمها ناديه , لأبوين أوكرانيين مهاجرين إلى بريطانيا و هي الثانية من بين ثلاثة أطفال , أما ناديه فإنها تُعاني من مرض ذهاني توحدي أي لا تستطيع الكلام , و تعيش في عالمها الداخلي الخاص , و هذه حالة نمطية لزملة التوحد Autism Syndrome . كما أنها طفلة متبلدة لا مبالية , سلبية لا تستطيع التحكم في نفسها , و لديها ضعف في التآزر الحركي إلى حد كبير , شديدة البطء في حركاتها و ترفض التعاون , المهم أن رسوماتها كانت تختلف عن رسومات الأطفال العاديين و ظهرت معها الحالة في السن الثالثة و النصف من عمرها و أظهرت فجأة صورة من رسوماتها فيها تآزر حركي لا وجود له في أي مجال وظيفي آخر و كانت رسومها متميزة بسبب جودتها في التعبير الفوتوغرافي كما كانت النسب بين العناصر داخل كل عنصر صحيحة و كانت تستخدم الخطوط المخفية و المستبعدة و تعطي إنطباعاُ للراشدين بالحركة و الحياة (صفوت فرج 1992). من الملاحظ على القصة السالفة الذكر (و من واقع الصور للطفلة الأوكرانية ناديه بالذات) أن هناك إبداعاً فنياً لدى التوحديين قد يعجز عنه الإنسان العادي, و تعتبر الرسوم بمثابة لغة تعبيرية يمكن استغلالها لتفسير ما يفكر به الطفل التوحدي أو ما يدور في خلده, و هذا يوضح أن للرسم جانباً علاجياً مهماً إذ تبين لنا أنه عن طريق اللعب بالرسم يمكننا أن نفهم بعض الأمور الأخرى إلى جانب أنه قد يخدم في تعديل السلوك في المستقبل و ذلك في ضوء التحليل النفسي للرسومات. إن التعرف على قدرات أطفال التوحد خلال اللعب تُساعد المعالج في حقيقة الأمر على العمل العلاجي و لا سيما ضمن إطار التدريب و التمرين للأسرة, و كذلك من خلال التفاعل الإجتماعي و التواصل مع الآخرين و هو الشيء الذي يفتقده التوحديون دائماً.