عدم الاستقرار في العالم و تمزق الدول و تفككها و انتشار الحروب الداخلية و النزاعات و انهيار انظمة المؤسسات و تحولها الى انظمة ميليشيات و عصابات سياسية, هذه هي التوجهات العامة السائدة في عالمنا و التي تنتشر مثل الوباء من بلد الى اخر. لماذا يحصل هذا؟ و هل يكفي تفسير ما يجري استنادا الى نظرية المؤامرات ام انه واقع جديد بدانا نعيشه؟ مقدمة ضرورية: لكي تكون هنالك تجارة بين الدول لا بد ان تكون هنالك عملة واحدة او عملتين للتجارة العالمية. و اذا لم تكن هذه العملة هي الدولار و اليورو فانها ستكون اليوان الصيني أو الروبل الروسي او اي عملة اخرى. و اذا كانت هنالك عملة عالمية فان حفنة الاشخاص الذين يطبعون هذه العملة سيتحولون الى اسياد العالم و يتحكمون بمقدرات الكوكب. و لا يوجد اي دليل على ان الصين او روسيا ستكون اكثر رحمة من غيرها عندما تتهددها الصعوبات ان كانت هي سيدة الموقف. الواقع الان هو ان طغمة الدولار هي التي تتحكم بمقدرات الارض. هذه الطغمة تعاني منذ عقود من ازمة حادة بسبب استمرارها على ضخ الدولارات في الاسواق بسبب الازمة العامة التي تعاني منها اليات اقتصاد السوق "نرجو مراجعة ابحاثنا السابقة حول ذلك". تجمع الدولارات لدى الصين و روسيا و الهند و غيرها من دول العمالة الرخيصة بدا يهدد الولاياتالمتحدة و اوروبا و يزيد من مديونيتها. صحيح ان امريكا تطبع اوراق لا قيمة لها لتشتري مثلا الغاز الروسي و البضائع الصينية و لكن امتلاك هذه الدول لكميات هائلة من الدولارات تمنحها القدرة على شراء المصانع و الاراضي الزراعية و بسط سيطرتها الاقتصادية خارج بلدانها و فوق هذا و ذاك, فان اغراق الاسواق بالدولارات سيؤدي بالنهاية الى انهيارها. و قد اعلنت روسيا و الصين و عدد من الدول الاخرى في اجتماعاتها في بنك التسويات الدولية و في مناسبات عديدة عن تذمرها من استمرار طغمة الدولار في ضخ الدولارات في الاسواق العالمية و العيش عالة على البشرية بعملهم هذا و هددوا بمقاطعة الدولار و التحول الى عملات اخرى. ولكن اي تغيير في هيمنة الدولار يعني عمليا تحول الصين و روسيا الى قوى كبرى في العالم على حساب امريكا و اوروبا. و عندما بدأت ازمة الدولار تستفحل الى حد بروز خطر انهيارها. اتجهت طغمة الدولار الى عمليات سطو دولية على دول العالم الثالث الغنية بالموارد في افريقيا و اسيا بهدف الاستيلاء على مواردها لبيعها الى دول العمالة الرخيصة دول العالم الثاني بهدف جمع الدولارات من الاسواق و اعادتها الى بنوكها. و كذلك السيطرة على اسواق الخامات التي تحتاجها دول العالم الثاني مما يجعلها تخضع لشروطها و تجعلها عاجزة عن تنفيذ تهديداتها بمقاطعة الدولار. من هنا برزت الاستراتيجية الامريكية للسطو و المعروفة باقامة الدولة الفاشلة و دخول الجيل الرابع من الحروب. فما هي هذه الاستراتيجية؟ تهدف هذه الاستراتيجية الى تفكيك و تحويل الدول التي لديها موارد طبيعية الى بؤر للتوتر تنتشر فيها العصابات السياسية المتحاربة منقسمة على اسس عرقية و طائفية و قومية و دينية. و تسيطر هذه الجماعات على مناطق و اقاليم ضعيفة لا تمتلك اي منها القوة الكافية للسيطرة على الاقاليم الاخرى. فتضمن الولاياتالمتحدة و حلفائها الغربيين سلامة شركاتها و استمرار تصدير الخامات و ذلك عبر تواجد عسكري قليل لحماية هذه المنشآت و طرق الامداد. بينما تغرق باقي اجزاء البلاد في الحرب و يعيش سكانها في فاقة يدفعهم غريزة البقاء الى الاحتماء بالميليشيات المتحاربة. اما العصابات و المافيات السياسية الحاكمة في الاقاليم فان اي منهم لا ينبغي ان يشعر بالامان و القوة و الاستقرار لكي يستسلموا كليا لما يطلب منهم و يلهثوا على شراء السلاح بالاموال القليلة التي يحصلون عليها من بيع الموارد الطبيعية في مناطقهم. و هم بذلك يضمنون حماية هذه المنشآت و طرق الامداد للحصول على حصصهم من الدولارات التي سيشترون بها العتاد في حربهم و يدفعون رواتب مقاتليهم. كانت الولاياتالمتحدة و دول اوروبا الغربية قد جربت هذا النموذج بنجاح في الكونغو منذ نهاية الستينات و حتى الان. و يبدو انها قد قررت تعميمها على العراق و سوريا و افغانستان و السودان و الصومال و ليبيا و نيجيريا و من المفترض ان تنظم ايران و السعودية الى قائمة هذه الدول. ان الابرياء الذين يتم قتلهم و تشريدهم في العراق و سوريا و افغانستان و ليبيا و زائير و السودان و الكونغو و غيرها هم في الحقيقة ليسو ضحايا بوكوحرام و داعش و الطالبان و بشار و المالكي و غيرهم فقط بل هم ضحايا انهيار و انحطاط المنظومة الراسمالية. و كلما اشتدت الازمة الخانقة للراسمالية كلما توسعت دائرة القتل و ازدادت وحشية. ان هذه ستكون طبيعة الحياة في ظل بقاء نظام اجتماعي توقف عن العمل و لم يعد يصلح لحياة البشر. شاهد على الرابط كيف يشرح ماكس مانوارينج احد الشخصيات البارزة في المخابرات الامريكية يتحدث عن ذلك. https://www.youtube.com/watch?v=nrjlWTJSXE8&list=UUB-2pEf5pt2v98O5ydBX08Q .