فى خضم التحولات التى يشهدها العالم العربى اليوم، تبرز أهمية ترسيخ ثقافة العمل التطوعى للتعامل مع تعقد الحياة الاجتماعية وتطور الظروف المجتمعية نتيجة التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتقنية المتسارعة، حيث تواجه الحكومات فى كثير من الأحيان صعوبات وتحديات جمة للتعامل معها، بما يستدعى تضافر جهود المجتمع كافة الرسمية والشعبية. ومن ثم برزت أهمية العمل التطوعي الفاعل والمؤازر لما تقوم به مؤسسات الدولة الرسمية، وإذا كان صحيحا أن نجاح الحكومات فى إدارة شئون مجتمعاتها يتوقف على قدرتها على التعامل مع مختلف التحديات والصعوبات والتطلعات التى يفرضها الواقع، فإنه من الصحيح أيضا أن هذا النجاح لا يمكن أن يستمر دون أن يكون للمجتمع دورا فعالا فى إدارة شئونه من خلال انخراط أبنائه فى أعمال تطوعية تدعم جهود الحكومة وتعزز مسيرتها، بما يجعل من العمل التطوعى رمزا من رموز تقدم الأمم والشعوب وازدهارها، فالأمة كلما ازدادت في التقدم والرقي، ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري. ومن نافلة القول إن تفاعل أبناء المجتمع مع الحكومة فى إدارة الشأن العام يتوقف على عاملين مترابطين وإن كان العامل الأول أكثر أهمية وتأثيرا من العامل الثانى، حيث يتمثل العامل الأول فى كيفية رؤية الحكومة للعمل التطوعى، هل تدرك الحكومات أهمية العمل التطوعى ودوره فى تقدم الأمة أما أنها تنظر إليه على أنه نوع من الرفاهية وقضاء أوقات الفراغ كما كان العهد ببعض الحكومات فى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم حينما هبت رياح الفكر الاشتراكى على بعض المجتمعات العربية وحملت معها فكرة المسئولية المطلقة للدولة عن شئون المجتمع كافة فى حين غاب المجتمع ومؤسساته عن أى دور مرسوم، وهو ما اثقل كاهل الدولة واجهزتها بالكثير من الأعباء عجزت عن تحملها والاستمرار فى تحمل هذه المسئوليات بما اوقع المجتمع فى أزمة مركبة، فالدولة لم تعد قادرة على تحمل عبء المسئولية بمفردها والمجتمع غير قادر على لعب أى دور نظرا لتغيبه لفترات طويلة لم يتعلم خلالها أى دور يمكن أن يقوم به وهو ما حدث فى مصر على سبيل المثال خلال فترة الخمسينيات والستينيات حينما تحملت الدولة مسئولية كاملة دونما توعية المجتمع بدوره وهو ما جعل المجتمع المصرى يتعرض لهزة قوية مع بداية السبعينيات حينما برزت الحاجة الى أن يتحمل المجتمع ومؤسساته جزءا من المسئولية إلى جانب الدولة. على العكس من الاوضاع التى عرفتها مصر، كانت مملكة البحرين منذ استقلالها فى اوائل السبعينيات من القرن المنصرم على موعد مع رؤية ثاقبة حملها الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حينما أدرك منذ البداية أن ادارة شئون الدولة لا يمكن ان تكون مسئولية الحكومة بمفردها مهما بلغت من قدرات وامكانات، فيجب أن يكون للمجتمع دورا فاعلا ومؤثرا فى تحقيق التنمية الشاملة، فالمطلع على سياسة الحكومة البحرينية يدرك إلى اى مدى كان للمواطن حضورا مستمرا فى كل قرارتها وخطواتها. ولعل من أبرز الدلائل على الاهمية التى يوليها رئيس الوزراء إلى العمل التطوعى، اطلاق جائزة سنوية تحمل اسم "جائزة الشيخ عيسى بن علي للعمل التطوعي"، حيث تأتى فى اطار المبادرات الرامية الى تدعيم وترسيخ قيمة العمل التطوعى ليس فقط فى المملكة وإنما على النطاق العربى أجمع. ويذكر أن الجائزة فى نسختها الرابعة هذا العام قد كرمت عددا من الرموز الوطنية العربية والمحلية صاحبة باعا طويلا فى قضايا العمل التطوعى وترسيخ قيمته ونشر ثقافته. ومن الجدير بالاشارة أن رئيس الوزراء البحرينى رغم ادراكه لهذه الاهمية التى يمثلها العمل التطوعى إلا أنه كان بعيد النظر فى رؤيته لطبيعة هذا العمل ودوره فى تعميق اللحمة الوطنية والتلاحم المجتمعى، فالعمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني. ولا شك أن هذه الرؤية الثاقبة كان لها الدور الاكبر فى الحفاظ على تماسك المجتمع البحرينى وترابطه على أساس المواطنة الكاملة دون النظر إلى أية فروق على أساس الجنس او الدين او المذهب او العرق. وهذا التماسك هو الذى حفظ للمملكة البحرينية استمرارها وساعدها على تحقيق معدلات التنمية المرتفعة الى جعلتها فى مصاف البلدان المتقدمة. خلاصة القول إن العمل التطوعى فى مملكة البحرين حقق منجزات مهمة وشهد تطورات ملموسة وخطوات جادة نحو ترسيخه وتعميق فائدته وقيمته لدى أبناء المجتمع البحرينى كافة وذلك بفضل الجهود الحثيثة والمضنية التى تبذلها الحكومة البحرينية لدعم كافة الجمعيات والمؤسسات العاملة فى هذا المجال، تطبيقا لرؤية متميز حملها رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة تعلى من قدر هذه القيمة النبيلة التى حثث عليها الأديان السماوية كافة. فى حين انها لازالت غائبة بنسب متفاوتة فى البلدان العربية بما يستوجب من مملكة البحرين أن تسلط مزيدا من الضوء على هذه التجربة المتميزة فى مجال العمل التطوعى بهدف تعريف المجتمعات العربية ومؤسساتها بهذه القيمة المتميزة.