أسعار العملات العربية والأجنبية في البنك المركزي    حملات مكثفة على المنشآت بأسيوط للتفتيش على تطبيق قانون العمل واشتراطات السلامة    أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 25 أكتوبر 2025.. اعرف بكام ؟    الفصائل الفلسطينية تقرر تسليم إدارة غزة للجنة تكنوقراط    ترامب: روسيا تسعى لإنهاء أزمة أوكرانيا وبوتين شخصيا يريد ذلك    مستوطنون يهاجمون المزارعين الفلسطينيين في وادي سعير شمال الخليل    الزمالك يستأنف تدريباته استعدادًا لمواجهة البنك الأهلي    استئناف حركة المرور بطريق بنها الحر بعد رفع آثار حادث انقلاب ميكروباص (صور)    بيان هام من الأرصاد الجوية بشأن طقس الساعات القادمة    إصابة 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالفيوم    بعد إغلاق قاعة توت عنخ آمون، اصطفاف الزائرين أمام المتحف المصري بالتحرير    20 ألف دارس، اليوم انطلاق الدراسة برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    غير منطقي، أحمد حسن ينتقد الفيفا بسبب مواعيد بطولتي كأس العرب والكونتيننتال    أرقام كارثية ل كريم بنزيما أمام الهلال بالكلاسيكو السعودي    اليوم، قطع المياه عن المنطقة السياحية ببحيرة قارون وقرى الفيوم وسنورس لمدة 12 ساعة    كيلو البلطي بكام؟.. أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم السبت 25-10-2025    تدهور كبير للقوات الأوكرانية في دونيتسك وخسائر بشرية فادحة بجبهة القتال خلال 24 ساعة    انطلاق امتحانات شهر أكتوبر لطلاب ابتدائى وإعدادى وثانوى غدا بمدارس الجيزة    محكمة جنايات الجيزة تنظر أولى جلسات محاكمة رمضان صبحي اليوم .. فيديو    من عنف الزوج إلى قصة الملابس المثيرة، اعترافات الراقصة لوليتا قبل محاكمتها اليوم    الأونروا: مئات الآلاف بغزة ينامون في الشوارع بلا خيام وأماكن إيواء    مي فاروق تخطئ في اسم وزير الثقافة بمهرجان الموسيقى العربية (فيديو)    المتحف المصري الكبير.. عبقرية هندسية ترسم عراقة الحضارة المصرية بروح معاصرة    تعليق مفاجئ من حمدي الميرغني بعد انتهاء الخلافات بينه وبين زوجته    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 138 مليونًا و946 ألف خدمة مجانية خلال 98 يومًا    سائحة بريطانية تشيد بالخدمة الطبية فى مستشفى الخارجة التخصصي بعد إسعافها    طرق بسيطة للوقاية من الإنفلونزا ونزلات البرد    حادث تصادم في نهر النيل.. باخرة سياحية تصطدم بكوبري    عمرو أديب يرد على شائعة انتقال محمد صلاح إلى الأهلي: «سيبوا الراجل في حاله»    كل ما تريد معرفته عن محفظة فودافون كاش: الحد الأقصى للتحويل ورسوم السحب والإيداع وخدمات الدفع    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    استقرار طفيف بأسعار الخشب ومواد البناء في أسوان اليوم السبت 25 أكتوبر 2025    عاجل- القبض على مالك المنزل المتهم بالاعتداء على مستأجر مسن بالسويس    إمام عاشور عقب أنباء تحسن حالته الصحية: اللهم لك الحمد حتى ترضى    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 25 أكتوبر 2025    أحمد فهمي وهشام ماجد إخوات رغم انفصالهما فنيا.. اعرف ماذا حدث فى فرح حاتم صلاح    وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد.. سجل الآن    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 وأول أيام الصيام    وفاة ملكة تايلاند الأم سيريكيت عن عمر 93 عاما    وزير الخارجية السوداني يزور واشنطن تلبية لدعوة رسمية    شيكو بانزا يدعم محمد السيد بعد هجوم جماهير الزمالك: لا تستمع لأى شخص    اليوم.. محاكمة رمضان صبحي بتهمة التزوير داخل معهد بأبو النمرس    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    خمسة مسلسلات في عام.. محمد فراج نجم دراما 2025    تطبيق لائحة الانضباط يواجه مخاوف التسرب من التعليم.. أزمة فصل الطلاب بعد تجاوز نسب الغياب    لماذا تتزايد حالات النوبات القلبية بين الشباب؟    عبد الحميد كمال يكتب: بطولة خالدة.. المقاومة الشعبية فى السويس تنتصر على القوات الإسرائيلية    "أسير لن يخرج إلا ميتًا".. الدويري يكشف عن لقاءه مع رئيس "الشاباك" في تل أبيب    أسهل وصفة للتومية في البيت.. سر القوام المثالي بدون بيض (الطريقة والخطوات)    فضائح التسريبات ل"خيري رمضان" و"غطاس" .. ومراقبون: يربطهم الهجوم على حماس والخضوع للمال الإماراتي ..    معلق مباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي    «حرام عليك يا عمو».. تفاصيل طعن طالب في فيصل أثناء محاولته إنقاذ صديقه    مؤتمر صحفي بنادي الصحفيين يستعرض استعدادات قطر لاستضافة بطولة كأس العرب    عاجل | تعرف على أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وهم الخلافة (2-4)
نشر في البوابة يوم 01 - 12 - 2012

كان سلطان مصر في هذا الزمان “,”قنصوة الغوري“,”، وكان يقوم كل عام بالواجب المصري القديم برعاية الأماكن المقدسة سواء في مكة أو المدينة أو القدس، وكان حاكم مصر يشرف بنفسه علي صناعة كسوة الكعبة وتسفيرها مع ركب المحمل، وأتي البريد إلي “,”قنصوة“,” بأن الخليفة العثماني يحشد حشوده لغزو مصر فوجه رسالة إلي السلطان “,”سليم الأول“,” جاء فيها «علمنا أنك جمعت عساكرك وأنك عزمت علي تسييرهم علينا فتعجبت نفسنا غاية التعجب لأن كلنا والحمد لله من سلاطين أهل الإسلام، وتحت حكمنا مسلمون موحدون».
فرد السلطان “,”سليم“,” في كذب سافر «يعلم الله وكفي به شهيدًا أنه لم يخطر ببالنا طمع في أحد سلاطين المسلمين أو في مملكته، أو رغبة في إلحاق الضرر به فالشرع الشريف ينهي عن ذلك».
لكن سليم الأول كان رغم ذلك مصممًا علي غزو مصر ولم يكن ينتظر سوي فتوى تبيح له ذلك فكيف يغزو بلدًا يسمي سلطانه نفسه «خادم الحرمين الشريفين» ويقوم بكسوة الكعبة ويحتضن الأزهر الشريف. وأخيرا جاءت الفتوي علي يد قاضي عسكر الأناضول “,”كمال باشا زاده“,”، واستند فيها إلي الآية الكريمة «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون». وتمضي الفتوي لتقول “,”إن (الأرض) هي مصر لأنها وردت في آية قرآنية مشيرة إلي مصر.. أما (عبادي الصالحون) فهم طبعًا العثمانيون“,”.
وقد كان، فقد سارع مفتي الأستانة هو أيضا ليؤيد فتوي قاضي العسكر، فأصدر مفتي الأنام شيخ الإسلام فتوي بوجوب غزو مصر، لأن أهلها قطاع طرق والحرب والقتال ضدهم غزو وجهاد، والمقتول من جيوش السلطان في هذه الغزوة شهيد ومجاهد. وتقترب الجيوش العثمانية من مصر فيرسل سليم الأول إلي حاكمها آنذاك “,”طومان باي“,” رسالة يقول فيها «إن الله قد أوحي إليّ بأن أملك الأرض والبلاد من الشرق إلي الغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين، وأنا خليفة الله في أرضه وأنا أولي منك بخدمة الحرمين الشريفين». وبدأ “,”سليم الأول“,” جرائمه في مصر بشنق “,”طومان باي“,” علي باب زويلة، ولم يغفرها له المصريون ويظلون حتي الآن يطلقون علي هذه البوابة «بوابة المتولي» وهو أحد أسماء طومان باي ولم يزالوا يقرأون الفاتحة كلما مروا بالبوابة.
ويروي ابن إياس، في بدائع الزهور، الكثير والمخيف من جرائم العثمانيين فيقول «واتجهوا إلي الطحانين فأخذوا البغال والخيول، وأخذوا جمال السقايين، ونهبوا كل ما في شون القمح من غلال، ثم صاروا يأخذون مواشي الفلاحين ودجاجهم وأوزهم وأغنامهم وحتي أبواب بيوتهم وخشب السقوف أخذوه». وأرسل “,”سليم“,” واحدا من أكثر رجاله توحشًا هو “,”جان بردي الغزالي“,” إلي الشرقية «فوصل إلي نواحي التل والزمرونين والزنكلون، ونهب ما فيها من أبقار وأغنام وأوز ودجاج وقام بأسر الصبيان وسبي الفتيات باعتبار أنهم أبناء كفار وراح يبيعهم في المحروسة بأبخس الأثمان، وسارع المصريون بشرائهم من سوق العبيد والجواري ثم يهبونهم لأهاليهم، فاشتري أحدهم بنتًا بأربع أشرفية – جنيهات -، ووهبها لأمها، وراح الصالح بالطالح وصارت جثث المصريين مرمية من باب زويلة إلي الرميلة إلي الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان ثم إنهم أحرقوا جامع “,”شيخو“,” فاحترق الإيوان والقبة». وترك “,”سليم الأول“,” في مصر واليًا تركيًا يقول عنه ابن إياس «كان يصبح كل صباح وهو مخمور فيحكم في الناس بالعسف والظلم وهو سكران».
ثم يلخص ابن إياس، الأيام الأولي للغزو العثماني قائلاً «وأشعلوا في مصر جمرة نار» ولعل تلك الأيام هي التي لقنت المصريين الشعار الذي ظلوا يهتفون به أمدًا طويلا «يارب يا متجلي أهلك العثماللي».
ولم تكن هذه الشراسة والغطرسة مقصورة علي تعامل العثمانيين مع شعب مصر بل شملت كل شعوب المناطق التي احتلتها، وشملت أيضا الهيئة التركية الحاكمة ذاتها، فالدولة العثمانية كانت دولة طبقية بمعني الكلمة.. فالهيئة العثمانية الحاكمة بأكملها من أصغر موظف وحتي الصدر الأعظم “,”رئيس الوزراء“,” كانت بكل أعضائها عبيدًا للسلطان ويطلق عليهم المصطلح التركي “,”قولار“,”، أي العبيد ومفردها “,”قول“,” أي العبد ويقصد به عبد السلطان، وكانت هذه هي تسميتهم جميعا في الأوراق الرسمية.
وتظل العلاقة المصرية العثمانية علاقة خصومة، وإن كان الجمهور الذي يهتف من أعماقه بهلاك العثماللي يواصل خضوعه للخليفة العثماني باعتباره خليفة المسلمين. إنه ذات التناقض الذي وجد فيه المصريون أنفسهم وهم يخوضون غمار الثورة العرابية. فمنذ البداية حاول عرابي ألا يستثير السلطان العثماني لكنه في ذات الوقت حاول أن يحافظ لمصر علي سيادتها. ويروي “,”ولفريد بلنت“,” أكد لي عرابي “,”نحن جميعا أبناء السلطان نعيش كأفراد أسرة واحدة في بيت واحد، كل منا له إقليم من الإمبراطورية، له حجرة مستقلة في المنزل، وهي حجرة خاصة بنا نتصرف فيها وفقا لإرادتنا ويجب ألا نسمح لأحد بأن يعبث بسيادتنا وعلي وضعنا المستقل“,”. ويكتب “,”صابونجي“,” إلي “,”بلنت“,” رسالة أكثر وضوحًا “,”أن العرابيين يتملقون السلطان ويعلنون ولاءهم له كخليفة للمسلمين لكن الحقيقة هي أن السلطان لا يعنيهم في شيء وحين يحسون بقوتهم سيعلنون إقامة حكومة جمهورية“,”.
وكان السلطان هو أيضا يكره عرابي ويسعي لإفشال ثورته لكنه يحاول خداعه وتملقه فقد أصبح عرابي زعيما ذا نفوذ كبير في أرجاء أقاليم عديدة. وأخيرا أرسل السلطان حملة إلي مصر لتأديب عرابي وانهالت الاعتراضات من مختلف بلدان المسلمين في الشام والهند وسيلان والسودان وغيرها.. وتصل الحملة إلي اللاذقية ويصف مراسل “,”التيمس اللندنية“,” موقف السكان منها قائلا “,”لقد حدث هيجان شديد وأعلن السوريون مقاطعتهم للحملة وامتنعوا عن التعامل معها وأظهروا الجفاء والامتهان لها ناعين عليها خروجها لحرب المسلمين“,”. وخرج عن المقاطعة أحد كبار التجار فباع الجنود العثمانيين طعامًا ولحومًا فلم ينته اليوم حتي أحرقت كل متاجره في المدينة وكان الرجل يطلب النجدة كالمجنون من الأهالي فيبصقون في وجهه ولا يتحركون لمساعدته بل يتهكمون عليه قائلين أطلب النجدة من سادتك الأتراك.
وفي الوقت الحرج تماما وصلت من الأستانة إلي الجيوش المصرية وهي تحارب الغزاة الإنجليز كميات هائلة من “,”الجوائب“,” وهي الجريدة الرسمية للخلافة المكتوبة بالعربية.. وقد تم توزيعها علي الجنود وعلي السكان في مختلف أنحاد القطر وفي صدرها كلمة “,”بيانامة“,” ثم بيان طويل جاء في مقدمته “,”بإرادة سيدنا ومولانا السلطان أمير المؤمنين خليفتنا الأعظم إشعارًا لجميع المسلمين بأن الأفعال التي أجراها عرابي وأعوانه ورفقاؤه في مصر مخالفة لإرادة الدولة العلية السلطانية، ومغايرة لصالح المسلمين.. وبناء علي ذلك تقرر أن عرابي وأعوانه عصاة بغاة وبهذه الصفة تجري معاملتهم“,”.
ولا يبقي أمام المصريين سوي أن يواصلوا شعارهم القديم “,”يارب يا متجلي إهزم العثماللي“,” وأن يضيفوا إليه شعارًا موحيًا “,”الولس هزم عرابي“,”.
لكن العلاقة المصرية بموضوع الخلافة تظل ملتبسة.. ففي مطلع القرن العشرين وعندما تأسس الحزب الوطني شهد وبعد فترة من تأسيسه صراعًا حادًا بين تيارين: الشيخ جاويش ينتمي للخلافة ويؤكد “,”أن إضاعة الخلافة إضاعة للذات“,”. ومحمد فريد يؤكد علي “,”مصرية مصر ويشكو في مذكراته من أن الشيخ جاويش كان يعترض علي أعضاء الحزب الذين يضعون علي صدرهم دبوسًا كتبت عليه عبارة مصر للمصريين“,”. ويقف إلي جانب الدعوة المصرية كثير من الكتاب ومنهم مثلا عبدالقادر أفندي حمزة، ومنصور فهمي وغيرهما.
أما قاسم أمين، فيهاجم الخلافة بشدة قائلا “,”إنها نظام يقوم علي أساس خليفة أو سلطان غير مقيد، يحكم موظفين غير مقيدين، وربما يقال إن هذا الخليفة يستمد سلطته من الشعب الذي بايعه، لكن هذه السلطة التي لا يتمتع بها الشعب إلا بضع دقائق هي سلطة لفظية أما في الحقيقة فالخليفة هو وحده صاحب الأمر والنهي.. إن من أسباب نكبتنا أننا نسند حياتنا علي التقاليد التي لم نعد نفهمها ونحافظ عليها فقط لأنها أتت من الماضي“,”.
أما الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، فقد رفض من الأساس فكرة وجود خليفة يحكم باسم السماء وقال “,”إن السيادة قسمان: سيادة عليا يختص بها الله تعالي، وسيادة أقل درجة يختص بها الشعب وعليه ممارستها.. ومن هذه السيادة تكتسب الأمة شرعية دورها كمصدر للسلطة، أما الحاكم فيكتسب سلطته من الشعب“,”. ثم هو يقول جازمًا “,”ومن الضلال القول بتوحيد الإسلام للسلطتين المدنية والدينية، فهذه الفكرة خطأ محض ودخيلة علي الإسلام، ومن الخطأ القول إن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها“,”. ثم يعلو صوته مؤكدًا “,”ليس في الإسلام ما يسمي عند قوم بالسلطة الدينية أو المؤسسة الدينية بوجه من الوجوه، ولم يعرف المسلمون في عصر من العصور تلك السلطة الدينية“,”.
وتمضي المعركة سجالا لتأتي ثورة 1919 فتحسم الأمر لصالح الدولة المدنية ولصالح شعار جديد “,”الدين لله والوطن للجميع“,”.
وللحديث بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.