غضب رافقه شعور بالندم وتكهنات وخوف من القادم، وعتاب محبين مع قليل من الأمل والرضا، هكذا بدا المشهد على ملامح المواطن المصرى خلال الأيام المباركات التي عايشها المصريون في رمضان، إحساس بالحزن طغى على غالبية الوجوه وأصابها بالتجهم والعصبية وصل حد محادثة النفس، تعددت الأسباب والشعور واحد، خاصة بعد القرارات الأخيرة المتلاحقة التي طاردت المواطنين في شهرهم الكريم، فريق يشعر بالغضب جراء قرار زيادة أسعار الكهرباء بالرغم من الانقطاع الدائم لها ليل نهار ولأكثر من مرة على مدى اليوم، وفريق آخر وهم الغاضبون من رفع أسعار المحروقات من بنزين وسولار وغاز بشكل وصفه البعض بأنه "جنونى" وبغير سابق إنذار، وفريق ثالث غاضب من الكم الهائل والمبالغ فيه من حجم الصرف على المسلسلات الرمضانية والبرامج التي أعدت لمبارزة هذا الشهر بالمعاصى، واصفين إياها ب "مائدة التحريض على الإفطار"، وآخر أحزنته التفجيرات، وغيرهم ممن تشرد في الطرقات من الباعة، تباينت ردود الأفعال في استقبال كل هذا وذاك من الزخم في القرارات، ويبقى السؤال الحائر هل ستستقر حالة الغضب وتتصاعد وتيرتها، أم أن للغربال الجديد شدة، وأن الأمور ستهدأ بعد أن يعتاد المصريون على الوضع الجديد، هذا ما قومنا به عبر استطلاع الآراء لجس نبض الشارع الصائم: مفيش كهربا بس في فواتير جنونية!! أحمد الشراوى، أستاذ الاقتصاد بإحدى المدارس الفنية، يقول: قرار زيادة أسعار الكهرباء خاصة ونحن في رحاب شهر كريم كان قرارًا غير صائب بالمرة، ناهيك عن أن الخدمة من أسوء ما يكون، خاصة وأن الكهرباء تزور البيوت الآن ك"الضيف المستعجل"، وتنقطع من مرة لأربع مرات على مدى اليوم، في ظل حالة من ارتفاع درجة الحرارة يشهدها الجميع، فبدلًا من أن نُرحم في هذا الشهر ويرحم صومنا وتقدم لنا الكهرباء طيلة اليوم لتخفف عنا ويلات الحر، ُنعاقب بانقطاعها ليل نهار، لتفسد الأطعمة ويختنق المرضى والأطفال والمسنين، والسؤال المنطقى والمشروع لى كمواطن له عقل، كيف أقضى يومى في نهار دامس وظلمات وتطاردنى آخر الشهر فاتورة جنونية ومبلغ خيالى في ظل ثبات الراتب العقيم الذي لم يطرأ عليه تغيير بأكثر من عشرون جنيه على الأكثر؟ فمن أين السداد؟ السائقون أبرياء من الذنب! أما محمود سائق الميكروباص، فقد برأ زمته وأخلى مسئوليته تمامًا من ذنب الركاب حين تحدث عن أزمة ارتفاع البنزين والسولار، وقال: "احنا ملناس ذنب في رفع الأجرة، وربنا شاهد أنه كان غصب عن السائقين، بس كان لازم أرفعها، ما أنا معذور ومش هاسيب بيتى وأولادى ليل ونهار وأشترى ميكروباص بالدين والأقساط عشان أروح آخر اليوم وأنا دافع من جيبى للحكومة المشاريب ومبقشش على الناس، إزاى تزودلى سعر البنزين الضعف والا الجاز وعايزنى مزودش الأجرة، طب الفرق في السعر ده مين يتحمله؟ والله العظيم ما سهله أبدًا علينا دعوات الركاب وخناقهم معانا وكأننا عصابة بنشرط جيوبهم، أنا بضطر اتحمل خناقهم وشتايمهم عشان عارف أنهم معذورين، بس الغلى علينا وعليهم، وأهل بيتى بيركبوا مواصلات وبيدفعوا هما كمان أجرة زيادة، كلنا في مركب واحدة، بس بصراحة الحكومة اتسرعت في القرار ده وجات جامد على الغلبان اللى يادوب قادر يعيش. الإعلام أفسد علينا الصيام!! مدام إيمان، أخذت الحديث إلى منحى آخر مختلف، فهى ربة منزل، ولديها شباب في سن المراهقة تخشى عليهم من الفتنة التي تلاحقهم في الشاشات والطرقات، وعبرت عن غضبها بشكل مختلف وأسباب أكثر اختلافًا، فهى تشعر بالضيق مما يقدم من طبق إعلامي على المائدة الرمضانية، وتتهم الإعلام المصرى بأنه أفسد الصيام على الأسر المصرية، وتتعجب قائلة: كيف يسمح بطرح مثل هذه المسلسلات البذيئة العارية التي تخدش الحياء، وأين الرقابة وأين الرادع ؟ ولماذا نُجبر على كل ما هو رديء؟ ولما يشاهد أبناؤنا هذه المشاهد الفاضحة والابتذال في الكلمات والايحاءات والعرى الجسدى والأخلاقى؟ ولما كل هذا الإنفاق على مثل هذه البرامج السخيفة التي تتلاعب بأنفاس وأرواح البشر؟ وفى الآخر يضحكوا ويقولوا مقلب، في الحقيقة هما مش بيضحكونا هما بيضحكوا علينا وعلى عقولنا، وتتابع حديثها مقترحة: بدل ما الملايين دى تتصرف على الرقص والفن والفنانين، كانت اتجمعت واتعمل بيها مشروع قومى لم الشباب العاطل وكان طلع المسئول عن الإعلام وقالنا معلش اتحملوا السنة دى بدون ابتذال، مفيش مسلسلات ولا برامج فاضحة عشان مصر، وساعتها كنا هانحترم الفكر ده، ويمكن كنا ننتحمل الجوع والعطش ونتبرع بللى في بيوتنا لبلدنا وبكل الرضا. "اللى حواليك هيورطوك ياريس" بينما تساءل الحاج كامل، المسن، بعصبية: لما الحكومة ناوية تغلى البنزين والجاز ليه مزودتش أتوبيسات النقل العام ووفرت خدمة بديلة بدل ما هي جايه على رقابينا كده وبتدبح؟، هما بيضحكوا على مين، وغلبان مين اللى واقفين معاه؟ هو احنا نزلنا نتعجز على مرضنا وننتخب الناس عشان يعيشونا في جحيم، أنا عايز أقول للريس، ياريس خد بالك البداية كده ما تطمنش، وخد بالك أن الشعب ده مابيبقاش على حد لما ولاده يقرصهم الجوع، خلى بالك من اللى حواليك وأوعى يورطوك بقرارات غلط مع الناس اللى بتحبك، عايز تسد الديون سدها من الإنتاج، جمع الشباب العاطل ولمهم من القهاوى وافتح بيهم المصانع المتقفلة حتى لو من غير أجور لمدة 6 أشهر، وبعد كده عوضهم، شبابنا جدع ومش هايقول لأ، بس يحس بتغيير. عبد الناصر أخد من الأغنيا وأدى الفقير عم شعبان صاحب محل بقالة في ميدان رمسيس، بضحكة عالية قال ساخرا: "الريس خلى بينا مع أول مطب ورمانا في البير، وحتى ما قالش بسم الله، أو بمعنى أصح سلمنا تسليم أهالي للجوع والفقر، والله ما لحقنا نفرح، أنا عايز أعرف عمل أيه مع الأغنيا؟ عمل أيه في الضرائب المتأخرة اللى بالمليارات؟ ما حجزش على أصحابها ليه، ده حتى قانون الحد الأقصى اللى كلنا فرحنا بيه استقبلته البنوك والضرايب والقضاة بالإضراب والرفض، لحد أمتى الفقير اللى هايفضل يدفع التمن والغنى عايش ملك في الأرض، عايز أفكر الرئيس السيسى بللى عمله عبد الناصر لما حكم مصر، عبد الناصر نصف الفقير عبد الناصر ملك الفقير أرض وبيت وبنى مصانع وشغل الشباب وبنى سد وامم قناة السويس، عبد الناصر اخد من الغنى وأدى الفير وعمله كرامة، عبد الناصر كان ناصر الغلابة يا ريس. قرارات الريس ثورية وجريئة واختلف محمد الشناوى طبيب بشرى مع أراء من سبقوه واتفق فقد اختلف معهم حين أبدى تأييده لقرارات الرئيس برفع الدعم وزيادة الأسعار واعتبرها خطوة جريئة وثورية لا تحتاج التردد ودعا الجميع أن يتفهمها وان يتحلوا بالصبر والثبات وأن لا يغضبوا فأيهما أفضل ؟ أن نتحمل عاما من الشقاء والجوع أما أن نغرق في بحور الدين والاقتراض والفوائد وقال: المرحلة الحالية تحتاج منا أن نقف وقفة الرجال لا تحتاج للصراخ والعويل والشكوى. صندوق دعم مصر انضرب في مقتل رشاد المنصورى ناشط تنموى يحذر ويرى أن ثمة تداعيات سلبية حدثت لأهم الأفكار مثل فكرة صندوق الدعم وهى الفكرة التي ماتت قبل أن تولد وتتنفس الحياة وانضربت في مقتل، فبعد ما تحمس لها كل المصريين وعقدوا العزم على المشاركة في دعم هذا الصندوق وتوجيه الزكاه اليه، سوف يتراجعون بما لا يدع مجالا للشك عن هذا القرار نتيجة لما حدث من تضخم فاحش وزيادة جنونية في الأسعار بعد قرارات الحكومة الأخيرة بزيادة الكهرباء والبنزين ورفع الدعم وفرض الضرائب، والمبرر منطقى جدا ويحترم فبدلا من أن ادفع تبرعات للحكومة أولى أن أسدد ما عليا من فواتير. هنسرق في العداد ونركن العربيات وعن الحل المحرم قالها سعد أبو المكارم: احنا اذكى شعب في الدنيا ومحدش هيعرف يضحك علينا ويغلبنا والحكومة هي اللى هتجبرنا على الغلط هما عايزين يغلوا الكهربا حاضر غلوها وانا هسرق في العداد وهخرج السلك من برا العداد وهدفعلك 36 جنيهًا بتوع اللمبه الموفره ودا اللى اقدر عليه، هتغلى البنزين والجاز حاضر هركن العربيه بتاعتى اللى بيعت فيها دهب مراتى عشان اوصل ولادى للمدرسة واترحم من المواصلات، هركن العربية تحت البيت زى ما الآلاف قرروا يعملوا كدا ونسدلكم الشوارع وهنركب مواصلات ونزحم الدنيا تانى وساعتها بقا متقوليش تحرش لأن التحرش هيبقا اجبارى من الزحمة ومش هيبقا عندنا نفس أصلا لا نتحرش ولا حتى عايزين الحلال. الناشطون يتهكمون أما صفحات الناشطون السياسيون فقد تناولت الموضوع بشيء من التهكم والسخريه مطالبة الرئيس بأخذ نصف مرتبه الذي قام بالتبرع به في سبيل عودة الأسعار لما كانت عليه ورفعوا صورا كثيرة تستعرض أسعار "الحمار" ونوعه وسرعته كبديل عن السيارة. هناك إيجابيات تغفر قسوة القرارات بينما دعاء محمد محاسبه في إحدى البنوك كانت هي الأكثر تفائلا بعكس الكثيرين فهى ترى الصورة أكثر جمالا وتقر بعودة الأمن للشارع المصرى وعودة النظافة وترحب بملاحقة الباعة الجائلين وفتح الطرقات للمارة والسيارات بشكل اثر إيجابا على حركة المرور والطريق، وتقر بأنه رغم رفع الأسعار إلا إن هناك ايجابيات كثيرة وحالة من الرضا وملاحظة التغيير الذي طرأ وهو ما يجعلنا سنصبر ونتحمل قسوة القرارات. مأزق رجال الأعمال ولكن عوض البكرى، صاحب مصنع ملابس جاهزة، وهو من أصحاب المال، قال "احنا كأصحاب مصانع مش معترضين أبدا على رفع أسعار الكهرباء في المصانع وهندفع، ولا حتى معترضين على البنزين ولكن كان من الضرورى أن يتم ذلك بشكل تدريجى وكان يجب على الحكومة أن تخطرنا بفترة لا تقل عن شهر لأن هناك عقودًا مبرمة مع شركات خارجية مع مستوردين وكان علينا أن نعلمهم ونمهد لهم، حتى يتسنى لنا رفع الأسعار وزيادة التكاليف وإلا سنفقد المستهلك الداخلى وسنهدد بفسخ العقود الخارجية، بصراحة احنا في مأزق. فتاوى بلا ضابط!! وعن الفتاوى المتضاربة واختلاط الحابل والنابل، تحدث بشئ من الغضب سعيد القاضى، موظف في إحدى المصالح الحكومية، وقال: لا أعلم سببا لتضارب العلماء في أقوالهم وفتواهم فهذا يحرم ما حلله هذا وهذا يبيح ما حذر منه هذا وأصبحنا في حيرة من أمرنا بين من يحلل ومن يحرم وموسم رمضان هو الموسم اللى بتنتشر فيه الفتاوى التي رؤسنا مكان أقدامنا، خاصة بعد انتشار فتوى بجواز افطار المصيف واعتباره على سفر وفتوى بجواز خلع الحجاب ناهيك عم تزايد الأقوال التي تعتبره ليس فرضا ولا حتى سنه، أرجو أن تضبط الفتوى بضوابطها، وارجو من كبار العلماء التحرى والتدقيق قبل التبليغ عن الله حتى لا يتحملوا أوزارنا. غضبة الجائلين!! وهنا كان للباعة الجائلين، نصيب من الغضب جراء منع الأمن لهم من مزاولة نشاطهم والتعدى على ما يملكون من "فرشه"، أم أحمد، وهى من البائعات الجائلات تحكى وتقول: "أنا كنت بقف أبيع على فرشة وبسترزق منها، واللى بيكرم بيه ربنا بيكفى البيت والولاد، لأن جوزي محبوس وأنا بربي 4 أطفال، جات الحكومة ورمتلي الحاجة اللى على الفرشة في الأرض ومنعونا نقف في سوق المطرية وقالوا هيبنوا سوق وينقلونا فيه، طب أنا وولادى هناكل منين لحد ما السوق والا المركز ده يتبنى؟ ومين هايصرف علينا؟ أنا مش معترضه وعارفه أن وقفتى كانت غلط بس لازم تراعوا أننا بنى آدمين ولينا ولاد عايزين ياكلوا ويشربوا فلو عايزين تمنعوا الغلط اعملوا الصح معانا عشان منعملش غلط أكبر. قتل الأبرياء وحرمة الدماء وعن التفجيرات وقتل الأبرياء من النفوس قررت رحاب الطالبة الجامعية، أن تتحدث وتبوح بسر غضبها وعن أكثر ما أزعجها وأحزنها خلال الشهر المبارك وهو كم التفجيرات والضحايا القتلى من الأبرياء وتشريد أسرهم ويتم أطفالهم، وتتابع الحديث قائلة: احنا عرفنا أن الدم المصري رخيص خلاص وسلمنا بالحقيقة المرة دي، بس كمان للشهر الكريم دا ليه حرمة، مش ممكن في حد يعرف ربنا ويستحل دم إنسان صايم بيأدى عمله بإخلاص سواء كان رجل شرطة أو جيش أو مواطن عادي، كل الدم المسلم حرام وحرمته أشد حرمة عند ربنا من حرمة الكعبة، مش دا اللى اتعلمنا من الدين ومن الاحاديث، ولا احنا داخلين على مناهج جديدة للإرهاب والإرهابيين، للأسف أصوات القنابل في مصر والإرهاب بقوا أعلى من أصوت المآذن والتكبيرات. الأمل موجود بعيدًا عن عشوائية القرار أحمد حنفي الباحث الاقتصادي والتنموي بمعهد بحوث الصحراء، رأى الحل في أن ترتب الحكومة أوراقها بشكل سليم، محذرا من التخبط في القرارات واستصدار قرارات سريعة وعشوائية تؤدي إلى حدوث حالة من التضخم لم يسبق لها مثيل، ودعا رجال الاقتصاد والباحثون إلى ضرورة طرح حلول للخروج من الشرنقة، ولكن بعيدًا عن المواطن البسيط، وأكد أن الأمل موجود ولكن بعيدًا عن القرارات المتسرعة والعشوائية.