مازال الصراع الدموي الدائر في سوريا يلقي بحممه على الشعب السوري في الداخل والخارج على حد سواء، فمن حرية وكرامة ومساواة وعدل بدأت الثورة السورية التي كانت أحلاما وردية لشهدائها وجرحها، كان أقصى طموح لهم هو إسماع صوتهم المكبوت طيلة 4 عقود متتالية لتتحول لكابوس مخيف وبطش وعنف شديدين. فمن قلب الحرب تبدأ حكايات مروية بالدماء، ومن رحم اليأس يولد الأمل الذي يملأ السوريين الذين كتبوا سطور قصصهم الإنسانية بالدم والخوف واللجوء للمجهول، فارين من صفير الموت وصوت القذائف والبراميل المتفجرة هاربين من طلقات نارية تدوي بقوة في الاحياء التي دمرتها الحرب وأصبحت خاوية على عروشها، تخطف حياة أشخاص يسقطون صرعى أو تصيب آخرين بجروح جسدية أو نفسية يعلم الله وحده متى تُشفي، أو تتسبب بانهيار المباني على رءوس ساكنيها، لقد بات الخروج من المنزل محفوفا بالمخاطر خلال الأيام الأخير، ولم تنته معاناة السوريين بالخروج من سوريا بل زادت أضعاف مضاعفة حيث الأعباء المادية والجرح النفسي الذي سببته الحرب في نفوسهم، فضلا عن عدم الترحيب بهم ومطاردتهم وملاحقتهم في مصر، بلغاريا ولبنان، وأصبح السوري طريد داخل بلاده، ومأساته تزداد عند التوجه إلى الحدود حيث يكون عرضة للقصف وقطاع الطرق. مأساة إنسانية: تحكي "شفاء" البالغة من العمر 34 عاما عن معانتها ومعاناة أسرتها التي تعيش داخل مقبرة في العراق حيث تقول:" جئت إلى هنا قبل يومين فقط برفقة عائلتها من قرية تقع بالقرب من مدينة حمص، حيث كنت أنا وزوجي نعمل في إحدى المزارع ". وتابعت "شفاء" قولها:" كان يجب أن نهرب من سوريا بعد أن شارك زوجي في مظاهرات ضد الأسد حيث الملاحقة والاعتقال، وقبل رحيلي أصيبت ابنة أختي بطلقة قتلتها وأصيبت أختها بجروح خطيرة، وهرب أخي معي وترك خدمته العسكرية في الجيش السوري". وتقول شفاء: "نحن أكراد وكانوا يريدون منه أن يطلق النار على أكراد، خوفنا أن نذهب لتركيا لأننا سمعنا أن الجنود السوريين يطلقون النار على اللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى تركيا. وأفصحت شفاء عن سبب رفض بعض اللاجئين الحديث إلى وسائل الإعلام: "ما تزال الحكومة تعتبر هذا خيانة وطنية، وأخشي على زوجي من العودة لسوريا لأنه يعتبر وتضيف فارًا من الخدمة العسكرية وسيتم إطلاق النار عليه في حال دخوله الأراضي السورية. أما زعفرانة من حمص تقول:" تركنا حمص بعد أن مات أخي وأبي في الحرب، توجهنا لمصر بزوجي وأولادي الأربعة، ويستيقظ أبنائي دوما فذيعين من أي صوت عالي يذكرهم بالقنابل والبراميل، يصرخون دائما من طرق باب الغرفة التي استأجرنها في حي إمبابة بالجيزة". وأم اللاجئة السورية "مُعزز" تقول:" اضطررنا للمغادرة لأن الوضع كان سيئًا للغاية، غارات، لا مياه، لا كهرباء، لا طعام. لم يكن لدينا أي خيار آخر سوي الهروب. وتابعت مُعزز قولها تنقلنا كثيرا داخل سوريا فتركنا عائلتنا في حمص ثم ذهبنا إلى اللاذقية قبل مصر" وفي مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان الذين أصبحوا ملاذًا للسوريين الهاربين من جحيم بشار بحثا عن المساعدة، حيث مازالت تطاردهم مشاهد الدم. حيث قال قتادة السوري البالغ من العمر18 عاما: "أخاف جدا من التصوير دائما ما أحب أن أخفي ملامحي خوفا من ملاحقة الشبيحة الذين يتتبعون النازحين في كل مكان". ومضي قتادة قائلا:" تركت مدينته «حمص» منذ 3 أشهر، وجئت إلى مصر بعد أن تم الإفراج عن والدي الذي اعتقل أكثر من مرة". وبكي قتادة حين قال:"القيت نظرة الوداع على بلادي على حدائق الزيتون والنخيل والأشجار ولا أعرف متي سأعود لوطني". وشدد قتادة على كونه أنه ليس هاربا وقال: "لم أهرب من بلادي، فالهروب خزى وعار، فأنا كنت أحد أفراد اللجان الشعبية «الفدائيين»، وحملت السلاح ضد «الشبيحة» دفاعا عن الأهل، لكن كل شيء بات رمادًا في حلب، والمذابح تحدث كل يوم، وفى لحظة لم يكن أمامي سوى خيارين، إما الموت أو الهروب، وهنا قررت الفرار إلى أرض الكنانة". أما فادي وهو مواطن سوري يبلغ من العمر 34 عاما يعمل في بيع المواد الغذائية، والذي قال فررت من حمص بعد أن أصبحت عبارة عن خراب في كل شيء ولم أستطيع حمل السلاح مثل الثوار". وتنقل لنا زوجة "فادي" مدي المعاناة التي شاهدتها في الحرب:" كنا نشاهد مذابح الأطفال بشكل يومي، وأطفالنا يتم ذبحهم أمام أعيننا، وكاد طفلي الصغير البالغ من العمر 5 سنوات يقتل أمام عيني، ومن آثار الصدمة فقد ابني أحباله الصوتية، قررت أن أحمي صغيري وأهرب به بعيدا عن الدم والقتل ومشاهد القتل التي لم تفارقه، وتركنا أهلنا وبيوتنا بين يدي الله". اغتصاب وتعذيب وحشي للنساء: ولم تقتصر وحشية النظام على القتل والذبح والترويع والتشريد بل وصلت لحد الاغتصاب وانتهاك أعراض النساء، فتقول فتاة سورية "طلبت عدم ذكر اسمها خوفا من تتبع الشبيحة لذويها في سوريا" ورفضت كشف النقاب عن وجهها:" كنا نصرخ مستغيثات، مرعوبات، فلم يأخذوني وحدي بل عشرات من نساء الحي وكنت أرتجف من شدة الرعب، حيث تقدم ثلاثون شخصا، بل وحشًا، بأجساد ضخمة مخيفة، حاملين السلاح والسكاكين وأخذوا النسوة". وتابعت الفتاة قولها:" بدأت حفلة الاغتصاب بي أنا حيث تقدم وحشا تجاهي وفك وثاقي وشدني من شعري متجاهلا دموعي وتوسلاتي له بأن يتركني، وعندما صرخت سمعت صوت أمي تصرخ من بعيد "لااا.. لااا... أتركوها، هذه بنت صغيرة، حرام، لها مستقبل، خذوني أنا، أرجوكم، قام أحدهم بسبها". وأكملت الفتاة حديثها وهي تتوجع على حالها:" وأنا على الأرض رأيت ثلاثة وجوه تقترب مني ضاحكة شامتة مقهقهه، وأيد صارت تعبث بي وفي ثوان وجدت نفسي عارية، كنت أنتفض وأقاوم مثل الدجاجة قبل ذبحها، وتم تعذيبي وتركوني عند حاوية قمامة، بعد أن أرادوا جز عنقي، لكني أحدهم قال لهم اتركوها انها ميتة". ومضت الفتاة قائلة:" كنت بالكاد أتنفس، فقد كسروا أضلاعي تحت وطء أقدامهم فوق جسدي". وفي سجن حلب الدموي تحكي فتاة أخرى عن تجربة الاغتصاب الأليمة، ففي هذا السجن البغيض يتم الاغتصاب الجنسي الوحشي والأساليب السادية التي مورست على غالبية النساء والأطفال الإناث، فتحكي أم طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات قالت كانت ابنتي لا تعي شيء إلا أنهم قتلوها 100 موتة طيلة الشهر، قالت لي أن عدد من تناوب على اغتصابها في سجن حلب المركزي تجاوز ال 20 شخصًا، وسألت ابنتي ببراءة امرأة مسنة في السجن قائلة: " خالة انا ما عاد اجتني الدورة ليش ؟؟ "، المرأة المسنة فهمت قصتها وقامت بإعطائها أدوية حتى أخذوها إلى المشفى بحالة طارئة وسقط الطفل". وتابعت الأم وسط دموعها المنهمرة على ابنتها:" أصبحت هزيلة جدًا تعاني من مشكلة في الحركة وفي القدمين بالتحديد كتفها حيث حدث معها خلع من الدرجة الأولى، وتحتاج لعلاج نفسي يدوم لسنوات".