هربوا من القتل، الدمار، الاعتقال، الاغتصاب إلي المجهول وتركوا وراءهم أموالهم وممتلاكاتهم وسط أنقاض بيوتهم التي قصفها جيش بشار .. ففضلوا الشارع والبلاد الغريبة علي أن يعيشوا وسط الحصار الذي دام حتي الآن لأكثر من عام ونصف العام هم (النازحون السوريون) الذين هجروا بلدهم علي أمل أن يجدو الأمن والاستقرار الذي ضاع منهم علي مدار الشهور الماضية، ذلك الخوف الذي دفع أكثر من 500 ألف مواطن سوري للهرب خارج سوريا ليذهب كل إلي بلد مرغمين علي حياة التشرد والاتجار في أعراضهم واللجوء من ذوي النفوس الضائعة علي الموت والتنكيل والاغتصاب في حرب أهلية خلقها النظام أو حرضت عليها وأشعلتها عوامل خارجية.. هربوا وكل فرد يحمل تفاصيل المأساة التي تيعشها سوريا ومدنها التي كانت جميلة قبل القصف منذ اندلاع الثورة في شهر مارس 2011 الماضي. وبرغم أن مصر لا تشترك في حدودها مع سوريا ولكنها البلد الذي فتح أبوابه أمام الأهالي السوريين دون قيد أو شرط، حيث بدأ نزوحهم في بادئ الأمر بعشرات المئات حتي تزايد أخيرا حتي وصل عددهم إلي 50 ألف سوري حسب تقديرات الهيئات الإغاثية في مصر، والتي تؤكد أن هذه الأعداد ستتضاعف في الشهور القليلة المقبلة. «الأهرام العربي»، قامت بتحقيق استقصائى فيه أحوالهم وأماكن وجودهم وأهم المشاكل التي تواجههم ومشاركتهم مأساتهم وقصص أحزانهم القاسية. أشجار الزيتون بدموع لم تتوقف لحظة طوال حديثي معها حكت (أم مالك ) من حمص قصتها وسبب هروبها إلي مصر، فقالت أعمل معلمة في مدرسة ولدي أربعة من الأبناء هربت أنا وزوجي وأولادي إلي مصر لنعيش عند صهري المصري في غرفة نكاد نختنق بداخلها في منطقة قريبة من مدينة نصر، وهربنا بعد أن هدم الجيش منزلنا وحرق مزرعة الزيتون التي نمتلكها وقصف سيارتنا، حيث كنا نعيش في أول مدينة قصفها الجيش في سوريا، وتنظر أم مالك لبناتها وتتحدث بصوت خفيض، وتقول أصريت علي الهروب ببناتي بعد أن شاهدت تلميذة لدي في المدرسة قد تناوب علي اغتصابها سبعة من رجال الجيش والشبيحة أمام والدها وأخيها المقيدين فعلمت أنه لا يوجد لنا مكان في ضيعتنا ولا كل سوريا إلا بعد القضاء علي هذا النظام الظالم الذي قتل واستباح الأعراض لدرجة أننا بتنا نترحم علي الاحتلال الإسرائيلي الذي كان أرحم، وكل آمال وأحلام السيدة أم مالك مسكن يجمع أسرتها وأن يلتحق أبناؤها بالمدارس بالمجان. وفي مدينة أكتوبر التقينا أم يوسف من منطقة حيتان في محافظة حلب وهي أم لثلاثة أبناء هربت بأبنائها وتركت زوجها وعائلتها وراءها خوفا علي ابنها الذي يعمل في ليبيا بعد قرارالحكومة القبض علي كل من له صلة بليبيا بسبب اعتقادهم بأن السوريين يتم تدريبهم علي المقاومة والثورة هناك، وتقول: قررت الهروب بأبنائي في حين رفض زوجي الهروب من الضيعة برغم هدم منزلنا بقنبلة وقطع الكهرباء والتموين عن القرية، وقد وصل سعر تبديل أنبوبة الغاز إلي 5 آلاف ليرة أي ما يعادل 500جنيه مصري، وحتي في أوقات الشتاء والثلج ينهمر فوقنا لم تكن لدينا أي وسيلة للتدفئة بل كانت مع حبيبات الثلج تنهمر شظايا القنابل من الطائرات، وتضيف قائلة هربت أنا وأبنائي واحدا بعد الآخر حتي تجمعنا في مصر منذ ثلاثة أشهر، ماتت فيها أمي دون أن أودعها من الرعب والخوف قبل أن أتمكن من إنقاذها فلم يتحمل عقلها كل هذا الرعب. البطاقة الصفراء أديب فراس من دمشق يقول: جئت إلي مصر منذ 4 أشهر رفضت الحكومة المصرية تمديد الإقامة لي ولأسرتي لذلك لجأت إلي المفوضية لإجبار الحكومة علي تمديد الإقامة وخوفا من ترحيلنا وتسليمنا إلي بلدنا، وذلك بمجرد الحصول علي البطاقة الصفراء وهي التماس اللجوء وقد أعطونا في المفوضية مهلة شهرا للرد علي طلباتنا، ويبرر وجوده في مصر لأنها الأقرب للشعب السوري عن الأردن أو لبنان وبسبب تصريحات الرئيس مرسي في معاملة السوريين كما المصريين في مصر، ولكنه يري أنه مازالت الجهات الحكومية تصر علي الأوراق والعمل الروتيني القديم ويقول: نحن هربنا من الموت في سوريا دون أوراق أو أموال، وخرجنا عن طريق البر إلي الأردن ثم إلي مصر لم نعرف أحدا في مصر، ولكن جامع الحصري في مدينة 6 أكتوبر ساعدنا في توفير السكن. رغيف العيش أم محمد من بابا عمرو تتحدث وهي خائفة أن يكون حديثي معها حديثا يعرض علي التليفزيون حتي لا ينكل النظام بما تبقي من عائلتها وهذا الخوف المبالغ فيه كان حال معظم من قابلت، فتقول هربنا بعد أن أصبح الدمار والقصف ومداهمات البيوت للإرهاب أو السرقة روتينا يوميا فنعيش علي صوت الرصاص والصواريخ تدمر وتقتل من حولنا، عشنا عاما ونصف العام دون كهرباء ولا مياه فكان الطعام يهرب إلينا في الخفاء من قبل الجيش السوري الحر وكأننا في حصار أقوي من حصار إسرائيل لغزة، وكلما نهرب من قرية إلي الأخري نجد الوضع أخطر وأصعب، وظللنا علي هذه الحال حتي قتل زوجي وأصيب ابني بقذيفة في بطنه واعتقلوا زوج ابنتي فكان لا سبيل إلا الهروب . إغاثة الأهل حسان مصطفي، الشهير بأبو براء من ريف دمشق وهو أشبه بعمدة للسوريين داخل مدينة 6 أكتوبر، حيث يعمل في إغاثة أهله في منطقة أكتوبر منذ مجيئه مصر منذ 11 شهرا، ويحكي حسان قصته ويقول كنت ممنوعا من السفر فقد اعتقلت سياسيا عام 2008، وبعد اندلاع الثورة جمع البوليس كل المعتقلين من قبل وطلب منهم أن يكونوا جواسيس علي الثوار ومن يرفض يعرض نفسه للقتل وأهله للاعتقال والتنكيل، لذلك في أول فرصة هربت زوجتي وأبنائي ثم هربت بعد ذلك من سوريا إلي لبنان ومن هناك إلي مصر. ويضيف أبو براء قائلا: دوري هنا مساعدة الأسر في الإغاثة ونعمل منذ 6 أشهر في هذا المجال، حيث كان عدد الأسر في مدينة 6 أكتوبر 4 أسر فقط وحاليا العدد وصل ل 400 أسرة مسجلة وغير المسجل أكثر من الضعف وبدأنا نأخذ بنايات كاملة ونجهزهها بأبسط الأثاث الضروري ونسكن أسرة أو أكثر في الشقة، وكان سعر الشقة من أول الأمر متوسطة ال600 جنيه أما الآن فصار السعر 1000 أو 1200 في الشهر، مشيرا إلي وجود مناطق أخري فيها كثافة في عدد السوريين، ولكن لم يسلط الضوء عليها كما سلط علي أكتوبر ومنها مدينة العبور التي تحتوي علي نحو 1000 أسرة والرحاب حوالي 400 أسرة وأحياء كفيصل والهرم يوجد بها ما يتعدي ال 200 أسرة بخلاف مدينة نصر التي بها نحو 300 أسرة ومناطق متفرقة أخري وفي المحافظات العديدة كالإسكندرية والمحلة وقنا والمنوفية والشرقية وغيرهم، ولكن لا يوجد إحصاء دقيق لعدد تلك الأسر. الهروب من الاغتصاب هربت من الاغتصاب علي يد سفاحي النظام إلي مصر، لتواجهه عروض الزواج الأشبه بعروض البيع هي (ميساء ) 28 عاما، من مدينة حمص القديمة، تقول جئت أنا وأخواتي البنات إلي مصر وتركنا أخا لنا في سوريا لأن والدينا متوفيان وتم ابتزازنا في المطار ولكي نخرج دفعنا كل ما معنا من أموال ورشوة ودخلنا مصر من غير جنيه واحد، وتسترد قائلة: بحزن يملأ عينها كنا صابرين علي القذف وهدم البيوت وكانت تلك الأزمة سببا في تقرب الأهالي والجيران إلي بعض فمن يهدم بيته يذهب ليعيش في بيت جيرانه، وهكذا حتي بدأت موجة الاغتصابات المتكررة في القري المجاورة في بابا عمرو ومنطقة تسمي الإعداوية، حيث حدثت حالة اغتصاب ل14 بنت مرة واحدة وجرهم الجيش والشبيحة في شوارع المدينة عرايا وحرقوا رجالهم أمامهم. كما ترفض عروض الزواج المستمرة التي تلاحقها وغيرها من الفتيات السوريات من الخليجيين الموجودين في مصر والمصريين أيضا قائلة، نحن نراها أشبه بعروض بيع واستغلال للوضع، خصوصا أننا لسنا نمانع من الزواج من أي جنسية ولكن ليس بهذا الوقت أو الشكل فعندما تنتهي أزمتنا ونرجع لبيوتنا فليأت من يشأ للزواج منا بكرامة وعزة تتناسب مع وضع الفتاة السورية. المعارضة السورية ما يعيق الثورة والنشطاء في الخارج عن مسارهم في دعم الثورة هو النزوح الكبير واللجوء للسوريين لخارج الدولة، حيث تحول عمل الناشط من عمل ثوري إلي عمل إغاثي فرضته عليه واقع الأمر فإما الموت أو الهرب هذا ما يؤكده (خالد القطاع ) الناشط السياسي وعضو مجلس الأمناء، حيث يقول كنا نفضل التفرغ من أجل توصيل قضيتنا إلي الإعلام والمجتمع الدولي والعربي. ويقول إنه حسب آخر تقارير المفوضية السامية للاجئين مسجل لديهم 1500 أسرة، وهناك أعداد مضاعفة لا تعرف إلي أين تتجه للمساعدة، مشيرا إلي طرح فكرة إنشاء مدرسة سورية بمنهج سوري في أكتوبر وصل عدد الأطفال الذين تم تسجيلهم فيها إلي 1000 طالب وراءهم ألف عائلة، ولكن لم توافق عليها بعد وزارة التعليم في مصر ، وعن سر اختيار السوريين للإقامة في مدينة 6 أكتوبر وتكوين أكبر تجمع سوري هناك يقول: لأنها مدينة متوافر بها عدد من الشقق والأسعار متوسطة ومناخها الأقرب لمناخ سوريا من حيث المساحات الخضراء والشوارع والهدوء وعدم الاحتياج إلي النزول للعاصمة باستمرار . أما (خليل الكردي) الناشط السياسي من مدينة الخالدية، حيث جاء مع أسرته بعد معاناة ليجد معاناة أخري هنا تتمثل في التشتت في خدمة الثورة في داخل سوريا أمام المساعادات الإنسانية والإعاشة للأسر النازحة وبين تشتيت قوي المعارضة ما بين مسميات عديدة بين التنسيقية والمجلس الوطني ومجلس الأمناء، وهذا من شأنه أضعف القضية ويقول: إن دوري هنا علي مستوي السياسة أنا وآخرين نمثل جزءا من حلقة الوصل بين الجيش الحر في الداخل والمجالس الوطنية في الدول في الخارج ومنها مصر، وتوصيل أحدث المعلومات والأحداث لأعضاء الثورة. الخوف من القناصة أبو مازن من حمص، يعيش في شقة تضم 14 شخصا منذ 4 أشهر تتكون من غرفتين يقول: ننام علي الأرض جميعا، ولكن هذا المتوافر لأن الشقة بلا أثاث ونحمد الله علي ذلك، لا أجرؤ علي الخروج للشارع، فصرنا نهدم جزءا من الجدار بين البيوت حتي نستطيع الخروج للمستشفي أو شراء الطعام عندما ينفد خوفا من القناصة فوق البنايات التي تصطاد أي شخص وتقتله علي الفور بمجرد أنه يمشي في الشارع متذكرا جثة شاب مقتول ظلت أمام البيت وسط الشارع لمدة 4 أيام، ولم يستطيع أحد الخروج لدفنها بسبب الرصاص الكثيف الذي يمطر الشوارع كما تذكر أخاه الذي قتل أمامه ولم يستطع إنقاذه أيضا .. واسترد قائلا: وهو ينظر شمالا ويمينا من كثرة ما شاهده من ويلات الحرب عندما جئنا لم نكن نعرف أحدا في مصر ولكن المصادفة جمعتنا بمصريين في المطار هم من عرفونا علي بعض السوريين الذين وفروا لنا هذا السكن وباقي الجيران المصريين ساعدونا ببعض الكراسي والمراتب ويعطوننا من وقت لآخر سلعا غذائية، وأشار إلي ابنته ذات ال10 سنوات وقال ظلت سهام لمدة أسبوع لا تستطيع النطق بسبب مشاهد القتل التي رأتها. حرب طائغية ويؤكد أبو مازن أن هذه الحرب ليست لها نهاية، خصوصا أن النظام حول الأمر إلي حرب طائفية بعد أن سلح الشيعة والعلويين بالسلاح فصاروا يقتلون معهم الأهالي السنة، لذلك أصبح لدي كل أسرة سنية ثأر عند جاره الشيعي والعلوي، لذلك فإن بعد القضاء علي نظام الأسد سندخل في حرب طائفية تسبب بها النظام. ويتفق أبو عمر، تاجر دواجن من بابا عمرو مع هذا الكلام, ويحكي تجربته المريرة قائلا: تمت محاصرتنا داخل بيوتنا لشهور ثم دخلوا علينا الشبيحة وسرقوا كل العفش والأجهزة الكهربائية أمام أعيننا ولم نحرك ساكنا أمام الأسلحة والعدد وعندما حاولنا الهروب لم نستطع إلا من خلال الأنفاق التي بنيناها تحت البيوت لنخرج من حارة إلي أخري وسمعنا قصف بيتنا ونحن نهرب وذهبنا بالنساء والأولاد إلي المطار، ولكن هناك لا يريدون خروج الأسر خوفا أن يخرجوا لاجئين وتنفضح جرائم النظام ولكن في النهاية أخذوا كل ما نملك من مال مقابل تركنا نخرج. السكن والإعاشة خلال رحلة التعرف علي حياة السوريين في مصر تكرر ذكر مكانين يعملان في مجال الإعاشة للنازحين السوريين، وهما نقابة الأطباء التي توفر السكن وجمعية بيت العيلة الذي يوفر مرتبا شهريا لكل أسرة، وعن دورهم يقول: المهندس محمد عثمان رئيس مجلس إدارة جمعية بيت العيلة الخيرية: إن الجمعية متخصصة في مشروعات رعاية الأسرة وتيسير الزواج في الداخل وعلي المستوي الخارجي نعمل في مجال الإغاثة وكانت تجربتنا الأولي في الصومال العام الماضي، حيث جمعنا 7 ملايين ونصف المليون لبناء مدينة متكاملة وحفر 10 آبار مياه جوفية للمياه للتنمية هناك وجاري العمل فيها الآن، ثم جاءت الأزمة السورية ووجدنا أنه لزاما علينا كمسلمين وعرب أن نجمع تبرعات لصالح النازحين السوريين ليتمكنوا من العيش في كرامة داخل مصر حتي تنتهي مأساتهم .. ويضيف م. عثمان قائلا: إن الجمعية لديها قائمة تضم 1500 أسرة نساعد حاليا 500 أسرة منهم وهي أصعب الحالات والباقي نقوم بدراسته مع مكتب الإغاثة السوري، وتأتي المساعدة علي شكل مرتب شهري للإعاشة يبدأ من 300 للأسرة من 3 أفراد ثم 400 جنيه للأسرة من أربعة أفراد ثم 500 جنيه للأسرة خمسة أفراد أو أكثر . أما الدكتور إبراهيم شوقي عضو مجلس نقابة الأطباء ومسئول الملف السوري للإغاثة يقول، نوفر شققا للأسر السورية وهي غالبا ما تكون عن طريق التبرعات، بالإضافة إلي مساهمتنا في تكلفة إيجار البيت بحد أدني 600 إلي 1000 جنيه شهرياً، كما نقوم بمنح مساعدات شهرية للإعاشة للأسر التي بلا عائل، خصوصا النساء والفتيات والأطفال فنتكفل ببعض احتياجاتهم. ويضيف شوقي أن النقابة توفر للنازحين السوريين رعاية صحية كاملة بالمجان من خلال إعطائهم خطابات مختومة من النقابة وموجهة إلي المستشفيات التابعة للنقابة لعمل الفحوصات والتحاليل الأزمة، مشيرا إلي أن مساعدة 4000 سوري حتي الآن.