تتحمل المرأة السورية العبء الأكبر من الحياة في ظل الحرب الدامية التي أعلنها الأسد على شعبه الأعزل، فهي التي تلهث بأطفالها بحثا عن ملاذ آمن يحميهم من القصف اليومي، وهي التي تناضل وتقطع الأخشاب والأشجار لتمنحهم الدفء في ليالي شتاء لا يعرف الرحمة، ثم تناضل بالكد والعمل بالفأس في الأرض الزراعية لتوفر لهم الغذاء والقوت الضروري، وبعد كل هذا تقدم روحها فداء لبلدها مرابطة في بيتها جراء القصف المتواصل. فبعد أن يأس السوريون من العرب والعجم، وأيقنوا أن ثورتهم بأيديهم وحدهم، ولن ينفعهم أحد من العالمين، سارعت النساء قبل الرجال للإمساك بزمام المبادرة، وضربت كل منهن بسهم لنصرة الثورة. فهذه الممرضة الحلبية "أسماء" التي امتهنت هذه المهنة مع بداية الثورة وانهيار الخدمات الطبية وفرار آلاف الأطباء خارج البلاد، فوجدت نفسها في مواجهة مع ضميرها، وسارعت للانضمام مع متبرعات غيرها بالمشافي الميدانية لإسعاف الجرحى. قالت أسماء: لم أجد عذرا بعد سفر آلاف الأطباء خارج البلاد في عدم الوفاء بالالتزام الأخلاقي تجاه أبناء وطني، فتعلمت التمريض لإسعاف الجرحى المدنيين أو العسكريين، ولم ألتفت لكونها تهمة توجب القتل من قبل النظام. كما تقول السيدة إسلام الزعبي من محافظة درعا إن العبء الملقى على عاتق المرأة تضاعف مراتٍ ومرات في ظل الثورة؛ لتدفع النساءُ الضريبة الأكبر من تبعات واقعِ الحال الذي حوّله النظام السوري إلى جحيم في كل المناطق الثائرة. وتضيف فتقول: إلى الله المشتكى من العرب قبل العجم إذ كيف لا يغارون على الحرمات التي انتهكت على يد نظام أشد علينا من الصهاينة. وقالت الزعبي: بعد أن نضبت الأخشاب والأشجار التي كنا نستخدمها في التدفئة، بدأنا هذه الأيام في تقطيع أشجار الزيتون الذي نعتاش منه؛ بهدف تجفيفه واستخدامه في التدفئة، بعد أن أصبح الغاز معدوما في درعا بالكامل، وإذا فرض وجلبه أحد التجار، فلا يقل عن 2700 ليرة. ومن المسلمات التي لا تحتاج إلى برهان أن المرأة هي الرافعة الحقيقية التي منعت السقوط المريع لآلاف الأسر السورية في بئر الفقر والحاجة والتشرد، مهما تبجح أنصار العصابة النصيرية بمسألة نيل المرأة لحقوقها في ظل حكم حزب البعث الفاسد ووصول عدد من النساء إلى مناصب عليا في الدولة ، فإنّ الواقع الحقيقي للمرأة السورية ينافي تلك الصورة التي دأب إعلام النظام على تلميعها بمشاركة من بعض من النساء أنفسهن اللواتي كنّ يسعيّن إلى مزيد من المكاسب التي اكتسبنها دون الالتفات إلى الواقع المرير للآلاف من النساء السوريات في الضواحي وأطراف المدن والقرى. وكأنّ هؤلاء يسقطن من حساب مؤتمرات المرأة وقضاياها .. آلاف من الأميّات في مدننا وقرانا ..وآلاف من الأرامل يربين أيتاماً بلا معيل، وآلاف من اللواتي يغادرن بيوتهن مع شروق الشمس ولا يعدن إلا مع غروبها وهنّ يقمن بالأعمال الزراعية التي تحتاج إلى جهد عضلي كبير يعجز عنه الرجال أحياناً .. تتحدث السيدة أ. ح من مدينة حمص أنه في ذات اليوم الذي احتفل فيه العالم بما يسمى ب "اليوم العالمي للمرأة" قام شبيحة النظام في سوريا باغتصاب عدد من نساء الناشطين في حمص ضمن خطة ممنهجة لضرب الثورة والقضاء عليها بشتى السبل. تقول الحقوقية والحقوقية السورية مجد عابدين إن النظام أخطأ في حق المرأة السورية مرتين مرة بعدوانه عليها وعلى أسرتها الآمنة في بلدها بالقصف والتدمير والإهانة، ومرة أخرى بأنها جعل منها لاجئة في دول الجوار لا حول لها ولا قوة. ولم يكتفِ النظام الفاجر بتشريد النساء وعائلاتهن بل جند وسائل إعلامه لتشويه سمعتهن من خلال مداخلات أبواقه المدافعة عنه فمرة يقال إنهن نساء المسلحين ، ومرة تشوه سمعتهنّ ومن خلال شراء ذمم الإعلاميين الذين أشاعوا أنباء عن تزويج السوريات من أثرياء عرب. المرآة السورية تقاتل كان التسسل الطبيعي للأحداث في سوريا أن تقاتل المرأة وتحمل السلاح، وهذا حضور فرضته همجية الأسد الذي استخدمها كسلاح ضد مناوئيه من الثوار. فكل سوري وسورية خرج من عباءة الخوف التي اقتات عليها النظام طوال عقود، هو هدف مشروع للشبيحة، ولا يجب التعامل معه أو معها إلا بالعنف والإرهاب، وربما هذا ما دفع النساء وكبار السن إلى الالتحاق بالجيش السوري الحر. ففي وقت تخاذل فيه الكثير من الرجال، التحقت المرأة السورية بصفوف الجيش السوري الحر، فهذه "أم جعفر" أول قناصة امرأة في الجيش الحر، تقف مع زوجها في خندق واحد لتقاتل عدوا لم يفرق بين رجل أوامرأة، بل وقامت بالتعاون مع زوجها ورفاقه بتشكيل وكانت أولى الحالات التي ظهر فيها مشاركة المرأة في العمل المسلح هو إعلان مجموعة من نساء حمص بحي الخالدية تشكيلهم كتيبة بنات خالد كرد فعل على المجازر الهمجية التي دمرت حمص وحاصرتها حصارا خانقًا. تقول الناشطة ميرفت شامية: "ما نراه من أفعال يرتكبها الشبيحة دفعنا للتفكير في أي وسيلة ممكن أن ندرء الخطر بها عن أنفسنا، أما الأمهات فهن أكثر خوفاً على أولادهن من الخوف على أنفسهن. أعرف سيدة قتل زوجها وابنها وقررت أن تتدرب على استخدام السلاح لتنتقم ممن سرقوا شريك عمرها وفلذة كبدها، إنها ليست حالة فريدة، هناك الكثيرات من النساء السوريات اللاتي فقدن أحبتهن بسبب جنون الأسد وإجرامه غير المسبوق". شهيدات الثورة كانت أولى شهيدات الثورة الشهيدة حميدة النطرواي "الفياض" من مدينة تلبيسة التي صفيّت هي وابنها وهي عائدة من العمل في مزارع مدينة بانياس، لتتوالى بعدها قافلة الشهيدات من درعا وريف دمشق وإدلب وجسر الشغور ودير الزور والرستن وسائر المدن اوالبلدات الثائرة .. فضلا عن آلاف الشهداء الذين تركوا زوجات أرامل وأمهات ثكلى وجيوش من الأيتام و غالبيتهن في أعمار الصبا وأطفالهن في عمر الطفولة المبكرة فأين منظمات حقوق المرأة والجمعيات النسائية التي انتشرت في عهد بشار الأسد التي ملأت الدنيا مؤتمرات وضجيجا خلال أربعة عقود؟.. أين هي من عشرات الألوف من الثكالى والأرامل واللاجئات في دول الجوار؟.. الآن تيقنت المرأة أن الحديث عن قضاياها كان جزءا من النظام وديكورا يزين به عرشه.