تستخدم العاصمة البلجيكية، بروكسل، عاصمة أوروبا السياسية، كمركز إسرائيلي لأنشطتها الاستخبارية السرية، وتشك المخابرات الإسرائيلية كثيًرا في قدرة الشرطة البلجيكية في العثور على منفذي عمليات التصفية التي تجري لحساب الموساد هناك. وأوضحت صحيفة "يديعوت اوحرونوت"، أنه وحتى أواسط الستينيات من القرن الماضي، كانت باريس هي المقر الرئيسي للموساد في أوروبا، ولكن في أعقاب عملية نوفمبر1965، انتقل مركز ثقل الموساد من باريس إلى عدد من دول أوروبا الاخرى ومنها بلجيكا. وأضافت الصحيفة: " في الأول من نوفمبر1965، توجه "أحمد الدليمي"، أحد قادة استخبارات المغرب، إلى مقر قيادة الموساد في أوروبا وكان مقره آنذاك باريس، وطلب "اسمًا قويًا، وجوازي سفر أجنبيين، وأدوات حفر، وشيئا لطمس الآثار، بعدما أعلن عن مهمته"، وكان هناك تعاون استخباري وثيق بين المخابرات الإسرائيلية والمغربية بقيادة "محمد اوفقير"، وكانت العملية تهدف إلى اعتقال رئيس المعارضة "مهدي بن بركة"، الذي كان الملك الحسن يراه خطرًا حقيقيًا ومباشرًا على ملكه. وتم اعتقال بن بركة في بيت استأجره المغاربة في باريس، وجرت عليه هناك اعمال تعذيب قاسية، وتم تعذيبه بالأدوات التي طلبها الدليمي من الموساد، ثم ضغط الدليمي على عنق ابن بركة إلي أن قتله. وتابعت الصحيفة "يقال إن الموساد هو الذي ساعد على إخفاء الجثة، ولا تزال هذه القضية تؤثر على العلاقات الفرنسية المغربية حتى اليوم، فعندما عرف الرئيس الفرنسي "شارل ديجول"، ان عناصر من المخابرات الفرنسية والمغربية تشاركت في عملية الاغتيال على الأراضي الفرنسية، غضب جدًا وطهر وكالة الاستخبارات الفرنسية، وأمر بمحاكمة المغاربة المشاركين وقطع العلاقات الدبلوماسية بالمغرب، ولم يكن عند الاستخبارات الفرنسية يقين بعلاقة الموساد في العملية، ولم تحرص على البحث عن العلاقة، بسبب تأييدها القوي جدًا لإسرائيل، أما ديجول فلم يشك مطلقًا في الموساد. ولكن في يونيو 1967، وعلى إثر هجوم إسرائيل المباغت على مصر، وقف ديجول ضد إسرائيل بقوة وأمر بحظر مطلق على إمداد إسرائيل بالسلاح، ومن جهتها نقضت إسرائيل الحظر ف"سرقت" السفن التي كانت مخصصة لها من ميناء شيربورغ، فأمر ديجول ردًا على ذلك بطرد ممثلي الموساد من فرنسا وإغلاق مقر قيادة المنظمة. على إثر ذلك كتب "مائير عميت"، رئيس الموساد إلى رئيس الموساد بأوروبا قائلا له "يا شاه اعثر بسرعة على مكان بديل لنقل النشاط إليه، وابحث ذلك مع رجال تنوفاه"، "شاه" كان لقب مسئول منظمة الموساد بأوروبا، أما "تنوفاه" فاسم السري لبلجيكا في الموساد. وكانت بلجيكا في هذه الأثناء تسعى بجهد لتكون مركز الثقل الدبلوماسي والاقتصادي لأوروبا، وهو الأمر الذي جعلها ترحب باستقبال النشاط الإسرائيلي، وأشارت الصحيفة إلى أن جدلا ثار حول إن كانت بلجيكا تعلم بأن النشاط الإسرائيلي استخباري خاص بالموساد ام استنتجوا ذلك فقط؟، ولكن في نهاية المطاف نقل الموساد إلى بروكسل مقر قيادته في أوروبا. *الموساد ومنظمة التحرير الفلسطينية بأوروبا واجه الموساد مع مطلع سبعينيات القرن الماضي إرهاب منظمة التحرير الفلسطينية، أي المقاومة الفلسطينية، وكان الإرهاب يعتبر آنذاك مسألة إسرائيلية داخلية يقوم كل من "امان"، و"الشاباك" بمعالجتها، أما الموساد فلم يكن يتطرق إلى مسألة الإرهاب إلا في أضيق الحدود، والظروف الاستثنائية، فلما قررت منظمة التحرير الفلسطينية، والمنظمات المتشعبة عنها توسيع نشاطها لتستهدف المصالح الإسرائيلية خارج إسرائيل، تولى الموساد ملف "الإرهاب الفلسطيني"، وصرف مقابل ذلك الكثير من موارده، فاجتذب إلى ميدانه عددًا من ضباط استخبارات الشاباك، كما اجتذب من امان عددًا من الضباط العاملين بوحدة استعمال العملاء405، وعين "جدعون عزرا" رئيسًا لقيادة الحرب على منظمة التحرير الفلسطينية أوروبا. وبذلك أصبحت بروكسل ضمن المواقع التي أدار منها الموساد حربه على الفلسطينيين، ففي8 مايو1972، اختطف أربعة فلسطينيين من منظمة "أيلول الأسود"، طائرة تابعة للطيران البلجيكي أثناء رحلتها إلى تل ابيب، ونجح الموساد في السيطرة على الموقف وتحرير الرهائن، وفي سبتمبر من نفس العام نجح ضابط الموساد "تسادوق اوفير"، في تجنيد رجل تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية لحساب الموساد، وخلال الثمانينيات حاول الموساد بأوروبا تجنيد الآلاف من العرب هناك. *مقتل مسعود مسعود بأفغانستان وقالت الصحيفة إن السفارة الإيرانيةببروكسل هي الأخرى تستخدم كقاعدة لعمل الاستخبارات الإيرانية بأوروبا، فلقد جندت سفارة إيرانببروكسل عنصرين من تنظيم القاعدة، فأمدتهما بجوازي سفر بلجيكيين مزورين، بالإضاف إلى عدد من الرخص الأخرى التي مكنتهما من الدخول إلى أفغانستان باعتبارهما صحفيين أجنبيين، ونجحا في أن يرتبا لقاء صحفيا "مسعود مسعود"، قائد التحالف الشمالي، والذي كان يقود حربًا ضد القاعدة بأفغانستان، وأجرى العميلان عددًا من اللقاءات الصحفية حتى موعد لقائهما مع مسعود، لحبك دورهما، وما أن بدأ لقاؤهما مع مسعود حتى فجرا نفسيهما بمادة ال"تي إن تي" والتي كانت مخبأة داخل أجهزة التصوير، فقتل مسعود وحراسه الشخصيين. واختتمت الصحيفة بالقول إن مقر عمل حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى جهات استخبارية لدول مختلفة تعمل بتفويض من دول الاتحاد ببروكسل يمنحها بعدًا أمنيا واستراتيجيًا كبيرًا، جعل منها في المقابل عاصمة العواصف الاستخبارية والدبلوماسية والاقتصادية.