بثقافة وطنية مصرية لا ترضى عن مصر بديلا وبانتماء لا لبس فيه للسواد الأعظم من الشعب يصنع "الثوري المجهول" اليوم عبر الانتخابات الرئاسية التغيير المنشود في وطنه وصولا لتحقيق اهداف ثورته الشعبية بموجتيها في الخامس والعشرين من يناير 2011 و30 يونيو 2013 وتجسيدا لمقولة أن عام 2014 هو عام الحسم في المعركة التي دارت بشراسة حول روح مصر وثقافتها وهويتها واستقلال قرارها الوطني. وهذا "الثوري المجهول" هو الذي أحبط في الثلاثين من يونيو 2013 أكبر وأخطر عملية سطو على وطن بأكمله ليفجر ثورة جديدة تنهي "عام المحنة" وتصحح مسار ثورة يناير 2011 وتستعيد مصر لكل المصريين فيما يدرك اليوم أنه في مهمة ثورية وطنية بالدرجة الأولى لاختيار رئيس يليق بمصر وقامتها العالية وتنفيذ "العبور الجديد للمستقبل الأفضل على جسور العمل والأمل". واليوم يصنع "الثوري المجهول" بثقافته المصرية قلبا وقالبا المشهد الحضاري الثوري ليكتب بإرادته الحرة وعبر صندوق الانتخابات النزيهة والشفافة مستقبل هذا الوطن ويرد على كل اعداء مصر صانعا العدل والحرية والجمال كمغزى نبيل لمعنى الوطن وقيم اصيلة للدولة الوطنية، أنه "باني قواعد المجد" و"القوة الكامنة" و"الاحتياطي الاستراتيجي" و"الظهير الشعبي" لحالة التفاؤل بمشهد ما بعد الانتخابات الرئاسية وبدء تنفيذ "أجندة دولة الأمل" التي انتجتها ثورة يناير- يونيو الشعبية المصرية من أجل "مصر العزيزة العفية البهية" وهو يدرك بفطرته السليمة وضميره الوطني أن هذه الانتخابات تعد الاستحقاق الأهم ضمن خارطة الطريق. ومن هنا اعتبر الشاعر الكبير والإعلامي المرموق فاروق شوشة أن هذه الانتخابات الرئاسية تشكل ولادة وطن جديد "عمره الراهن من عمر أحلامنا ومطامحنا وأشواقنا وعمره البعيد من عمر أقدم حضارة على الأرض". وطن ينهض اليوم من رماده كطائر الفينيق يحلق إلى أبعد مدى ويحتضن بجناحيه كل ما تزدحم به صدور الملايين وهي الملايين التي يقول عنها فاروق شوشة إنها "تدوس اليوم بأقدامها على كل ما خلفه التخلف والإرهاب وظلام العقل والقلب وفقدان البصر والبصيرة وزيغ الاتجاه". ولعلك تجد هذا الثوري المجهول بين جموع المصريين في القاهرة وكبريات مدن مصر والذين يجيدون استخدام مبتكرات ثورة الاتصالات العالمية وتواصلون عبر الانترنت والفيس بوك والتويتر تماما كما ستجده في قرى مصر وكفورها ونجوعها . وتعددت الطروحات التي تناولت مسألة غياب رأس أو قيادة لثورة 25 يناير معتبرة انها ثورة فريدة لأنها ثورة شعب كان فيه كل ثائر هو القائد رغم أن البعض سعى لاستغلال هذه الوضعية الفريدة والنبيلة من اجل سرقة هذه الثورة والسطو على الوطن كله حتى احبطت هذه المحاولة في ثورة الثلاثين من يونيو التي خرج فيها "الثوري المجهول" مجددا ليسقط حكم جماعة متسلطة ومتاجرة بالدين ويجد هذا الثوري أو "الكتلة الشعبية الثائرة" حماية ونصرة من جيش وطني لا يعرف سوى الانحياز لإرادة شعب مصر العظيم. وبدا توبى ويلكينسون الباحث المرموق في جامعة كامبريج مهموما على ايقاع الثورة الشعبية المصرية في البحث عن الجذور التاريخية لهذه الثورة ويكاد يتحسس ملامح شخصية الثوري المجهول عبر التاريخ المصري ويخلص الى أن المصريين القدماء هم اول من ابتكر مفهوم الثورة تماما كما انهم اول شعب في العالم يبتكر مفهوم "الدولة-الأمة" وهو مفهوم حاضر بقوة حتى الآن في النظرية السياسية للدولة عبر العالم كله. ولعل وسائل الاعلام مدعوة لتلمس الطريق للوصول لهذا الثوري المجهول وتلك الوجوه المصرية المجهولة في الاعلام وتحاور بعض اصحاب هذه الوجوه التي تعبر عن شعب شارك عن بكرة ابيه في الثورة ليسقط نظامين باتا محل رفض شعبي، وهذه الوجوه الطيبة بملامحها المصرية الصميمة التي تشكل "ملامح الثوري المجهول" هي التي صنعت الثورة وتحملت الكثير من المصاعب وسبقت بفعلها الثوري الكثير ممن ينتسبون أو ينسبون انفسهم لما يسمى بالنخب كما أن الثورة الشعبية المصرية اثبتت خطأ الكثير من الآراء والتحليلات التي ادعى اصحابها أن المصريين ليس بمقدورهم الثورة على النظام القائم. ومن هنا تسعى مراكز الدراسات والأبحاث في الغرب لتحديد ملامح هذا "الثوري المجهول" الذى سبق اولئك الذين ينتسبون لما يسمى بالنخب كما انه برهن على انه اعمق وعيا وقدرة على صنع ثورته التي حاول البعض خطفها أو التحدث عنوة باسمها. وهذه المراكز تسعى ايضا لاستكشاف ما يمكن وصفه "بالمياه الجوفية وآبار الغضب" لهذا الثوري المجهول الذى يعبر في الواقع عن السواد الأعظم من شعب مصر والذى اخذ بثورته في موجتي 25 يناير-30 يونيو الكثير من المنتمين للنخب على غرة. ومن هنا ايضا يعود بعض الباحثين في الغرب الى عيون الأدب المصري والأقلام المعبرة عن وجدان مصر وضمير شعبها وخاصة الأديب الراحل نجيب محفوظ صاحب المقولة الاستشرافية التي اكد فيها على أن الأحوال تنصلح عندما يعرف الناس أن عاقبة الجبن اوخم من عاقبة الشجاعة. ويتفق العديد من المحللين والمعلقين في الغرب على أن استشراء الفساد كان احد اهم دوافع ثورة 25 يناير وخاصة بعد تكريس ظاهرة تزاوج السلطة والثروة الأمر الذى حدا "بالثوري المجهول للتحرك واسقاط النظام قبل أن تتحول هذه الزيجة الحرام الى زواج علني تضفى عليه شرعية عبر مشروع التوريث" فيما كان خروجه العظيم في ثورة 30 يونيو من اجل الحفاظ على الوجود ذاته بعد أن بات هذا الوجود مهددا في الصميم بفعل جماعة تتصادم مع ثقافة الدولة الوطنية ومعناها. واذا كان الثوري المجهول هو شعب مصر في سواده الأعظم فان هذا الثوري المجهول أو صوت الملايين هو الذى يقرر اليوم اسم رئيس مصر كربان يقود سفينة الوطن لبر الأمان وسط عواصف عاتية ومؤامرات غير مسبوقة تستهدف مصر وشعبها. لعل الثوري المجهول يشعر بالأسى أن لم يكن بالغضب ايضا بعد أن هانت ارض الكنانة على شراذم تعبر عن الطفولة أو المراهقة الثورية فتصورت في ضباب اوهامها أن مصر الخالدة يمكن أن تتحول الى مختبر لأفكار فوضوية سبق وان طرحت ومنيت بفشل ذريع على ارض الواقع في اوروبا ابان القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين!. ويرتسم الألم على ملامح الثوري المجهول بطل ثورتي 25 يناير و30 يونيو وهو يرى البعض قد تخلى حتى عن قناع الحياء فراح يتحدث عن امكانية اسقاط الدولة فيما غاب عن هذا الطرف في سديم ضلالات الجهل أن مصر هي اقدم دولة في التاريخ وان الأنظمة تسقط أو تتغير لكن الدولة باقية لأنها نتاج عرق ودماء ودموع وتضحيات اجيال تلو اجيال من المصريين كما أن الدولة تاريخيا هي التي تحفظ الوطن. واذا كان البعض يستخف أو يتظاهر بالاستخفاف بحديث المؤامرات الأجنبية ويعتبرها نوعا من التخويف فالثوري المجهول يعلم تماما أن هذه المؤامرات لم ولن تتوقف بل ربما تزداد لأن هناك من القوى الخارجية من يهمه بحكم المصالح الحيلولة دون نجاح الثورة تماما كما أن حالة التشويش المكثفة التي يمارسها البعض في الداخل عن عمد لإهدار الطاقات كادت أن تحجب الأهداف الحقيقية لثورتي يناير ويونيو و راحت تدفع بالوطن نحو حافة الهاوية. ووسط لغة مفتعلة لأصحاب المزايدات الممجوجة والتجريح الممقوت والتخوين المرفوض- كان لابد وان يتصدى "الثوري المجهول" ابن "الجندي المجهول" الذى عبر قناة السويس وهزم الهزيمة ورفع اغلى علم في السادس من اكتوبر عام 1973 لمحاولات اثمة لإحداث تصدع في بنيان الجماعة الوطنية المصرية وبث الوقيعة بين الشعب وجيش الشعب ناهيك عن اصوات فائض الشر التي تثير صراعات على الهوية المصرية الجامعة والراسخة. كيف للثوري المجهول أن يقبل محاولات خبيثة لإحداث قطيعة بين ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو وكذلك ثورة 23 يوليو 1952 وقبلها ثورة 1919 وهو بحكم الدم والنسب والانتماء والتاريخ ابن كل هذه الثورات التي تشكل حلقات مجد في سلسلة متصلة من نضال شعب عظيم لم يتخل يوما عن حلمه الكبير والمشروع في دولة الحرية والكرامة والعدالة؟!. لا تنطلي الأكاذيب على الثوري المجهول ولا يستطيع احد أن يخدعه فهو آلام الوطن وانتصاراته وثورته وهو العازم على كسر شوكة البلطجة حتى لا يجترئ احد على حرمات مصر وروح ثورتها أو تتحول ممارسات البلطجة الى حدث عادى وهو لا يصدق أن مصريين يمكن أن يحرقوا رموزا حضارية عزيزة في شوارع المحروسة التي يحفظ تضاريسها عن ظهر قلب. ولئن كانت الثورة الشعبية بموجتيها قد منحت المزيد من المعاني للمفهوم العالمي للثورة السلمية وشكلت اضافة جوهرية على هذا الصعيد بفضل الثوري المجهول أو ملايين المصريين الذين ميزوا بسهولة بين الثورة والفوضى فها هو شعب مصر العظيم يخرج اليوم ليؤكد جدارته بالديمقراطية ودولة العدل والحرية، فيما يبقى صندوق الانتخابات الحرة والنزيهة هو الحكم. فليحذر اعداء مصر والمتاجرين بآلامها غضبة الثوري المجهول الذى لم يفهم الصعوبة عند البعض في قول الحقيقة فيما يدرس الباحثون في المراكز الكبرى بالغرب الآن تجربته الفذة في تحويل آبار الغضب الى ثورة شعب ومن احتمال هدم الى يقين الرغبة الجياشة في البناء والتقدم. وقر في ضمير الثوري المجهول ووجدانه وذاكرته التي هي ذاكرة الوطن أن ثورته الشعبية تنشد نظاما قادرا على الاستجابة لتحديات العصر واشواق الجماهير وتتجاوب مع رهانات التقدم وتدرك بسلامة فطرة الذين قاموا بها أن العصر لا يسمح بتكرار اخطاء وفوضى ودماء سالت في ثورات مضت عبر التاريخ خلافا لما يردده البعض من الاستشهاد بثورات كبرى كان لها سياقها التاريخي المختلف بحكم اختلاف الزمان مثل الثورة الفرنسية في محاولة لتسويغ الفوضى . وبعيدا عن صخب الفضائيات المناوئة للثورة بموجتيها يناير-يونيو ستجد الثوري المجهول وتشعر بفعله فهو في كل مكان على ارض مصر، يعرف الحقيقة في الأيام الملتبسة ولا يختلق بطولات ويصنع وحده اللحظات الحاسمة والمنعطفات المصيرية دون وجل أو تردد أو التباس ..انه صانع الوطن الجديد. وكما كتب فاروق شوشة في جريدة الأهرام "وطن جديد لا ينسلخ من عباءة تاريخه ومقتنياته ولا يقطع عروته الوثقى بمكوناته واصوله وجذوره" وهو في الوقت نفسه لا يعزل نفسه عما حوله فاتحا صفحته لكل جديد حاملا عصره على كاهله مجددا ومتجددا. نعم يحق لفاروق شوشة القول أن ما تقوم به الملايين الحاشدة اليوم هو في حقيقته قسم على المضي قدما دون عودة أو تراجع وعهد على صنع وطن جديد يليق بهم ويليقون به، "وطن يولد فينا وبنا" من كل ابواب الحرية ندخله مؤمنين واثقين ننحني اعظاما لدماء شهدائه واكبارا لتضحيات مناضليه وأبطاله واجلالا لصانعي مجده وتاريخه. تحية للثوري المجهول في يوم له ما بعده. تحية لشعب مصر العظيم وهو يصنع مستقبله و"مصر العفية البهية"، لا الريح تلويه ولا الأعاصير، مستعد لأن يسامح كثيرا لكنه لا يسامح أبدا من يتعاون مع اعداء مصر أو يمنحهم صكوك غفران فقد قرر بحزم انه لن يعيش ألا في الزمن المصري، سلام على مصر والمجد والخلود لشهدائها الأبرار.